رحيل السيد محمد مهدي الخرسان بعد قرن من العطاء.. تعرف على حياته "الغنية" بالمواقف
انفوبلس/ تقرير
توفي المحقق والباحث السيد محمد مهدي الخرسان، صباح اليوم الأحد 17 أيلول/ سبتمبر 2023، في محافظة النجف الأشرف عن عمر ناهز الـ95 عاماً، بعد تاريخ طويل لأحد أعلام التحقيق والدرس الحوزوي في العراق والمنطقة.
رحيل السيد محمد مهدي الخرسان بعد قرن من العطاء
نعت الحوزة العلمية في النجف الأشرف، وفاة آية الله السيد محمد مهدي الموسوي الخرسان. وذكرت الحوزة في بيان ورد لـ"انفوبلس"، "بمزيد من الأسى والأسف تنعى الحوزة العلمية في النجف الأشرف فقيد العِلم والتقى آية الله السيد محمد مهدي الموسوي الخرسان (رضوان الله عليه)".
وأضافت، أن "جثمانه الطاهر سيُشيّع من جامع الشيخ الطوسي في الساعة التاسعة من يوم الإثنين 2 ربيع الأول الموافق 2023/9/18 وستقام الفاتحة في جامع الخضراء من نفس اليوم بعد صلاة العشاءين ولمدة ثلاثة أيام".
كما قالت الأمانة العامة للعتبة العلوية المقدسة، في بيان، "بمزيد من الأسى وبقلوب يعتصرها الحزن والألم، نتقدم بأحر التعازي إلى مقام الإمام الحجة (عجل الله فرجه) وإلى مراجع الدين العظام وإلى العالم الإسلامي أجمع بفقد المحقق الكبير آية الله السيد محمد مهدي حسن الخرسان الموسوي (قدس سره) في النجف الأشرف الذي أفنى عمره في تحصيل العلم ونشره وخدمة الإسلام والمسلمين".
توفي السيد محمد مهدي الخرسان بسبب تقدمه في السن وعجز جسمه عن تحمل المرض.
وقد أثار هذا الخبر حزنًا عميقًا في قلوب العديد من المحبين العراقيين. ووفقًا لمصادر خاصة تحدثت لـ"انفوبلس"، فإنه تعرض لوعكة صحية استدعت نقله إلى إحدى المستشفيات العراقية لتلقي العلاج اللازم، إلا أنه توفي بسبب تقدمه في السن وعجز جسمه عن تحمل المرض.
*من هو السيد محمد مهدي الخرسان؟
هو السيد محمد مهدي بن السيد حسن الموسوي الخرسان. وُلد في عام 1347 هجري 1928ميلادي في محافظة النجف الأشرف، ويُعدّ من مشاهير أعلام العراق، في هذا العصر وله مكانة سامية في الأوساط العلمية والاجتماعية، وهو من المتضلعين في التراجم والأنساب والرواية، وهو من تلامذة السيد الخوئي (قدس سره).
وينتمي الراحل إلى أسرة علمية عمل بعض رجالاتها في سدانة الروضة الحيدرية، ولُقبت أسرته بالخرسان نسبة إلى أبي الفتح الأخرس الذي ينتهي نسبه إلى السيد محمد العابد بن الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع). كما أن والده حسن الموسوي الخرسان له العديد من الأعمال العلمية والتحقيقات للكتب التراثية وكتب أصول الرواية والحديث.
ويُعد الراحل السيد محمد الخرسان من بقية السلف في عالم التأليف والتحقيق، وقد لازم جملة من المحققين واستفاد منهم كثيراً، كالعلامة الأميني والعلامة الأوردبادي، والعلامة الحجة آغا بزرك الطهراني وغيرهم.
وكان في هذا العصر مرجعاً للمؤلفين والمحققين، ومورد استفادة أيضاً لأصحاب الدراسات الأكاديمية العليا، لما يتمتع به من خبرة واسعة جداً في كثير من الفنون الإسلامية، فيما أنه موسوعة ثقافية إسلامية كبرى، يعجز القلم عن إيفائه حقه، وله خبرته الخاصة في مجال المناقشة للآراء، وإبداء الرأي بكل ثقة، وباع طويل جداً في تدوين القضايا التأريخية وملمّاً بجميع ما يفرضه البحث من التحقيق والتدقيق والتأمل.
وقد كتب الراحل آية الله السيد محمد مهدي الخرسان سيرة حياته بقلمه تحت عنوان "صفحة من العمر من دون تزويق وأنا في نهاية الطريق":
مالي لا أُترجم لنفسي بقلمي أُسوةً بمن ترجموا لأنفسهم من مشايخي في العلم والرواية في كتبهم بأقلامهم، فقد كتب شيخنا المغفور له صاحب الذريعة شيئاً من ترجمته في أوّل مصفى المقال وذكر مؤلفاته في الذريعة كل في مكانه حسب اسمه، وأمّا سيّدنا الاُستاذ المغفور له السيّد الخوئي فقد ترجم لنفسه في معجم رجال الحديث.
وأنا لمّا منَّ الله سبحانه عليَّ أن وفقني لطلب العلم وألهمني حبّه منذ بداية شبابي وحتّى اليوم، وها أنا قد بلغت من العمر ما صح فيَّ (زرعٌ آن حصادُه) فأسأله تعالى العفو والرضوان فأقول في ترجمتي بقلمي في سطور:
فأنا محمّد مهدي السيّد حسن الموسوي الخرسان:
1 ـ وُلدت في النجف الأشرف في 9 رجب سنة 1347 هـ كما سمعته من المرحوم السيّد الوالد (قدس سره) وثمة تاريخ شعري في ذلك.
2 ـ رُبّيت بين أبوين كريمين فجزاهما الله عني خيراً فقد أحسنا التربية على معاناة من شظف العيش، أُسوةً بالآخرين من مجتمع الأُسرة والجيران، إذ لم يولد أحدهم وفي فمه ملعقة ذهب، فكان الإيمان عند الجميع أقوى من المادة.
3 ـ أُدخلت الكُتّاب وأنا قد تعلمت القراءة قبل ذلك عند الوالدة رحمها الله، واستدارت أيام التعليم على عدة كتاتيب بمثابة النجاح من صف إلى صف، وأخيراً في منتدى النشر وإلى جانب مناهجها كانت الدراسة الحوزوية التقليدية وسرتُ فيها من السطوح وحتّى الخارج.
4 ـ وإلى جانب ذلك كانت المجالس العلمية وهي بحق خير مدارس، وكان أحدها مجلس أُسرتنا الذي رعاه المرحوم الوالد طيلة ثلاثة عشر عاماً في كل يوم عصراً، وفي كل يوم خميس صباحاً وهذا الأخير استمر أكثر من ذلك بكثير، فتعلّمت من آداب المجلس والحديث مع المشايخ، وقد ذكرتُ جانباً من ذلك في كتاب (ذكرياتي في حياتي) ولا يُنشر لو قُدِّر له النشر إلاّ بعد وفاتي، لما فيه من حقائق مرّة.
5 ـ بدأت علاقتي بالكُتاب حين كتبتُ عن الصحابي الجليل ابن عباس حبر الأُمة، ولم أكن أملك كتاباً واحداً يسعفني في حاجتي سوى كتاب شرح نهج البلاغة للمعتزلي ومروج الذهب للمسعودي وبعض أجزاء البحار في مكتبة المرحوم السيّد الوالد (قدس سره)، فكان من الطبيعي أن أسعى في طلب المصادر في المكتبات العامة، وليس يومئذ منها في النجف الأشرف سوى مكتبة المرحوم المغفور له الحجة الشيخ كاشف الغطاء (قدس سره) في مدرسته، ومكتبة الحسينية الشوشترية، والاستفادة منهما برهن مجيء الناظر ليفتح المكتبة، ولي في ذكرياتي عنها بعض الحديث.
6 ـ ومرّت السنون سراعاً وقد استعرتْ الدنيا نار الحرب العالمية الثانية ثم ما بعدها من حروب وادْلَهَمَّتِ الخطوب، وعشناها أياماً مريرة وعسيرة، خشيةَ معتدٍ غاشمٍ وسطوة حاكم ظالم (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا)(2) وما إن أُطيح أخيراً بالصنم، حتّى ازداد الخطب والليل ادْلَهَمّ، فرّج الله عن المؤمنين بظهور المصلح المنتظر عجل الله فرجه الشريف، وجعلنا من أنصاره وأعوانه والذابّين عنه والممتثلين لأوامره والمستشهدين بين يديه، كما في دعاء العهد.
7 ـ لقد وُفِّقتُ لتأليف عدة كتب، كما وُفّقت لتقديم عدة كتب من تأليف الآخرين، وعرَّبتُ كتاباً وبعض الفصول من كتب فارسية.
8 ـ ولي بحوث في شتى فنون المعرفة من فقه وتفسير وحديث ورجال وتاريخ وأنساب وآداب.
9 ـ لقد حاولت بقدر ما وسعني أني ما أضعتُ عمري فيما لا ينفعني حسب نظري، فلم أدخل في السياسة مطلقاً، ولا انتميتُ إلى أيّ حزب مهما كان الشعار برّاقاً والبرقع شفّافاً ولا إلى أيّ جمعية أو مؤسسة أيضاً، إيماناً عميقاً بصحة ما في أوّل الصحيفة السجادية من قول الإمام الصادق (عليه السلام): (ما خرج ولا يخرج منّا أهل البيت إلى قيام قائمنا أحدٌ ليدفَعَ ظلماً أو يُنعش حقاً إلاّ اصطلمته البلية وكان قيامه زيادة فى مكروهنا وشيعتنا).
وفي التاريخ شواهد كثيرة على صحة ذلك.
10 ـ وأقمتُ حياتي وقوّمتها ـ وليس من الغرور العلمي ولا التباهي ـ لو تحدثتُ فقلت إنّ تجربتي في الحياة كانت ناجحة ونافعة فيما رأيت خير نهج لحياة طالب العلم أن يستقيم، معتمداً على الربّ الكريم الرحيم، وينصرف مُكِبَّاً على درسه وكتابه ولا يتمنى بلوغ الغاية من دون سلوك الطريق الموصِل إليها. والعلمُ ليس حِكراً على قوم دون قوم، ولا حصراً في فئة، ولا وراثة في الحياة، يورثها الآباء إلى الأبناء، فكم من عصاميٍّ سادَ العظاميين بعلمه.
11 ـ ولقد كانت تمر بي خواطر وخوالج فأفزع إلى التنفيس عن نفسي من ضغطها بنظم قد لا يكون خاضعاً لبحور العروض، ولكنه على كل حال فهو معبّر عن حالة فيها تسجيل موقف، وقد تجمّع من ذلك ما سميته ديواناً.
12 ـ ولقد أنعم الله عليَّ فهداني إلى سواء الصراط، فلم أرغب في حبّ الظهور ولا تباهيتُ بالغرور، ولولا أن التحدث بنعمة الله تعالى مأمور به فقال تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (3) لما ذكرتُ كثيراً ممّا مرّ ممّا يوحي بحبّ الذات وطموح النفس، ورحم الله البوصيري إذ يقول:
والنفس كالطفل إن تهمله شبّ على *** حبّ الرضاع وإن تفطمه ينفطم
13 ـ ومن نعم الله تعالى عليَّ أن انصرفتُ إلى جانب البحث والتحقيق والتأليف، وفي ذلك تعويض خدماتي للناس عمّا يقوم به الغير في صراط تفعيل العلم في جهات أخرى، ربّما تكون المسؤولية الشرعية فيها أكبر وأخطر.
14 ـ ومن نِعَمِ الله عليَّ تمكنتُ من ضبط هواي من الاندفاع وراء مغريات في الحياة كثيرة أُتيحت لي فرصتها، فأعرضتُ عنها خشيةَ السقوط وسوء العاقبة وسوء الحساب.
ومن تراث الفقيد السيد محمد مهدي الخرسان يمكن أن نشير إلى:
*مقدمات كتب تراثية/ مجلدان
*حديث الرزية
*السجود على التربة الحسينية
*علي إمام البررة، نظم السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي – 3 أجزاء
*نهاية التحقيق، فيما جرى في أمر فدك للصديقة والصديق بالنص والتوثيق
*حيَّ على خير العمل
*مزيل اللبس، في مسألتي شق القمر ورد الشمس
*المحسن السبط، مولود أم سقط
*موسوعة ابن إدريس الحلي
*نشوة الأماني/ وهي أرجوزة في 78 بيتا في نسب آل الخرسان
*موسوعة عبد الله بن عباس
*نافذة على التاريخ في ربع قرن، من الصحيح الصريح والى الصريخ الذبيح.
*المهدي الموعود مولود وموجود (في طريقه إلى النشر).