رحيل عميد المفاوضات.. العراق يودّع شيخ الدبلوماسيين محمد الحاج محمود بعد عقود قضاها في خدمة السلام.. تعرّف على سيرته
انفوبلس..
لا ينسى أي عراقي عبارة (شكراً للمفاوض العراقي) التي انتشرت كثيراً في عام 2011 مع بدء انسحاب القوات الأمريكية من البلاد. واليوم، وبعد نحو 9 عقود، قضى أغلبها في خدمة السلام، رحل هذا المفاوض، شيخ الدبلوماسيين العراقيين أستاذ القانون محمد الحاج محمود إلى جوار ربه، ليترك خلفه سيرة تاريخية ومسيرة كبيرة قضاها عاملاً بخدمة العراق وشعبه وسياسته الخارجية.
الدكتور محمد الحاج حمود بدن الحميداوي (وُلد عام 1936، وتوفي يوم الخميس 2 أيار 2024) هو سياسي وقانوني ودبلوماسي عراقي شغل منصب الوكيل الأقدم في وزارة الخارجية العراقية، بالفترة بين 2014 و2016، وكان رئيس الوفد العراقي الذي تفاوض مع الولايات المتحدة في 2008 بخصوص سحب القوات الأمريكية من العراق.
وُلد الحاج حمود في قضاء الشامية في محافظة الديوانية لعائلة سياسية، إذ إن أخاه هو هديب الحاج حمود، السياسي البارز في الحزب الوطني الديمقراطي.
حصل على بكالوريوس الحقوق من جامعة بغداد في 1959، سافر بعدها إلى فرنسا لإكمال تعليمه ومن هناك حصل على شهادة الماجستير والدكتوراه في القانون من جامعة مونپلييه.
في عام 1967 عاد الحاج حمود من فرنسا وعمل كأستاذ في قسم القانون بجامعة بغداد، وفي العام 1976 بدء العمل في وزارة الخارجية العراقية.
شغل عدة مناصب في وزارة الخارجية، منها رئاسة الدائرة القانونية في عام 1983، ورُقّي لرتبة سفير في الوزارة في 1984 و1987. ومنذ 1983 ترأس لجنة ضحايا الحرب، وكذلك ملف الأمم المتحدة في الوزارة.
ومثّل العراق في مفاوضات وقف حرب الخليج الأولى، التي رعتها منظمة المؤتمر الإسلامي.
وفي الفترة بين 1987 و2003 عاد للتدريس في جامعة بغداد.
وعُين وكيلاً أقدم لوزارة الخارجية العراقية في بغداد بين عامي 2004 و2010.
في 2008 عُين محمد الحاج حمود رئيس الوفد العراقي المفاوض مع واشنطن حول مستقبل القوات الأمريكية في العراق.
في 2014 عُين مجدداً بمنصب وكيل وزير الخارجية العراقية واستمر بالمنصب حتى 2016. وبعدها عمل مستشاراً لوزير الخارجية، وفي 2023 أصبح رئيس لجنة المستشارين في وزارة الخارجية، وبقي بالمنصب حتى وفاته.
وخلال مسيرته الدبلوماسية، ساهم الحاج حمود بإبرام العديد من المعاهدات والاتفاقات مع عدة بلدان أبرزها الكويت وتركيا والولايات المتحدة.
وللفقيد العديد من المؤلفات التي تُدرَّس في الجامعات العراقية والعربية، أبرزها (سياسة العراق الخارجية في مائة عام (1921-2021)، القانون الدولي للبحار، دراسات في القانون الدولي، هديب الحاج حمود: شيخ السياسة البيضاء، سياسة إعادة البناء).
ومع انتشار خبر وفاة الحاج محمود، كتب العديد ممن عايشوه تفاصيل عن حياته وسيرته ودوره في مراحل مصيرية مرَّ بها العراق كمفاوضات إنهاء حرب الخليج الأولى، ومفاوضات تخفيف الحصار على الشعب العراقي، ومفاوضات إخراج الاحتلال الأمريكي عام 2011 فضلاً عن عشرات المواقف التي كان الحاج محمود حاضراً فاعلاً فيها.
وزير النفط الأسبق، إبراهيم بحر العلوم، كتب في منشور تعزيته بوفاة الحاج محمود: لقد خسر العراق بفقده قامة دبلوماسية قانونية موسوعية متميزة طوال العقود الماضية. وكان الفقيد الراحل بحق رافداً وطنياً مهماً في فن التفاوض والثقافة الدبلوماسية وتمتع الى جانب ذلك بأخلاق نبيلة وروح وطنية عالية.
وأضاف: رحمك الله يا أستاذ الجيل أبا ورقاء، ستتذكرك المحافل الدبلوماسية والاكاديمية تقديرا لجهودك وبصماتك في السلك الدبلوماسي وما تركته من مؤلفاته اغنت المكتبة القانونية والدبلوماسية. لقد كانت مشاركاتك ومداخلاتك في مشاريع (أزمة العراق سياديا)، و(أزمة المياه) و(أزمة التعديلات الدستورية) محلَّ اعتزاز، وكان إشرافك ومشاركاتك في لجان مناقشك طلبة الدراسات العليا في معهد العلمين للدراسات العليا تُستذكر باقتدار، وقد أردت أن توظف ما تبقى من سنوات عمرك في الصروح الأكاديمية، فاحتضنك معهد العلمين ليفتخر بوجودك في ملاكه الدائم كقامة علمية ومهنية شامخة.
وكتب أحد طلبته منشورا على "فيسبوك" تعليقاً على نبأ وفاته: كان الفقيد موسوعة دبلوماسية شاملة، إذ برع في توظيف معرفته العميقة بالتاريخ والجغرافيا وعلم النفس في جولات المفاوضات التي خاضها. وبوفاته فقدنا نحن الدبلوماسيين رافداً عراقياً وطنياً مهماً في فن التفاوض والثقافة الدبلوماسية.
وأضاف: لم ألمحه يوماً في أروقة الوزارة إلا مبتسماً، ولم أسمع له صراخاً، ولم يتناهَ إلى سمعي أن أغلق بابه بوجه أحد أو بخسَ جُهد أحد. مارس الدبلوماسية برُقيّ كما يجب أن تمارَس، وأحاط مَن عمل بمعيته باهتمام المعلم والأب والقدوة كما يجب لرئيس المؤسسة أن يفعل.
وتابع: شيخ الدبلوماسية العراقية وعميد الدبلوماسية العراقية وموسوعة القانون الدولي والعديد من الألقاب التي أُطلقت على الفقيد تقديراً لعلمه ومعرفته التي خلّدها بمجموعة من المؤلفات المهمة لتُغني المكتبة القانونية والدبلوماسية لسنين طويلة.
وكيل وزارة الخارجية للشؤون متعددة الأطراف والشؤون القانونية، عمر البرزنجي، كتب على صفحته: لقد كانت مسيرة الفقيد الدبلوماسية التي تمتد على مدى أكثر من نصف قرن زاخرةً بالعطاء للعراق وشعبه، قضاها متدرجًا في السلك الدبلوماسي العراقي حتى تبوّأ منصب وكيل وزارة الخارجية، وبعد ذلك كبيرًا لمستشاري وزير الخارجية، وفي سلك التعليم العالي والبحث العلمي أستاذًا للعلوم السياسية والعلاقات الدولية، وقلّ ما نجدُ دبلوماسيًا عراقيًا لم يتتلمذ على يد الراحل الكبير، أو لم يكن لهُ نصيب من العمل معهُ (رحمهُ الله)، فقد أسهمَ إسهامًا فاعلًا في إعداد الدبلوماسيين العراقيين من خلال محاضراتهِ القيّمة في معهد الخدمة الخارجية، كما كان بحرًا من العلم في تخصصهِ الدقيق في قانون البحار، وممثلًا للعراق في إعداد اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982.
الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، قدّم التعازي برحيل وكيل وزارة الخارجية الأسبق وشيخ الدبلوماسيين العراقيين الدكتور محمد الحاج حمود.
وقال العوادي في بيان: "بقلوب ملؤها التسليم والرضا بقضاء الله سبحانه، ننعى رحيل وكيل وزارة الخارجية الأسبق، وشيخ الدبلوماسيين العراقيين الدكتور محمد الحاج حمود".
وأضاف، إن "الفقيد كان يُعدّ من الخبراء في الدبلوماسية على مستوى العراق والمنطقة، تسلّم خلال مدة عمله في وزارة الخارجية مناصب عديدة، عمل من خلالها على تطوير العلاقات الخارجية والانفتاح على دول العالم، وترسيخ قواعد العمل الدبلوماسي بما يحقق مصالح العراق".
وأكمل، "نتقدم بخالص العزاء والمواساة إلى ذوي الفقيد ومحبيه، ونسأل الله له الرحمة وأن يسكنه فسيح جناته".
كما نعت وزارة الخارجية الفقيد، وذكرت أن للراحل عدة مناصب في وزارة الخارجية، منها رئاسة الدائرة القانونية، ثم عمل وكيلاً أقدم للوزارة ومستشاراً لوزير الخارجية. وللراحل العديد من المؤلفات المهمة في السياسية والدبلوماسية والقانون الدولي.