ردود أفعال "غاضبة" بعد تأكيد السوداني صعوبة تعديل سلم الرواتب.. هل فعلاً يحتاج مراجعة وتعديل أكثر من 34 قانونا؟
انفوبلس/ تقرير
في ظل استمرار المطالبة بتعديل قانون سلم رواتب المغيب منذ 15 عاما لضمان تقليل حجم الفوارق بين الوزارات التي تتفاوت فيها حجم المرتبات بشكل كبير، أكد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، على صعوبة إقراره، وذلك لحاجته إلى مراجعة أكثر من 34 قانونا وقرارا، ما خلف ردود أفعال شعبية وبرلمانية "غاضبة" منها الاستعداد لتظاهرة كبرى في 20 تموز/ يوليو الجاري في العاصمة بغداد.
لا يزال الموظف العراقي، ينتظر سماع الأخبار عن سلم الرواتب الجديد، على أمل أن تحمل بشرى حكومية تزفّ له الخبر الموعود الذي غاب لسنين وغاب معه "الإنصاف والعدالة" والمساواة مع أقرانه في الرواتب والحوافز وغيرها من المخصصات.
*الاستعداد لتظاهرة حاشدة
فبعد تأكيد رئيس الوزراء محمد السوداني، على صعوبة إقراره لحاجته إلى مراجعة أكثر من 34 قانونا وقرارا، شهدت العاصمة بغداد والبصرة والنجف تجمعات حاشدة للموظفين الذين يطالبون بتحقيق العدالة الاجتماعية والمعيشية.
إذ تقول مصادر محلية لـ"انفوبلس"، إن "محافظتي البصرة والنجف فضلا عن بغداد شهدتا، تجمعات حاشدة للموظفين الذين يطالبون بتحقيق العدالة الاجتماعية والمعيشية"، لافتا الى أن "التظاهرات تأتي في ظل فوارق طبقية كبيرة في الرواتب بين موظفي الوزارات المختلفة"، مبينا أن "الموظفين رفعوا لافتات تطالب بإنصافهم وتعديل سلم الرواتب لتحقيق العدالة والمساواة".
كما أعلنت التنسيقية المركزية لتعديل سلم الرواتب، عن تظاهرة حاشدة ستقام في الـ20 من تموز/يوليو الجاري وصفوها بـ"انتفاضة سلم الرواتب"، في منطقة العلاوي باتجاه الخضراء مطالبين بتعديل سلم الرواتب.
وكان رئيس مجلس الوزراء محمد السوداني، استقبل نهاية الشهر الماضي، وفد ممثلي تنسيقية تعديل الرواتب، واستمع إلى ما طُرح من طلبات تتعلق بمقاربات تعديل سلّم رواتب موظفي الدولة"، إذ أكد السوداني، أن "الحكومة لن تدّخر جهدًا في سبيل تحقيق العدالة، ودعم أي مسعى يشمل الإصلاحات الساعية إلى المساواة الاجتماعية".
وأشار، بحسب بيان تلقته "انفوبلس"، إلى أن "مراجعة سلّم رواتب الموظفين والعاملين في القطاع العام، يستلزم مراجعة أكثر من 34 قانونا وقرارا وتعديلا لقانون، جرت خلال المراحل السابقة، ويتعلق البعض منها بالمخصصات وتفاصيلها".
وذكر أن "الحكومة نفذت خطوات مهمة عبر إقرار الزيادات التي شملت الدرجات الدنيا، والمتقاعدين من ذوي الرواتب المتدنية، وورثة المتقاعدين من المستحقين، وكذلك زيادة رواتب العمّال المضمونين، وهي معالجات استهدفت ذوي الدخل الأدنى بالدرجة الأساس".
وكانت المالية النيابية قد أكدت في 13 آذار/ مارس الماضي، على أهمية أن يكون الحد الأدنى للراتب يسد حاجة المواطن بسبب الظروف الصعبة وتقلبات السوق، مع ضرورة إضافة بعض الملاحظات على القانون لتحقيق العدالة بين جميع الوزارات"، مؤكدة أنها "لن تذخر جهدا في إطار تحقيق العدالة والمساواة وإنصاف موظفي الدرجات الدنيا بما يضمن حقوق الجميع ويلبّي تطلعات ذوي الدخل المحدود".
يشار إلى أن وزارة المالية كانت قد أكدت في 10 يناير/ كانون الثاني الماضي، أنها جهة تنفيذية تقع عليها مسؤولية تنفيذ القوانين والتشريعات الصادرة من الجهات العليا، مبينة أن ملف سلم رواتب الموظفين ليس مسؤولية حصرية بها، إذ إن لجنة الأمر الديواني رقم 24 لسنة 2022 تضم عددا من الجهات التنفيذية والتشريعية والرقابية ومن مؤسسات الدولة ذات الشأن.
*"نسف" أهم الموانع الحكومية لسلّم الرواتب
نسفت اللجنة القانونية النيابية، أهم مبررات الحكومة العراقية للتريث بتعديل سلم الرواتب، والمتمثل باحتياج التعديل الى مراجعة وتعديل أكثر من 34 قانونًا، حيث إن الأمر يمكن اختصاره بتشريع قانون الخدمة المدنية الاتحادي.
وتعليقًا على قول السوداني إن سلم الرواتب يحتاج مراجعة وتعديل أكثر من 34 قانونًا، قال عضو اللجنة القانونية النيابية محمد الخفاجي، إنَّ "كثرة القوانين التي يجب تعديلها، لا تعني استحالة تعديل سلّم الرواتب، كما أنها ليست مبرراً لتأجيل العمل عليه، وهي مهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة".
وبيّن، إنَّ "الحكومة أرسلت قانون الخدمة المدنية الاتحادي إلى مجلس النواب، قبل أن تقوم بسحبه لتضمُّنه جنبة مالية"، لافتاً إلى أنَّ البرلمان "ينتظر إرسال القانون بعد إجراء التعديل المطلوب، كونه قانوناً ينظم عمل الموظف ويعدل الراتب وسيتم إلغاء وتعديل أكثر من 34 قانوناً".
*مقترح جديد
بينما كشفت اللجنة المالية النيابية، اليوم الثلاثاء، عن مقترح جديد بديل عن سلم الرواتب للموظفين، لافتة الى ضرورة التوجه الى تخصيصات الموظفين وتعديلها للحد من الفارق بين موظف وآخر.
وقال عضو اللجنة مصطفى الكرعاوي، "كنا نأمل أن يكون للحكومة إجراء بشأن سلم الرواتب خلال 2024 لمعالجة الفرق بين رواتب الموظفين وتخصيصاتهم بين وزارة وأخرى"، مبينا أن "التصريحات الحكومية أكدت عدم الإمكانية في الوقت الحاضر التعديل".
وأضاف، إن "الإجراءات الحكومية اقتصرت على إضافة تخصيصات للدرجات المتدنية وهي الدرجات العاشرة والتاسعة والثامنة، على أمل أن تكون هناك تعديلات أخرى لتصحيح المسار وتقليل الفوارق"، لافتا الى أن "هناك حاجة لتعديل تشريعي لبعض الأمور كون هناك تخصيصات مُنحت بقوانين نافذة مثل تخصيصات ديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة".
وشدد على "ضرورة أن تكون هناك جدية لدى الحكومة في إعادة النظر بكل ما يتعلق بسلم الرواتب من خلال تعديل تشريعات او إضافة تخصيصات او إعادة توزيع لتخصيصات الرواتب على الجهات الحكومية بشكل عادل".
ومنذ أيار 2023، يتظاهر العشرات من موظفي الوزارات العراقية، للمطالبة بتعديل سلم الرواتب، وكانت أكبر مظاهرة موحدة للموظفين خرجت في أيار مايو الماضي، احتجاجا على الفوارق الكبيرة بين الرواتب.
وكان مجلس الوزراء، أقرَّ في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، زيادة مقطوعة قدرها 100 ألف دينار عراقي على رواتب المتقاعدين، فضلا عن منح مخصصات مقطوعة بنسبة 50 بالمئة لرواتب الدرجات (الثامنة – التاسعة – العاشرة) من سلم الرواتب، لكن اللجنة المالية في البرلمان العراقي، قالت بعد أيام إن هذا القرار تجب دراسته مع وزارة المالية، لأن هذه الخطوات تسبب خللاً وفرقاً بين موظفي الدرجتين السابعة والثامنة.
وأقرَّ مجلس النواب في حزيران/ يونيو 2023، مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية للسنوات المالية 2023، 2024، 2025، التي وُصِفت بأنها أضخم موازنة بتاريخ العراق والأولى من نوعها كونها لثلاث سنوات، وجاء إقرارها بعد مخاض عسير بسبب الخلافات السياسية على القانون لاسيما المواد الخاصة بحصة إقليم كردستان التي عطّلت التصويت مرات عدة.
ومنذ العام 2008، أجرى العراق تعديلاً على سلم رواتب الموظفين، وبعد سنوات تصاعدت الدعوات بشأن إجراء تعديل آخر على السلم، بما يواكب التضخم الحاصل في السوق العراقية، وهو مسار دخل في "قيل وقال" وكثرة سؤال، وسط تباين في الآراء بشأنه.
يشار إلى أن هناك تباينا كبيرا بين رواتب موظفي الدولة العراقية، إذ إن موظفا بدرجة وظيفية معينة في إحدى الوزارات يتجاوز راتبه المليون ونصف المليون دينار في حين لا يتقاضى نظيره في وزارة أخرى نصف هذا الراتب، وتتصاعد الرواتب بتصاعد الدرجات الوظيفية واختلاف المخصصات الشهرية فضلا عن الأرباح السنوية في بعض الوزارات المنتجة.
وعلى إثر هذا التباين يعرب الموظفون في الوزارات ذات الرواتب المتدنية منذ سنوات عن استيائهم مما يصفونه بـ "الإجحاف والتمييز" بين موظفي الدولة، مما دفع الحكومة إلى إعداد مسودة قانون لسلّم رواتب جديد يحقق العدالة بين الموظفين.
جدير بالذكر، أن رئيس مجلس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، قد أعلن مؤخرا وصول أعداد موظفي الدولة العراقية إلى عتبة الـ 5 ملايين موظف، إضافة إلى نحو 3 ملايين متقاعد، الأمر الذي يعني أن أكثر من نصف موازنة العراق التي تعتمد بنسبة 92 بالمئة على واردات النفط تذهب لسد رواتب الموظفين.
بدورها، لفتت الخبيرة في الاقتصاد سلام سميسم إلى "وجود غياب شبه كامل للعدالة في مرتبات الموظفين"، مبينة، أن "بعض الموظفين يحملون شهادات عليا ومرتباتهم لا تتجاوز 500 دولار، في حين أن هناك موظفين في وزارات معينة، ومنها الأمنية والنفط والكهرباء، تصل مرتبات من يمتلك الشهادة الجامعية فقط إلى أكثر من 1000 دولار".
وأضافت سميسم، إن "هناك تباينا في معدلات الرواتب في صفوف المتقاعدين أيضاً، ناهيك عن وجود موظفين في الدولة يتسلمون أكثر من راتب، وتحديداً المسؤولين في الدولة العراقية، الذين يتقاضى بعضهم أكثر من خمسة رواتب".
بالمقابل، يعتقد الباحث في الشأن الاقتصادي ناصر الكناني، أن "هناك صعوبة حقيقية في تشريع قانون سلم الرواتب الجديد، كون هذا القانون، سوف يرفع التخصيصات المالية في الموازنة التشغيلية بشكل كبير جداً، وربما تتحول الموازنة فقط لدفع الرواتب وتختفي الموازنة الاستثمارية".
ويبين الكناني، أن "قانون سلم الرواتب مهم جداً من أجل إنصاف الكثير من الموظفين، وخلق مساواة حقيقية بين الموظفين في الرواتب، لكن هذا الأمر سيدفع نحو زيادة الرواتب، والعراق لديه ملايين الموظفين وهذا الزيادة تعني أن هناك مليارات سوف تضاف إلى الموازنة التشغيلية".
ويؤكد، أن "قلة التخصيصات المالية ربما تكون هي المعرقلة لتشريع قانون سلم الرواتب الجديد، فهذا القانون يحتاج إلى وجود تخصيصات، حتى يتم رفع رواتب ملايين الموظفين، خصوصاً أن هناك زيادة في بعض الرواتب وفق القانون الجديد تصل إلى 150 بالمئة".