رواية جديدة وترجيحات بإنجازه قبل 2028.. هل تنفض حكومة السوداني الغبار عن مشروع "مترو بغداد"؟
انفوبلس/ تقرير
أصبح الحديث عن "مترو بغداد"، ليس بالجديد على العراقيين، حيث لا يزال المواطن متخوفاً ومتشككاً بسبب عشرات السنين من التسويف والمماطلة وهدر مليارات الدولارات من المال العام في المشروع، فما تفاصيل الرواية الحكومية الجديدة التي طُرحت مؤخراً بالتزامن مع وصول الزحامات المرورية في العاصمة بغداد إلى مستويات "كارثية"؟
تعيش بغداد اليوم اكتضاضا مروريا خانقا بسبب الزيادة المنفلتة لأعداد السيارات، والمشاكل المتراكمة في منظومات الطرق والجسور، والتهتك الذي أصاب البنى التحتية في العراق عموما وفي العاصمة بغداد بشكل خاص.
ومع أن حكومة محمد شياع السوداني قد أطلقت أكثر من 16 مشروعا لتنفيذ جسور وخطوط وتأهيل طرق، وافتتاح خطوط مرور سريعة في بغداد، وأغلبها قيد التنفيذ الآن مع وعود بإنجازها هذا العام، فإن الوضع الخانق الذي تعيشه العاصمة العراقية ما زال هو الملمح الأساس للمراقب.
وفي ظل تهالك 70 بالمئة من السكك الحديدية في العراق جراء عقود من الحروب وعدم الاستقرار، مازالت الحكومات المتعاقبة تبذل جهودا باتجاه تحديث وتوسعة شبكة سكة الحديد أملاً في دعم البنية التحتية للنقل وتأهيل الخدمات المرتبطة بها، في محاولة لتقليل الزحامات المرورية.
*رواية حكومية جديدة
ومع وصول الزحامات المرورية في العاصمة بغداد إلى مستويات "كارثية"، أكد مستشار رئيس الوزراء لشؤون النقل ناصر الأسدي، أن مسار مترو بغداد لن يؤثر على حركة السير الحالية، لافتا إلى أن مدة إنجازه لن تتجاوز الأربع سنوات.
يشار إلى أنه ليست المرة الأولى التي يتم فيها إدراج مشروع المترو ضمن خطة تطوير بغداد، إذ سبقتها في سنوات 2007 و2013 و2020، لكن أي تحرك جدّي على الأرض لم يتحقق رغم تقديم شركة فرنسية عام 2020 خطة عمل للحكومة العراقية تتعلق بالمشروع.
إذ قال الأسدي في تصريح تابعته "انفوبلس"، إن "مشروعي مترو بغداد وقطار نجف- كربلاء سيُحالان الى شركات محترفة ورصينة مختصة في أنظمة القطارات"، مبينا أن "الشركات المتقدمة مهتمة جدا بالتعرف على تفاصيل التقنيات المطلوب تقديمها، حيث تم عرض التقييمين الفني والمالي للعروض التي ستقدم".
وأضاف، أنه "تم تقسيم المشروعين الى فقرات لتغطي التصميم والأنظمة والاتصالات والخدمات وكل ما يتعلق بتفاصيل تقديم المشاريع، حيث أصبحت الصورة واضحة وخلال 15 يوما المقبلة سيكون هنالك تقديما وتحليلا وعملا استشاريا لاختيار الأفضل والأنسب من الشركات لهكذا مهمة".
وأشار الى أن "إحالة المشاريع ستكون وفق محددات وشروط إذ سيقدم كل تحالف شركات يرغب بالحصول على المشروعين عرضين تقني ومالي، حيث سيوضح الاول آلية التصميم ونوع الأنظمة المستخدمة والتكنولوجيا العالمية بتشغيل القطارات، أما العرض المالي فسيتم تحديد الكلفة التقديرية للمشروع والإيرادات المالية المتحققة من المشروع للعراق".
*سيغطي 85 بالمائة من العاصمة بغداد
وتابع الأسدي، أن "العراق دخل في مرحلة حسم الشركات المنفذة لتلك المشاريع وسيتم تحديد الأفضل لتنفيذهما"، موضحا أن "مشروع مترو بغداد سيغطي 85 بالمائة من العاصمة بغداد وبطول 148 كم، حيث تم طرح تندر عالمي للتنفيذ، حيث تقدمت مجموعة من التحالفات للعراق لتنفيذ المشروع والآن نحن في صدد الانتهاء من مرحلة التسعير والاختيار المناسب".
وبشأن مشاكل التعارضات التي تواجه المشروع أوضح الأسدي أنه "لا توجد تعارضات في مسار مترو بغداد"، لافتا الى أن "هناك تعاونا كبيرا ما بين جميع الوزارات لحل مشاكل التعارضات".
ولفت الى أن "هنالك تعارضات تعالَج هندسيا وأخرى لا تؤثر على تنفيذ المشاريع”، موضحا أنه "تم اختيار أماكن مفتوحة وغير معقدة لمسار المشروع ولا تؤثر على حركة السير او سكن المواطنين أو العلاقات التجارية داخل المدينة أو وجود استملاكات".
وبشأن المدد الزمنية لتنفيذ المشروع، أكد الأسدي أنه "تم تحديد سقف زمني لتنفيذ المشروع على أن لا يتجاوز 4 سنوات"، لافتا الى أن "العراق يعتمد جداول زمنية مدروسة مئة بالمئة، وكل خطوة تنفذ في المشروع ستكون محددة ببداية ونهاية، لاسيما وأن الشركات المدعوة هي شركات معروفة بعدم تلكؤها وتأخيرها في تنفيذ المشاريع".
يشار إلى أن مشروع مترو بغداد يتكون من 7 خطوط، و14 محطّة طرقية متوزعة بين مناطق؛ العلاوي، الشعب، ساحة الطيران، البلديات، الكاظمية، مطار بغداد، الدورة، ساحة ميسلون، الزعفرانية، ساحة عدن، البياع، والقادسية، ويمر في مسارات متعددة، بطاقة نقل استيعابية تصل إلى ثلاثة ملايين راكب يومياً.
وستُعتمد القطارات من النوع السريع بسرعة 80- 140 كم/ساعة، بنظام مترو رقمي مؤتمت يعمل بالطاقة الكهربائية من دون سائق وفيه كل وسائل الاتصالات.
وكان قد تم إدراج مشروع "مترو بغداد" في 29 ديسمبر 2023، ضمن جداول الموازنة الاستثمارية لأمانة بغداد، وبكلفة 913 مليار دينار.
ومنذ أكثر من عام، بدأت حملة كبيرة لفك الاختناقات المرورية في العاصمة بغداد، عبر مشاريع عدة، أهمها إنشاء مجسرات وأنفاق، ودخلت بعضها الخدمة فيما لا تزال الأخرى قيد الإنشاء.
وتشكو العاصمة بغداد من اكتظاظ بالحجم السكاني، وكثرة المجمعات السكنية داخلها، باستثناء مجمع بسماية، الذي يشكو ساكنوه من اختناقات مرورية حين يدخلون إلى العاصمة، بسبب رداءة الطريق.
ودخلت العاصمة ملايين السيارات في العقدين الأخيرين، من دون أية توسعة في شبكة الطرق والجسور، ولا أي تحديث بوسائل النقل العام، في ظل قطع مستمر للعديد من الطرق الرئيسة والفرعية، لأسباب مختلفة بينها الأحداث الأمنية والتجاوزات عليها وتحويل بعضها لأماكن وقوف.
ووصفت مجلة الإيكونومست البريطانية في آذار/مارس 2023، بغداد في تقرير بأنها واحدة من أسوأ المدن في حركة السير، حيث تشهد ازدحامات مرورية خانقة.
ووُضعت المخططات الأولية لمترو بغداد سنة 1980، من قبل شركة DBP البريطانية بطول يبلغ 32 كم بواقع 36 محطة وخطي نقل، لكن لم يتم تنفيذه بسبب الحرب العراقية الإيرانية ومن بعدها غزو الكويت والحصار وصولا لـ2003، أما بعد 2003 فقد طُرح المشروع مرة أخرى من قبل برلمانيين وأعضاء بالمجالس المحلية، كحل للحد من الاختناقات المرورية، لكن الظروف الأمنية وعدم الاستقرار السياسي، أبقت المشروع على ما هو عليه.
وكانت أمانة بغداد في تموز يوليو 2011 أعلنت عن قيام شركة فرنسية بإعداد التصاميم الأوّلية لمشروع مترو العاصمة، داعيةً الشركات الفرنسية للتنافس مع الشركات العالمية الأخرى لتنفيذ مشاريع إعادة الاعمار، لكن المشروع لم يتجاوز هذه المرحلة.
وفي عام 2017، وقّعت الحكومة العراقية وشركة ألستوم مذكّرة تفاهم لتطوير مشاريع السكك الحديدية الحضرية في بغداد والبصرة.
يذكر أن وزير النقل السابق ناصر الشبلي، قد أعلن في شهر أيار 2022 عن تخصيص ملياري دولار من موازنة 2022 لتنفيذ مشروع مترو بغداد، لكن إعلان الوزير لم يُفضِ إلى شيء لعدم إقرار الموازنة.
وأصبح موضوع مترو بغداد موضوعا مثيرا للتندر والشك في مصداقية حديث الحكومات العراقية المتعاقبة على مدى أكثر من أربعة عقود. واستحال الأمر الى حلم يراود المواطن العراقي عندما يستمع لتصريحات المسؤولين حول تجديد العقود، أو دراستها، أو إحالتها لشركات دولية للتنفيذ.
وفي الختام يتوارد تساؤل لجميع ما ذكرناه، هل سيرى المشروع النور والتنفيذ على أرض الواقع لمعالجة الاختناقات المرورية في العاصمة المكتظة؟ أم سيبقى مشروعًا كلاميًا حبيس الدوائر الحكومية والتصريحات السياسية ولا يتعدى كونه حبرا على ورق؟