ضربة جديدة للفساد تشرح آلية خروج الأموال المسروقة من العراق.. قصة مدير بالمصرف الصناعي
انفوبلس/ تقرير
اعتقلت قوة أمنية في العاصمة بغداد، يوم السبت الماضي 30 أيلول/ سبتمبر 2023، مدير فرع المصرف الصناعي في السنك وأمين الصندوق بتهمة اختلاس أموال بشكل منظّم خلال الفترة الماضية، وذلك في إطار حملة مكثفة لمكافحة الفساد المستشري في البلاد. وبهذا التقرير سنتعرف على القصة كاملة.
مدير فرع في المصرف الصناعي اختلس أموالا وخطط لنقلها إلى دبي
ذكرت هيئة النزاهة الاتحادية في بيان ورد لـ"انفوبلس"، إن "مديريَّة تحقيق الهيئة في بغداد ألّفت فريق عمل؛ للتدقيق والمتابعة والتحري عن معلومات وردت المديريَّة تفيد بحصول عمليَّة اختلاس منظمة في المصرف الصناعي- فرع شركة التأمين".
وأردفت، أنه "وبعد إجراء عمليات التدقيق والتحري، أصدر قاضي محكمة تحقيق الرصافة المختصة بقضايا النزاهة وغسل الأموال والجريمة الاقتصاديَّة أمر قبض وتفتيش بحق المتهمين كل من مدير المصرف الصناعي- فرع شركة التأمين وأمين الصندوق في المصرف"، مؤكدة، أن "فريقاً من المديريَّة سارع للانتقال إلى فرع المصرف الصناعي في منطقة السنك، وتمت الإطاحة بالمتهمين أثناء تواجدهما داخل المصرف وتنفيذ أمر القبض الصادر بحقهما".
اعتراف أحد أفراد عائلة المتهم بأنّ الأخير خبّأ أموالاً في منزل "صديقة زوجته"، حيث وجد فريق التحقيق هناك نحو ربع مليار دينار.
وتابعت، أن "الفريق انتقل بدلالة المتهم الأول (مدير المصرف) إلى داره، وبعد إجراء التفتيش تم ضبط مبلغ مالي بالدينار العراقي والدولار الأمريكي، وجهاز موبايل نوع (آيفون 14 بروماكس)، وبندقية (كلاشنكوف) غير مرخصة، وبعد الاستفسار من ذوي المتهم أكدوا أنه أقدم على تأمين مبلغ مالي في منزل صديقة زوجته، حيث تم الانتقال إلى دارها وضبط حقيبة تحتوي على قرابة ربع مليار دينار".
وأضافت، أن "سير التحقيقات الأوليَّة مع المتهمين وأخذ إفاداتهم قادت الفريق للانتقال لمحل سكن المتهم الثاني (أمين الصندوق في المصرف) وبدلالته، إذ بعد إجراء التفتيش الأصولي لداره، تم ضبط عقد شراء بيع خارجي لقطعة أرض مساحتها (100 م2) باسم زوجته"، لافتة إلى، أن" المتهم قام بشرائها من الأموال المختلسة".
العثور على عقد شراء أرض وبطاقة دفع إلكترونية في منزل أمين الصندوق استخدمها لتحويل أموال إلى دبي في الإمارات.
"العملية أسفرت أيضاً عن ضبط بطاقة فيزا كارد صادرة عن إحدى شركات الصرافة كان أمين الصندوق في المصرف يستخدمها في تحويل المبالغ الماليَّة المختلسة إلى إمارة دبي، فضلاً عن ضبط صورة من عقد تأسيس لشركة وهميَّة تعود للمتهم تم تأسيسها في دولة الإمارات لتجارة الملابس والأقمشة، وجهاز موبايل خاص به نوع (ايفون 11)، إضافة إلى صورة من سندات صادرة عن المصرف الصناعي- بغداد، مع أصل فيش بلغ عدد 9"، وفقا للبيان.
ونبّهت بـ" تنظيم محضر ضبط أصولي بالعمليَّة التي تم تنفيذها وفق أحكام المادة (315/ 2) من قانون العقوبات وبدلالة مواد الاشتراك (47 و48 و 49) منه، وعرضها أمام أنظار قاضي التحقيق المختص؛ لاستكمال سير التحقيقات في القضيَّة وتقرير مصير المتهمين فيها".
وقد أعلنت هيئة النزاهة العراقية عن عمليات إلقاء القبض والتحقيق مع مسؤولين على خلفية سوء إدارة وفساد بشكل شبه يومي، لكنها لم تصل إلى مستوى المعركة الحقيقية التي يطمح إليها العراقيون نظرا لبقاء كبار المسؤولين المرتبطين بالأحزاب بمنأى عن المحاسبة.
وفي إطار جهودها لمكافحة الفساد، أطلقت هيئة النزاهة حملة "من أين لك هذا؟" تستهدف مرشحي انتخابات مجالس المحافظات التي ستجري قبل نهاية العام الجاري وذلك بعد انقطاع دام 10 سنوات.
وأشاد مراقبون بإطلاق هذه الحملة الاستباقية قبل بدء الانتخابات معتبرين أنها خطوة إيجابية لكشف الذمم المالية للمرشحين لانتخابات مجالس المحافظات والتدقيق فيها درءاً لشبهات الفساد وتوظيف المال السياسي انتخابيا.
واعتبروا أن إطلاق هذه الحملة سيزيد من فرص إجراء انتخابات أكثر نزاهة، والحد من استخدام الأموال من قبل مراكز قوى ومرشحين للتأثير في خيارات الناخبين وتوجهاتهم.
وفي تقرير مؤشّر مدركات الفساد لعام 2022 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، صُنف العراق من بين أكثر الدول فساداً، إذ حلّ في المرتبة السابعة عربياً و157 عالمياً من بين 180 دولة مدرجة على قائمة المنظمة، وهي الدرجة التي حافظ عليها العراق منذ عقدين تقريبا.
وتفيد الأرقام بأن حجم الأموال المنهوبة من العراق تجاوزت الـ 300 مليار دولار، في حين بين تقرير صادر عن وكالة الأنباء العراقية الرسمية أن المبلغ الكلي وصل إلى 360 مليار دولار، وكان رأي للجنة المالية في البرلمان العراقي مغايرا، وتحدّث عن 450 مليار دولار.
وفي العام الماضي، سمع العالم بواحدة من أكبر قضايا نهب المال العام، حينما اتهمت هيئة الضرائب العراقية خمس شركات خاصة بسرقة أكثر من 2.5 مليار دولار من أموال الهيئة، بالتنسيق مع موظفين في وزارة المالية، ما يجعلها تُصنّف أكبر سرقة في التاريخ.
كما دعت منظمة "فير اوبزرفر" الدولية، العراق الى تفكيك الفساد من أسبابه الجذرية بعدما تنامى خلال العقدين الماضيين الى مستوى لم يعد بالإمكان السيطرة عليه، في كل جانب من جوانب المجتمع العراقي تقريبا.
ويشكل الفساد في العراق المعضلة الأكبر لدى الحكومات المتعاقبة بعد عام 2003 والتي باتت جهودها في هذا المجال خجولة أمام استشرائه في مؤسسات الدولة، لذا تتزايد اليوم الحاجة إلى تفعيل قانون "من أين لك هذا؟" في مجلس النواب العراقي.
في غضون ذلك، ترى العديد من الأوساط السياسية والاقتصادية في العراق أن طموحات رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني بمحاربة الفساد تقف أمامها العديد من المطبات السياسية والاقتصادية في آن معا، فرغم أن السوداني يحظى بتأييد برلماني يزيد على 250 نائبا (من مجموع 329 نائبا في البرلمان) صوتوا لصالح توليه منصبه فإن هؤلاء النواب يتبعون كتلا سياسية وأن التحرك ضد الفساد قد يضر مصالحهم.
كما تشير العديد من الأوساط السياسية في البلاد إلى أن أي محاولة من السوداني لمواجهة أباطرة الفساد قد تدخله بمواجهة مفتوحة مع بعض الكتل السياسية، الأمر الذي قد يفقده جزءا كبيرا من الدعم البرلماني اللازم لتنفيذ برنامجه الوزاري، وهو ما تدركه الأحزاب السياسية الداعمة له التي ستقف بين خيارين أحلاهما مُر، بحسب مراقبين.