ظاهرة تحرير صكوك دون رصيد تتسع في العراق.. انفوبلس تتقصى "الجريمة" وطرقها وعقوباتها القانونية
انفوبلس/ تقارير
تُعد إحدى أكثر الجرائم الرائجة حاليا في السوق، لكن الضوء لم يُسلَّط عليها بالشكل المطلوب، فتحرير صكوك دون رصيد بات ظاهرة منتشرة على نطاق واسع في العراق حتى إن الكثير من المواطنين وقعوا في فخها أثناء تعاملاتهم التجارية، وهو ما قاد الكثير من القضاة إلى المطالبة بتشديد العقوبات بحق المخالفين بسبب تزعزع الثقة بالسوق، فيما اقترحوا أن يتم تطوير آلية إصدار الصكوك بحيث تكون إلكترونية، وتخضع لنظام ذكي. فما هي حيثيات هذه الجريمة؟ وكيف يتعامل معها القانون العراقي؟
كيف تتم جريمة تحرير صك بدون رصيد؟
وفق المعلومات التي حصلت عليها شبكة انفوبلس من المختصين، فإن جريمة الصك تعتبر من الجرائم الحديثة فهي من إفرازات الثورة الصناعية بعد تشغيل العمال من قبل أصحاب العمل في مصانع بعيدة عن المدن وخشية تعرض أموالهم للسرقة أودعوها في المصارف فيقوم صاحب المصنع بتحرير ورقة للمصرف الذي أودع فيه الرصيد ليدفع الأخير أجور العاملين بعد أن يضع على الورقة اسمه وتوقيعه وبذلك أصبحت تقوم مقام النقد بالوفاء حيث يقوم المصرف بأداء قيمته الى المستفيد بمجرد الاطلاع.
وقد أدى تداول الصكوك وفق هؤلاء المختصين، الى التقليل من تداول الكتل النقدية في السوق وأمّن للتجار عدم حمل أوراق مالية كبيرة خشية تعرضهم للسرقة فأصبح يكفي أن يحمل الشخص ورقة صغيرة فيها مبلغ كبير مسحوب على مصرف او على شخص آخر صيرفي في الدولة التي تأخذ بذلك فيدفع له في مكان الأداء هذا المبلغ.
بالمقابل، اختلفت التشريعات بمعالجتها لهذه الجريمة، وابتداءً لم ينص عليها باعتبارها فعلا محرما ولكن بعد مرور فترة من الزمن فإن بعض التشريعات قد نصت على تجريمها وعقابها وذلك في حالة تحقق إحدى صور الركن المادي، وهناك من التشريعات من استوجب قصدا عاما لهذه الجريمة أي أن يكون المتهم بارتكابها مدركا ومريدا لنتيجتها او عالما بالنتائج التي ستحصل نتيجة لهذا الفعل، ولكن تشريعات أخرى استوجبت إضافة الى القصد العام وجود قصد خاص لدى المتهم بتوفر النية السيئة عند إعطائه الصك للحصول على مال الغير بطرق احتيالية وهي تحرير الصك موهما إياه بأن لديه رصيد بالمصرف وكان من ضمن التشريعات التي أُخذت بالرأي الاخير قانون العقوبات العراقي النافذ المرقم 111 لسنة 1969 في المادة 459 منه .
المعالجات القانونية لتحرير الصك
وعن المعالجات القانونية لتحرير الصك من دون رصيد، قال القاضي سعد محمد عويد قاضي محكمة تحقيق تكريت، إن "المواد القانونية التي تحكم المدان بتحريك صك بلا رصيد هي المادة (٤٥٩) من قانون العقوبات رقم١١١ لسنة ١٩٦٩ المعدل".
وأوضح، أن "الإجراءات التي يفترض على المواطن اتباعها عند وقوعه ضحية تسلمه صكوكا من دون رصيد هي سلوك الطريق الذي رسمه القانون، وهو أن يحرك الشكوى الجزائية أمام المحكمة المختصة مكانياً ضد الشخص الذي حرّر الصك من دون رصيد له بغية اتخاذ الإجراءات القانونية بحقه".
ولفت عويد إلى، أن "هناك حالات شهدتها المحكمة وتعتبر كثيرة قياساً بانتشار حالات النصب والاحتيال فهناك حالات كثيرة تعرض قضائياً متعلقة بتحرير صك بلا رصيد من شخص لم يحرر الصك لصالحه، وأن الصك يعود لإحدى الدوائر الحكومية وتمت سرقته وتحريره إلى شخص حسن النية وهي حالات كثيرة في الوقت الحاضر".
ونوه القاضي بأن "هناك تعاونا كبيرا من البنك المركزي والجهات التي يحرر عنها الصك كالمصارف التي تصدر الصكوك ويتمثل بتقديم استشهاد مفصل وبيان صحة صدور الصك من عدمه وإرسال الممثل القانوني عنهم إلى المحكمة".
الحالات التي تحدد بها عقوبة الصك
ويفصّل القاضي الحالات التي تحدد بها عقوبة الصك الفارغ إن كانت جناية او جنحة قائلا: "إذا كان الصك لا يعود لمحرره وحرره، يحكم وفق أحكام المادة (٢٩٥) من قانون العقوبات وهي جناية، أما إذا كان الصك يعود له وحرره ولكن من دون رصيد يعاقب وفق أحكام المادة (٤٥٩) عقوبات وهي جنحة".
وتنص المادة 295 من قانون العقوبات العراقي:
1ـ يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سبع سنوات او بالحبس كل من ارتكب تزويرا في محرر عادي موجود او مثبت لدين او تصرف في مال او ابراء او مخالصة او محرر عادي يمكن استعماله لإثبات حقوق الملكية.
2ـ وتكون العقوبة الحبس إذا ارتكب التزوير في أي محرر عادي آخر.
ماذا يحدث في حال الإنكار؟
وعرج القاضي عويد على أنه "في حالات الإنكار الواقعة من قبل المتهم، يتم استكتاب المنكر وإجراء مضاهاة على توقيعه المثبت على الصك المحرر، وفي حال كون الشخص لا يقرأ ولا يكتب تتم الاستعانة بالشهود في حالات معينة لإثبات الشخص الذي قام بالتوقيع على الصك الفارغ".
ويوضح بأن "الصكوك وسيلة ائتمانية، ولكي نوفر الحماية القانونية للمتعاملين فيها يجب أن تفرض العقوبات على كل من يخالف القانون في جرائم الصك بدون رصيد، حتى يعود انتشار الثقة في التعاملات التجارية وبالتالي استقرار الحياة الاقتصادية في البلد لكون التعامل بالصكوك يكون خاضعا للحماية القانونية من أي مخالفة أو جريمة".
ويقترح القاضي عويد كونه مطلعا على هذه القضايا، أن "يتم تطوير آلية إصدار الصكوك بحيث تكون الكترونية، وتخضع لنظام ذكي بحيث يمكن للمتعاملين بالصكوك معرفة مصدر الصك وهل يعود لمحرره من عدمه في أي وقت، وهل أن الرصيد يغطي الصك من عدمه".
ظاهرة
من جهته، يتفق القاضي ياسر شريف قاضي محكمة جنح تكريت، مع زميله، مضيفا من وجهة نظره أن "تحرير صكوك بدون رصيد أصبحت ظاهرة واسعة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة ويعود ذلك إلى تعديل عقوبة التحرير الصك بدون رصيد إلى خمسة أضعاف قيمة الصك".
ويبين، أنه "عند حالات الإنكار التي ترافق دعاوى تحرير الصكوك بدون رصيد يتم اللجوء إلى إجراءات الاستكتاب والمضاهاة"، مقترحا "العمل بعقوبة فرض غرامة ما يعادل قيمة الصك أو مضاعفته"، بحسب صحيفة القضاء.
ماذا يقول قانون العقوبات؟
يذكر أن المادة 459 من قانون العقوبات تنص على:
ـ يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات وبغرامة تعادل خمسة أضعاف مبلغ الصك على ان لا تقل عن ثلاثة آلاف دينار من أعطى بسوء نية صكا وهو يعلم بأن ليس له مقابل وفاء كاف قائم وقابل للتصرف فيه او استرد بعد إعطائه إياه كل المقابل او بعضه بحيث لا يفي الباقي بقيمته او أمر المسحوب عليه بعدم الدفع او كان قد تعمد تحريره او توقيعه بصورة تمنع من صرفه.
ـ ويعاقب بالعقوبة ذاتها من ظهر لغيره صكا او سلّمه صكا مستحق الدفع لحامله وهو يعلم أن ليس له مقابل يفي بكل مبلغه.
ـ يعاقب بالسجن المؤقت وبغرامة تعادل عشرة أضعاف قيمة الصك المزور او المسروق على أن لا تقل عن ثلاثة آلاف دينار كل من زور صكا او استخدم صكا مسروقا وهو على علم بذلك.