عزاء دفن الأجساد.. ذكرى خالدة ومضامين تروي المأساة.. إليك تاريخه بالتفصيل
انفوبلس/ تقارير
اعتاد أهالي كربلاء المقدسة على استذكار عزاء دفن الأجساد وإحيائه كعُرفٍ شعائريّ متوارث، بخروج قبائل المحافظة وعشائرها، إضافة إلى وفودٍ عشائريّة تمثّل بعض القبائل التي تأتي من محافظات أخرى، تتقدّمهم قبيلة بني أسد. فما هو تاريخ هذا العزاء؟ ولماذا نُسب إلى هذه القبيلة؟ وما الذي يتضمنه؟ إليك كامل التفاصيل في سياق التقرير الآتي.
تاريخ عزاء دفن الأجساد
لمعرفة متى تأسس هذا العزاء وكيف مُنع هذا الموكب التي تُعد مراسمه خالدة عند أهالي كربلاء خلال شهر محرم الحرام، تابعت شبكة انفوبلس حديثا للمؤرخ الكربلائي سعيد زميزم، حيث قال إن تاريخ مواكب العزاء الخاص بيوم الدفن يعود الى مطلع القرن العشرين، إذ بادر (السيد جودة المحنا) وهو أحد أعيان مدينة كربلاء وقبره معروف في المدينة، بالتأسيس لهذه المراسم.
ويكمل زميزم حديثه بالقول: إن "المحنا قام بجمع العشائر الموجودة في كربلاء للذهاب الى قبر الإمام الحسين وأخيه العباس (عليهما السلام) على شكل مواكب تتقدمها عشيرة بني أسد".
تضييق النظام المباد على مراسم دفن الأجساد
لقد مارس النظام البعثي المجرم وكعادته، حملات القمع والتضييق بحق الشعائر الحسينية، ولم يكن عزاء دفن الأجساد بمعزل عن القمع البعثي.
إذ أكد المحنا، أن "مراسم دفن الأجساد استمرت حتى عام 1970 حيث بدأ التضييق عليها من قبل النظام المباد، وانتهت بشكل كامل".
وبعد سقوط النظام الصدامي المجرم عام 2003، عادت هذه المواكب لتحيي مراسم يوم 13 من محرم الحرام ولكن بشكل اكبر وبمشاركة جميع العشائر العراقية، بحسب المحنا.
سبب تسميته بموكب "بني أسد"
أما عن سبب تسمية هذا العزاء بعزاء أو موكب "بني أسد" فهو وبحسب المصادر التاريخية، أن أول من وصل الى كربلاء لدفن الأجساد الطاهرة بعد معركة (الطف) الخالدة كانت قبيلة بني أسد ثم وصل الإمام السجاد (عليه السلام) من الكوفة الى كربلاء ليقوم بتجهيز والده الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه وحفر القبور ودفن الأجساد الشريفة.
واختصت قبيلة بني أسد بهذه المراسم حيث يخرج أبناء القبيلة في مثل هذا اليوم من شهر محرم من كل عام على هيئة مواكب عزاء ضخمة يشاركهم أبناء باقي القبائل والكثير من الهيئات والموكب الحسينية مُعيدين للأذهان ذكرى دفن الأجساد الطاهرة لشهداء يوم عاشوراء.
وبهذا الصدد، يقول الشيخ فالح الأسدي، إن موكب عزاء بني أسد من أقدم الموكب ويعود تاريخ هذه المراسم لسنة61هـ حينما تشرفت هذه القبيلة العربية بمساعدة الإمام السجاد (ع) بدفن الأجساد الطاهرة بعد معركة الطف.
وتابع الأسدي، "منذ تلك الفترة وحتى اليوم يمارس أبناء هذه القبيلة مراسمهم الخاصة بالخروج في يوم الثالث عشر من المحرم في كل عام لاستذكار هذا الحدث العظيم باستثناء فترة المنع التي مورست ضد إقامة جميع الشعائر الحسينية في عهد النظام السابق".
مضامين دفن الأجساد
أما عن مضامين دفن الأجساد، فتبدأ الانطلاقة الأولى بعد أداء صلاة الظهر من مرقد السيد جوده في المقبرة القديمة لتسير باتجاه شارع قبلة الإمام الحسين (ع) حتى دخول الصحن الحسيني الشريف والخروج باتجاه مرقد أبي الفضل العباس (ع)، وهذه المراسم مراسم عفوية يشارك فيها أبناء عشيرة بني أسد وباقي القبائل العراقية.
من جهته قال السيد فلاح العرداوي من موكب عشائر السادة العرد، إن قبيلته اعتادت على تأدية مراسم دفن الأجساد الطاهرة منذ القدم وأُعيدت بعد زوال نظام البعث المقبور الذي سعى بكل جهد لمنع هذه الشعائر الخالدة، ففي هذا اليوم يخرج المعزون لاستذكار ثالث الإمام (ع) والمشاركة في دفن الأجساد الطاهرة, إنها مسيرة عفوية نعزي من خلالها سيدنا ومولانا الإمام صاحب العصر والزمان (عج) ومولاتنا زينب (ع).
ما هي الأجساد التي دُفنت؟
لقد حرصت انفوبلس على تغطية هذا العزاء من جميع جوانبه، ورغم أن الأجساد الطاهرة المدفونة لا تخفى على الكثير من القرّاء، إلا أن الشبكة ارتأت على شرحها بالتفصيل وكما في أدناه.
بقيت جثّةُ الإمام الحسين (عليه السلام)، وجثثُ أهل بيته وأصحابه بعد واقعة الطفّ، مطروحةً على رمضاء كربلاء ثلاثة أيّامٍ بلا دفن، تصهرها حرارة الشمس المحرقة.
وفي اليوم الثالث عشر من المحرّم أقبل الإمامُ زينُ العابدين (عليه السلام)، لدفن أبيه الشهيد (سلام الله عليه)؛ لأنّ الإمامَ المعصوم لا يلي أمره إلّا إمامٌ معصومٌ مثله.
ويُذكر في كتب التاريخ لمّا أقبل السّجادُ (عليه السلام) وجد قوماً من بني أسدٍ مجتمعين عند القتلى، متحيّرين لا يدرون ما يصنعون، ولَمْ يهتدوا إلى معرفتهم؛ وقد فرّق القومُ بين رؤوسهم وأبدانهم وربّما يسألون مَنْ أهلُهم وعشيرتُهم، فأخبرهم (عليه السّلام) عمّا جاء إليه من مواراة هذه الجسوم الطاهرة، وأوقَفَهم على أسمائهم، كما عرَّفَهم بالهاشميّين من الأصحاب، فارتفع البكاءُ والعويل، وسالت الدموع منهم كلّ مسيل، ونشرت النساءُ الأسديّات الشعور ولطمْنَ الخدود.
ثمّ مشى الإمامُ زين العابدين (عليه السلام) إلى جسد أبيه واعتنقه وبكى بكاءً عالياً، وأتى إلى موضع القبر، ورفع قليلاً من التراب فبان قبرٌ محفورٌ وضريحٌ مشقوق، فبسط كفَّيْه تحت ظهره وقال: «بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله، صدق اللهُ ورسولُه، ما شاءَ اللهُ، لا حول ولا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم»، وأنزلَهُ وحدَه، لَم يُشاركْه بنو أسدٍ فيه، وقال (عليه السلام) لهم: «إنّ معي مَن يُعينني».
ولمّا أقرّه في لحده، وضع خدّه على منحرِهِ الشريف وخاطَبه قائلاً: "طوبى لأرضٍ تضمّنت جسَدَك الطاهر، فإنّ الدنيا بعدك مظلمة والآخرةَ بنورِك مُشرِقة، أمّا الليلُ فمُسَهّد والحزنُ سرمد، أو يختار الله لأهل بيتك دارك التي أنت بها مقيم، وعليك منّي السّلام يا بن رسول الله ورحمة الله وبركاته"، وكتب على القبر: "هذا قبر الحسين بن عليّ بن أبي طالب الذي قتلوه عطشاناً غريباً".
ثمّ مشى إلى عمّه العبّاس (عليه السّلام) فرآه بتلك الحالة التي أدهشت الملائكة بين أطباق السّماء وأبكت الحور في غرف الجنان، ووقع عليه يلثمُ نحره المقدّس قائلاً: "على الدّنيا بعدك العَفا يا قمرَ هاشم، وعليكَ منّي السّلام من شهيدٍ محتسبٍ ورحمةُ الله وبركاته"، وشقّ له ضريحاً وأنزله وحده كما فَعَل بأبيه الشهيد، وقال لبني أسد: "إنّ معي مَن يُعينني".
نعم.. ترك مساغاً لبني أسدٍ بمشاركته في مواراة الشهداء، وعيّن لهم موضِعَيْن وأمَرَهم أنْ يحفروا حفرتَيْن، ووضَعَ في الأُولى بني هاشم، وفي الثانية الأصحاب.
وبعدما أكمل الإمامُ (عليه السلام) دفنَ الأجساد الطاهرة، عاد إلى الكوفة والتَحَق بركبِ السبايا.
أجواء كربلاء المقدسة
في النهاية، لابد من ذكر الأجواء الحالية في كربلاء المقدسة، حيث شهدت المحافظة اليوم انطلاق مواكب عزاء بني أسد والقبائل العراقيّة، لإحياء ذكرى دفن الأجساد الطاهرة لسيّد الشهداء وأهل بيته وأصحابه (عليهم السلام).
واعتاد أهالي كربلاء على استذكار هذه المناسبة وإحيائها كعُرفٍ شعائريّ متوارث، بخروج قبائل المحافظة وعشائرها، إضافة إلى وفودٍ عشائريّة تمثّل بعض القبائل التي تأتي من محافظات أخرى، تتقدّمهم قبيلة بني أسد التي تشرّفت سنة 61هـ بمساعدة الإمام السجّاد (عليه السلام)، في دفن أجساد شهداء واقعة الطفّ بحسب ما تذكره الروايات.
وانتظمت مواكب العشائر على شكل مجموعات ومواكب، وانطلقت كالمعتاد من قرب مرقد السيّد جودة في كربلاء، متوجّهين لشارع قبلة الإمام الحسين (عليه السلام) قاصدين مرقده الطاهر، ومنه عبر ساحة ما بين الحرمين الشريفين إلى مرقد أبي الفضل العبّاس (عليه السلام)، ليَختتِم العزاء مسيره في صحنه الشريف.