غموض التشبّث بنظام "الهزّة".. أقرّته مديرية المرور وتحدثت عنه النزاهة وألغاه السوداني ومستمر حتى اليوم
انفوبلس..
في شهر آب/ أغسطس من العام الماضي، أعلنت مديرية المرور العامة، أنها ستباشر بفحص متانة المركبات الإلكتروني بواسطة الجهاز الهزّاز، القرار الذي أثار سخط العديد من المواطنين كونه يفتح باباً للفساد ويعرقل عمليات بيع وشراء السيارات، ما دفع رئيس الوزراء إلى التوجيه بإلغاء العمل بنظامها فيما تتشبث مديرية المرور به.
وقالت المديرية في بيان، إنها "ستباشر من يوم الأحد الموافق 2022/8/21، بفحص متانة المركبات الإلكتروني بواسطة الجهاز الهزّاز". ونشرت المديرية تعليمات المركبات المشمولة بالفحص، وهي (المركبات الحديثة التي تُسجّل لأول مرة، والمركبات التي تكون بطاقة التسجيل (السنوية) نافذة ويُراد تجديدها فيجب أن تخضع المركبة إلى الفحص الإلكتروني، كذلك المركبات المُراد تبديل لوحات التسجيل لها مثل اللوحات القديمة أو المنفيست إلى اللوحات التابعة للمشروع الوطني، أو ما يُسمى بالرقم الألماني".
وأوضحت، إن "مبلغ الفحص الإلكتروني سيكون 30,000 دينار عراقي"، مبينة إن "المركبات التي توجد فيها عطلات ويُبلَّغ سائقها بالخروج من الفحص الإلكتروني لتصليح الأعطال وتُعاد مرة أخرى إلى الفحص (لا تترتب عليها أي (رسوم) إضافية".
وتابعت المديرية، إن "مدير المرور العام اللواء الحقوقي (طارق الربيعي) وجّه بأن يكون الفحص بشكل طبيعي وسهل ومهني وفني وتقديم التسهيلات كافة إلى المواطن".
ونوهت إلى أن "الفحص يكون على متانة وأمن المركبة التي إذا لم تتوفر فيها هذه الشروط فقد تؤدي إلى الحوادث المرورية، أو إلى إيقاف المركبة أو خروجها عن العمل مثلا محرّك المركبة، الأضوية الأمامية والخلفية، الإطارات، الدبلات، حدادية المركبات، الشاصي غير متضرر".
وتابعت، "سيكون الفحص الدوري للمركبات كافة لمدة سنة كاملة أسوة بالدول المجاورة والغربية، لأن هذا النظام ـ أي نظام الفحص الإلكتروني ـ هو (نظام عالمي)".
شكلياً يبدو القرار جيدا ومفيدا، لكن كثيرا من المراجعين أكدوا أن القرار أنعش جيوب السماسرة في تلك المواقع، وكذلك منتسبي المديريات من ضعاف النفوس والمرتشين، ما دفع بعضهم للتظاهر بهدف إيقاف العمل بهذا النظام.
يقول عدنان أحمد، إنه ابتاع سيارة ولدى مراجعته دائرة مرور الكاظمية، أُحيل إلى نظام الهزّة في قضاء الحسينية، مؤكدا أنه تلقى أكثر من عرض قبيل دخوله إلى الفحص: “أحدهم عرض عليّ إنجاز المعاملة دون فحص مقابل 75 ألف دينار، وآخر بـ 50 ألفا”.
ويضيف، إن موظفي الشركة العاملة على النظام، طلب منه مبلغا بسيطا مقابل عدم إرجاعه لاستبدال نافذة السيارة الأمامية، مشيرا إلى أنه اضطر إلى مناولته 10 آلاف دينار، بالإضافة إلى وصل الفحص بقيمة 30 ألف دينار، وتسلّم أحمد “الليبل” خلال 30 دقيقة، لكنه يؤكد أن عمليات الفساد قائمة على قدم وساق.
عامر سعد، موظف حكومي، قال إنه اشترى مؤخرا سيارة جديدة، وبعد استكمال إجراءات العقد المروري وسحب الاستمارة الإلكترونية والواجهة في مرور التاجيات، أُحيل إلى فحص الهزّة.
يقول سعد، إن بائعي الماء قبيل دخول الكرفانات يمكن أن يتكفلوا لك بكل شيء، ما عليك إلا أن تدفع 100 ألف دينار.
ويضيف، لا يبدو أن المديرية جادة في إجراءات الفحص، لأن أغلب أصحاب العجلات يختارون الدفع وتجنب خوض إجراءات الفحص، بسبب الكثير من المشكلات في عجلاتهم، والتي تكلّفهم مئات الآلاف لأجل إصلاحها.
وطالب الكثير من المواطنين، الذي خاضوا اختبار “الهزّة” مديرية المرور بتفعيل الإشارات الضوئية “الترفك لايت”، وتخطيط الشوارع كافة، وتحديد نقاط توقف المركبات عند الإشارة الضوئية.
وشددوا على ضرورة “وضع الإشارات المرورية والقطع الإرشادية بجميع الشوارع”، كما دعوا الى ضرورة “صيانة جميع الطرق غير الصالحة للسير، طالما قام المواطن لسنوات بدفع مبالغ مالية ضخمة لصيانتها من دون أن يلمس شيئا من هذا القبيل”.
وفي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي، أوصت هيئة النزاهة الاتحاديَّة، بتخفيض أجور الفحص من قبل الشركة المُستثمرة لمشروع فحص المتانة للمركبات "نظام الهزة" بما يتناسب مع عدد الفقرات التي يتمُّ فحصها بصورةٍ فعليَّةٍ، مع الأخذ بنظر الاعتبار الأسعار السائدة في السوق المحليَّة التي لا تتجاوز (15,000) ألف دينار.
وحثّت دائرة الوقاية بالهيئة، في تقريرها عن الزيارات الميدانيَّة التي قام بها فريقها المُؤلَّف إلى (مديريَّة المرور العامَّة، ومواقع مرور الحسينيَّة والتاجيَّات وملعب الشعب)؛ لمتابعة الظواهر السلبيَّة في نظام فحص متانة المركبات الذي يتمُّ تطبيقه من قبل مُديريَّة المرور العامَّة، حثَّت على الالتزام باستيفاء المبالغ المذكورة في العقد دون أيِّ زيادةٍ، مُنوِّهةً بقيام الشركة المُستثمرة باستيفاء مبلغ (30,000) ألف دينارٍ في حين أنَّ العقد أشار إلى أنَّ كلفة الفحص (25،000) ألف دينارٍ.
وشدَّدت الدائرة، في تقريرٍ مُرسلٍ إلى مكتب رئيس مجلس الوزراء، والأمانة العامَّة لمجلس الوزراء، ولجنة النزاهة النيابيَّة ووزارة الداخليَّة، على ضرورة تقليص عدد فقرات الفحص، على أن يكون إجراء فحص المتانة إلكترونياً دون الاعتماد على المُشاهدة العينيَّة " شكليَّة"؛ الأمر الذي قد يُهيِّئ منفذاً للرشوة عبر تمرير الفحص لبعض العجلات دون إحضارها إلى الموقع، لافتةً إلى أنَّ استمارة فحص المتانة تتضمَّن (81) فقرةً، في حين لا يتعدَّى الفحص فعلياً أكثر من(10) فقراتٍ، مُوضحةً أنَّ البيانات التي تتعلق بالمركبات وأصحابها تُحفظ لدى الشركة المُستثمرة دون إلزامها بإرسال البيانات إلى مُديريَّة المرور العامَّة، الأمر الذي قد يُؤدِّي إلى حدوث خرقٍ أمنيٍّ لمعلومات المواطنين.
ودعا التقرير، إلى زيادة مُدَّة نفاذيَّة الفحص الإلكتروني من سنةٍ لتكون مع نفاذيَّة تجديد سنويَّةٍ المركبة كل (4) سنواتٍ، وتثبيت كاميرات في خطوط الفحص بحيث يُسجَّلُ رقم المركبة التي يتمُّ فحصها، وتكون صورة المركبة ورقمها ضمن تقرير نتيجة الفحص، مع العمل على إيجاد وسيلةٍ تُتيح من خلالها سحب استمارة الواجهة في مواقع فحص المتانة؛ لتخفيف العناء على المراجع في الانتقال إلى أكثر من مكانٍ، مُبيِّناً أنَّ منظومة الفحص تعمل بشكلٍ جزئيٍّ حيث يتمُّ الفحص المرئي للشاصي من قبل دوائر المرور، فيما تقوم الشركة بفحص منظومة "المكابح والدبلات"، مع إجراء فحص الإنارة في موقعٍ آخر.
ورصد التقرير تأخُّر تشغيل المشروع لمُدَّة (4) سنواتٍ حيث تمَّ توقيع العقد منتصف كانون الثاني من العام 2018، على أن تقوم الشركة بتشغيل المشروع خلال فترةٍ أقصاها (8) أشهرٍ، مع الإشارة إلى أنَّه لم يتبيَّن تطبيق البند (15) من العقد الذي نصَّ على تحميل الطرف الثاني (الشركة) غرامة تأخيريَّة لا تتجاوز (10%) من مبلغ العقد، فضلاً عن تذمُّر المُراجعين بخصوص توقيت المُباشرة بالعمل بهذا النظام الذي تُجْبَى بموجبه مبالغ كبيرة في ظل وجود الطرق التي تعاني من التخسُّفات والتهالك.
وفي مطلع العام الحالي، اتخذ رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، عدة قرارات خاصة بعمل مديرية المرور العامة من بينها إنهاء التعاقد مع شركة وتعليق العمل بفحص الهزّة.
وقرر السوداني، "إنهاء (عقد أو التريث) بعمل فحص (الهزّة) في الوقت الحاضر وإيقاف جباية المبلغ ثلاثين ألف دينار على ألا يترتب أثر مالي أو قانوني على الدولة، مع إنهاء عقد الشركة المتعاقدة مع وزارة الداخلية فما يخص طالبي (إجازات السوق، إجراءات الفحص والاختبار) وبإمكان مديرية المرور توفير الكادر والمستلزمات من مواردها لإجراء الفحص والاختبار بدلا من استيفاء مبلغ 30 ألف دينار من المواطن".
وحتى اليوم، لم تلتزم مديرية المرور بتوجيهات السوداني ولم تفصح عن تفاصيل العقد الغامض مع الشركة المنفّذة لنظام الهزّة، ما يثير الريبة والكثير من التساؤلات لدى المواطنين.