في الذكرى العشرين لاستشهاده.. أبرز المحطات في حياة "شهيد المحراب"
انفوبلس/..
تأتي الذكرى السنوية العشرون لاغتيال سماحة آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم، ذلك الرجل الذي شخّص الواقع العراقي أدقَّ تشخيص، ورسم طريقاً واضحاً لتحقيق جملة أهداف تصبُّ في مصلحة العراق ككل، عبر الخيار الديمقراطي ومشاركة الجميع في الحكم مع التأكيد على رفض وجود الاحتلال.
أمضى "شهيد المحراب" حياته في سبيل قضية وحمل همّ شعب جاهد وناضل لأجل دين وإحياء المذهب، حورِب وعُذِّب وسجن وهجر؛ لكنه رغم ذلك بقي طوداً شامخاً وعنوان تضحية وقائد مسيرة وثورة.
*الولادة والنشأة
وُلِد آية الله السيد محمد باقر بن الإمام السيد محسن الحكيم في "20 جمادى الأولى 1358 هـ الموافق لعام 1939م" في مدينة النجف الأشرف وسط العراق.
وعائلة آل الحكيم من العوائل العلمية العربية المعروفة في العراق يرجع نسبها إلى الإمام الحسن المجتبى بن الإمام علي "عليهما السلام"، ونشأ في بيت والده المرجع الأعلى للطائفة في زمانه وتلقى علومه العالية في النجف الأشرف على يد أساتذة أكفاء.
في سنة 1375 هـ دخل مرحلة السطوح العالية، فدرس عند أخيه الأكبر آية الله السيد يوسف الحكيم، وآية الله السيد محمد حسين الحكيم، وآية الله العظمى الشهيد محمد باقر الصدر "قدّس الله أرواحهم".
بعد مرحلة السطوح حضر البحث الخارج عند آية الله العظمى السيد أبي القاسم الخوئي "قدس سره" وآية الله العظمى السيد الشهيد محمد باقر الصدر "قدس سره" ، ونال سنة 1964م درجة الاجتهاد في الفقه وأصوله وعلوم القرآن من آية الله العظمى الشيخ مرتضى آل ياسين "رض".
في أوائل الثمانينيات من القرن العشرين الميلادي تعرّضت أسرة آل الحكيم إلى حملة اعتقالات وإبادة واسعتين على يد رئيس النظام البائد صدام حسين، ففي ليلة واحدة اعتقل نظام صدام أكثر من سبعين شخصاً من هذه الأسرة رهائن بينهم من قارب الثمانين من عمره، وبينهم من لم يبلغ الحُلم بعد، وزجّ بهم جميعاً في السجون دون أن توجّه لهم أي تهمة، إلاّ لأنهم من أقرباء السيد محمد باقر الحكيم، ولأنهم رفضوا الخضوع للنظام وتنفيذ سياساته الهوجاء.
*النشاط السياسي
أبدى السيد الحكيم اهتماماً مبكراً بأحوال المسلمين وأوضاعهم، لذا كان من أوائل المؤسِّسين للحركة الإسلامية في العراق، وقد كرَّسَ جهده ووقته في مرجعية والده الإمام الحكيم "رض" فكان يقوم بالنشاطات الاجتماعية ويزور المدن ويلتقي بالجماهير ويمارس دوره في التبليغ والتوعية، وتحمل مسؤولية البعثة الدينية لوالده إلى الحج ولمدة تسع سنوات حيث كان قد أسّس هذه البعثة لأول مرة في تاريخ المرجعية الدينية.
مثّلَ "شهيد المحراب" والده الإمام الأكبر الفقيه المرجع السيد محسن الحكيم في عدد من النشاطات الدينية والرسمية، فقد حضر كممثل عن والده في المؤتمر الإسلامي المنعقد بمكة المكرمة سنة 1965م، وكذلك في المؤتمر الإسلامي المنعقد بعمّان بعد نكسة حزيران 1967م. وأثناء تصاعد المواجهة بين الإمام الحكيم "رض" وبين "نظام العفالقة" في بغداد وخلوّ الساحة من أغلب المتصدّين بسبب السجن والمطاردة لازم السيد الحكيم والده وإدارة أعماله، حتى انتقل المرجع الأعلى إلى جوار ربّه الكريم في 27 ربيع الآخر سنة 1390هـ "عام 1970".
*الاعتقالات
تعرّض للاعتقال عدة مرات في بغداد فقد اعتُقل أول مرة عام 1972م، ثم أُطلق سراحه. وفي عام 1977 تم اعتقاله مرة ثانية بسبب دوره في انتفاضة صفر، وحُكم بالسجن المؤبد من دون تقديمه للمحاكمة، وتم إطلاق سراحه في "عفو عام" في 17 تموز 1978م، لكنه مُنع من السفر ووُضِع تحت المراقبة السرّية.
*الهجرة
بعد أن ضيّق النظام البعثي على الحركة الإسلامية في العراق أخبر الشهيد الصدر الشهيد الحكيم أن عليه أن يخرج من العراق، وبالفعل هاجر من العراق بعد استشهاد السيد محمد باقر الصدر، وكانت المرحلة الأولى إلى سوريا حيث بقي فيها فترة قصير ثم انتقل إلى إيران، ومنذ أن وصل إلى إيران أصبحت قاعدته الأساسية في محاربة النظام البعثي، وكان كل همّه توحيد المعارضة العراقية، ومن أهم الأعمال التي قام بها في هذا المجال هو تأسيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق سنة 1982م، وانتُخِب سماحته ناطقاً رسمياً له، حيث أُوكلت له مهمّة إدارة الحركة السياسية للمجلس على الصعيد الميداني، والإعلامي، وتمثيله، ومنذ عام 1986م أصبح سماحته رئيساً لهذا المجلس حتّى استشهاده.
*نشاطه خارج العراق
بعد تأسيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، اهتم السيد الحكيم بإنشاء المؤسسات ذات الطابع الإنساني، فأسس "مؤسسة الشهيد الصدر" والمؤسسات الصحية، ثم المركز الوثائقي لحقوق الإنسان في العراق، ومنظمات حقوق الإنسان في العراق المنتشرة في إرجاء العالم.
وعلى الصعيد الإنساني أيضاً شجّع على تأسيس لجان الإغاثة الإنسانية للعراقيين، والتي قدّمت خدمات جليلة للعوائل المستضعفة وعوائل الشهداء والمعتقلين في العراق، حيث تقدم هذه المؤسسات سنوياً مبالغ طائلة لهم.
وعلى الصعيد الثقافي أسس سماحته مؤسسة دار الحكمة التي تقوم بتخريج طلبة العلوم الدينية وإصدار الكتب والكراسات الثقافية والدورات التأهيلية، وكذلك أسس مركز دراسات تاريخ العراق الحديث، وهي كلها مؤسسات يقوم سماحته بالإشراف عليها وتوجيهها والإنفاق عليها من أجل خدمة قضايا الإسلام والمسلمين في العراق.
*تأسيس فيلق بدر
كان المجلس الأعلى الذي أسسه الحكيم في سنة 1980م يمثل الجانب السياسي في حركة المعارضة العراقية التي تنطوي تحت عباءة السيد الحكيم، ولكن في سنة 1980م وبتشجيع ودعم من السيد الإمام روح الله الخميني قام الحكيم بتأسيس فيلق بدر وهو الجناح العسكري للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق حيث تشكل هذا الفيلق من العراقيين المهجّرين والفارين من ظلم نظام صدام، وبعض الأسرى العراقيين في المعتقلات الإيرانية. بعد سقوط صدام ورجوع السيد الحكيم وفي مؤتمر عُقِد في النجف الأشرف أمر بتحويل فيلق بدر إلى منظمة سياسية وقال: "إن دور بدر العسكري انتهى بسقوط نظام صدام".
*العودة إلى الوطن
عاد السيد الحكيم إلى العراق بعد ثلاثة وعشرين سنة قضاها في المهجر في إيران، وذلك بعد سقوط نظام صدام، وكان يوم دخوله يوما مشهوداً في تاريخ العراق حيث استقبله الملايين من أبناء شعبه، وكان العراقيون يهتفون باسمه في كل مدينة أو قرية يمر بها من البصرة فالناصرية فالسماوة ثم الديوانية حتى النجف، واستمرت هذه المسيرة لمدة خمسة أيام، وكان لهذا الاستقبال المهيب الأثر الكبير في قلوب الأمريكان والمتحالفين معهم.
كما كان للسيد الحكيم ترحيباً حاراً من قبل المراجع في النجف وطلاب الحوزة العلمية، وأصبح السيد الحكيم إمام جمعة النجف الأشرف بعد وصوله مضافاً إلى كونه رئيساً للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق. كما بدأ باستقبال الوفود من أبناء العشائر العراقية وأبناء المدن المختلفة، إذ كان للعشائر العراقية مكانة مهمة عنده فكان دائم الترديد لمقولة والده السيد محسن الحكيم: "يجب الاهتمام بالعشائر العراقية والمرجعية الدينية والشعائر الحسينية". استمرت خُطب الجمعة التي يلقيها السيد الحكيم إلى أربعة عشر جمعة كان السيد الحكيم يبيّن من خلالها أطروحته السياسة والتي من أهمها:
-يجب أن يختار الشعب العراقي الحكومة التي يريدها.
-يجب كتابة دستور عراقي من قبل جمعية وطنية منتَخبة من قبل الشعب العراقي.
-التأكيد على وحدة العراق.
-الحرص على إقامة علاقات متوازنة مع دول المنطقة مبنية على احترام المصالح المشتركة.
*شهادة ثلاثة مراجع
مارس سماحته العمل في ظل ثلاثة من كبار المراجع العظام فمنهم والده الإمام الحكيم الذي نال ثقته واعتماده عليه في الكثير من الأمور السياسية والاجتماعية والمالية.
كما عمل مع الإمام الشهيد الصدر "رض" وكان ملازماً له كتلميذ وصديق، فوصفه الإمام الشهيد بـ "العضد المُفدَّى"، وغير ذلك من العبارات التي تطفح بها رسائله إليه.
وعمل مع الإمام الخميني "رض" فوصفه بـ "الابن الشجاع للإسلام" تقديراً منه لمواقفه الجهادية وصبره واستقامته تجاه النوائب والمصائب التي نزلت به جرّاء تصديه لنظام صدام ومنها إعدام خمسة من إخوته وسبعة من أبناء إخوته وعدد كبير من أبناء أسرته في حقبة الثمانينيات من القرن العشرين.
*الشهادة
في يوم الجمعة الأول من رجب 1424هـ استُشهد (رض) بانفجار سيارة مفخخة وضِعت قرب سيارته بعد خروجه من الصحن الحيدري الشريف بعد أداء صلاة الجمعة، وأدى الحادث الإجرامي إلى استشهاد وجرح المئات من المصلين وزوار الإمام علي "عليه السلام".