في ذكرى فشل صاروخ العابد.. حسين كامل أقنع صهره بقدرة العراق على غزو الفضاء والخبراء أكدوا عدم نجاح التجربة.. تعرّف على ما زيف التصنيع العسكري
في ذكرى فشل صاروخ العابد.. حسين كامل أقنع صهره بقدرة العراق على غزو الفضاء والخبراء أكدوا عدم نجاح التجربة.. تعرّف على ما زيف التصنيع العسكري
انفوبلس/..
كان يوم 5 كانون الأول من العام 1989 شاهداً على فشل للنظام البائد بقيادة صدام حسين، عندما حاول إطلاق صاروخ "العابد" من "قاعدة الأنبار الفضائية" في خطوة تمهيدية لإرسال قمر صناعي إلى المدار، لكن ذلك تكلل بإخفاق كارثي.
*العابد
صاروخ العابد يزن 48 طنا ويصل ارتفاعه إلى 17 مترا، وكان يُفترض أن يكون قادرا على إيصال أقمار صناعية تصل أوزانها إلى 300 كيلوغرام في المدار.
صاروخ العابد العراقي كان قد أُطلق من منصة ثابتة من قاعدة الأنبار الفضائية التي تبعد 230 كيلومترا جنوب غرب بغداد، وعلى الرغم من أن هذا الصاروخ مصمم ليطير على ثلاث مراحل، إلا أن المرحليتين الثانية والثالثة في تلك التجربة كانتا عبارة عن نموذجين فولاذيين.
الاستخبارات المركزية الأمريكية استنتجت أن التجربة الصاروخية العراقية في ذلك الوقت لم تكن نموذجا أوليا لصاروخ باليستي، بل كان صاروخا كبيرا أُطلق من منصة ثابتة، مشيرة في تقرير سري في عام 1990 إلى أن العراق حاول بالفعل بناء مركبة إطلاق فضائية، إلا أنه واجه الكثير من المشاكل الفنية في مراحل الإطلاق وفي التوجيه.
معلومات تحدثت في ذلك الوقت عن أن بغداد سعدت في البداية للتعاون مع عدة دول في مجال بناء الصواريخ وإطلاق أقمار صناعية، لكنها اعتمدت بعد ذلك على مشروع خاص بخبرات عراقية وعربية وببعض المتخصصين الأجانب الشهيرين وعلى رأسهم المهندس الكندي جيرالد بول الذي يُرجح أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلية الموساد هو من كان وراء اغتياله في بروكسل عام 1990.
بعض التقارير تنسب الفضل في إنجاز صاروخ "العابد" العراقي إلى هذا المهندس الكندي الذي كان يعمل أيضا على مشروع "المدفع العملاق". ويُزعم أن جيرالد بول، قام بصنع هذا الصاروخ العراقي الفضائي من خلال دمج 5 صواريخ سكود سوفيتية!
*فشل بعد سبع ثوان
يقول الكاتب العراقي، محمد جلو، إنه "في كانون أول 1989، أعلن حسين كامل، وزير التصنيع العسكري، نجاح العراق، بإطلاق صاروخ العابد، بعيد المدى الصاروخ عابر للقارات بوزن 25 طناً ذو 3 مراحل يصل إلى إسرائيل، إن شاءوا وحتى قلب أوروبا حسب تلك الادعاءات".
وأضاف، "عرض التلفزيون العراقي، إطلاق ذلك الصاروخ ووصفه بالناجح لكن العجيب، أن جميع وكالات الأنباء العالمية، و الدول العظمى، أبدت تصديقها لكل تلك الادعاءات ولم يشكك أحد، بأن التجربة قد تكون، في الحقيقة فاشلة"، لافتاً إلى أن "فديو الإطلاق، كان قصيرا جدا يشمل الثواني السبعة الأولى، لا غير، يعيد التلفزيون العراقي، تلك الثواني السبعة يعيدها للمشاهد، مرة بعد أخرى"، متسائلاً: "لماذا لا يعرضون أكثر من ذلك؟ تُرى، ما حدث في الثانية الثامنة؟ لماذا لم يتتبع المصور التلفزيوني، الصاروخ، بالكامرة؟ فكلنا على اطلاع، و قد شاهدنا يوما، أفلام إطلاق صواريخ وكالة ناسا الأمريكيّة يتبعون الصاروخ، حتى يختفي عن الأنظار، و عن الكامرة ثم ترى، انفصال مراحل الصاروخ، الواحدة بعد الأخرى تلك الأفلام، عادة، تستغرق دقائق، و ليس ثواني.. التلفزيون العراقي، كان يعيد، وباستمرار، الثواني السبعة الأولى فقط".
وأضاف، "السبب الأرجح، هو أن شيئا خطيرا، وجسيما، ومحرجا، قد حدث بعد الثانية السابعة يتمثل بانفجار العابد".
*تكهنات ومبالغات
الحديث عن صاروخ العابد الذي صنعه العراق بعد الحرب العراقية الإيرانية، يدخل في الأعم الأغلب في باب التكهنات والمبالغات، إذ لم يكن العراق يمتلك قدرات تصنيع صواريخ معدة لحمل الأقمار الصناعية نهاية الثمانينيات، وربما كان هناك مشروع طموح بهذا الخصوص، إلا أنه لم يتجاوز مرحلة التخطيط والتجارب الأولية، لكن البعض تكلم عن نجاح تجربة إطلاق صاروخ العابد في 5 ديسمبر 1989 في الصحراء الغربية في العراق، ولا دليل على ذلك سوى فيلم استمر ثواني يصور عملية إطلاق صاروخ تم عرضه في تلفزيون العراق على أنه تجربة ناجحة لإطلاق صاروخ “العابد” المخصص لحمل الأقمار الصناعية إلى مداراتها في الفضاء، بحسب الكاتب العراقي صادق الطائي.
وأضاف، "ولأن صدام حسين كان مهووسا بالقدرات العسكرية، فقد كان هناك خلط واضح في الحديث عن هذا الصاروخ، فمرة يوصف بأنه صاروخ حربي مداه 2000 كم، ومرة يوصف بأنه أول صاروخ عربي يدشن غزو الفضاء، علما أن الصواريخ المخصصة لحمل الأقمار الصناعية لا تُقاس بمدى الصاروخ مثل الصواريخ الحربية".
وتابع، "أما قصة المدفع العملاق، فإنها قصة تراجيدية بامتياز، إذ تعاون العراقيون للحصول على هذا السلاح (الاستراتيجي) مع خبير المدفعية الكندي جيرالد بول، الذي يُعد واحدا من أبرز خبراء تطوير سلاح المدفعية في العالم، وتم الاتفاق عام 1989 على تنفيذ مشروع بول، الذي حلم به ووضع خطوطه العلمية في ستينيات القرن العشرين، هذا المشروع الذي بدا وكأنه قصة من قصص الخيال العلمي. المشروع هو تصنيع مدفع عملاق، وصف بأنه أكبر مدفع عرفه التاريخ العسكري، طول ماسورته 156 مترا (أي بطول ملعب كرة القدم مرة ونصف المرة) وبإمكانه إطلاق قذائف قطرها 1000 ملم، أي بحجم برميل، وتزن 2 طن، ووزن المدفع يصل إلى 2100 طن. وكانت فكرة العالم الكندي أن هذا المدفع سيعمل على إطلاق قذائف تحمل أقمارا صناعية إلى مداراتها في الفضاء، بكلف أقل جدا من كلفة الصواريخ التي تحمل الأقمار الصناعية للفضاء".
وأكمل: "لكن يبدو أن التفاوض الذي تم في كانون الثاني/ يناير 1988 بين جيرالد بول والدكتور عامر السعدي، أحد أهم رجال التصنيع العسكري في العراق، والرجل الثاني بعد الجنرال حسين كامل، صهر صدام حسين، الذي كان يشرف على الصناعة العسكرية والنووية والاستراتيجية في العراق، كان يسير باتجاه إمكانية الاستخدام العسكري لهذا المدفع العملاق، الذي سيُعرف في أدبيات التصنيع العراقي باسم (مدفع بابل العملاق)، على أن الاتفاق شمل تصنيع نموذج أولي أصغر حجما يُعرف باسم (مدفع بابل الصغير) بقذيفة قطرها 350 ملم وطول ماسورة المدفع حوالي ثلث المدفع العملاق".
وتابع الطائي: "وضع العراقيون مبلغ 25 مليون دولار تحت تصرف بول وشركته، وتم بالفعل البدء بعمليات التصنيع، وفق المخططات والتصاميم الهندسية لشركة جيرالد بول ومقرها في بروكسل العاصمة البلجيكية، وتمت عمليات تصنيع المواسير العملاقة في المملكة المتحدة. بعض خبراء التصنيع الذين حاولوا أن يروّجوا الأمر لصدام حسين، على أنه فتح كبير في عالم الأسلحة الاستراتيجية لم يلتفتوا إلى ملاحظات خبراء السلاح العالميين حول إمكانيات المدفع العملاق، إذ أشارت الملاحظات السلبية إلى أن “هذا المدفع سيكون سلاحاً غير فعّال، فحجمه العملاق لن يسمح بنقله أو تحريكه أو حتى إعادة توجيهه، كما أن فترة تجهيز إطلاق القذيفة طويلة جداً، وكان من السهل تحديد موقعه، ما يسمح بتدميره بسهولة، كذلك كان الكل سيعرف مكانه لأن طاقة ارتداد إطلاق قذيفة منه ستتسبب في حدوث زلزال فعلي قوي ستسجله جميع أجهزة الرصد حول العالم، والنتيجة سيكون هذا المدفع عرضةً للهجمات الجوية بسهولة”.
وأتم: "انتهت هذه الأسطورة مع غزو العراق للكويت، وإيقاف سلطات الجمارك في موانئ أوروبا لعمليات شحن أجزاء المدفع المصنّعة، ومن ناحية أخرى انتهت القصة نهاية تراجيدية، عندما تم اغتيال الخبير الكندي جيرالد بول أمام باب شقته في بروكسل بثلاث رصاصات أطلقت على رأسه من مسدس كاتم للصوت، ووجهت أصابع الاتهام حينذاك إلى جهاز الموساد الإسرائيلي، لتطوى صفحة حكاية أسطورية من الأساطير العسكرية لنظام صدام".