كتاب شكر للقاضي ضياء جعفر بعد كل ما قاله القاضي حيدر حنون.. هل يتطور الصراع؟
البرلمان تحاشى استضافة رئيس النزاهة
كتاب شكر للقاضي ضياء جعفر بعد كل ما قاله القاضي حيدر حنون.. هل يتطور الصراع؟
انفوبلس/..
يشتد الصراع داخل المؤسسة القضائية بعد كل ما أعلنه رئيس هيئة النزاهة الاتحادية القاضي حيدر حنون في مؤتمر صحافي من أربيل، وجّه خلاله اتهامات لقاضي أول محكمة تحقيق الكرخ الثانية ضياء جعفر، في وقت تحاشى فيه مجلس النواب استضافة حنون لاستجوابه كما طلب.
*آخر التطورات
أعلن مجلس القضاء الأعلى في العراق، يوم الاثنين، شروعه باتخاذ الاجراءات القانونية بحق رئيس هيئة النزاهة الاتحادية القاضي حيدر حنون وذلك على خلفية ما أدلى به من تصريحات خلال مؤتمر صحفي في أربيل الأسبوع الماضي، واصفاً تلك التصريحات بأنها "ادعاءات غير صحيحة".
وقال إعلام القضاء في بيان، إن مجلس القضاء الأعلى عقد صباح اليوم، جلسته العاشرة برئاسة رئيس محكمة التمييز الاتحادية القاضي فائق زيدان.
وأوضح البيان، إن المجلس أقرَّ إعادة تشكيل اللجنة القضائية المشتركة بين مجلس القضاء الأعلى ومجلس قضاء إقليم كوردستان لغرض إيجاد الحلول لإشكاليات العمل القضائي المشترك.
وبين، إن المجلس ناقش ما أدلى به رئيس هيئة النزاهة بالوكالة حيدر حنون في المؤتمر الصحفي المنعقد في هيئة النزاهة بتاريخ 1 تموز 2024، والمؤتمر الصحفي المنعقد في أربيل بتاريخ 4 أيلول 2024.
وأضاف، إنه تبين من خلال تقرير رئيس هيئة الإشراف القضائي الذي حقق في كل ما أُثير في المؤتمر الصحفي المنعقد في أربيل بأنه مجرد ادعاءات غير صحيحة القصد منها تضليل الرأي العام، وأنها كانت رد فعل لاتخاذ الاجراءات القانونية بحقه عن موضوع قطعة الأرض المخصصة لدائرة التسجيل العقاري في ميسان.
وتابع، إنه بالنظر لما ورد من إساءة بحق القضاء؛ قرر المجلس مفاتحة محكمة تحقيق الكرخ الثالثة لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقه كما قرر المجلس كتاب توجيه شكر وتقدير باسم مجلس القضاء الأعلى إلى قاضي أول محكمة تحقيق الكرخ الثانية ضياء جعفر لفتة لجهوده المتميزة في إنجاز الأعمال الموكلة إليه.
*ضجة التسريبات
وأثيرت تسريبات صوتية نسبت إلى رئيس هيئة النزاهة الاتحادية حيدر حنون، وحسب التسجيل الذي لم يتسنّ التحقق منه، فإن رجلاً (يزعم أنه حنون) تحدّث عن "سائق سيارة كان عليه أن ينقل أكثر من مليار ونصف المليار (دون الإفصاح عن العملة) بحذر، لكن أحدهم اعترف بالأمر". وتابع: "أخبرتكم أن الأعين مفتوحة".
وجاء أيضاً في التسجيل: "لقد أحضروا سيارة (كاديلاك)". وإثر ذلك توعّد حنون بالظهور، اليوم (الخميس)، في مؤتمر صحافي جديد عن "سرقة القرن".
وأعلن مجلس القضاء الأعلى، فتح تحقيق بخصوص تسجيلات صوتية منسوبة إلى حيدر حنون، رئيس هيئة النزاهة بالوكالة.
وقال المركز الإعلامي في مجلس القضاء الأعلى، في بيان له، إن "رئيس الإدعاء العام طلب من محكمة تحقيق الكرخ الثالثة إجراء التحقيق بخصوص التسجيلات الصوتية المنسوبة لحيدر حنون إلى رئيس هيئة النزاهة بالوكالة، والتي تتضمن جرائم تقاضي رشاوى".
ونفت هيئة النزاهة الاتحادية، يوم الأربعاء 11 سبتمبر 2024، مقاطع صوتية نسبت لرئيسها القاضي حيدر حنون.
وقالت الهيئة في بيان إنه "بعد ملاحقة الفاسدين ومحاصرتهم؛ بغية تقديمهم للعدالة والقصاص منهم، بغض النظر عمَّن يقف خلفهم، خرجت جيوشهم الإلكترونيَّـة من جحورها؛ لتقوم بفبركة مقاطع صوتيَّة منسوبة لرئيس الهيئة القاضي حيدر حنون وغيرها تهدف إلى التأثير في عمل الهيئة، ومحاولة ثني رئيسها عن الاستمرار والاضطلاع بمهمَّتهم الوطنية".
وأضاف البيان: "في الوقت الذي تدحض الهيئة فيه تلك الفرى والأكاذيب والأراجيف، فإنها تحذر في الوقت نفسه من أن محاسبة أولئك المرجفين ستكون عسيرةً حال التعرُّف على المواقع التي روَّجت ذلك ومن يقف خلفها، وبيننا وبينهم ميزان العدالة وحكم القانون".
وأكدت الهيئة "عقد مؤتمرٍ صحفيٍّ في مقرها غداً الخميس في الساعة الثالثة عصراً، وذلك بعد انتهاء فعاليات المنتدى العربي الثاني لتعزيز الشفافية والحكم الرشيد؛ من أجل بيان الوقائع ودحض تلك الفرى والأراجيف، وإطلاع الجمهور على الحقائق التي لا يحجبها غربال الفاسدين".
لكن سرعان ما أعلنت الهيئة تراجعها عن عقد المؤتمر المرتقب.
وقال حنون، في بيان صحافي، إن «الهيئة تعلن احترامها لإجراءات القضاء، وتؤكد أن مخرجات عملها تتم تحت إشراف قضاة التحقيق».
*البداية من مؤتمر حنون
حنون كان قد عقد مؤتمرا صحفيا في أربيل، في 5 أيلول، وعلى نحو مفاجئ ولافت استخدم لغة هجومية وحادة استهدف بها مجلس القضاء الأعلى والقاضي ضياء جعفر، الذي يتولى قضية نور زهير المتهم الأول بقضية سرقة الأمانات الضريبية، فيما تُعرف بـ"سرقة القرن".
وبعدما عبّر أمام حشد من الصحفيين عن غضبه من "استضعاف هيئة النزاهة"، أشار إلى "اختفاء ملفات من قضية زهير لدى القاضي جعفر"، وأن ذلك "يشكّل تحديا كبيرا لجهود مكافحة الفساد، واستعادة أموال الدولة المنهوبة".
لم يقتصر الأمر عند ذلك فقط، فأضاف حنون أن "ملف زهير الذي تمت إحالته إلى محكمة الجنايات المركزية، يحتوي على 114 صكا ماليا". وفي حين أن القانون يقتضي فتح 114 قضية منفصلة "جرى التعامل معها كقضية واحدة"، وفق قوله.
وتضمنت الاتهامات التي وجهها رئيس هيئة النزاهة حديثه عن "سرقة في ملف سكك حديدية تقدر قيمتها بـ18 مليار دولار، دون أن يتم اتخاذ أي إجراء من قبل القاضي جعفر منذ شهرين"، حسب تعبيره.
ومن ناحية أخرى اتهم حنون "زهير بالتورط في سرقة الودائع الجمركية بما يزيد عن تريليون دينار عراقي"، مطالبا "بعقد جلسة علنية بحضور القاضي جعفر لكشف الحقائق أمام الشعب"، كما أضاف أن الأخير "أصدر أمر قبض بحقه ويلاحقه بشكل شخصي".
*كيف بدأت المواجهة؟
المواجهة الحاصلة واللافتة، كما يعتبرها باحثون ونواب عراقيون، جاءت بعد أسبوع واحد من هروب المتهم بـ"سرقة القرن" نور زهير خارج البلاد، ما أثار جدلا وتساؤلات عن كيفية فراره، وهو المتهم الأبرز في أكبر قضية فساد شهدتها البلاد منذ عام 2003.
وبينما كانت الأنظار تتركز على قرار إلقاء القبض الذي أصدره القضاء بحق زهير للمرة الثانية بدأت تظهر بالتدريج "فضائح فساد مليارية" جديدة، وكان أبرزها تلك التي كشف عنها النائب في البرلمان العراقي، ياسر الحسيني، وتداولتها وسائل إعلام على نطاق واسع.
وجاء في اتهامات رئيس كتلة "الآمال" النيابية، أن "الشركة العامة لسكك الحديد" وقعت عقدا لإعادة تأهيل خط سككي بقيمة 22 مليار دولار ونصف، قبل ثلاثة أشهر، وأن المشروع أُحيل إلى 3 شركات، واحدة منها أجنبية وأخرى محلية، والثالثة تابعة لزهير المتهم بـ"سرقة القرن".
وفي حين نفت وزارة النقل، عبر حديث متلفز أدلى به المتحدث باسمها ميثم الصافي، الاتهامات التي أطلقها الحسيني، أشار خبراء قانون ونواب سابقون إلى أن "الفضائح" التي باتت تنكشف على نحو كبير ترتبط دوافعها وحيثياتها بشكل وثيق.
وأوضح بعض النواب وخبراء القانون أن الأسباب التي تقف وراء ذلك تتعلق بجذور وصراعات سياسية، فيما ذهب آخرون للإشارة إلى مآلات وتداعيات المواجهة الحاصلة التي اندلعت ما بين هيئة النزاهة و"المجلس الأعلى للقضاء".
*صراع قضائي
ويقول الخبير القانوني العراقي، أمير الدعمي، إن الصراعات في العراق باتت تشتد على كافة المستويات السياسية، ويضيف إنه "قد نشهد صراعا بين مؤسستين مهمتين، الأولى هي مجلس الوزراء والثانية هي مجلس القضاء الأعلى".
ويشير الى أنه "ولأول مرة قد يكون مجلس القضاء الأعلى طرفا في صراع مثل هذا".
*البرلمان على الخط
ومن المقرر أن تُعقد جلسة استثنائية في مجلس النواب العراقي، لمتابعة تطورات المشهد الحالي، وخاصة فيما يتعلق بملفات الفساد الكبرى، كما يكشف عضو اللجنة القانونية النيابية في العراق، عارف الحمامي.
وبالنسبة لمسألة التحقيق والقضاء يقول: "نحن نحترم القضاء ونشد على يده لإكمال التحقيق والخروج بنتائج مُرضية للشعب العراقي".
ويعتقد عضو اللجنة القانونية النيابية العراقية، أن "حديث حنون كان نتيجة ضغوط".
ويعتبر أن رئيس هيئة النزاهة "يجابه منظومة فساد كبرى، ويحتاج الدعم الكبير والمؤازرة من مجلس النواب العراقي والقضاء والوقوف على حقائق الأمور".
"قضية نور زهير هي قضية فساد كبرى وفيها رؤوس.. وهذه الرؤوس تريد خلط الأوراق والتشويش على القضاء وهيئة النزاهة"، ويرى الحمامي أن "حدوث مشكلة ما بين القضاء والنزاهة من صالح الفاسدين".
*كارثة وانتحار سياسي
وتباينت ردود الفعل إزاء ما كشف عنه حنون من أربيل، وكانت المواقف منقسمة ما بين مؤيد ومعارض للطريقة التي تم فيها إطلاق الاتهامات.
ودافع رئيس ائتلاف "دولة القانون"، نوري المالكي، بشدة عن القضاء، وبدا مستاءً من اتهامات رئيس هيئة النزاهة للقضاء، وإن لم يذكر اسمه بالتحديد خلال كلمته.
ومن جهته، دعا زعيم تيار الحكمة، عمار الحكيم، إلى ما وصفها بـ"محاكمة القرن" لمقاضاة "سرقة القرن"، وقال في كلمة مسجلة: "لتكن هذه المحاكمة علنية، كما فعلنا مع صدام حسين، حتى لو وردت فيها أسماء شخصيات كبيرة".
وتتمثل "سرقة القرن" باختفاء مبلغ 3.7 تريليون دينار عراقي، بما يعادل نحو مليارين ونصف مليار دولار، من أموال الأمانات الضريبية. وكانت جهات متعددة قد كشفت عن السرقة قبل نحو شهرين من انتهاء مدة حكم الحكومة العراقية السابقة برئاسة، مصطفى الكاظمي.
وكشف كتاب رسمي صادر عن هيئة الضرائب أن مبلغ 2.5 مليار دولار، جرى سحبه بين سبتمبر 2021 وأغسطس 2022 من مصرف الرافدين الحكومي، عبر 247 صكا ماليا، حُرّر إلى 5 شركات، قامت بصرفها نقدا مباشرة.
وعلى إثر انكشاف السرقة، تحركت "هيئة النزاهة" والسلطة القضائية للتحقيق في القضية، وصدرت عدة أوامر قبض قضائية، وكان أول المعتقلين نور زهير، واسمه الكامل "نور زهير جاسم المظفر"، وكنيته "أبو فاطمة"، وهو من مواليد بغداد عام 1980.
وفي عام 2023، قرر القضاء العراقي رفع إشارة الحجز عن شركة تابعة لزهير، ومن ثم أعلن رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، عن قيام المتهم الأول بـ"سرقة القرن" بتوزيع أمواله على متنفذين من بينهم "سياسيون وإعلاميون"، ملمّحاً إلى ارتفاع عدد المتهمين.
ووقتها أعلن السوداني أيضا أن القاضي المختص (ضياء جعفر) أصدر أمرا بإطلاق سراح نور زهير "بكفالة"، مقابل تعهده بتسليم كامل المبلغ المسروق خلال مدة أسبوعين، مشيرا إلى أن القسم الأكبر من المبلغ لدى المتهم عبارة عن عقارات وأملاك.
ويشكّل المبلغ الذي أعاده زهير إلى خزينة الدولة بعد خروجه من السجن بكفالة ما نسبته 12 بالمئة من كامل الأموال التي تتجاوز 2.5 مليار دولار، وفق تصريحات سابقة للنائب في البرلمان العراقي، ماجد شنكالي.
وحتى الآن لا يُعرف ما إذا كانت المسارات ستصل إلى إعادة إلقاء القبض على زهير، بموجب المذكرة التي صدرت بحقه قبل أسبوع، بعد انتشار صورة له من العاصمة اللبنانية بيروت، مدعياً أنه "تعرض لإصابة في حادث سير".