ما قصته مع سلفيي الكويت ولماذا نُفي إلى إيران؟.. السيد محمد باقر الفالي يرحل بهدوء عن المنبر.. اشتهر بآرائه الصريحة وواجه أعداء أهل البيت داخليا وخارجيا.. تعرف على سيرته
انفوبلس/ تقارير
"أقول إن كل العراقيين هم قُرّاء منبر، ولكن أوصي الشباب بالدقة والتحرّي عند نقل الرواية، وأن يطّلعوا على العلوم الحديثة وعلوم القرآن، وأن تكون لهم ثقافة عالية ومعلومات موثقة سواء ثقافة حوزوية أو عامة، وأن يتواضعوا وأن يعطوا المنبر هيبته خلال تصرفاتهم بالحياة اليومية"... كانت هذه الكلمات من أبرز ما حرص السيد الراحل محمد باقر الفالي على إيصالها إلى الشباب العراقي، حيث إنه اشتهر بآرائه الخاصة والصريحة ودخل بمواجهات داخل العراق وخارجه، أبرزها اصطدامه بمجلس الأمة الكويتي وترحيله من البلاد. فمَن هو السيد الفالي الذي رحل اليوم بهدوء وترجل عن صهوة المنبر تاركاً خلفه سيرة عطرة؟ ستفصّلها انفوبلس في سياق التقرير.
*مَن هو؟
محمد باقر بن أحمد بن عبد العزيز الموسوي الفالي، ولد في كربلاء المقدسة وتحديداً محلة المقلع في العباسية عام 1957، ونشأ وترعرع فيها، حيث درس الابتدائية والمتوسطة والإعدادية، ينتسب إلى أسرة الفالي التي سُميت بذلك نسبةً إلى قرية "فال" إحدى محافظات إيران. والده أحد رجال الدين في مدينة كربلاء المقدسة.
*حياته السياسية ونفيه إلى إيران
انتقل السيد الفالي إلى مدينة قم في إيران مع والده وأُسرته، بعد أن تعرض والده لضغوطات عديدة من الحكومات المتعاقبة في العراق، فسُجن أكثر من مرة في عهد عبد السلام عارف، وفي فترة حكم الحزب الشيوعي العراقي، ثم نُفي إلى إيران في أوائل حكم صدام حسين، كما تم إسقاط جنسيته العراقية، فعاش بقية عمره في إيران.
وأكمل السيد محمد باقر الفالي دراسته الثانوية في إيران ثم دخل كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة طهران، حتى حصل على ليسانس في العلوم السياسية، كما حصل على ليسانس في القضاء.
*مشاكله مع السلفية في الكويت
قال السيد الفالي رحمه الله مُفصّلاً تفاصيل قضيته مع السلفية في الكويت بعد اتهامه بسبّ الصحابة، "القضية من أصلها قضية تحتاج الى دراسة، أنا عشت 22 عاما في الكويت وما دعوتُ إلا الى اتّباع الحق، وأية كلمة أقولها على المنبر أردف الى إمكانية التأكد منها من المصادر الموثوقة، غاية الأمر أنا كلامي مركّز ضد معاوية ويزيد، ولا زلتُ مصرّاً على موقفي ضد معاوية ويزيد، لأني لم أرَ الحسين عليه السلام ولا يزيد بل احتكمت في طروحاتي الفكرية الى التاريخ الصحيح الذي يكشف خُبث يزيد ويبيّن مواقف معاوية ضد أمير المؤمنين".
وأضاف السيد الفالي، "أما قضيتي مع الجماعة السلفية في الكويت، فهم قد رفعوا قضية ضدي بالمحكمة، والقاضي دون أن يعطيني الحق في الحضور أو إبداء رأيي، فقد حكمَ عليَّ غيابياً بالغرامة بمبلغ ( 10000 دينار كويتي)، وقد استأنفتُ الحكم وطُلب مني الحضور شخصياً، وعندما حضرت فوجِئت بالمعاملة اللاإنسانية التي لا تتفق وأبسط معايير الحقوق المدنية، حيث إني خدمتُ الناس في دولة الكويت لمدة تزيد على 20 عاماً، لكن ما لقيته عند حضوري طوعياً هو تكبيل اليدين وشد العيون واقتيادي لدائرة أمن الدولة".
*دراسته الدينية
ابتدأ السيد الفالي دراسته الدينية في مدرسة الهندية، حيث درس عند علي الحسيني الصدر، ثم انتقل إلى المدرسة الحسنية ودرس عند كلٍ من عبد الرحيم القمي، وعبدالرضا الصافي، وباقر القزويني، وغلام رضا الوفائي. وبعدما أنهى مرحلة المقدمات، حضر - في مدينة قم - دروس مصطفى الزماني، وعلي بناه الأشتهاري، ويد الله الدوزدوزاني ، كما درس الفلسفة عند المرجعين يحيى الأنصاري الشيرازي، ورضا الصدر.
ثم ابتدأ السيد الفالي رحمه الله دراسة البحث الخارج، فحضر دروس المرجعين حسين وحيد الخراساني ومحمد الحسيني الشيرازي في الفقه، كما حضر دروس المرجع صادق الحسيني الشيرازي في الأصول.
*خطابته الحسينية وآراؤه الصريحة
الفالي رحمه الله، خطيب حسيني يجيد الخطابة باللغتين العربية والفارسية. فبعد انتقاله إلى إيران مارس الخطابة الحسينية في مدينة يزد باللغة الفارسية واستمر في الخطابة هناك ما يقارب عقداً من الزمان ابتدأ منذ سنة 1971، ثم مارس الخطابة في كل من أصفهان، وقم، وطهران، وشيراز، ومشهد، ومازندران باللغتين العربية والفارسية.
ثم بدأ بالخطابة خارج إيران، فذهب إلى سوريا، ولبنان، ومسقط، والكويت، ولندن وغيرها، كما مارس الخطابة في مكة، والمدينة المنورة بمواسم الحج.
اشتهر السيد الفالي بآرائه الصريحة والشجاعة، حيث عُرف بدفاعه عن الشعائر الحسينية بكل أنواعها - والتي تشمل التطبير والمشي على الجمر - ورد آراء المشككين فيها من رجال الدين الآخرين.
*الفالي وداود العاشور ومحاولة الاغتيال
كان الفالي يرتقي المنبر ويلقي المحاضرات طوال شهر رمضان في حسينية داود العاشور الواقعة بمنطقة مهيجران التابعة لقضاء أبي الخصيب في محافظة البصرة، والتي تعرض فيها لمحاولة اغتيال، حيث تم تفجير سيارة مفخخة على بعد 100 متر من الحسينية في الخامس والعشرين من أغسطس 2011 (24 رمضان)، وقد خلف الانفجار العشرات من الشهداء والجرحى، في حين نجى السيد الفالي من محاولة الاغتيال حيث خرج من الحسينية قبل دقائق من التفجير، وقد أدت شدة الانفجار إلى حدوث أضرار في الأبنية المجاورة، وكذلك، تدمير عشرات السيارات، وقد حمّلت بعض الأوساط تنظيم القاعدة الإرهابي آنذاك مسؤولية التفجير.
*مؤلفاته
في مدرسة الحسين.
هكذا علّمنا الإسلام.
كتاب باللغة الفارسية عنوانه المعرَب: نظرة على حياة الإمام الصادق.
قام الراحل الفالي بترجمة أربع وثلاثين كتاباً من اللغة العربية إلى اللغة الفارسية، وقد طُبعت كلها. وقام بإخراج وتأليف عدد من المسرحيات الدينية، كان أولها في الكويت عام 1991 بعنوان «هلاك الطاغية» وقد مثّلها بعض الشباب في حسينية السيد محمد. وقد أسس في حسينية السيد الفالي أيضاً أول معرض للفن الإسلامي يتمثل نشاطه في عرض لوحات للفنانين الكويتيين عن قضايا الإسلام وبعض اللوحات التي تجسد معركة كربلاء.
*وفاته
توفي رجل الدين الشيعي والخطيب، السيد محمد باقر الفالي، فجر اليوم الأحد الموافق 10/ 12/ 2023، عن عمر ناهز 66 عاماً وذلك بعد رحلة صراع مع المرض. وقد نشرت صفحة الفالي الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي الشهير فيسبوك نبأ وفاته، حيث أوضحت أن الوفاة حدثت بعد تعرضه لوعكة صحية شديدة ألمّت به، وتم إدخاله على إثرها العناية المشددة (المركزة) ليفارق بعد ذلك الحياة.