مداهمات واسعة لمخازن التبوغ غير المجمركة.. هل كان اعتقال أشقاء "نزار حنا" بداية حرب السجائر؟
حرب السجائر بدأت
مداهمات واسعة لمخازن التبوغ غير المجمركة.. هل كان اعتقال أشقاء "نزار حنا" هو البداية؟
انفوبلس/..
حملة واسعة يشنّها الأمن الاقتصادي العراقي، طالت مختلف محافظات البلاد، واستهدفت مخازن التبوغ غير المجمركة في محاولة لضبط سوق السجائر، فهل كان اعتقال أشقاء "نزار حنا نصري" بداية هذه الحرب؟
*اعتقال أشقاء نزار
في أواخر شهر تموز الماضي، كشف مصدر مسؤول عن القبض على المطلوبين الهاربين (نمير ورامز) أولاد حنا عبدو وشقيقي نزار، وهما متهمين بقضية احتيال بقيمة 185 مليون دولار أثناء دخولهما لمطار بغداد الدولي.
نزار حنا نصري وشقيقاه (نمير ورامز) يواجهون حكماً بالسجن المشدد لمدة ثلاث سنوات وفق المادة 456، على خلفية الاستحواذ على مبلغ 185 مليون دولار أمريكي من المصرف العراقي للتجارة TPI، بحسب ما ورد عن مصدر مطلع نقلا عن محكمة جنح الكرخ في بغداد.
يذكر أن محكمة الكرخ للمجلس القضاء الأعلى أصدرت، في حزيران الماضي، مذكرة إلقاء قبض ومنع سفر بحق الإخوة المليارديرية الهاربين من سكنة دريم ستي/ أربيل، كل من نزار ونمير ورامز حنا عبدو البزر، وفق المادة 456 من قانون العقوبات، بتهمة النصب والاحتيال بعد تقديم الأدلة الثبوتية بحقهم من قبل المشتكي مصرف العراقي التجاري والمستثمرة سارا حميد سليم.
*ما علاقتهم بالسكائر المهرَّبة؟
يتربع رجل الأعمال العراقي نزار حنا نصري على عرش إمبراطورية تشمل الأدوية وواردات الخمور وبعض المنشآت العقارية الأكثر إثارة في أربيل. لكن نجاحه كان مبنيًا على أساس مبهم وأقل وضوحا "تجارة عالمية في سجائر السوق السوداء".
بالنسبة لمعظم العراقيين، فإن العقوبات الاقتصادية التي فُرضت على بلادهم في التسعينيات من القرن الماضي كانت بمثابة كابوس، لكنها شكلت فرصة اقتنصها نزار حنا نصري.
مكَّنَ حظر استيراد معظم السلع الأساسية المهرَّبين من أن يحققوا ثروات طائلة من خلال التحايل على العقوبات ونقل المنتجات إلى العراق. واحدة من أكثر أنواع التجارة غير المشروعة ربحية كانت في السجائر، وكان نصري واحدا من أنجح الفاعلين (المشغلين).
في العلن يعتبر نصري قطب عقارات ويمول مراكز تسوق، ومجمعات سكنية، ومكاتب شاهقة في أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق. لكن خلف الكواليس بنى عملية لا تزال تنتج سجائر للأسواق السوداء في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وخاصة إيران المجاورة ما يغذي الصناعة التي توفر التمويل للميليشيات والجريمة المنظمة والساسة الفاسدين.
لذلك أصبح نصري، القادم من الأقلية الآشورية المسيحية في العراق، معروفا باسم "أبو" السجائر العراقية المقلّدة، ابتداء من أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، بنى تحالفات مع شخصيات سياسية قوية واحتكر تهريب التبغ من السوق السوداء إلى العراق قبل بناء شبكة من المرافق لإنتاج علاماته التجارية المزورة.
ومنذ ذلك الحين، نأت شركة نصري بنفسها عن تجارة التبغ، لكن البنية التحتية التي طورها في تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين لا تزال تعمل. وتُقدر مصادر في قطاع إنتاج السجائر والدخان أن هناك ما لا يقل عن ستة مصانع لإنتاج السجائر المقلَّدة في العراق اليوم. ويتضمن العدد ثلاثة مصانع بناها نصري وما زالت تعمل لليوم بحسب ما يكشف التحقيق الاستقصائي الذي أنجزه مشروع تتبّع الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود.
*ارتباط مع بارزاني وطالباني ونجل صدام!
على مرّ السنين، دخل نصري في شراكة مع شخصيات قوية، بما في ذلك الرئيس العراقي السابق جلال طالباني، الرئيس الأذربيجاني السابق حيدر علييف، والمهرِّب من بوركينا فاسو وممثل فيليب موريس أبولينير كومباوري، وحتى عدي نجل صدام حسين. واليوم، لا يزال حليفا وثيقا لعائلة بارزاني الحاكمة في كردستان العراق، التي لديه معها العديد من المصالح المالية المتشابكة.
*مداهمات مخازن التبوغ
وينظر بعض المراقبين، أن الإطاحة بأشقاء نزار حنا (رائد التجارة عالمياً في سجائر السوق السوداء) بأنها كانت بداية "حرب السجائر" إذ أعقب ذلك، وخاصة في أوائل الشهر الحالي (آب) عمليات مداهمة واسعة لمخازن التبوغ غير المجمركة وفي مناطق مختلفة من البلاد.
بوم أمس الأربعاء، أعلنت الهيئة العامة للكمارك، مداهمة مخزنين للسكائر والمعسل في حي الخضراء بالعاصمة بغداد.
وذكرت الهيئة في بيان، أن "قوة مشتركة من تحريات الكمارك ومديرية الأمن الاقتصادي وبإسناد من مديرية أمن غرب بغداد/ مكتب أمن العامرية والقوة الماسكة للأرض ووحدة الاستخبارات داهمت مخزنين للسكائر والمعسل في حي الخضراء بالعاصمة بغداد".
وأضافت، أن "المعلومة وردت من جهاز الأمن الوطني/ مديرية الأمن الاقتصادي"، مشيرة إلى "اتخاذ الإجراءات القانونية بحقها وفقا للقوانين النافذة".
وأشار البيان إلى، أن "الهيئة، داهمت مؤخرا عددا من المخازن والتي تحتوي على مواد مخالِفة (مهرَّبة أو ممنوعة) من الاستيراد بمشاركة وإسناد من الجهات المختصة والأجهزة الأمنية".
وتزخر الأسواق العراقية بعشرات الأنواع من السجائر التي تدخل البلاد بشتى أنواع الطرق الرسمية وغير الرسمية، وتُباع في العاصمة بغداد وغيرها من المحافظات، ويشير العديد من المراقبين إلى أن غالبية هذه السجائر غير خاضعة للفحص والسيطرة النوعية للتأكد من جودتها ودول المنشأ ومدى مطابقتها لشروط السلامية الصحية.
*اختفاء وارتفاع
ونتيجة الحملة التي اتسعت حدّتها مؤخراً وبدأت تتمدد لتشمل مناطق جديدة من بغداد ومحافظات أخرى، سجلت أسعار السجائر قفزة، فيما أن بعض الأنواع اختفت من بعض المحال ولم تعد موجودة لديهم.
وارتفعت أسعار السكائر لدى كل نوع بين 15 وحتى 30 بالمئة بشكل متفاوت وحسب نوع السكائر، حسبما أكد تجار السكائر، بعد أن بدأ الأمن الاقتصادي بإغلاق محال تجار جملة السجائر ومواد أخرى وليست السجائر فحسب، وسبب ذلك هو لتعامل هؤلاء التجار بسعر الدولار في السوق الموازي.
*الأسعار
وهنا تستعرض شبكة انفوبلس، أسعار بعض أنواع السكائر ومعسل الأراكيل التي شهدت ارتفاعاً مؤخراً:
تكة كلواز من 6.500 الى 9.500 دينار
تكة الماك من 4.000 الى 7.000 دينار
تكة الأوسكار من 4.000 الى 7.000 دينار
تكة النابولي من 4.000 الى 7.000 دينار
تكة الماستر من 5.250 الى 6.500 دينار
علبة 100 غرام معسل أركيلة من 1.500 الى 2.000 دينار
وقام الأمن الاقتصادي بتشكيل فرق جوالة وبشكل متخفٍّ باعتبارهم زبائن ويسألون عن الأسعار التي شهدت ارتفاعًا بسبب ارتفاع الدولار، وعند محاججتهم بأن الدولة توفر الدولار بالسعر الرسمي، يرد أصحاب الجملة بأنهم لا يشترون من البنك المركزي، بل من السوق الموازي، ليفتضح أمرهم في وقت لاحق ويتم اعتقالهم وإغلاق محالهم التجارية”، وفقا لعاملين في السوق.
*أكبر تجارة عبر التهريب
يقول المهتم في الشأن الاقتصادي ماهر أمين، إنّ "تجار السكائر هم أبعد الناس عن شراء الدولار من البنك المركزي أو عبر المنصة الإلكترونية، لأن هذا النوع من التجارة هو أكبر تجارة تتم عبر التهريب في العراق، بسبب الرسوم والضرائب العالية المفروضة عليها في المنافذ الرسمية، حيث تصل إلى 100%".
وبالأرقام، يشير أمين في حديث صحفي إلى أنه "بحسب مرصد التعقيد الاقتصادي OEC، فإنّ العراق استورد في 2021 تبغا ملفوفا أو سكائر بأكثر من مليار دولار، حيث جاء رابع أكبر مستورد للسجائر بعد كل من إيطاليا وألمانيا وإسبانيا، ليستحوذ على 4.86% من إجمالي السجائر المصدَّرة عالميًا في عام 2021".
بالمقابل، سجَّل الجهاز المركزي للإحصاء حجم استيراد التبغ والسكائر في العام 2021 بـ1.4 مليون دولار فقط، هذا يعني أنّ ما يدخل بشكل رسمي من السكائر لا يعادل شيئا، ويبلغ 0.1% من إجمالي السجائر المستوردة بالفعل. وهذا يثبت بشكل كبير أنّ معظم السجائر هي مهرّبة.
*5 ملايين دولار يومياً
هذه الإحصائية تكشف أنّ تجار السكائر يحتاجون سنويا الى مليار دولار لتغطية قيمة شراء منتجاتهم، وبالتالي فإنهم يلجأون إلى السوق الموازية، إذ إنّ مزاد العملة لا يُفتح سوى قرابة 215 يومًا سنويا، بسبب وجود 150 يوما عطلة في السنة.
وهذا يعني أنّ سوق السكائر وحده يحتاج لشراء 5 ملايين دولار يوميا من السوق الموازي، بسبب ابتعاد التجار عن المنصة والبنك المركزي، للتهرّب من الضريبة التي تبلغ 100 بالمئة على السكائر.
*إحصاءات
وتشير تقديرات سابقة صدرت عن منظمة الصحة العالمية إلى أنّ العراقيين يحرقون (يدخنون) سكائر بقيمة بـ1.8 مليون دولار يوميًا. وسنويا بـ 657 مليون دولار.
وهذه التقديرات التي تشير إلى أن العراقيين يستهلكون يوميا سجائر بقيمة تبلغ 1.8 مليون دولار، يذهب الجزء الأعظم منها لاستيراد السجائر عن طريق التهريب من خارج العراق، في وقت تُقدر فيه نسبة المدخنين في البلاد بـ35% من كلا الجنسين، وهو ما يعني أن مجموع أعداد المدخنين يبلغ نحو 14 مليون عراقي من مجموع 42 مليوناً.
وفي منتصف العام الماضي، كشفت وزارة الصحة العراقية، عن أرقام صادمة حيال اتساع ظاهرة التدخين في البلاد، مؤكدة أنّ العراق يُسجّل حالة وفاة واحدة كل 20 دقيقة بسببه، وسعيها مع المؤسسات الأخرى لمكافحة الظاهرة، والحدّ من انتشارها الواسع في البلاد.