مستغلين الجهل بأهمية المستمسكات.. مكاتب وهمية تحتال على الموظفين والمتقاعدين والمواطنين وتهرب بعد سحب قروض بأسمائهم دون علمهم
انفوبلس..
خلال السنوات الأخيرة ومع كثرة أبواب القروض التي تمنحها المصارف الحكومية للموظفين والمواطنين، انتشرت ظاهرة النصب والاحتيال من قبل مكاتب وهمية تدّعي تسهيل اجراءات القروض للمواطنين أو منحها لهم بفوائد قليلة، لتقوم فيما بعد باستخدام مستمسكاتهم لسحب قروض باسمهم دون علمهم والهرب عبر استغلال جهل شريحة كبيرة من الناس بالإجراءات الرسمية.
تحذيرات متكررة
وبين الحين والآخر، يحذر البنك المركزي العراقي، المواطنين من التعامل مع شركات وهمية تدّعي تسهيل إجراءات استلام القروض من المصارف.
ويقول البنك المركزي في بياناته المتكررة، إنه "يحذر المواطنين من التعامل مع شركات وهمية تدّعي تسهيل إجراءات استلام القروض من المصارف".
ويضيف، إنه "لم يمنح هكذا تراخيص لأي شركة أو جهة، كما أنه يحثّ المصارف على تسهيل إجراءات الإقراض والتواصل المباشر مع المواطنين وفقا للسياقات الرسمية".
ولفت إلى، أنه "قد فاتح الجهات الأمنية لاتخاذ الإجراءات القانونية بحق الشركات والجهات المذكورة، لما تسببه من أضرار للمتعاملين معه".
آلية النصب
وفي أواخر أيام العام الماضي، كشفت محكمة النزاهة في محافظة ديالى، عن تزايد حالات تلاعب وتزوير ومخالفات قانونية في عمليات إقراض المواطنين، والآليات التي تقوم بها الشركات لغرض اصطياد ضحاياها، مؤكدة أن هذه الجرائم مركبة تبدأ بالاحتيال والتزوير إلى الإضرار بالمال العام.
وذكر قاضي تحقيق النزاهة في ديالى محمد عباس في بيان، أن "هناك شركات تقوم باستغلال المستمسكات المقدمة من قبل الضحايا والأبرياء وجعلهم مقترضين في قروض وكفلاء في قروض أخرى، حيث تقوم بتزوير تواقيع وبصمات هؤلاء المقترضين على انهم هم من قاموا بترويج المعاملات واستلام مبالغ القروض".
وأضاف عباس، أن "هذه العملية غالباً ما تتم عن طريق وجود اتفاق مسبق بين أصحاب الشركات وموظفي المصارف المانحة للقروض ودوائر الكفلاء"، لافتا إلى أن "هناك شكلا من أشكال النصب يحدث عندما يقوم صاحب الشركة بإيهام المقترض بوجود قروض تُمنح لهم كسلف ومبلغها قد يكون مليونا أو مليوني دينار".
وتابع، أن "سذاجة المقترض تدفعه للتوقيع على كافة أوليات المعاملة من الوصولات والكمبيالات وإشعار المصرف دون قراءة المضمون أو أنه يجهل القراءة، وبعد استلام المبلغ (مليون دينار) يفاجأ بعد مدة عندما يبدأ بالتسديد أن القرض ليس مليونا واحدا وإنما عشرة أو خمسة وعشرين مليونا أو أكثر، ما يعني أن الشركة قد احتالت عليه وسلمت له مليون دينار واستولت على باقي مبلغ القرض".
وأوضح، أن "المقترضين غالباً ما يتم أخذ بصماتهم وتواقيعهم على مستندات فارغة خالية من البيانات حتى تسمح لصاحب الشركة التلاعب كما يريد كأن يزيد مبلغ القرض أو يغير المعلومات، وكذلك يتم إيهام الكفلاء من خلال اخذ تواقيعهم وبصماتهم على أنه كفيل (لشخص ما) في بداية الأمر واخذ تواقيعه وبصماته على مستندات فارغة بحجة السرعة وملئها ولكن يتضح لاحقاً انه قد تكفل شخصا آخر، ولجهل (المقترض او الكفيل) يقوم صاحب الشركة بإيهام المقترض بانه سيمنح له قرضا ويقوم بإخذ تواقيعه وبصماته على المعاملة ويضع من ضمنها كفالات ووصولات على اعتبارها مطلوبة ويتبين فيما بعد انه استغله وجعله كفيلاً لشخص آخر دون ان يعرف ذلك، وبالعكس يأخذ تواقيع وبصمات الكفيل على انه كفيل وفي ما بعد يجعله مقترضا ويستلم قرضا باسمه دون علمه".
وفيما يخص القروض الزراعية وطريقة التلاعب بها، يكشف القاضي أن "المتلاعبين يقومون بتزوير العقود الزراعية وذلك من خلال جعل أشخاص على أنهم يملكون عقدا زراعيا أو أرضا زراعية لتسهيل عملية استلام القروض، لأن القروض الزراعية تتطلب امتلاك المزارع (المقترض) أرضا زراعية أو عقد إيجار".
وتابع "تقوم الشركات بأخذ تواقيع وبصمات المقترض على أن يتم منحه قرضا زراعيا واحدا مثلاً ويوافق على ذلك لكن الأخير لا يعرف ماهية وآلية وكيفية ترويج المعاملة لذا يتركها على عاتق الشركة فيأتي صاحب الشركة بأخذ تواقيع المقترض أو الكفيل على أوراق أو مستندات من كفالات وتعهدات كثيرة اكثر مما تتطلب في المعاملة الواحدة وفي ما بعد يستغل هذه المستندات لأكثر من معاملة ويستلم المقترض مبلغ معاملة واحدة وفي ما بعد يظهر بأنه قد منح له قروض عدد (4) او (6) ودون علم او موافقة المقترض بهذا العدد حيث انها جرت من خلال استغلال واخذ تواقيع على عدد كفالات وتعهدات وطلبات".
ويلفت عباس أيضا إلى "لجوء النصابين دائما إلى حيل ومقالب ذكية تجعلهم يكسبون الثقة والطمأنينة من قبل ضحاياهم للتوصل إلى مبتغاهم في تحقيق أهدافهم المادية والمعنوية إذ يقومون ببناء علاقات طيبة مع ضحاياهم كأن يكونوا اهل منطقة واحدة او تربطهم صلة قرابة إضافة الى نشر العديد من الإعلانات لاستقطاب ضحاياهم".
وعن الموقف القانوني لهذا النوع من الجرائم أشار إلى أنها "جرائم مركبة فهي جريمة احتيال وأخرى جريمة اختلاس وجريمة تزوير وإضرار بالمال العام"، مبيناً أن "الوصف القانوني مثلا لموظفي المصارف وحيث كونهم موظفين منهم تنطبق عليهم احكام المادة (340 قانون العقوبات / من كونهم سببوا ضرراً عمدي او هدر بالمال العام وتارة تنطبق عليهم الوصف القانوني وفق أحكام المادة ( 316 ق.ع او 315 ق .ع) من كونهم موظفي في المصارف وهم جهة إيداع المبالغ لديهم وتم اختلاسها من قبلهم مستغلين منصبهم في المصارف".
أما فيما يخص التوصيف القانوني لأصحاب الشركات المحتالين فقد أوضح عباس أن "هناك من ينطبق عليهم أحكام المــــادة (456 عقوبات) لاحتيالهم على الاشخاص الذين تم منحهم القروض من أي مصرف".
وأشار عباس الى أن "هناك حالات تدفع القضاء الى تكييف المادة القانونية في الحالات التي تنطبق عليها الوصف القانوني وفق أحكام المادة (289 عقوبات) من حيث قيامهم بتزوير أوليات المعاملات الخاصة بالقروض من قبل المحتالين مما يؤدي الى قيام المقترضين او الكفلاء بإنكار تواقيعهم وبصماتهم على أوليات المعاملات أمام القضاء كونهم يجهلون كيفية أخذ تواقيعهم وبصماتهم خاصة لسنوات قديمة منذ بدء صرف القروض عام 2009 وصعوداً وهـم أغلبهم (كبيرو السن) او الأشخاص الساذجين، هنا يتم تكييف هذا الفعل وفق أحكام المادة (243 عقوبات) عن جريمة تضليل القضاء، كونه عند إقدامهم بالشكوى أمام القضاء ويأتي دور القضاء بأخذ الإجراءات القانونية التي تأخذ فترة طويلة من الزمن وانشغال المحكمة بهذه القضايا وبالتالي تكون نتيجة المضاهاة لتواقيعهم وبصماتهم مطابقة لبصماتهم الحقيقية مما قد يفتح قضية بحقهم على جريمة (تضليل القضاء)".
قصص حيّة
في عام 2022، وفي محافظة كركوك، كان المواطن ضياء جليل يمر بوضع مالي صعب، لذا خضع لطلب أشخاص زعموا أنهم يعملون لمنظمة خيرية وأعطوه مبلغ 100 دولار وكيساً من الطحين، في المقابل سلمهم كل وثائقه الرسمية.
حدث ذلك في عام 2013 لكن تداعياته ظهرت في 2022، فقد تبين بأن مجهولين اقترضوا أكثر من 47 مليون دينار عراقي من البنك مستخدمين وثائق وبصمة يد ضياء جليل.
وقال جليل: "لم نكن نعلم بأن أناساً ضعاف النفوس سحبوا أموالاً من البنك بأسمائنا ووثائقنا الرسمية ثم لاذوا بالفرار".
يقيم ضياء في حي العروبة بمدينة كركوك، وهناك قرابة 30 شخصاً آخرين في نفس الحي "نُصِب عليهم" بعد أن استخدم أشخاص ادّعوا بأنهم يعملون لصالح منظمة خيرية، وثائقهم الرسمية لسحب قروض من البنك.
يعتاش ضياء من بيع وشراء الأغراض المنزلية القديمة بدراجة نارية ثلاثية العجلات (ستوتة)، وقال: "كيف سأتمكن من دفع ذلك المبلغ الكبير بما أكسبه.... أعيش في منزل بالإيجار، لم أستلم ذلك المبلغ ولم أره... ليس بمقدوري أن أدفع حتى ربع ذلك المبلغ".
وبعد سنوات على الواقعة، أرسل عدد من البنوك الحكومية في كركوك إخطارات الى المواطنين بشأن مبالغ اقترضوها من البنوك وطلبوا تحديد موعد لإعادة القروض، وبخلاف ذلك، سيتعرضون للمساءلة القانونية.
عملية النصب وقعت في حي العروبة وسط كركوك فقط، بعض الضحايا تم اقتراض مبلغ 25 مليون دينار أو أكثر بأسمائهم.
قحطان نور الدين، الساكن أيضاً في حي العروبة، قال: "نحن عائلة من ستة أفراد، اقترضوا باسم كل واحد منا مبلغ 18 مليون دينار".
وأضاف: "هؤلاء الأشخاص قالوا بأنهم يعملون لمنظمة خيرية، كانوا يتحدثون باللغتين الكردية والعربية، قالوا بأنهم جاؤوا لتوزيع المساعدات علينا وطلبوا منا نسخ من وثائقنا ومستمسكاتنا الرسمية ووضع بصمة يدنا على الاستمارة الخاصة بالمساعدات".
الاشخاص الذين زاروا حي العروبة لم يذكروا اسم أية منظمة، وسكان الحي لم يطلبوا منهم إظهار هوياتهم أو معلومات أخرى.
أحمد عبود أصبح مديوناً بمبلغ كبير مقابل الـ100 دولار التي حصل عليها، وقال "أدخلوني في دوامة يصعب علي الخروج منها، تعرضت لكارثة بسبب ما حدث، لأن زوجتي أُصيبت بجلطة قلبية وتوفيت متأثرة بما حدث، ومن المستحيل أن أتمكن من دفع هذا المبلغ".
المتحدث باسم قيادة شرطة محافظة كركوك، المقدم عامر شواني، قال في حينها "لدينا معلومات حول وجود اثنتين أو ثلاث عصابات احتيال في المدينة والشرطة تتابعهم بدقة، خلال الفترة الماضية ألقت الشرطة القبض على شخصين متورطين في عمليات نصب واحتيال".
ودعا شواني المواطنين الى أن يكونوا "أكثر حرصاً وأن لا يصدقوا الأشخاص الذين يزورون الأحياء تحت مسمى المؤسسات الانسانية والخيرية والذين يلحقون الضرر بالناس عن طريق النصب والاحتيال".
سكان حي العروبة وجهوا رسالة الى الحكومة مطالبين إياها بمعالجة مشكلتهم من خلال اعتقال المتهمين بعملية "النصب" أو إعفائهم من دفع القروض التي عليهم.
المحامي هزار الكاكائي قال: "يجب على المواطنين تسجيل الشكاوى وإبلاغ المحاكم بأسرع وقت، من الأفضل إبلاغ هيئة النزاهة كذلك بشأن القضية، لأن ما حدث يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون بموجب المادة 456 من قانون العقوبات العراقي".
وتنص المادة على أنه " يعاقب بالحبس كل من توصل الى تسلم او نقل حيازة مال منقول مملوك للغير لنفسه او الى شخص آخر وذلك بإحدى الوسائل التالية: باستعمال طرق احتيالية. باتخاذ اسم كاذب او صفة غير صحيحة او تقرير أمر كاذب عن واقعة معينة متى ما كان من شأن ذلك خدع المجني عليه وحمله على التسليم".