مع قرب إعلان نتائج السادس.. ما هو نظام البكالوريا في العراق المؤهل للجامعات والمعاهد وهل مطبق فعلاً؟
انفوبلس/ تقرير
مع اقتراب الإعلان عن نتائج الصف السادس الإعدادي بفرعيه العلمي والأدبي في العراق، يمكن للطلاب الذين ينهون المرحلة الثانوية ويحصلون على مؤهلات الحد الأدنى للمتابعة أن ينضموا مباشرة إلى الجامعات أو المعاهد الفنية التي تمتد الدراسة فيها لمدة أربع سنوات كحد أدنى، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على نظام البكالوريا والطريق المعتمد إلى الجامعات.
من هو نظام البكالوريا في العراق؟
بحسب الباحث في الإدارة والسياسة التربوية أحمد الجعفري فإن الاطلاع على حقيقة الامتحانات العامة في العراق (البكالوريا) يُعد أمراً في غاية الأهمية لأن وزارة التربية استخدمتها منذ عشرات السنين كمعيار لمنح شهادة تخرج الطلبة من المرحلة الإعدادية من جهة، وكمعيار لقبول الطلبة في الجامعات العراقية من جهة أخرى.
ويعود اسم امتحان الباكالوريا الى منظمة دولية تسمى (المنظمة الدولية للبكالوريا) والتي تأسست في عام 1968. وهذا المنظمة مسؤولة عن تقديم خدمات البكالوريا في جميع أنحاء العالم وترعى آلاف المدارس والمناهج الدراسية والامتحانات. وتوفر هذه المنظمة ثلاثة برامج تعليمية للبكالوريا مقسمة على ثلاث مراحل عمرية، أهمها هو ما يُعرف ببرنامج (دبلوم بكالوريا) والتي تكون في المرحلة العمرية من 16 الى 19 سنة. يوفر برنامج (دبلوم بكالوريا) تعليم متكامل عالي المستوى تشترك فيها عناصر متعددة كالمناهج الرصينة والمحتوى المتكامل وطرق التدريس الحديثة والفعالة، جميعها تتوفر بثلاث لغات وهي الانكليزية والفرنسية والاسبانية، بحسب الباحث.
كما يركز البرنامج على المتعلم بشكل أساسي من خلال تزويده بمهارات عديدة منها مهارات التعلم المعرفية وحل المشكلات والعمل الجماعي والاستكشاف، كما يجب أن يتعلم الطلبة لغتين عالميتين على الأقل خلال فترة البرنامج. ويركز البرنامج ايضاً على العمل ضمن نطاق التعليم الدولي الذي هو بدوره يركز على القيم واحترام المجتمعات كجانب من الجوانب المهمة. كما يقود عملية التعليم في المدارس، معلمون ومديرون على مستوى عالي من التدريب والتحصيل الأكاديمي من أجل المساعدة في إيصال المعرفة للطلبة ضمن برنامج البكالوريا.
ويقول الباحث، إنه بعد هذا الوصف البسيط عن برامج البكالوريا وامتحاناته، نستنتج أن ما يوجد في العراق من امتحانات عامة ليست لها علاقة بامتحان البكالوريا لا من قريب ولا من بعيد كما يظن البعض. هذه الحقيقة المزيفة التي نعيشها منذ سنين طويلة والتي كنا نظن أننا نخضع فعلاً لامتحان البكالوريا الدولي او على الاقل مشابه له في بعض جوانبه.
إذاً ما هي الاختبارات العامة في العراق؟ يتساءل الباحث، ويكشف، يبدو من المنطقي جداً أن نتعرف على طبيعة الامتحانات العامة في العراق لأنها هي المعيار الحاسم في تحديد مستقبل الطلبة. الاختبارات العامة في العراق (البكالوريا كما يطلق عليها) هي اختبارات تحصيلية تقيس المستويات المعرفية لدينا والتي تركز على الحفظ والاكتساب والتذكر من دون غيرها من المهارات الأخرى، أي بمعنى آخر هي تركز بشكل كامل على قياس اكتساب محتوى المنهج (بطريقة الحفظ) لدى الطلبة بعكس الاختبارات الاخرى في الدول المتقدمة والتي تقيس المستويات المعرفية العليا والتي تركز على مهارات التعلم وحل المشكلات والإبداع وغيرها من المهارات.
ويتابع، إن الأسئلة التقليدية التي تطرحها هذه الامتحانات العامة الحالية في العراق هي غير قادرة على قياس مستويات الإبداع والتحليل والتركيب وحل المشكلات والتي يحتاجها الطلبة في دراستهم الجامعية. وخير مثال على ما أقول: إن بعض الطلبة في المرحلة الاعدادية يتحصلون على معدل يصل الى 100% ويُقبلون في كليات الطب، ولكن المفاجأة عند تخرجهم من كليات الطب نرى معدلاتهم قد هبطت الى 60% و70% وربما الطلبة الأجدر وهم قلة بطبيعة الحال، قد يتحصلون على 80% كمعدل أعلى. فبماذا يمكن أن نفسر هذه الظاهرة؟ هل إن مستوى العلوم وطرق التدريس التي تتمحور حول عملية التعلم في كليات الطب هي أعلى من مستوى ذكاء الطلبة؟ إذا كان كذلك فلماذا يُقبل هؤلاء الطلبة منخفضو القدرات في كليات تفوق قدراتهم الذهنية؟ أم إن المناهج الدراسية وامتحان الباكالوريا في مرحلة الاعدادية لا توازي المستوى الأكاديمي في كليات الطب؟ فكلاهما مشكلة حقيقية يجب التوقف عندها.
ويضيف، إنه بعد التعرف على ماهيّة امتحان البكالوريا الدولي والتعرف على ماهيّة الامتحانات الحالية في العراق، فلماذا نسمي الامتحانات العامة الحالية التي تُشرف عليها وزارة التربية بالبكالوريا؟ خاصةً إذا ما علمنا أن أقرب نقطة للتشابه بعد المقارنة بين امتحان البكالوريا الدولي والامتحانات العامة في العراق (البكالوريا) هي غير موجودة في الواقع. حتى إن امتحان البكالوريا الدولي لا يُعتمد كمعيار للقبول في الجامعات كما هو الحال في العراق.
ما يثير هذه التساؤلات حول حقيقة امتحان البكالوريا هو أن العراق مصنَّف بجانب لبنان وسوريا من الدول الآسيوية التي تستخدم امتحان البكالوريا في مدارسها!. وهنا لابد من أن نطرح تساؤلات تحتاج الى إجابات صريحة منها: هل إن العراق كان يطبق امتحان البكالوريا في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي بالتعاون مع المنظمة الدولية للبكالوريا وبعد ذلك تم إيقاف العمل به؟ وإذا كان كذلك فلماذا تم إيقاف العمل بامتحان البكالوريا الدولي؟ مع أني لم أجد دليلاً واحداً على أن العراق كان يطبق البكالوريا الدولية، بحسب الباحث في الإدارة والسياسة التربوية أحمد الجعفري.
ويذكر، "كهذا النوع من الامتحانات العامة غير الفعالة والتي تستخدمها وزارة التربية لتحديد مستقبل الطلبة المهني لا تُستخدم في كثير من الدول على أنها المعيار في تحديد قبول الطلبة في الجامعات، بل تُستخدم كمعيار في عدة مجالات منها: تستخدم كشهادة تخرج من المرحلة الاعدادية (دبلوم)، تحديد مستوى الأداء للمدارس، تحديد نقاط القوة والضعف في المناهج الدراسية، تحديد جودة التعليم، استخدام بياناتها في مكافأة المديرين والمعلمين المتفوقين، وكذلك مطابقة الاهداف التعليمية مع النتائج المتحققة (التقويم).
وبحسب دراسة قام الباحث عام 2014 وبمشاركة باحثين من ست دول أخرى وهي (امريكا، كوريا الجنوبية، الصين، الاكوادور، اندونيسيا، والسعودية)، وجد أن جميع الدول الست المشاركة في الدراسة ما عدا العراق لديها امتحانان وهما: امتحان التخرج من المرحلة الاعدادية (شبيه تماماً لامتحان العراق) والامتحان الثاني هو امتحان القبول في الجامعات. حيث إن امتحان التخرج من الاعدادية يخضع لسلطة وزارات التربية في تلك الدول ومن قبل حكومة الولاية في امريكا. أما امتحان القبول في الجامعات، إما أن يُدار من مؤسسات خاصة، مؤسسات حكومية مستقلة، او من قبل الجامعات نفسها التي تحدد معايير القبول.
ويوضح، نحن اليوم بحاجة ماسة الى حزمة من التغييرات فيما يتعلق بالامتحانات العامة في العراق، وعلى رأسها تغيير الامتحان الحالي (البكالوريا) من امتحان يحدد قبول الطلبة في الجامعات الى امتحان يحدد أهلية الطلبة في الحصول على شهادة الإعدادية فقط واستخدام بياناته لتقويم عملية التعليم في وزارة التربية من جهة، والعمل على إيجاد امتحان جديد يحدد القبول في الجامعات العراقية كما هو معمول فيه في الدول الاقليمية والدول العالمية من جهة أخرى.
لماذا نحتاج الى امتحان القبول في الجامعات؟ ربما هذا السؤال قد يتبادر الى أذهان القراء والمتابعين. حيث يقول الباحث، إن الاجابة على هذا السؤال هو أن امتحان القبول الجامعي يقيس المستويات العليا من المهارات المعرفية وهو قادر على تحديد أهلية الطلبة في القبول في كلية ما وفقاً لمتطلباتها الخاصة للقبول. فلا يمكن أبداً لطالب (تم قبوله عنوةً في كلية الطب اعتماداً على امتحان قاس المهارات الدنيا للطالب) أن يتخرج من كلية الطب بمعدل 50% او 60% ويُسمح له بمعالجة مرضانا ويجري العمليات لهم ويشخص العلاج. إذا كان طالب قد تحصل على 50 % من المعلومات فقط، فأين ذهبت الـ 50% الاخرى؟ وكذلك الحال بالنسبة للمهندس والمعلم وغيرهم.
ويردف، هذا يعبر بوضوح عن أن الطلبة غير مؤهلين لدخول كهذا نوع من الكليات، او على الاقل أن الامتحانات الحالية التي تديرها وزارة التربية لا تؤدي وظائفها فيما يخص تحديد أهلية الطلبة لدخول كليات تتناسب مع قدراتهم الذهنية. في الولايات المتحدة مثلا، إذا ما أراد طالب أن يدرس في كلية الطب فعليه أولاً أن يدرس بكالوريوس علوم بعد المرحلة الاعدادية ومن ثم عليه ثانياً أن يخضع لامتحان القبول في كليات الطب يسمى (امكات). أما بالنسبة للطالب المتقدم للدراسة في كليات الادارة والاقتصاد عليه أن يجتاز امتحان يدعى (الجيمات) والمتقدم للدراسات العليا عليه اجتياز امتحان يسمى (جي ار اي). كذلك الحال في بريطانيا والمانيا وفرنسا واليابان وكوريا الجنوبية وغالبية الدول المتقدمة لديها امتحانات تعتبر هي المعيار لقبول الطلبة في الجامعات من عدمه، وجميع هذه الامتحانات تعتمد على وضع الطلبة في مشكلات معينة وعليهم ايجاد حلول لتلك المشكلات، وتحتوي على اسئلة تتحدى القدرات الذهنية للطلبة. وكذلك عليهم كتابة مقالات تتطلب مهارات عالية المستوى كالفهم العالي والتحليل والتركيب والاستنتاج. أما في العراق فالطالب يتم قبوله في كليات الطب والهندسة اعتماداً على امتحان يعتمد على (قارن، علل، طابق، والصح والخطأ).
- من المعلوم أن التربية والتعليم منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة 1921 قد مرّتا بمراحل عدة، ففي العهد الملكي 1921 – 1958 كانتا في بداية التأسيس تسيران ببطء، ومحدودتي الانتشار، وبعد 1958 ألقى الصراع بين الأحزاب السياسية بظلاله وضلاله على العملية التعليمية فلم تسلم المدارس والكليات منه، ولم تزل هذه الآفة المرضية مستمرة إلى يومنا هذا، بحسب الباحث طاهر البقاع، الذي أشار الى أن المدة الذهبية التي شهدها قطاعا التربية والتعليم هي سبعينيات القرن الماضي، وذلك إثر صدور قانون مجانية التعليم رقم 118، الذي صدر في 22 أيلول 1976، ونشر في 11 أكتوبر، واعتبر نافذاً من تاريخه.
البقاع يقول، إنه لم يستمر هذا التطور طويلا، إذ أدت الحرب العراقية الإيرانية إلى ضعف المتابعة لتطبيق قانون إلزامية التعليم رغم نفاذه وعدم إلغائه، الأمر الذي أدى إلى تسرب أعداد كبيرة من الطلبة وعدم إكمال دراستهم الابتدائية، وتعرض التعليم الابتدائي إلى نكسة أُخرى جراء الحصار الذي فرضته الأمم المتحدة على العراق إثر غزو الكويت 1990، واستمر ذلك التدهور حتى 2003.
يشار الى أنه بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، شهد النظام التعليمي تحولات كبيرة، وخاضت مستوياته، تجارب لا تقل مرارتها عن مفاصل حياة العراقيين الأخرى، وبعد أكثر من 20 سنة على تلك اللحظة، لا يزال التعليم في البلاد يعاني مشكلات هيكلية، مثل نقص التمويل والموارد، ونقص الكوادر التعليمية المؤهلة والمدربة، ونقص البنية التحتية الملائمة، ما يبقيه خارج تصنيفات التعليم العالمية الرصينة، وخارج مؤشرات الجودة.
لقد أثر العنف والصراعات المستمرة في العراق على مستوى التعليم في البلاد بشكل كبير، وخصوصاً خلال سنوات ما بعد الغزو، مما أدى إلى تدمير العديد من المدارس والمؤسسات التعليمية، وإصابة العديد من الطلاب والمعلمين بجروح وأذى، وأثر سلبًا على جودة التعليم وتقدمه في العراق، بالإضافة إلى هجرة كبيرة للكوادر التدريسية الكفوءة.
كما شهد العراق فترات توقف عن الدراسة في ٢٠٠٣ إبان دخول قوات الاحتلال الامريكي، وهذا التوقف تفاوت حسب المدن، فبعضها توقف تعليمها لستة أشهر، بينما تأخر في اخرى لأكثر من ذلك، وضربت البلاد موجة عنف طائفي بين عامي 2005 و2008، ولا توجد مؤشرات دقيقة على عدد المدرسين والمعلمين والطلاب الذين قُتلوا أو أُصيبوا أو هاجروا جراء العنف، لكنّه حرم مئات آلاف الطلاب حق التعليم خصوصا في المدن التي كانت توصف بأنها ساخنة.
إلا أن أكثر موجة عنف أثرت على التعليم وبشكل واضح هي فترة سيطرة تنظيم "داعش" على مدن كاملة في العراق من 2014 وحتى 2017، إذ حرم ملايين الاطفال من حقهم في التعليم: حسب بعثة الامم المتحدة فهناك 3.2 مليون طفل عراقي في سن الدارسة لم يتمكنوا من الحصول على تعليم، ويشمل ذلك 340 ألف طفل نازح ممن تعرضت مدنهم للعنف والدمار جراء احداث العنف التي شهدتها منذ 2014 مثل مدن الموصل وصلاح الدين والرمادي وديالى، وتقدر الامم المتحدة أن عدد النازحين ممن هم بحاجة الى تعليم حوالي 1.2 مليون مواطن عراقي.
في تلك السنوات توقف التعليم تماما في غالبية المدارس، كما فرض التنظيم الإرهابي مناهج من صنيعته على ما تبقى من مدارس في المناطق تحت سيطرته، ففي نينوى وحدها هُدمت 174 مدرسة، وحسب إحصاء غير رسمي، انخفض عدد المدرسين في سنجار من 2850 قبل دخول التنظيم إلى 150 مدرسا فقط في بعض الفترات، كما أن عدد الطلاب انخفض من 60 ألفا إلى 10 آلالف فقط.
وأدت موجات العنف بالعراق على مدى عقدين لحرمان ملايين العراقيين من حق التعليم، كما أسهمت الجماعات الارهابية في ضم عدد غير محدد من الطلاب إلى جانبها، لتخلق عاملاً مباشراً آخر بانحدار مؤشرات التعليم في العراق، إلى جانب عوامل أخرى، يتصدرها الفساد المالي والإداري.