ممثل أربيل "يتلعثم" بجلسة المحكمة الاتحادية وممثل المركز "يُحرجه".. طيف سامي تُصرّ على تسديد الإيرادات وانفوبلس تتبع "جذور الأزمة"
انفوبلس/ تقارير
ثمّةَ مشكلة أزلية يتجاوز عمرها العشرين عاما بين المركز والإقليم بدايتها ونهايتها تتعلق بـ"الأموال"، فكردستان كانت ولا زالت ترفض تسليم الإيرادات النفطية لبغداد وتريد بذات الوقت تمويل رواتبها من الأخيرة، في حين تُصرّ العاصمة على ضرورة تسلّمها تلك الإيرادات التي امتنع الإقليم عن إرسال أي منها خلال عام 2023 وفق وزير المالية طيف سامي. المحكمة الاتحادية كانت لها أدوار متعددة بهذا الشأن وكان آخرها يوم أمس عندما استضافت ممثل أربيل لبحث أزمة الرواتب لكنه امتنع عن كشف الرقم الحقيقي لعدد موظفي الإقليم وهذه المشكلة تعتبر أساس الأزمة وفق ممثل الحكومة المركزية. في حين رد الحزب الديمقراطي بزعامة مسعود بارزاني على حديث سامي وأكده مع الإقرار بأن الإقليم لم يسلم الإيرادات لبغداد. فماذا تريد أربيل إذاً؟ وماذا دار بجلسة المحكمة الاتحادية؟ وأين تذهب تلك الإيرادات؟
*أصل المشكلة
لمعرفة الصورة الحقيقية لما يجري، من المفيد العودة لأصل الخلاف الذي يتطور يوماً بعد آخر.
في السنوات الأخيرة أغضب الأكراد، الحكومات المركزية المتعاقبة، بتوقيع اتفاقيات وفقاً لشروطهم الخاصة مع شركات النفط الدولية ومن بينها أكسون موبيل وتوتال وشيفرون كورب، دون الرجوع إلى المركز.
تقول بغداد، إنها وحدها لها الحق في السيطرة على استكشاف وتصدير رابع أكبر الاحتياطيات النفطية في العالم، بينما يُصرّ الأكراد على أن حقهم في فعل ذلك منصوص عليه في الدستور الاتحادي للعراق لعام 2003، الأمر الذي يُشكِل عليه معظم خبراء القانون.
ظل هذا التجاذب قائما لسنوات قبل أن يتم التوصل لاتفاق هَشّ بين الجانبين في عام 2015 يقضي بتسليم الإقليم 250 ألف برميل نفط يوميا إلى شركة تسويق النفط العراقية "سومو" مقابل تثبيت الحكومة للمستحقات المالية للإقليم بموازنة 2020 ومن ضمنها رواتب الموظفين.
لكن كالعادة، خرقت حكومة الإقليم الاتفاق بعد ذلك واستمر الخلاف قائماً حتى إقرار الموازنة الثلاثية في مايو الماضي.
وبموجب الموازنة الجديدة، توصلت حكومة الإقليم لاتفاق مع حكومة بغداد على تصدير نفط الإقليم عبر الحكومة المركزية، وفي مقابل ذلك يتم تخصيص 12.6 في المئة من الموازنة الاتحادية لكردستان العراق.
ورغم إفراج حكومة بغداد عن 500 مليار دينار (حوالى 380 مليون دولار) لرواتب إقليم كردستان في عام 2023، إلا أن تصحيح الوضع يتطلب ضعف هذا المبلغ شهرياً، وفقاً لحكومة أربيل التي لا زالت تُصرّ على حلب أموال المركز دون تسليمه إيرادات النفط المُصدَّر.
*جلسة المحكمة الاتحادية
يوم أمس، عقدت المحكمة الاتحادية العليا جلسة للنظر بطلب الحكم بإلزام المدعى عليهما (رئيس مجلس وزراء إقليم كردستان مسرور بارزاني)، و(وزير مالية الإقليم آوات شيخ جناب نوري) بالتطبيق الصحيح لقانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام رقم (22) لسنة 2008 المعدَّل الاتحادي بحذافيره وخاصة المواد (6 و 7 و 8 و 9) منه وعدّ القرارات والتعليمات الصادرة من المدعى عليهما بخصوص إيقاف ترفيع رواتب الموظفين معدومة.
واستضافت الجلسة ممثلا قانونيا لحكومة أربيل وآخر لحكومة بغداد، وجرى التناقش لأكثر من ساعة حول أسباب أزمة الرواتب وجذورها، وفي الوقت الذي أكد فيه ممثل الحكومة المركزية أن المشكلة الأساسية تتعلق بالأعداد الهائلة للموظفين، رفض ممثل حكومة أربيل إعطاء رقم لتلك الأعداد وحاول باستمرار التهرب من سؤال أعضاء الجلسة حول أعداد الموظفين وسبب عدم تزويد الحكومة المركزية بها.
*أعداد الموظفين هي المشكلة الأساسية
وخلال حضوره لجلسة المحكمة الاتحادية، قال ممثل الحكومة الاتحادية، إن المشكلة الأساسية لأزمة الرواتب تتعلق بأعداد الموظفين المهولة ولاسيما موظفي الدراسات العليا.
وأكد الممثل المركزي، أن أعداد الموظفين في الإقليم مبالغ بها جدا وهناك مخالفات كثيرة في آلية التعيينات، مؤكدا أن الحكومة المركزية لا تستطيع تأمين رواتب جميع هؤلاء لاسيما وأن حكومة الإقليم كانت ولا زالت تمتنع عن تزويد ديوان الرقابة المالية بأعداد الموظفين الفعليين وهذا ما يعمّق الأزمة ويجعلها غير قابلة للحل ما لم يتم الكشف عن تلك الأعداد.
*ممثل الإقليم يرفض الكشف عن أعداد الموظفين
وحول سؤال ممثل حكومة أربيل في الجلسة عن أسباب عدم تزويد الإقليم الحكومة المركزية بأعداد الموظفين الفعليين، لم يُجِب على ذلك وتهرَّب بشكل واضح دون إعطاء أي سبب، فيما طالب بإبعاد أزمة الرواتب عن الخلافات بين الطرفين، وهذا ما عدّه بعض الحاضرين بعدم علاقته بالسؤال الموجَّه له.
وزعم ممثل الإقليم في الجلسة، أن عدد الموظفين في الإقليم حقيقي ولا توجد فيه مبالغة لكنه امتنع عن كشف عدده وادّعى أن ديوان الرقابة المالية الاتحادي يدقق بذلك مع لجان من حكومة الإقليم، وهذا ما نفاه ممثل الحكومة المركزية الذي أكد أن ديوان الرقابة المالية لا يملك أدنى فكرة عن الرقم الحقيقي لهؤلاء الموظفين وكل ما يعرفه هو وجود أعداد هائلة منهم تفوق حاجة المؤسسات لهم.
*طيف سامي: الإقليم لم يسلم إيرادات 2023
بدورها، أكدت وزيرة المالية طيف سامي، أن اقليم كردستان لم يسلم أي إيرادات للحكومة الاتحادية خلال 2023.
سامي وخلال استضافتها في اللجنة المالية يوم أمس، قالت إن الاقليم لم يسلم أي إيرادات مالية للحكومة الاتحادية خلال 2023 واكتفى فقط بتزويد المصافي الحكومية بـ 50 ألف برميل نفط يوميا.
من جانبه، شدد رئيس اللجنة المالية خلال الاستضافة على "ضرورة إيجاد حلول جذرية لجميع المشاكل العالقة مع الإقليم خاصة بعد موافقة الجانب التركي على استئناف تصدير النفط عبر ميناء جيهان، وهذا ما يتطلب حسم موضوع كُلف الإنتاج والنقل للنفط المنتج من حقول الإقليم، فضلا عن معالجة مشكلة رواتب موظفي الإقليم وإبعاد هذا الملف عن أي تجاذبات سياسية، داعياً في الوقت ذاته حكومة إقليم كردستان الى الالتزام الكامل بتطبيق قانون الموازنة العامة الاتحادية".
*الإقليم يرد على طيف سامي ويقرّ بعدم تسليمه الإيرادات
من جهته، رد عضو في الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود بارزاني، على تصريح وزيرة المالية طيف سامي بشان عدم تسليم إقليم كردستان أي إيرادات الى الحكومة الاتحادية خلال عام 2023.
وقال وفاء محمد كريم في تصريح صحفي تابعته شبكة انفوبلس، إن "حديث وزيرة المالية الاتحادية حول عدم تسليم الايرادات المالية نقول إن حصة الإقليم من الموازنة هي لدى بغداد وإن إيراداته الداخلية لا تكفي سوى للرواتب".
وأضاف، "أما الحديث عن عدم تسليم إيرادات الى بغداد فهو صحيح لأن الإقليم لا يمتلك أموالا لتسليمها وهو منذ شهر نيسان 2023 لم يصدّر أي نفط بسبب النزاع القانوني مع تركيا بشأن الصادرات عبر ميناء جيهان".
*تبجُّح ونكران الفضل
عضو الحزب الديمقراطي التابع لبارزاني تبجَّح بعد ذلك، وفي الوقت الذي كان الجميع ينتظره أن يقدم شكره لحكومة بغداد على تأمينها رواتب الموظفين في الإقليم لعدد كبير من الأشهر، نكر كريم فضل العاصمة بل ذهب بعيدا ليقول إن الاقليم لم يتمكن من تسليم أي أموال لأنه اكتفى بتأمين رواتبه، فإعطاء رواتب الموظفين يعني رفع عبء كبير عن بغداد لأنها ملزمة قانونيا وأخلاقيا بتوفير رواتب الموظفين".
وتابع، "العراق والاقليم إذا لم يُصدّرا النفط سيؤثر كثيرا على الوضع المالي" منوها الى أن "الإقليم هو من يطالب بغداد باستحقاقاته المالية وأنه تسلّم قروضاً فقط وحتى الآن نطلب بغداد 7 تريليونات دينار لأن حصة الإقليم تعادل 16 تريليونا و 400 مليار!".
*أين تذهب إيرادات الإقليم؟
وفي خضم ما حدث، أكدت رئيس كتلة الجيل الجديد النيابية سروة عبد الواحد، أن إيرادات الإقليم موزَّعة بين “العوائل الحاكمة”. مبينة أن “حكومة الإقليم غير مكترثة تماما لأمر الشعب الكردي”.
وقالت عبد الواحد في تصريح متلفز تابعته شبكة انفوبلس، إن “توطين الرواتب سيخلّصنا من المرتزقة الذين يتسلمون الرواتب من الإقليم بمسميات وهمية”، لافتة الى أن “بعض المسؤولين الفاشلين في الاقليم يصفون توطين الرواتب بالكارثة وانهيار لكردستان".
وتابعت، إن “حكومة الإقليم استخدمت خطاب الكراهية ضد بغداد “، مشيرة الى أن “الحديث عن السماح لبغداد برقابة مؤسسات الاقليم إعلامي فقط”.
*بحساب الأرقام.. إيرادات منافذ الإقليم تكفي لسداد الرواتب!
وبهذا الصدد، كشف عضو اللجنة المالية السابق في مجلس النواب أحمد الحاج رشيد، عن حجم الإيرادات المالية لدى حكومة الإقليم من عائدات المنافذ الحدودية، فيما أكد أنها تكفي لتسديد رواتب الموظفين.
وقال رشيد، إن "حجم الإيرادات المالية لدى حكومة الإقليم يبلغ شهريا 325 مليار دينار، وهذا الرقم الرسمي في المنافذ المعتمدة فقط والمسجلة لدى الحكومة الاتحادية".
وأضاف، إن "حكومة الإقليم لديها أموال طائلة وتستطيع دفع رواتب الموظفين في الإقليم بشكل شهري ودون انقطاع، ولكنها تفتقد للشفافية، وهي منذ 5 أشهر لم توزع سوى راتبين للموظفين فقط".
وأشار رشيد إلى، أن "مصير 3 أشهر من رواتب الموظفين تم استقطاعها تحت عنوان الادخار الإجباري"، مبيناً إن "هذا يُعد فرض عقوبات وتؤخذ عنوةً من الموظفين، لأنه لا يوجد قانون مشروع داخل برلمان الإقليم يتيح للحكومة فرض الادخار على الموظفين بهذه الصيغة".