من تعليق فيسبوك إلى اقتحام مسلّح: كيف تمادى نائب تقدّم مهيمن الحمداني في كركوك؟
انفوبلس/ تقارير
في ليلة بدت اعتيادية لأهالي قضاء الدبس الهادئ شمال محافظة كركوك، تحوّل منزل عائلة كردية إلى ساحة رعب خلال دقائق. أصوات الرصاص الذي اخترق جدران المنزل، صراخ النساء، وانهيار الزجاج المتطاير، رسمت مشهداً صادماً سيطر على أحاديث الناس طوال اليوم التالي، قبل أن تمتد أصداؤه إلى منصات التواصل والمقار الحزبية ومراكز القرار الأمني.
الحدث لم يكن مجرد شجار عابر، بل واقعة هزّت الرأي العام، لأنه — وفق روايات العائلة وشهود من المنطقة — ارتبط باسم نائب حديث الفوز من حزب "تقدم" واقتحامه للمنزل، واعتداؤه على نساء، وضرب ضابط في الجيش، ومحاولة خطف شاب، أعاد إلى الواجهة ملفاً حساساً ظل لسنوات يتراكم بصمت: السلاح المنفلت داخل شبكات النفوذ السياسي والعشائري السني.
ورغم الجدل الدائر حول ظروف الحادثة ودوافعها، فإنها لم تُقرأ باعتبارها خلافاً فردياً، بل تحولت إلى مرآة لما يمكن أن تفعله القوة حين تنفلت من يد الدولة، وتستقر في يد شخصيات سياسية تمتلك نفوذاً اجتماعياً ومسلحين قادرين على فرض حضورهم بالعنف.
البداية: تعليق على فيسبوك يتحوّل إلى هجوم مسلح
تفاصيل ما حدث بدأت — بحسب أفراد العائلة — بتعليق على "فيسبوك"،شقيقان ينتميان إلى قوات البيشمركة كتبا انتقاداً سياسياً موجهاً إلى مهيمن الحمداني، نائب "تقدم". التعليق استفز الأخير، فأرسل تهديداً مباشراً، ثم أبلغ العائلة هاتفياً بأنه قادم إليهم. لم يتوقع أحد أن يترجم ذلك إلى على اقتحام عنيف يتخلله إطلاق نار من أسلحة متعددة.
يروي مؤيد خلف، أحد أبناء العائلة:
"هددنا عبر فيسبوك وقال لماذا لم تنتخبوني؟ اتهمنا بأننا عملاء للكرد. ثم اتصل وقال إنه قادم، ولم نصدق الأمر حتى رأينا 7 أو 8 سيارات سوداء مظللة أمام المنزل".
وتتابع الرواية: لحظات بعد وصول المركبات، بدأ إطلاق الرصاص الكثيف، «أكثر من مئة طلقة»، وفق أفراد الأسرة. اخترقت الطلقات جدران البيت وأبوابه، وتحطمت سيارة مركونة في الحوش. تقول والدة العائلة حمده عبدالله: "خرجت إليه أطلب منه أن يتوقف، لكنه كان يصرخ ويبحث عن ابني نوفل. دخل البيت وسحب ابني وضربني، ثم حاول أخذه بالسيارة".
وتضيف: "عندما تدخل ابني مؤيد، وضع النائب المسدس على رأسه يريد قتله. سحبت المسدس ووضعته على صدري حتى لا يقتله".
مشهد الأم وهي تحاول حماية ابنها بجسدها أثار موجة غضب واسعة على مواقع التواصل، لأنها — بحسب ما ظهر في مقاطع مصوّرة — كانت تصرخ بينما تتحطم ممتلكات البيت، ويُسحب أحد أبنائها بالقوة.
ضابط في الجيش يتعرض للضرب: "أنا الدولة هنا"
واحدة من أكثر اللحظات التي أثارت الرأي العام، كانت الاعتداء على ضابط في الجيش حاول التدخل لتهدئة الموقف. الضابط يحمل رتبة نقيب ويدعى "محمد"، وحين اقترب من المكان لإيقاف الاشتباك، صفعه النائب — وفق عائلة المعتدى عليهم — قائلاً: "أنا الدولة هنا".
لاحقاً، تقدم الضابط بشكوى رسمية، وانتشرت قوات الجيش في أطراف قضاء الدبس مطالبة بتسليم النائب المتهم ومن معه.
بعد الحادثة بدقائق، نشر سكان محليون مقاطع فيديو تظهر ثقوب الرصاص في جدران المنزل، وتحطم سيارة، وصراخ العائلة لحظة الهجوم. الفيديوهات ملأت مواقع التواصل، وارتفعت الأصوات المطالبة بمحاسبة المتورطين.
توقيف عدد من الحماية.. والتحقيق مستمر
في اليوم التالي للحادثة، أعلنت قيادة العمليات المشتركة تنفيذ عملية أمنية في كركوك أسفرت عن إلقاء القبض على سبعة من عناصر حماية النائب، فيما واصل الجيش والشرطة البحث عن بقية المشاركين في الهجوم.
وأكد بيان القيادة أن "هيبة المؤسسة العسكرية وأمن المواطن خط أحمر، ولن يتم التسامح مع أي تجاوز".
رغم ذلك، فإن البيان تجنب الإشارة المباشرة إلى النائب نفسه، ما دفع البعض للتساؤل: هل ستصل التحقيقات إلى رأس الهرم في القضية، أم ستقتصر على العناصر المنفذة فقط؟
ما وراء الحادثة: السلاح السني المنفلت يعود للواجهة
رغم أن ملف السلاح المنفلت عادة ما يُربط سياسياً بالمناطق الشيعية، فإن هناك واقعاً آخر قلما يُناقش: البيئة السنية تشهد نمواً مقلقاً لمجاميع مسلحة خارج السيطرة، بعضها يرتبط بعشائر نافذة، وبعضها بحمايات أحزاب أو شخصيات سياسية صاعدة.
الحادثة الأخيرة ليست الأولى التي يرتبط فيها مسؤول سني أو أفراد حمايته باستخدام السلاح خارج إطار القانون. في السنوات الماضية سجلت المحافظات السنية — خصوصاً الأنبار وصلاح الدين ونينوى وكركوك — حوادث تضمنت اشتباكات عشائرية مسلحة، واعتداءات نفذتها حمايات مسؤولين، ونقاط تفتيش غير رسمية، واستعراضات مسلحة في مناسبات انتخابية أو حزبية.
ويرى باحثون في شؤون الأمن أن ما يحدث اليوم هو انعكاس لفجوة متنامية بين الدولة والمجتمع، إذ تنتقل القوة تدريجياً من مؤسسات القانون إلى الأفراد والكيانات الاجتماعية التي تمتلك المال والنفوذ والسلاح.
الدبس ليست حادثة فردية.. بل ناقوس خطر
رغم فداحة ما تعرضت له العائلة الكردية في الدبس، فإن أخطر ما في الحادثة أنها كسرت حاجز الصمت. فقد دفعت السكان إلى القول صراحة: "لا يوجد من يحمينا"، و"الدولة غائبة"، وهي عبارات ليست جديدة، لكنها اليوم تُقال من مواطنين يعيشون في محافظة مختلطة تُعدّ حساسة أمنياً وسياسياً.
إن إطلاق مئة رصاصة على منزل مدني في وضح النهار، وضرب ضابط جيش، ومحاولة خطف شاب — كل ذلك — لا يمكن أن يحدث لو كان السلاح منضبطاً، ولو كانت الدولة قادرة على الردع الفوري، وفق مراقبين.

