هيومن رايتس ووتش تتغافل عن مجازر غزة وتركز على عقود الزواج الشرعية في العراق.. إليك التفاصيل كاملة
انفوبلس/ تقرير
في تقرير صدر عنها، زعمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن رجال الدين في العراق يعقدون آلاف الزيجات سنوياً، بما فيها زيجات الأطفال، التي تخالف القوانين العراقية وغير المسجَّلة رسمياً، وسط تساؤلات عن أسباب تركيزها في العراق والابتعاد عن المعاناة الكارثية التي يعيشها قطاع غزة المحاصر ومجازر الاحتلال الإسرائيلي.
وتقرير المنظمة الذي يحمل عنوان "زواجي كان غلط بغلط" واطلعت عليه شبكة "انفوبلس"، فقد قال إن الزيجات غير المسجلة تخلق ثغرة في القيود القانونية على تزويج الأطفال، وتؤدي إلى آثار كارثية على قدرة النساء والفتيات للحصول على الخدمات الحكومية والاجتماعية المرتبطة بأحوالهن الشخصية، واستصدار وثيقة ولادة لأطفالهن، أو المطالبة بحقهن بالمهر، والنفقة الزوجية، والميراث، حسب المنظمة.
ووفقاً للتقرير، قالت سارة صنبر، باحثة العراق في هيومن رايتس ووتش إنه "ينبغي للسلطات العراقية الاعتراف بأن الزيجات غير المسجلة تفتح المجال لتزويج الأطفال على نطاق واسع. كما عليها اتخاذ خطوات لإنهاء هذه الممارسة وعدم ربط حصول النساء والأطفال على خدمات أساسية، مثل الأوراق الثبوتية والرعاية الصحية، بأحوالهم الشخصية".
قابلت هيومن رايتس ووتش ثماني نساء ورجُلَيْن، جميعهم تزوجوا خارج المحكمة، وطفلاً تزوج والداه خارج المحكمة، وأربعة منظمات غير حكومية محلية، ومنظمتين دوليتين، وأيضاً قاضياً في محكمة البياع في بغداد، وقاضياً في "مجلس القضاء الأعلى"، بحسب مزاعم التقرير.
خلال السنوات الـ 20 الماضية، استمرت معدلات زيجات الأطفال في العراق بالازدياد، وبحسب اليونيسيف، 28% من الفتيات في العراق يتزوجن قبل سن الـ 18، أما "بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق" (يونامي)، فتفيد بأن 22% من الزيجات غير المسجلة في العراق هي لفتيات دون سن الـ 14، ويزيد تزويج الأطفال خطر تعرُّض الفتيات للعنف الجنسي والجسدي، ويؤدي إلى آثار وخيمة على صحتهن الجسدية والنفسية، ويحرمهن من التعليم والوظائف، وفقا للتقرير.
مع أن العديد من المجتمعات المحلية في العراق تعتبر الزيجات الدينية مشروعة، إلا أنها غير قانونية بموجب "قانون الأحوال الشخصية" العراقي، ولا يُعترف بها رسميا إلا بعد تسجيلها في محكمة الأحوال الشخصية، وبعد ذلك، يصدر عقد زواج مدني للزوجين.
وأضاف التقرير، انه بدون عقد زواج مدني، لا تتمكن النساء والفتيات من الولادة في المستشفيات الحكومية، ما يجبرهن على اختيار الولادة في المنزل حيث لا تتوفر خدمات التوليد الطارئة بما يكفي. كما يزيد ذلك خطر التعقيدات الطبية التي تهدد حياة الأم والجنين معا، لا سيما عندما تكون الأم نفسها طفلة.
تزوجت إحدى النساء اللواتي تمت مقابلتهن، وهي من جنوب شرق بغداد، في سن الـ 14، وتطلقت في سن الـ 15. قالت: "رفض زوجي المصادقة على وثيقة الزواج أو الطلاق، لذا أنا لا أزال عزباء (على هويتي) بحسب القانون. لا يمكنني المطالبة (بالدعم الشهري الحكومي) البالغ 105 آلاف دينار عراقي (80 دولارا أميركيا تقريبا) للنساء المطلقات، إذ ليس بإمكاني إثبات زواجي أو طلاقي".
بموجب "قانون تسجيل الولادات والوفيات" العراقي لسنة 1971، بإمكان الوالدين الحصول على حجة ولادة للأطفال المولودين ضمن إطار الزواج فقط. وبدون حجة ولادة، لا يمكن للطفل الحصول على أي وثيقة ثبوتية أخرى، ويتعرض لخطر خسارة هويته أو أن يصبح بلا جنسية. وفي حال لم يُسوَّ وضع هؤلاء الأطفال، فإنهم سيُحرمون من التسجيل في المدارس، والوظائف، واستصدار وثائق سفر، والتملُّك، والزواج.
كما قالت إحدى النساء اللاتي تمت مقابلتهن: "تزوجت في سن الـ 14، وحملت بعدها بوقت قصير. هجر زوجي عائلتنا وأخذ بطاقة هويتي وعقد زواجنا (الديني) معه. كنت صغيرة جدا، واضطررت إلى الولادة في منزل والدتي مع قابلة قانونية، لأنني لم أتمكن من الذهاب إلى المستشفى. لم أتمكن من استصدار الوثائق لطفلتي، لقد صارت في سن الـ 16 اليوم ولاتزال بدون وثائق ثبوتية".
قالت ابنتها: "عدم حصولي على أوراق ثبوتية يؤثر كثيراً على نفسيّتي. لا يمكنني الذهاب إلى أي مكان ولا أشعر بالأمان إطلاقاً".
وعندما سُئلت كيف ستتغير حياتها إذا ما حصلت على أوراقها الثبوتية، أجابت: "ستسمح لي بالذهاب إلى المدرسة، وأن أشعر بمواطنيتي في وطني. مقارنة مع الآخرين، قد تكون طموحاتي متواضعة. أريد الحصول على بطاقة هوية، وأن أذهب إلى المدرسة، وأنال شهادة، وفي نهاية المطاف وظيفة".
وادعى التقرير ان إثبات عقود الزواج غير المسجلة يتطلب إجراءات طويلة، ومعقدة، وبيروقراطية. تتعقد الإجراءات أكثر في حالات الطلاق، أو الوفاة، أو الاختفاء، أو رفض أحد الزوجين الاعتراف بالزواج. بالنسبة إلى العديد من النساء، لا يمكن تخطي المشقات الاجتماعية، والمالية، والنفسية المرافقة لهذه الإجراءات، ما يدفعهن إلى التخلي عن تسجيل عقد الزواج – ومعه حقوقهن.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه عندما يكون أحد الزوجين، أو كلاهما، دون السن القانونية ويذهبان لتسجيل زواجهما أمام المحكمة، يُوضَع القاضي أمام الأمر الواقع.
إذا رفض القاضي تسجيل الزواج، فإنه يترك الزوجين وأطفالهما في وضع هش، ولكن عندما يصادق القاضي على عقود زواج ديني تشمل أطفالاً، فإنه يُضعِف حكم القانون، ويسهل انتشار زيجات الأطفال المتفشية في العراق. معظم القضاة يختارون تشريع زيجات الأطفال.
في إحدى الحالات، التي حضرت باحثة هيومن رايتس ووتش جلستها في محكمة البياع في بغداد، في 23 أيار 2023، دخلت فتاة عمرها 17، حملها ظاهر، مع والدها وزوجها البالغ من العمر 20 عاماً. كانا قد تزوجا قبل ذلك بعام، ويريدان تسجيل زواجهما قبل ولادة طفلهما.
بدون أي بحث معمق في ظروف الزواج أو سؤال الفتاة القاصر المتزوجة عن رغبتها، سأل القاضي الفتاة، ووالدها، وزوجها ما إذا كانوا موافقين على الزواج ثم صادق عليه.
لا يشمل القانون العراقي أي نصوص تعاقب رجال الدين الذين يعقدون زيجات بدون تسجيل، بما في ذلك الحالات التي يكون فيها أحد الزوجين طفلاً. قالت هيومن رايتس ووتش إن هذا الأمر يساعد رجال الدين على الالتفاف حول القانون العراقي بدون عقاب.
قاض في المجلس الأعلى للقضاء قال إن بالإمكان مقاضاة رجال الدين الدينيين باستخدام المادة 240 من قانون العقوبات العراقي، التي تعاقب كل من "خالف الأوامر الصادرة من موظف أو مكلف بخدمة عامة أو من مجالس البلدية أو هيئة رسمية أو شبه رسمية ضمن سلطاتهم القانونية أو لم يمتثل لأوامر أية جهة من الجهات المذكورة"، لكنه قال إن هذا الحكم لم يُنفذ قط.
قالت صنبر ان "عدم امتلاك عقد زواج مدني قد يأتي بآثار كارثية على النساء والفتيات وأطفالهن. على العراق مقاضاة رجال الدين وأصحاب المكاتب الشرعية الذين يعقدون زيجات مخالفة للقانون العراقي، وتسهيل إثبات عقود الزواج غير المسجلة، وضمان حصول جميع العراقيين على حقوقهم كاملة".
*ردود أفعال "غاضبة"
اثار التقرير هذا ردود أفعال "غاضبة"، حين قال مواطنين ومحللين تحدثوا لشبكة "انفوبلس"، ان هيومن رايتس ووتش دائماً تسيء للعراق في تقريرها التي تسلط الضوء على جوانب هدفها تمزيق المجتمع العراقي ونقل صورة سيئة للعالم عن العراق.
كما استغرب رجل دين عبر حديثه لـ"انفوبلس"، من عدم وجود متحدث من رجال الدين في تقرير "هيومن رايتس ووتش" لتوضيح ما تم طرحه وتصحيح المغالطات الموجودة فيه، حيث ان الدين الإسلامي يسمح وبكل وضوح بتزويج الفتيات دون تحدد سن معين للزواج، وهذ يعني بعد موافقتها هي وأهلها.
وبحسب مراقبين، فان تركيز هيومن رايتس ووتش على قضايا العراق يطرح عدة تساؤلات في وقت يعيش قطاع غزة المحاصر أوضاع مأساوية وتتغافل عنه المنظمة بشكل واضح، داعين رجال الدين الى موقف حازم للرد على هذه الإساءة "الواضحة" للدين الإسلامي.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل حرباً مدمرة على قطاع غزة خلّفت عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين معظمهم أطفال ونساء، فضلاً عن كارثة إنسانية غير مسبوقة ودمار هائل بالبنية التحتية، الأمر الذي أدى إلى مثول تل أبيب أمام محكمة العدل الدولية بتهمة "الإبادة الجماعية".