21 عاما على "نهب" قصي صدام مليار دولار من البنك المركزي.. انفوبلس تستعرض قصة السرقة التاريخية والروايات العراقية والأمريكية حولها
انفوبلس/تقرير
في واحدة من الأفعال "المشينة" للمقبور صدام حسين وأولاده وأعوانه والتي دوَّنها التاريخ وقبل 21 عاما بالضبط، تمت سرقة البنك المركزي العراقي من قبل قصي صدام بتوجيه من والده، مبلغاً قدره مليار دولار، اختلفت الروايات حوله مصيره لغاية الآن.
ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على تفاصيل السرقة التاريخية والروايات العراقية والأمريكية التي ظهرت بعدها.
*الرواية الأمريكية
في العام 2021، تم نشر تقرير أمريكي لموقع "Military com”، كشف فيه التفاصيل والقصة وراء عملية السطو الكبرى للبنك المركزي عام 2003، والتي تمت فيها سرقة حوالي مليار دولار.
وذكر التقرير الذي اطلعت عليه "انفوبلس" أن "ثلاث شاحنات انسحبت من البنك المركزي العراقي في الساعة الرابعة صباحًا بالتوقيت المحلي، في 18 آذار 2003، وكانت حمولتها تقارب المليار دولار، أي ربع احتياطي العملة في البلاد، وتولى فريق بقيادة قصي حسين نجل الدكتاتور صدام حسين عملية السطو".
وأضاف، أن "قصي حسين وصل إلى البنك المركزي العراقي في بغداد مع مذكرة مكتوبة بخط اليد من والده، يأمر بسحب مليار دولار من خزائن البلاد، وأشرف على تحويل الأموال ثلاث شاحنات وعدد من مسؤولي النظام العراقي بينهم قصي".
وتابع التقرير: "يوم 18 آذار 2003 يبدو تاريخًا مألوفًا للكثيرين، حيث كان من المقرر أن تبدأ الحرب الجوية التي أشارت إلى بداية الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في اليوم التالي، وأشار محللون إلى أن "صدام حسين توقع بشكل صحيح الخطوة الأميركية، إذ إنه بمجرد بدء الحرب الجوية، قد يكون من الصعب عليه التحرك في جميع أنحاء البلاد وإنجاز الأمور، لذلك أرسل ابنه للحصول على إمدادات مفيدة".
وبين، أنه "في البداية، اعتقد مسؤولو المخابرات الأمريكية أن صدام حسين كان يحاول نقل غنائم فترة حكمه عبر الحدود هربًا من الغزو الأمريكي، حيث أبلغ آنذاك فريقاً من القوات الخاصة التابعة للجيش الأميركي عن رؤية شاحنات تطابق الوصف تعبر الحدود للهروب بالقرب من حدود العراق مع سوريا".
ولفت إلى، أن "آخرين يعتقدون أن صدام أراد استخدام الأموال لإثارة المقاومة داخل العراق مع تقدم القوات الأمريكية في جميع أنحاء البلاد".
وأوضح التقرير، أنه "في الأيام والأسابيع التي تلت ذلك، تمكنت قوات التحالف من العثور على ما يُقدر بنحو 650 مليون دولار من الأموال المأخوذة من البنك المركزي، إذ وجدوا مخابئ الأموال من خلال عمليات البحث والدوريات المختلفة في جميع أنحاء البلاد التي قادتهم إلى المال، إذ كانت مخبأة في أحد القصور التي كان يستخدمها عدي، الابن الآخر لصدام حسين".
وأشار إلى، أنه "عندما تم تعقب قصي أخيرًا إلى منزل في مدينة الموصل شمال العراق، حاول مقاومة العديد من الغارات على المنزل من قبل الفرقة 101 المحمولة جواً التابعة للجيش الأميركي وفريق من مشغلي القوات الخاصة". مؤكدا، أنه "تم تسليمه هو وشقيقه عدي من قبل أحد ضيوف المنزل الآخرين الذي أراد مكافأة قدرها 30 مليون دولار، بدأت القوات الأميركية في إطلاق صواريخ تاو المضادة للدبابات، 12 في المجمل، على المنزل، مما أسفر عن مقتل كل من بداخله".
وأضاف، أنه "عندما تمكنوا أخيرًا من تفتيش المبنى، لم يكن هناك ما يشير إلى وجود 350 مليون دولار متبق من البنك المركزي العراقي، ومنذ ذلك الحين لم يرَ أو يسمع أحد عن المال".
*الرواية العراقية
كشف مسؤولون عراقيون، أن قصي، الابن الثاني للرئيس العراقي المقبور صدام حسين، ومستشارا مقربا من قيادة النظام البائد قد استوليا على مبلغ مليار دولار نقدا من البنك المركزي، وذلك قبل بداية حملة القصف التي انتهت بانهيار النظام البائد.
وقال مسؤول عراقي على علم بالحادثة، التي تعتبر واحدة من أكبر عمليات نهب المصارف في التاريخ، أن العملية تمت بموجب تعليمات مباشرة من صدام حسين نفسه. وأوضح المسؤول العراقي الذي طلب عدم ذكر اسمه، أنه لم تقدم أي أسباب أو توضيحات لأخذ المبلغ من خزائن البنك من قبل المسؤولين العراقيين السابقين، كما لم يوضح لأي من المسؤولين بالبنك المركزي الجهة التي ستؤخذ اليها الأموال.
وأضاف المسؤول العراقي، الذي كان يشغل منصبا رفيعا في أحد البنوك خلال فترة النظام العراقي البائد، أن "تلقي أوامر من صدام حسين يعني ببساطة أن لا مجال مطلقا للنقاش حولها". وأوضح، أنه أبلغ بأخذ هذا المبلغ من قبل مسؤولين ماليين عراقيين سلموها بدورهم الى قصي صدام حسين والمستشار المذكور.
وتلقي هذه الحادثة بعض الضوء على ما كان يحدث في الأيام الأخيرة لحكم صدام حسين، الذي أدى تركيزه على العلاقات العائلية الى مقارنته بالمافيا، كما تلقي الضوء أيضا على اعتزام الرئيس العراقي المقبور تمويل عملية فراره والبقاء والعيش خارج السلطة.
وأشار المسؤول العراقي الى، أن قصي صدام حسين وعبد حمود حميد السكرتير الشخصي لصدام حسين، هما اللذان أشرفا على أخذ المبلغ من خزائن البنك المركزي. وأضاف، أن المبلغ أُخذ من داخل البنك حوالي الساعة الرابعة من فجر يوم 18 مارس (آذار)، أي قبل ساعات من أول ضربة جوية أميركية. كما أوضح أن الرجلين كانا يحملان خطابا يحمل توقيع صدام حسين ويخول لحامليه سحب المبلغ من البنك المركزي.
حمل المبلغ، الذي يُقدر بحوالي 900 مليون دولار من فئة الـ100 دولار، بالإضافة الى 100 مليون يورو، على متن ثلاث مقطورات سحبت بواسطة ثلاثة جرارات. واستغرقت عملية شحن المبالغ على متن المقطورات الثلاث من قبل فريق من العاملين في البنك حوالي ساعتين، إذ تمت العملية بكاملها قبل وصول موظفي البنك المركزي الى مقر عملهم صباح ذلك اليوم.
جدير بالذكر، أن الاستيلاء على هذا المبلغ من خزائن البنك المركزي العراقي كان قد أكده مسؤول بوزارة الخزانة الاميركية يعمل مع مسؤولين ماليين عراقيين.
من جانبهم، قدر المسؤول المصرفي العراقي المبلغ الذي جرى الاستيلاء عليه من قبل قصي صدام حسين وعبد حمود بحوالي ربع احتياطي البنك المركزي العراقي من العملات الصعبة. وطبقا للتقديرات، فإن مبلغ المليار دولار يساوي ضعف مبالغ العملات الصعبة التي يعتقد أن تكون قد نُهبت في العراق خلال فترة الأسابيع الثلاثة التي أعقبت سقوط النظام العراقي البائد.
وقال مسؤولون أميركيون وعراقيون، إن المبالغ التي نُهبت من المصارف العراقية في مختلف مدن البلاد بعد يوم 9 أبريل (نيسان) الماضي تُقدر بحوالي 400 مليون دولار بالإضافة الى 40 مليون دينار عراقي على الأقل.
اختفاء مبلغ يُقدر بحوالي مليار دولار أثار مخاوف في العراق آنذاك من احتمال استخدامه في تمويل بقايا نظام صدام حسين، إذ كان يعتقد أن الكثير من كبار مسؤولي النظام البائد لا يزالون مختبئين في بغداد أو المناطق المحيطة بها. وأكد أعضاء في "المؤتمر الوطني العراقي"، الذي يتزعمه أحمد الجلبي عام 2003، أن هذه الأموال ربما تشكل عنصرا أساسيا في ما يعتقدون أنه استراتيجية لصدام حسين لمرحلة ما بعد الحرب يخطط من خلالها للعودة الى السلطة.
ويشتبه بعض المسؤولين في أن المبلغ ربما يكون نُقل سراً عبر الحدود الى سوريا بنفس الطريقة التي فرَّ بها كبار المسؤولين السابقين من العراق.
من جانبه، قال الكولونيل تيد سيل، ضابط القوات الخاصة الأميركية عام 2003 الذي أكد أنه على علم بالاستيلاء على مبلغ المليار دولار من البنك المركزي ببغداد، أن ثمة معلومات استخباراتية أشارت في ذلك الوقت الى أن مجموعة من المقطورات المسحوبة بواسطة جرارات قد عبرت الحدود العراقية الى داخل سوريا. وأضاف الكولونيل سيل، الذي يعمل مع المؤتمر الوطني العراقي، أن محتوى المقطورات لم يكون معروفا.
وكان الرئيس العراقي المقبور يتمتع بسلطة مطلقة، بيد أن مسؤولا مصرفيا عراقيا أشار الى أن صدام وأسرته كانوا يطلبون أحيانا مبالغ نقدية قد تصل الى خمسة ملايين دولار ولكن ليس بالحجم الذي أُخذ من البنك المركزي فجر يوم 18 مارس 2003.
وأوضح المسؤول، إن قصي صدام وعبد حمود أحضرا معهما خمسة أشخاص الى البنك، بينهم مدير البنك المركزي العراقي ووزير المالية حكمت العزاوي ومدير الخزانة. وقال إنه بخلاف هؤلاء فإن الحضور اقتصر فقط على العمال الذين شحنوا المقطورات وسائقي الجرارات.
*مصير السرقة التاريخية
ويرى جورج موليناكس، وهو مسؤول بوزارة الخزانة الاميركية، أن المبلغ المذكور استولى عليه "رجال صدام حسين". ويقدر موليناكس المبلغ بحوالي 900 مليون دولار، وهو مبلغ يعتقد أنه بالإمكان نقله على متن ثلاث مقطورات او شاحنات مسطحة. ويعتقد موليناكس أنه من المحتمل أن تكون أجزاءً كبيرة من هذه المبالغ قد استُعيدت، وأشار الى أن مبلغ 650 مليون دولار من فئة 100 دولار والذي عثر عليه رقيب في القوات الاميركية بالقرب من أحد قصور صدام حسين عام شهر نيسان عام 2003، ربما يكون جزءاً من مبلغ المليار دولار الذي أخذ عشيّة الحرب.
إلا أن المسؤول المصرفي العراقي أعرب عن اعتقاده أن مبلغ 650 مليون دولار يخص عدي، الابن الأكبر للرئيس العراقي البائد، إذ أوضح المسؤول أن عدي معروف بميله لتخزين أموال نقدية ضخمة.
تجدر الإشارة الى أن مسؤولين عراقيين قد استعادوا مبالغ نقدية كبيرة منذ سقوط نظام الرئيس العراقي البائد. فقد استعاد موظفون ببنك عراقي شاحنة مصفحة كانت محملة بمبلغ 250 مليون دولار. وكان ضياء حبيب الخيون، مدير عام بنك الرافدين في 2003، والذي يعتبر واحدا من أكبر المصارف العراقية، قد قال إن مبلغ الـ250 مليون دولار الذي استُعيد كان قد جُمع وجرى تخزينه في الشاحنة المصفحة من مختلف فروع البنك.
وفيما لم يُعرف بعد الغرض الذي أُخذ من أجله مبلغ المليار دولار من البنك المركزي ببغداد عشية الحرب، من الواضح فيما يبدو أن الرئيس العراقي المقبور قد اتخذ خطوات في الأيام الأخيرة من عمر نظامه لأخذ ولو جزء على الأقل من أموال البلاد.
وصرح الخيون، بأنه تلقى تعليمات مطلع شهر مارس 2003 بتوزيع ودائع المصرف من العملات الصعبة على فروع المصرف ببغداد بهدف تأمين العملات الصعبة في حال تعرض المصرف للغارات الأميركية.