25 عاما على اغتيال السيد الشهيد محمد الصدر ونجليه.. انفوبلس تستعرض أسرار الجريمة والمواقف الداخلية والخارجية حينها
انفوبلس/ تقرير
تحلُّ اليوم الاثنين 19 شباط/ فبراير، الذكرى الـ 25 لاستشهاد السيد محمد محمد صادق الصدر ونجليه (قدس الله أسرارهم) على يد الأجهزة القمعية التابعة للنظام البائد، وفي هذه المناسبة يسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على أسرار الجريمة وردود الفعل والمواقف الداخلية والخارجية حينها.
من هو السيد محمد محمد صادق الصدر؟
هو المرجع الديني آية الله العظمى السيد مُحمّد بن مُحمّد صادق بن محمد مهدي بن إسماعيل الصدر، وُلِدَ في مدينة الكاظمية المقدسة في 23 آذار العام 1943 من أسرة آل الصدر العربية العلمية الدينية العريقة.
ترعرع في أجواء العلم وحفظ القرآن والدراسة الحوزوية في النجف الأشرف، عُرِفَ بتحديه للأنظمة الحاكمة ومقارعتها، خاصة النظام البعثي الصدامي المباد، وتجلى هذا التحدي بإقامته (قدس سره) صلاة الجمعة وتصديه بنفسه لإمامتها في مسجد الكوفة، وتعميم إقامتها بمختلف المحافظات، وهو تحدٍ لم يشهد له مثيل في تأريخ العراق منذ حقب طويلة، واتخذ السيد الصدر من هذه الحركة الفريدة والنوعية منبراً لتوعية أبناء الأمة وكذلك لإشهار سخطه من السياسة المحلية والدولية.
قضى الشهيد السعيد السيد محمد محمد صادق الصدر حياته بين دروس العلم ومدارسه الحوزوية، ولفت انتباه أساتذته بذكائه وسرعة بديهيته وغزارة قراءته للكتب على اختلافها، فدرس على يد عدد من العلماء الكبار ومنهم السيد روح الله الخميني والسيد الشهيد محمد باقر الصدر والسيد أبو القاسم الخوئي والسيد محسن الحكيم وغيرهم من أساطين العلم.
ارتدى السيد (قدس سره) الزيّ الديني وهو في الحادية عشرة من عمره ودرس النحو على يد والده السيد محمد صادق الصدر ثم على يد السيد طالب الرفاعي وحسن طراد العاملي أحد علماء الدين في لبنان، ومن ثم أكمل بقية المقدمات على يد السيد محمد تقي الحكيم ومحمد تقي الأيرواني، وتخرج في الدورة الأولى من كلية الفقه عام 1964.
بدأ السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر بتدريس (البحث الخارج) في عام 1978 م وكانت مادة البحث التي يدرسها (المختصر النافع) للمحقق الحلي. وأخذ السيد الشهيد يطرح أبحاثه في الفقه والأصول وأبحاث الخارج عام 1990 واستمر في ذلك متخذاً من مسجد (الرأس) الملاصق للصحن الحيدري مدرسةً لتلك الأبحاث.
مؤلفاته:
1ـ نظرات إسلامية في إعلان حقوق الإنسان.
2ـ فلسفة الحج في الإسلام.
3ـ أشعة من عقائد الإسلام.
4ـ القانون الإسلامي.. وجوده، صعوباته، منهجه.
5ـ موسوعة الإمام المهدي، صدر منها:
أ – تاريخ الغيبة الصغرى.
ب – تاريخ الغيبة الكبرى.
ج – تاريخ ما بعد الظهور.
د – اليوم الموعود بين الفكر المادي والديني.
6ـ ما وراء الفقه (موسوعة فقهية)، وهو عشرة أجزاء.
7ـ فقه الأخلاق.
8ـ فقه الفضاء.
9ـ فقه الموضوعات الحديثة.
10ـ حديث حول الكذب.
11ـ بحث حول الرجعة.
12ـ كلمة في البداء.
13ـ الصراط القويم،.
14ـ منهج الصالحين (وهي رسالة عملية موسعة اشتملت على المسائل المستحدثة).
15ـ مناسك الحج.
16ـ كتاب الصلاة.
17ـ كتاب الصوم.
18ـ أضواء على ثورة الإمام الحسين (عليه السلام).
19ـ منّة المنان في الدفاع عن القرآن (قد يصل إلى خمسين مجلداً).
20ـ منهج الأصول.
21ـ التنجيم والسحر.
22ـ مسائل في حرمة الغناء.
مخطوطاته:
رغم ما امتاز به السيد الصدر (قدس سره) من كتبه المطبوعة إلاّ أنه لا تزال هناك جملة من كتبه المخطوطة تنتظر الطبع، منها:
1 – الجزء السادس من موسوعة الإمام المهدي بعنوان: هل إن المهدي طويل العمر. 2 – البحث الخارجي الاستدلالي الفقهي حوالي 8 أجزاء. 3 – دورة في علم الأصول على يد المحقق السيد الخوئي. 4 – بين يدَي القرآن. 5 – دورة في علم الأصول على يد السيد أبي جعفر. 6 – مباحث في كتاب الطهارة الاستدلالي. 7 – المعجزة في المفهوم الإسلامي. 8 – مبحث في المكاسب. 9 – مجموعة أشعار الحياة (ديوان شعر). 10 – اللمعة في أحكام صلاة الجمعة، 11 – الكتاب الحبيب إلى مختصر مغني اللبيب. 12 – بحث حول الشيطان. 13 – تعليقه على رسالة السيد الخوئي. 14 – تعليقه على كتاب المهدي لصدر الدين الصدر. 15 – سلسلة خطب الجمعة. 16 – فقه الكيمياء. 17 – وصيته. 18 – أجزاء باقي كتاب منهج الأصول. 19 – شرح كتاب الكفاية.
ومن خلال قائمة المؤلفات هذه، تتضح بعض اهتمامات الشهيد الصدر الثاني بالفقه المعاصر وإن كل مؤلف من هذه المؤلفات شكّل قضية من القضايا وحاجة من الحاجات الملحّة للكتابة فيها.
*إجازته في الرواية:
له إجازات من عدة مشايخ في الرواية أعلاها من: آية الله حسن الطهراني المعروف بـ (اغا بزرك الطهراني) صاحب الذريعة عن أعلى مشايخه وهو الميرزا حسين النوري صاحب مستدرك الوسائل، ومنهم والده الحجة آية الله السيد محمد صادق الصدر وخاله آية الله الشيخ مرتضى آل ياسين وابن عمه آية الله الحاج اغا حسين خادم الشريعة وآية الله السيد عبد الرزاق المقرم الموسوي (صاحب كتاب مقتل الإمام الحسين (عليه السلام)) وآية الله السيد حسن الخرسان الموسوي وآية الله السيد عبد الأعلى السبزواري والدكتور حسين علي محفوظ وغيرهم.
الاعتقالات التي تعرض لها:
قام نظام صدام باعتقال السيد محمّد محمد صادق الصدر عدة مرات ومنها:
1 – عام 1972 قام النظام باعتقال السيد محمّد محمد صادق الصدر مع الشهيد السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد باقر الحكيم.
2 – عام 1974 قام النظام باعتقال السيد محمّد محمد صادق الصدر في مديرية أمن النجف وعندما احتج على سوء معاملة السجناء نُقل إلى مديرية أمن الديوانية والتي كانت أشد إيذاءً للمؤمنين من بقية مديريات الأمن وقد بقي رهن الاعتقال والتعذيب النفسي والجسدي عدة أسابيع.
3 – عام 1998 قام النظام باستدعاء السيد محمد الصدر والتحقيق معه عدة مرات.
4 – عام 1999 قام النظام بالتحقيق مع السيد الصدر مرات عديدة وتهديده قبل اغتياله.
*تصدي السيد الصدر واستشهاده
شارك السيد الصدر في الانتفاضة الشعبانية عام 1991 ضد النظام الصدامي وسرعان ما تم اعتقاله من قبل عناصر الأمن إذ تعرض جسده الطاهر إلى أبشع أنواع التعذيب.
وفي عام 1993 وبعد وفاة المرجع الأعلى آية الله العظمى السيد عبد الأعلى السبزواري، سعى السيد الصدر للحفاظ على الحوزة العلمية في النجف الأشرف فقام بخطوات عديدة أهمها إرسال المبلغين إلى أنحاء العراق كافة لتلبية حاجات المجتمع.
وبسبب دعواته الإصلاحية وجرأته، أصبح السيد الصدر مصدر إلهام روحي لأغلب العراقيين لاسيما الشباب، الأمر الذي جعل النظام البعثي يشعر بخطورة السيد الصدر على بقائه، فأقدمت الأجهزة القمعية التابعة لدوائر الأمن على اغتيال هذا العالم الرباني الكبير الذي وضع بصمة في ضمير الأمة ونقش على جبينها كلماته الثلاث المشهور (كلا كلا أميركا.. كلا كلا إسرائيل.. كلا كلا للشيطان) وفي يوم الجمعة الرابع من ذي القعدة الموافق التاسع عشر من شباط عام 1999، تعرض السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر لعملية ملاحقة من قبل سيارة مجهولة بعد خروجه من الصحن الحيدري الشريف باتجاه منزله في منطقة الحنانة برفقة نجلَيه السيدَين الشهيدين مؤمل ومصطفى، وأُطلق النار على السيارة التي كان يستقلها مع نجليه وسرعان ما اصطدمت العجلة بشجرة قريبة، فترجل المهاجمون من سيارتهم وبدأوا بإطلاق النار بكثافة على السيد الصدر ونجليه فاستُشهد السيد مؤمل فوراً، أما السيد محمد محمد صادق الصدر فقد تلقى جسده الطاهر رصاصات عدة، ولكنه بقي على قيد الحياة، وعند نقله إلى المستشفى تم قتله برصاصة بالرأس من قبل أزلام النظام المباد، أما السيد مصطفى فأُصيب بجروح ونُقل إلى المستشفى من قبل الأهالي وتوفي هناك متأثراً بجروحه.
وعلى إثر انتشار خبر استشهاد السيد محمد محمد صادق الصدر شهدت مناطق جنوب العراق ومدن عديدة في العاصمة بغداد، غضباً شعبياً عارماً عُرفت بانتفاضة الصدر 1999 والتي قاومها النظام البعثي وأجهزته بالقتل والاعتقالات والمطاردات.
*ردود الأفعال الداخلية:
حفر الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر حضوراً عميقاً في قلوب العراقيين وضمائرهم، وتحوّل هذا الحضور إلى حب ورابطة قلّما تجسّدت بين الشعب العراقي وبين فقيه من الفقهاء، ولا يمكن حصر مظاهر وتجليات هذا الحب في سلوكية الناس قبل وبعد اغتيال الصدر الثاني، فبعض هذه المظاهر والتجليات كانت تعكسها صور ودرجات التفاعل معه المعلنة من خلال خطب الجمعة. لقد تحوّل الصدر الثاني إلى رمز وقضية في الوجدان العراقي، والعراقيون بمعظمهم لا يريدون أن يصدّقوا أن الصدر قد اُغتيل. وبعد اغتياله واظب أغلبهم على أداء صلاة الجمعة رغم الأجواء الأمنية المشحونة بالتوتر والاختناق. لقد كان الصدر الثاني يمثّل لهم الطموح والأمل والصدق والقيادة التي يريدون، وبعد اغتياله توقعت الكثير من الصحف العربية والأجنبية حدوث انتفاضات في معظم المدن العراقية، وهذا ما حصل بالفعل.
فبعد اغتيال الشهيد محمّد محمد صادق الصدر اندلعت من جامع المحسن في مدينة الثورة تظاهرات صاخبة أغلقت الشوارع الرئيسية للمدينة من جهة قناة الجيش وساحة المظفر والحبيبية وحي جميلة، ورفعت شعارات ضد صدام حسين وندّدت باغتيال الصدر، وقذفت جداريات صدام بالوحل، وهرعت قوات فدائيي صدام يقودها قصي صدام الذي اتخذ موقع قيادة له في نقطة قريبة من قناة الجيش ليوجّه عملية قمع الانتفاضة بنفسه، وأكد شهود عيان توجه 12 دبابة وعدد من المدرعات والسيارات التي تحمل الدوشكات الأحادية والثنائية نحو المدينة وأخمدت الانتفاضة في اليوم الأول لها بعد سقوط ما يقرب من 50 قتيلا وجرح 200 آخرين فيما سقط 17 قتيلا في صفوف قوات الأمن، وكذلك اندلعت مظاهرات ومواجهات في مدينة الناصرية، ولعل هذا يفسر اصطحاب وزارة إعلام بغداد عدداً من مراسلي الصحف إلى بعض أجزاء مدينتي الثورة والناصرية بعد انتهاء المواجهات.
أما مدينة النجف الأشرف فقد حدثت فيها صدامات محدودة بعد حادث الاغتيال حيث كانت مطوّقة بالدبابات والأسلحة الثقيلة بشكل لم يحصل من قبل إطلاقاً كما أن دوريات السلطة كانت تملأ الأزقة والشوارع التي كانت شبه خالية من الناس. ويكاد يتفق الجميع على أن هذه الاحتجاجات والصدامات والاضطرابات قد حصلت في عدة مدن من العراق في رد فعل غاضب على هذه الجريمة. لقد قام الشعب العراقي بانتفاضة محدودة كرد فعل على اغتيال الشهيد الصدر الثاني لأنه يدرك أنه لا يملك أدوات هذا الفعل، ولأن قيادته التي كان يراهن عليها قد اُغتيلت إلاّ أن اللافت هو أنه بعد هذه الانتفاضة المحدودة فإن أعمالاً ثأرية منظّمة قد بدأت داخل العراق، وأن وضعاً من تحدّي السلطة عبر عدم الالتزام بأوامرها قد تبلور بشكل أكبر، وأن صلاة الجمعة رغم معارضة السلطة أُقيمت في أكثر من مدينة عراقية، ولو أنها توقفت في مسجد الكوفة، وكل ذلك يدلّل على أن ردوداً مؤجّلة قد تفجّر داخلياً انتقاماً لاغتيال الشهيد الصدر الثاني الذي تحوّل قبره إلى مزار يومي لآلاف العراقيين.
واللافت أن ردود الفعل، لا سيما العسكرية منها أخذت سيراً تصاعدياً، ولقد شكّلت عمليات يوم 19 / 3 / 1999 في مدينة البصرة مفاجأة للسلطة وذلك عندما سقطت لعدة ساعات بيد الثوار وتم فيها مقتل محافظ البصرة ومدير الأمن فيها، كما تم في هذه العملية محاكمة أكثر من عشرين عنصراً حزبياً وأمنياً، تم إعدامهم على الفور، وأن العمليات التي سبقت هذه العملية أظهرت تطوّراً نوعياً في القدرة على الخداع والتمويه واللجوء إلى أساليب تغطية معقّدة إذ إن "سيارات فخمة وحديثة معظمها من نوع شبح مرسيدس أخذت تجوب المدن الرئيسية في العراق، وعندما تقترب من المسؤولين في الحزب أو الدولة، سواء كانوا في سياراتهم أم راجلين فإن من في داخل السيارات المذكورة يفتحون النار على المسؤول، وتنطلق السيارة من دون ارتباك إلى واجهتها بعد تنفيذ أفرادها المهمة المكلّفين بها، ولقد سُجّلت العديد من هذه الحوادث في مدن بغداد والحلة وكركوك والسماوة وتركّزت بشكل كبير في تكريت، بعد أن باتت الأجهزة الأمنية شبه عاجزة عن ملاحقة هذه السيارات لعدم تمييزها عن سيارات المسؤولين الكبار، فضلا عن أنها سيارات حديثة وسريعة يصعب على المفارز والدوريات ملاحقتها، وقد أطلق المواطنون على هذه السيارات تسمية (سيارات السيد) نسبة إلى المرجع الشهيد السيد محمد محمّد صادق الصدر. كما أن معلومات من داخل العراق تقول إن الثوار في إحدى هذه العمليات استخدموا الملابس والإشارات التي يستخدمها فدائيو صدام.
ردود فعل خارجية:
ومن ردود فعل الشارع العراقي، إلى ردود فعل العراقيين في الخارج بأعدادهم الكبيرة الموزّعة على دول عربية وإسلامية وأوروبية، فإن هنالك مشتركاً في قوى رد الفعل هذا مع فارق في سياقاته وطرق التعبير عنه، فلربما لم يحصل في تاريخ تواجد العراقيين في الخارج ردّ فعل لهم على حدث معين، مهما كان هذا الحدث، مثلما حصل في موقفهم إزاء خبر استشهاد الصدر الثاني، فبالإضافة إلى بيانات الاستنكار التي أصدرتها الحركات والأحزاب العراقية بمختلف اتجاهاتها الفكرية والسياسية، فإن المسيرات والمظاهرات الاحتجاجية التي اندلعت في إيران وسوريا ولبنان والأردن ودول أوروبية وأميركا واستراليا وأماكن أخرى من العالم كانت من الشمولية والقوة والتحدي، ما أظهر لأول مرة حضوراً عراقياً مؤثراً ومتفاعلاً مع ما يحصل داخل العراق، إذ إن ظاهرة الشهيد محمد محمد صادق الصدر لم تمثل أملاً لعراقيي الداخل وحسب، بل إنها مثّلت أملاً مشحوناً بالجدل للكثير من كوادر وقواعد الحركة الإسلامية خارج العراق، التي أُصيب بعضها بالانشقاقات والتعدُّد السلبي.