25 عاماً على انتفاضة "ساعة الصفر 1999" الشيعية.. كان مخططاً تاريخياً لتثوير الشارع العراقي وإسقاط نظام صدام المقبور ولكن!
انفوبلس/ تقرير
في مثل هذا اليوم وقبل 25 عاماً (1999)، حدثت "الانتفاضة العراقية 1999" أو ما تسمى "انتفاضة ساعة الصفر" والتي جاءت عقب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي عاشها العراقيون الشيعة آنذاك وكذلك اغتيال المراجع الدينية المستمر، وقد كادت أن تطيح بالنظام البائد.
ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس" الضوء على تفاصيل هذه الانتفاضة الشيعية التي كان الهدف منها إسقاط نظام المقبور صدام
*بداية الانتفاضة
بمحافظة البصرة في يوم 17 مارس/ آذار 1999، حوالي الساعة الحادية عشرة والنصف صباحاً هاجمت مجموعات من المتظاهرين المسلحين الشيعة مباني حكومية ومقرات لجهات استخباراتية ومكاتب لحزب البعث. وبحسب شهود عيان تحدثوا لـ"أنفوبلس"، فإن في هذا اليوم اندلعت مواجهات عنيفة بين المتظاهرين والقوات الحكومية، بلغت حد استخدام الأسلحة والمدفعية الثقيلة.
في تلك الأثناء كان العراق قد شهد بعد حرب الخليج الثانية ترديًا في الأوضاع الاقتصادية نتيجة الحصار "الخانق".
كما قال عدة شهود لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" إن المتظاهرين هاجموا وقتلوا 40 عضواً بحزب البعث في الأقل. ولا يزال العدد الحقيقي مجهولاً إلى اليوم نظراً لأن الحكومة العراقية لم تفصح أبداً عن حجم الانتفاضة.
وقد أخبر عدة شهود عيان منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن إطلاق النار قد استمر في بعض مناطق محافظة البصرة لأكثر من ساعة. بينما سُمعت أصوات طلقات الأسلحة الآلية في مناطق أخرى طوال الليل.
*أسباب قادت الى الانتفاضة
بحسب الشيخ عبد الحافظ البغدادي، أن أعمالا بربرية تبنّتها منظمات حزب البعث الإرهابي من خلال سياسته العدوانية ضد أهل البيت (ع) وشيعتهم، ابتدأت بخطوات تصاعدية يسمى إرهاب الدولة. وذلك من خلال الضغط والإكراه، أهونها منع ممارسة الشعارات الدينية، وإجبار رجال الدين والسياسة والأساتذة وضباط الجيش والشرطة والطلاب والعمال والفلاحين للانتماء إلى حزب البعث قسراً.
ويضيف البغدادي، إن البعث تمكن من خلال سيطرته على العراق أن يفرض هيمنته على جميع الأحزاب السياسية اليسارية فانقادت وراء قياداتهم، لكن الجهة الوحيدة التي استعصت على حزب الزمن الأسود، هي الحوزة العلمية في النجف الأشرف، لافتا الى أن "البعثيين رفعوا شعارا إستراتيجيا بعدوانية طائفية ضد الشعائر الحسينية، أما العتبات المقدسة فقد تم ضمها تحت سلطتهم، وأغلقت الحوزات العلمية في العراق خاصة كربلاء والكاظمية وسامراء، ولم يبقَ في جنوب العراق أي نشاط ديني حوزوي".
الجهة الوحيدة التي وقفت بوجه (البكر صدام) هي المرجعية الدينية الشيعية، ونال طلاب الحوزة نصيبا من الظلم والطغيان والتعالي، وتم إعدام السيد محمد باقر الصدر (قدس) وحلَّت أجواء قاتمة لا يمكن لأي كاتب أن يصف الرعب والاستهتار الحزبي تلك الفترة. يقول البغدادي، إنه "فجأة ظهر صوت شق ضجيج الإرهاب البعثي، رجل ذو لحية بيضاء ليقود المجتمع، ابتكر أساليب غير معهودة بينت أن القيادة الشيعية لن ولم تمُت. أحيا صلاة الجمعة المغيَّبة عن العبادات الشيعية لقرون عديدة. فسمع الناس منها نبرة ثورية في ركام الخوف.. كلا كلا أمريكا، كلا كلا للظالم.. الناس يعرفون الظالم، لا يوجد ظلم أكثر من ظلم البعثيين".
ويوضح، "لكن جاءت ردة فعل الطغاة بتصفية القيادات الشيعية (المراجع) ابتدأت بقتل المرجع الشيخ آية الله البروجردي (قدس)، بعدها أعقبه قتل آية الله الشيخ علي الغروي (قدس)، وتبين بعد مقتل المرجعَين أن النجف والمجتمع الشيعي في وضع العاجز مما سمح للوضع الأمني اغتيال المرجع السيد محمد صادق الصدر (قدس) الذي عُرف بمعارضته للنظام البعثي فتم اغتياله يوم الجمعة الرابع من ذي القعدة الموافق التاسع عشر من شباط 1999".
كانت البصرة على موعد يوجه فيه الثوار صفعة لحزب البعث أفقدتهم توازنهم فكانت ليلة 17/3/1999 موعدا للانتفاضة، أصبحت جميع المقرات الحزبية والأمنية هدفا مرشحا للاقتصاص من القاتل، وسقطت المقرات التي توجه لها الثائرون وهرب البعثيون منها يختبئون في أماكن آمنة لهم، وفقاً للبغدادي، الذي يؤكد أن ثلاثة أيام من المعارك بين كرٍّ وفَر تجري ليلاً من شارع إلى شارع، حتى أرسلت حكومة بغداد المجرم الدموي علي حسن المجيد.
ويشير البغدادي الى أن منظمات حقوق الإنسان كتبت عن تلك الفترة منها تقريرا لمنظمة هيومن رايتس ووتش عن مذبحة البصرة عام 1999 والتي أكدت فيه أن ضباط الأمن والجهاز الحزبي أعدموا 120 شاباً من مدينة البصرة وضواحيها بأمر من على كيمياوي الذي هدم دورهم وحرق أخرى وتم اعتقال النساء والأطفال.
ويلفت الى أن التفاصيل المودعة في هذا التقرير مثيرة للحزن والغضب تلقي الضوء على ما فعلته عصابة صدام بالمواطنين من قمع وحشيٍّ لا مثيل له، مبينا أن هذه الانتفاضة يصح لي أن أُسميها الانتفاضة المنسيّة (كونها بصريّة بامتياز)، وسوف تُمحى من التاريخ بعكس انتفاضات المناطق العراقية الأخرى.
*رواية أخرى
جهاد الشحماني يروي أنه في ليلة من ليالي البصرة الظلماء في شهر آذار من عام 1999 ميلادية وبعد الساعة الحادية عشرة من مساء اليوم السابع عشر انطلقت في سماء المدينة أضواء وأصوات الإطلاقات النارية للأسلحة الخفيفة والمتوسطة لتعمَّ المدينة بعدها حالة لم تعشها إلا في أيام وليالي الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات من القرن الماضي.
ويقول الشحماني، في تلك الفترة التي سبقت الانتفاضة كانت البصرة تعيش حالة من الرعب بثّتها أجهزة الطاغية الأمنية والعسكرية القمعية الكثيرة والمدججة بأنواع الأسلحة بما فيها الدروع والطائرات، حيث شهدت هذه الفترة اغتيال المرجع السيد محمد محمد صادق الصدر الذي سحب البساط من تحت النظام الذي توقع فيها أن تنطلق عدة عمليات ثأرية في المدن العراقية التي والَت السيد الشهيد وأقامت صلوات الجمعة والفعاليات الأخرى التي دعا لها. فاستعدَّت الحكومة لهذه الطوارئ بنشر الوحدات العسكرية والأمنية في مناطق البصرة وتم تفتيش البيوت والمساجد وغيرها من الأماكن عدة مرات بحثا عن الأسلحة واعتُقل الكثير من أبناء البصرة للحيلولة دون وقوع أحداث ثأرية بعد اغتيال السيد.
*أسباب التراجع
ورغم كل هذه الإجراءات القمعية والاحترازية فقد انطلقت الانتفاضة بتنظيم جيد وعمَّت أغلب مناطق البصرة حيث تمكن الثوار من تحرير المدينة من قبضة أجهزة النظام التي لم تكن تتوقع أن يجرؤ أحد على أي عمل، وبهذه السرعة والشمولية رغم كل إجراءاتها الاحترازية، يقول الشحماني، إنه بعد توقف الانتفاضة بسبب نفاد الذخيرة جاء المجرم علي حسن المجيد ومعه الكثير من الوحدات القمعية التي قامت باعتقال عشوائي لأغلب عوائل الثوار وأقربائهم وتم وبأمر من المجرم المجيد إعدام المئات من الشباب بينهم عدد من رجال الدين والنساء إضافة إلى بعض كبار السن.
ويبين، وقد حدثت حالات وفاة وولادات كثيرة في السجون التي أودعت بحياة الكثير من عوائل الشهداء والثوار. لقد عانت هذه العوائل من الحرمان والتشريد والعزلة وبقيت بدون سكن بعد أن هُدِّمت دورها بأمر من (قائد المنطقة الجنوبية آنذاك) المجرم علي حسن المجيد وصودِرَت ممتلكاتهم من دور وقطع أراض وأموال كما حُرموا من المواد الغذائية ضمن البطاقة التموينية وطُرد أغلب أقربائهم من وظائفهم.
وليس محافظة البصرة وحدها من انتفضت بوجه نظام المقبور صدام حسين بل وصلت تلك الانتفاضة الى عدة محافظات منها ذي قار وواسط والمثنى.
وتقول القيادات العراقية، إن نفاد الذخيرة بالإضافة الى عوامل أخرى مكَّن أجهزة النظام القمعية من استعادة السيطرة على المحافظة والمباشرة بتصفية المجاميع المنتفضة وتتبع عوائل المجاهدين وتهديم بيوتهم وتشريدهم وإعدام العديد منهم وسجن آخرين. كما أن تلك الانتفاضة الباسلة شكلت الهزَّة الأخيرة لعرش النظام الطاغوتي وسطَّرت تلك الدماء الزواكي في ليلة السابع عشر من آذار أروع صفحات البطولة وأكثرها إشراقا.
*اعتراف النظام البائد
واعترفت الحكومة العراقية آنذاك في 15 مايو 1999 بوجود اضطرابات مناهضة لها في جنوب العراق والبصرة خصوصاً، فيما ادَّعت أنها لم تقتل المتظاهرين على نطاق واسع. لوَّحت بأن مَن قام بهذه الانتفاضة كان بعض المتسللين من إيران "إحدى الدول المعارضة لنظام صدام آنذاك".
بعد الغزو الأمريكي للعراق في 2003 والإطاحة بحكومة البعث، قامت المحكمة الجنائية العراقية العليا بمحاكمة 14 متهماً بقمع الانتفاضة في 1999 في نهاية المطاف فإنه تم الحكم بالإعدام على عدد من المتورطين ومنهم علي حسن المجيد وحسن صالح ومحد هزاع وعدد من كبار البعثيين السابقين فيما تلقى سبعة آخرون أحكاما تتراوح بالسجن بين ست سنوات إلى السجن مدى الحياة لدورهم في القمع.
* الانتفاضة أسقطت كل عناوين الخوف والإرهاب الصدامي
أكدت النائب عن محافظة البصرة، زهرة البجاري، أن انتفاضة عام 1999 ضد النظام البائد مثَّلت الأسطورة التي هزت عروش الطغيان وزمرة البعث، مشيرة الى أن هذه الانتفاضة أسقطت كل عناوين الخوف والإرهاب الصدامي.
وقالت البجاري بحسب بيان لها، إنه مهما حاولنا أن نعبّر عن عظمة الشهداء، فإننا سنبقى قاصرين عن الوصول الى كل المعاني السامية العظيمة التي استُشهدوا من أجلها، مبينة أن انتفاضة الأبطال في 17/3/1999 ستبقى الأسطورة التي هزت عروش الطغيان وزمرة البعث الصدامي والصرخة الحرة بوجه الطغاة ورفض الظلم والحرمان، مضيفة أن هذا اليوم سيبقى يوما خالدا نفتخر به على الأجيال كونه لم يكن يوما كبقية الأيام، بل أراد أن يكتب اسمه في التاريخ مميزاً عن الكل، هذا اليوم الذي انطلقت حناجر الأبطال بالنداء للحرية.
وتابعت، اليوم نحن نستذكر ذكرى هذا التاريخ الخالد التي أسقطت كل عناوين الخوف والإرهاب الصدامي نتطلع اليوم لبناء عراق جديد رغما عن المصاعب والهموم ونرفض كل أشكال الطغيان والمحاصصة والفساد ونهب الحقوق والاستحقاق للشعب العراقي الكريم.
وقد ارتكب نظام صدام المقبور، طيلة فترة حكمه العراق، جرائم مروعة بحق بلاد الرافدين وأبنائها أودت بحياة مئات الآلاف من الأبرياء، وختمت بالمجهول على مصير الكثير من المواطنين.