38 عاما على سقوط الفاو.. كيف قاد "الغباء والتعنت" نظام صدام إلى الهزيمة؟.. إليك الجانب الإنساني المغيب للمعركة "الأشد قسوة"
انفوبلس/ تقارير
تصادف اليوم الذكرى الثامنة والثلاثون لسقوط الفاو خلال الحرب العراقية – الإيرانية، وبهذه المناسبة سلّطت انفوبلس الضوء على العديد من الجوانب المُغيّبة في هذا السقوط الذي هُزم فيه نظام صدام بسبب الغباء والتعنّت وما تسبّب به من كوارث إنسانية خلّفت أكثر من خمسين ألف شهيد وعشرات آلاف المفقودين والأسرى. فكيف سقطت الفاو؟ وكيف وقع نظام صدام بسلسلة أخطاء عسكرية دفع ثمنها الآلاف؟
*سقوط الفاو
كان قتال قد دار من 9 فبراير-20 شباط 1986 (مع عمليات قتال ثقيلة شديدة القسوة استمرت حتى أوائل 1988)، ضمن معارك الحرب الإيرانية العراقية. قام الإيرانيون بهجوم مفاجئ على القوات العراقية في شبه جزيرة الفاو. الوحدات العراقية المكلفة بالدفاع عن الجزيرة كان معظمها من مجنّدي الجيش الشعبي العراقي محدودة التدريب التي انهارت بمجرد بدء الهجوم المفاجئ من قبل قوات الپاسداران (حراس الثورة الإسلامية).
عام 1986، عانى العراق من خسائر كبرى في المنطقة الجنوبية فيما أُطلق عليه "حرب الفاو الأولى". استفاد الإيرانيون من ضعف الدفاعات العراقية على الحافة الجنوبية لشبه الجزيرة. في 9 فبراير، قام الإيرانيون بهجوم برمائي مفاجئ ناجح عبر شط العرب واستولوا على ميناء النفط العراقي المهجور، الفاو. احتلال الفاو، كان عملا لوجستيا، قام به 30.000 جندي إيراني نظامي الذين قاموا بتحصين أنفسهم بسرعة. توصف على أنها المرة الأولى التي ينجح فيها الإيرانيون من دخول واحتلال أراضٍ عراقية. ومع ذلك، وبسبب تهديد الميناء العراقي الهام في أم قصر، في الركن الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة، لم يسقط أبداً أثناء المعركة. صدَّ الإيرانيون عدة هجمات مضادة من جانب العراقيين وسعَوا للاحتفاظ على الأراضي التي استولوا عليها. وقد استخدم العراقيون الأسلحة الكيماوية بكثافة أثناء المعركة.
وعن الكيفية التي استولى بها الإيرانيون على الفاو، فيؤكد خبراء، أنهم استطاعوا صناعة جسر عسكري على الأراضي الإيرانية ثم عمدوا إلى جرّه بالآليات العسكرية والزوارق باتجاه شط العرب واستخدامه في عبور المشاة والآليات تجاه الفاو، في وقت كانت القوات العراقية المرابطة في المكان آنذاك قليلة وغير قادرة عسكرياً على رد الهجوم.
*غباء وتعنّت نظام صدام
لقد تعرض نظام صدام إلى هزيمة ساحقة أسفرت عن سقوط ميناء الفاو عام 1986 وذلك بسبب غباء القيادات العسكرية وتعنتها لاسيما بعد ورودها أخبارا بوجود تحرك إيراني صوب الميناء، لكن المبالغة بقدرتهم على التصدي وإيهام أنفسهم بأن التقدم الإيراني هو تعبوي وكاذب، قاد إلى ما حدث، وهو سقوط الميناء وهزيمة نظام صدام.
وعن الغباء الذي نتحدث عنه، يقول اللواء في النظام السابق، والذي كان مشاركاً في المعركة آنذاك، فوزي البرزنجي، "يوم 6 شباط 1986 بدأ الجيش الايراني بقصف مدفعي شديد على المواضع الدفاعية للفرقتين 31 في قاطع الفيلق الثالث والثانية في قاطع الفيلق السادس في قاطع السويب واستمر لمدة 72 ساعة بصورة شبه دائمية".
ويضيف، "منتصف ليلة 8 على 9 شباط قام الجيش الايراني بعملية هجوم مخادعة تعبوية بمجموعة زوارق كبيرة على الموضع الدفاعي للواء المشاة الثامن عشر حسب شاشة رادار الرازيت سبقها قصف مدفعي شديد على قاطع اللواء المذكور. اتصل رئيس أركان الفرقة العميد الركن غ ح العزاوي وأخبرني بالموقف وطلب اتخاذ تدابير الحيطة والحذر، فقلت له، هذا هجوم مخادعة تعبوية ستنسحب الزوارق فور تنفيذ الخطة النارية"، وهنا يكمن الغباء.
ويضيف البرزنجي شارحاً "الغباء" البعثي آنذاك، "بعد وقت قصير اتصل قائد الفرقة الثانية وطلب مني اتخاذ تدابير الحيطة والحذر، وقال بالحرف الواحد، الهجوم واقع لا محالة بعد قليل على لوائكم، فقلت له نحن مستعدون للمنازلة وبشوق وبروح وصلابة جيش صلاح الدين الأيوبي لكن هذا هجوم مخادعة، فرد عليّ، أنتم لواء المشاة التاسع عشر معنوياتكم عالية"، وهنا يكمن التعنّت.
*أسباب فشل القطعات العراقية بالصمود في مواضعها
ويعزو البرزنجي أسباب فشل القطعات العراقية في الصمود في مواضعها خلال تقدم القوات الإيرانية صوب ميناء الفاو لعدة نقاط منها:
ـ الجبهة مساحاتها شاسعة ومسرح العمليات معقد غير متكامل الإنجاز لكون الشريط الأخضر مزروع ببساتين النخيل وكثرة القصب بين النخيل وكثرة تفرع الأحوازات من شط العرب.
ـ الموضع الدفاعي الرئيسي خطي وحجم القطعات المدافعة لا يتناسب مع جبهة الموضع ولا يوجد فيه عمق ولا يوجد خط دفاعي ثانٍ أصلاً.
ـ أغلب القطعات المدافعة في القاطع من تشكيلات الحدود والاحتياط ضباطها أحداث وجنودها غير مدرَّبين بصورة جيدة وآمري الوحدات ليسوا بكفاءة عالية تؤهلهم للقتال في هذا القاطع.
ـ الأهم من كل ما ذكرناه آنفاً لم يجرِ إنذار القطعات بأن الجيش الايراني يستهدف هذا القاطع في هجومه المرتقب ولو بنسبة مئوية ضئيلة.
*أسباب نجاح الجيش الإيراني في الهجوم على قاطع الفاو
أما أسباب نجاح الجيش الإيراني في الهجوم على قاطع الفاو، فيعزوه البرزنجي إلى هذه النقاط:
ـ نجاح عملية المخادعة اللاسلكية التي قام بها الجيش الإيراني لتمويه انتباه الاستخبارات العسكرية العراقية الى قاطع الفاو وتركيز انتباهها على قاطع شرق دجلة.
ـ القيام بعملية مخادعة هجوم تعبوي كاذب على قاطع لواء المشاة الثامن عشر في قاطع شرق دجلة لزيادة حجم تظليل الاستخبارات العسكرية العراقية وتركيز الانتباه على قاطع المذكور آنفاً.
- تأخير عملية حشد القطعات الإيرانية في الجهة المقابلة لقاطع الفاو لفترة ما قبل المعركة بساعات قليلة أدى الى عدم كشف نوايا الجيش الايراني الحقيقية لمحور الهجوم المرتقب.
ـ استخدام الإيرانيين لرجال الضفادع البشرية بنطاق واسع بالوصول الى خلف دفاعات القطعات العراقية ومقاتلتها من الخلف.
ـ قيام الجيش الإيراني بإنشاء أبراج حديد بارتفاع عالٍ لأغراض الرصد مكّنت المدفعية الإيرانية من تكبيد القطعات العراقية خسائر كبيرة بالعجلات المحمّلة بالجنود خلال تنقلها على الطريق العام (البصرة – الفاو) قبل وصولها الى أرض المعركة.
*الجانب الإنساني المُغيّب
لقد تسبب نظام صدام بكارثة إنسانية في الفاو بسبب غبائه وإصراره على القتال، حيث قُدِّرت الخسائر آنذاك بأكثر من خمسين ألف شهيد فضلاً عن عشرات الآلاف من المفقودين والأسرى.
وكان لضعف قدرات نظام صدام وافتقار غالبية الألوية والفرق إلى التركيز ولضعف التدريب، دوره في تعميق الكارثة الإنسانية في الفاو، حيث أقرّ العديد من الضباط المشاركين في تلك الأحداث بأن المدفعية العراقية قصفت بكثرة جنودها عن طريق الخطأ بل وتعدَّت ذلك لتقصف المنشآت الحيوية والأبنية السكنية، وهذا ما فاقم الكارثة ورفع أعداد الضحايا.
انتهت معركة الفاو رسمياً في مارس، ومع ذلك فقد استمرت العمليات القتالية الثقيلة في شبه الجزيرة حتى نهاية 1986 بل حتى عام 1988، وتمكن الجيش الإيراني من هزيمة نظام صدام. وصلت المعركة طريقا مسدودا بأسلوب الحرب العالمية الأولى في أهوار شبه الجزيرة. في نهاية المعركة قُتل 53.000 من القوات العراقية وعدد غير معروف من القوات الإيرانية لكن وفق ما متداول فإن العدد أقل بثلاثة أضعاف من عدد قوات النظام المُباد.