4.5% من سكان العراق يعانون من متلازمة داون.. الدعم الحكومي غائب والتبرعات هي "المنقذ"
النسبة في ازدياد
4.5% من سكان العراق يعانون من متلازمة داون.. الدعم الحكومي غائب والتبرعات هي "المنقذ"
انفوبلس/..
ظروف صعبة ومعاناة مستمرة يغيب عنها الدعم الحكومي، حال مأساوي يعيشه مرضى "متلازمة داون" في العراق، فلا مدارس مخصصة لهذه الفئة من المجتمع مع استغلال العوائل ماديا لقبول أطفالهم بمدارس أو معاهد خاصة ربحية فضلا عن التنمر الذي يتعرض له الأطفال المصابون بهذا المرض، أما مَن يرعاهم فهم "فاعلو الخير" والتبرعات.
*أرقام تقريبية
تفيد أرقام قد تكون قريبة من الواقع بوجود نحو مليوني شخص، أي ما يعادل 4.5 في المائة من عدد المواطنين الذي يناهز 43 مليوناً يعانون من مرض متلازمة داون.
وكانت "أكاديمية المحاربين" في محافظة البصرة التي تعنى برعاية هؤلاء الأشخاص، من بين الجمعيات الأكثر اهتماماً بتقوية مهارات ومواهب الأطفال، لكنها أوقفت نشاطاتها أخيراً.
وكتبت مديرتها الناشطة تالا الخليل على "فيسبوك": "يؤسفنا أن ننقل خبر إغلاق أكاديمية المحاربين حتى إشعار آخر. لم نفكر يوماً بإغلاق الأكاديمية لولا مواجهتها عجزاً مالياً كبيراً. نعجز منذ فترة عن قبول العديد من الأطفال الجدد الذين يحتاجون إلى التسجيل في الأكاديمية بسبب امتلاكنا مكاناً ذا مساحة صغيرة، وعمل عدد قليل من الأفراد في الكادر المتخصص لأننا نفتقد المبالغ المالية الكافية للاستعانة بعدد مناسب، كما لا نستطيع تغطية نفقات الخدمات المقدمة". وتحدثت عن أن "الأكاديمية تتلقى طلبات لتسجيل عشرات الأطفال الجدد يومياً، ما يُعيق توفير خدمات مناسبة لباقي الأطفال".
وتابعت: "تلقينا وعداً من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وأيضاً وزير النفط حيان عبد الغني، ببناء أكاديمية أكبر. وصدر قرار في هذا الشأن قبل ستة أشهر، وكرر السوداني تعهده السابق، ونحن ننتظر الآن اتخاذ التدابير اللازمة بأقصى سرعة ممكنة. وبالنسبة إلى الأكاديمية فهي لم تتلقَ أي دعم منذ بداية العام الحالي، وتراكمت ديونها الخاصة بتوفير احتياجات الأطفال وتدريسهم. والإغلاق الحالي هو لحماية الأطفال والأكاديمية من تكاليف أكبر".
*أزمة مالية
ويقول عضو شبكة "رعاية الطفولة" في العراق، عامر محمود، "أُغلقت أكاديمية المحاربين في البصرة لأسباب مالية وأخرى تتعلق بالإهمال المقصود أو غير المقصود من الحكومة لرعاية الأطفال ممن لديهم متلازمة داون".
يضيف: "هذه الشريحة غير موجودة ضمن اهتمامات الحكومات العراقية، وكأنها غير موجودة أصلاً، علماً أنها تحتاج إلى اهتمام بالغ واستثنائي. ويشمل الإهمال الحكومي التعليم وتوفير مرتبات خصوصاً أن التعامل مع من لديهم متلازمة داون يحتاج إلى دعم دائم. أيضاً لم تقرّ الحكومات أي قرارات لتسهيل التعامل مع من لديهم متلازمة داون ومع مسؤولي المؤسسات الصحية والاجتماعية التي تتابع أوضاعهم. كما لم تصدر الحكومات تعليمات ببناء مقار لتأهيلهم، والاهتمام باحتياجاتهم وتنمية قدراتهم ومهاراتهم".
*نسبتهم تزداد
من جهته، يقول رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي أرشد الصالحي: "يستحق من لديهم متلازمة داون وقفة حكومية وبرلمانية جدية لدعمهم وتوفير احتياجاتهم في كل المجالات، علماً أن القانون العراقي أقرّ بتوفير دعم لهذه الشريحة، في حين يشير الواقع الحالي إلى زيادة الحاجة إلى دعمهم". ويوضح أنه "يجب إعادة النظر بمن لديهم متلازمة داون من أجل رعايتهم، خصوصاً أن نسبتهم تزداد مع الزيادة السكانية".
وينص القانون العراقي على تأسيس هيئة ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة تقدّم الخدمات لذوي الإعاقة، ومن بينهم من لديهم متلازمة داون الذين يعرفون أيضاً بتسمية "ذوي الهمم". ومُنحت الهيئة كل الامتيازات لتسهيل وإعادة دمج هذه الفئة في المجتمع، من بينها تخصيص راتب 250 ألف دينار (180 دولاراً) قابل للزيادة للشخص المعين المتفرغ.
ويخصص القانون مقعدين لقبول ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة في الدراسات العليا بكل اختصاص، ونسبة واحد في المائة من مقاعد الحج لهم ولمرافق واحد. كما يحتسب إعانة شهرية تتناسب مع نسبة العجز التي تحددها لجنة طبية مختصة، ويعطي منحاً مجانية لقبول ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة في الجامعات، والمدارس الأهلية لذوي الدخل المحدود. لكنّ أوساطاً مدنية ونشطاء في مجال حقوق الإنسان يعتبرون أن هذه التقديمات أقل من الاحتياجات الفعلية لمن لديهم متلازمة داون.
*المزيد من الرعاية
وتشير الناشطة في مجال حقوق الإنسان سارة مجيد، إلى أنّ "من لديهم متلازمة داون يحتاجون إلى مزيد من الرعاية الصحية والطبية كالعلاج الطبيعي والعلاج النطقي وغيرها، إضافة إلى برامج تعليمية متخصصة تتناسب مع قدراتهم واحتياجاتهم، وتساعد في دمجهم في المجتمع وسوق العمل والأنشطة الاجتماعية والترفيهية والثقافية".
وتؤكد أن "التعامل الحكومي مقصّر من ناحية توفير الرعاية الصحية والطبية والتعليم والسكن بسبب نقص الموارد المخصصة للخدمات الصحية والتعليمية، وبسبب الوصمة الاجتماعية والتعامل بفوقية مع هذه الشريحة من قبل المجتمع والحكومات، والتي لا تضعها ضمن أولوياتها وفي جدول اهتماماتها".
تضيف: "تعمل منظمات محلية مع من لديهم متلازمة داون، وتقدم لهم خدمات متنوعة منها الدعم والتأهيل، كما تنفذ برامج لرفع الوعي في شأن متلازمة داون في المجتمع، لكن هناك حاجة إلى مزيد من الدعم لهذه الشريحة والمنظمات التي تتعامل معها".
*تنمية المهارات
من جانبها، تقول هبة معلة (أم جعفر)، وهي صانعة محتوى تحفيزي على مواقع التواصل الاجتماعي لرفع الوعي عن متلازمة داون، إن الاهتمام بهذه الشريحة من ذوي الهمم (ذوي متلازمة داون) وخصوصا بمجال تنمية القدرات الذهنية مهم جدا.
وتؤكد أم جعفر، ضرورة إقامة مشاريع مختصة بأطفال متلازمة داون، لأن تدريب وتطوير هؤلاء الأشخاص ضرورية لتنمية مهاراتهم ومساعدتهم للاندماج بالمجتمع، ليس فقط فنيا وإنما تنمية كل المهارات الفنية والرياضية والتطبيقية والحرفية؛ ليكون إنسانا منتجا وقادرا على العمل والاندماج في المجتمع.
وتضيف أن العراق ومعظم الدول العربية بحاجة إلى قبول الأشخاص من متلازمة داون، وكلمة قبول تشمل احترامهم وتوفير التوعية والرعاية المجتمعية وتوفير مدارس تدريبية حالهم حال بقية الأطفال.
*قصص مؤلمة
وتكشف أم جعفر عن تلقيها رسائل كثيرة من ذوي المصابين بمتلازمة داون يشتكون من قلة أو ندرة وجود مدارس ومعاهد خاصة لتدريب أطفالهم، وهناك قصص كثيرة ومؤلمة، منها، رفض من إدارة المدارس الحكومية ومن وزارة التربية لقبول أطفالهم في المدارس، وحتى في حال قبولهم يواجهون الكثير من العقبات بسبب صعوبة المناهج على الطفل بهذا العمر لعدم معرفتهم بالفجوة العمرية، مما يؤدي إلى عدم استجابة الأطفال لهذا النوع من التعليم.
وكذلك استغلال العوائل ماديا لقبول أطفالهم بمدارس أو معاهد خاصة ربحية، فضلا عن التنمر الذي يتعرض له الأطفال من ذوي متلازمة داون في المدارس من قبل الكوادر وحتى باقي الأطفال واستخدام براءتهم وطيبة قلوبهم كمادة للسخرية.
وتوجز أم جعفر الحل بضرورة فتح مدارس خاصة لهؤلاء، وإدخال مناهج توعية لكل المدارس لشرح متلازمة داون بطرق مبسطة لجميع الأطفال وتعليمهم احترام هذه الفئة المجتمعية.
*أطفال مبدعون
وتؤكد الدكتورة سرور عنتر الحمد أخصائية طب الأطفال وعضو مجموعة داون سيندروم الأميركية، أن أطفال متلازمة داون يولدون بصفات مظهرية معينة ومشاكل صحية تختلف من طفل لآخر.
وتشير إلى أن بعض المصابين يولدون بمشاكل صحية تحتاج إلى متابعه طبية مستمرة، إلا أنهم يمكن أن يعيشوا حياة طبيعية ويعتمدون على أنفسهم في بعض الأمور إذا تم تدريبهم.
وتضيف الحمد أن أهم الطرق للتعامل معهم هي معاملتهم مثل الطفل العادي مع التركيز على بعض المهارات التي يحتاج معظم أطفال متلازمة داون الوقت لاكتسابها، وذلك بسبب صعوبات التعلم التي يعانون منها وليس لأنهم متخلفون عقليا كما يعتقد البعض.
وتلفت الحمد إلى أن أطفال متلازمة داون يبدعون في مختلف المجالات، مثل السباحة والجري وركوب الخيل والرسم والعزف والفنون الأخرى، كما يمكنهم إكمال دراستهم الثانوية وحتى الجامعية، لكن بعض الدول مثل العراق تفتقر لوجود رعاية خاصة لهذه الفئة، ولذلك أكثر الحالات محرومون من دخول المدارس لعدم وجود مدارس مؤهلة لهم.