أخطاء تصميمية تفاقم الأزمة.. جسر شط البصرة المعلق والشركة المنفذة بمرمى الانتقادات ولا حلول جذرية

انفوبلس..
في محافظة البصرة، وتحديدًا على ضفاف شط العرب، يقف "الجسر المعلق" الذي كانت تأمل الحكومة المحلية من خلاله أن يكون حلًا استراتيجيًا لأزمة الزحام المتفاقمة، إلا أن ما أُنجز على الأرض تحوّل إلى محور جدل واسع، بسبب ما وصفه مختصون ومواطنون بـ"الأخطاء التصميمية الفادحة" التي رافقت المشروع، في سابقة تطرح أكثر من علامة استفهام حول آلية التخطيط والتنفيذ، والأهم: المحاسبة.
وخلال الفترة السابقة، تواجه شركة النرجس انتقادات واسعة بسبب أخطاء في أعمال فلكة ساحة الطيران وأخطاء تصميم الجسر المعلق في شط البصرة، وسط مطالبات بمحاسبة المقصرين ومراجعة جودة التنفيذ.
وفي محاولة منها لتدارك الأمر، كشفت شركة “النرجس” المنفذة لمشروع الجسر المعلق على شط البصرة أن الاستدارة الواقعة تحت الجسر الجديد تمثل حلاً مروريًا للمركبات القادمة إلى مركز مدينة البصرة عبر شارع عبد الله عويز الجبوري من جهة الگزيزة أو المخازن، وذلك لضمان استمرار تدفق الحركة باتجاه وسط المدينة.
وبحسب الشركة، فإن التصميم الحالي يتضمن تقاطعًا مروريًا أمام الجسر يسمح بصعود المركبات المتجهة نحو المطار أو الطريق الدولي السريع، وهو ما أدى إلى تداخل في حركة السير نتيجة تقاطع مسارين في موقع واحد.
ويشير مراقبون إلى أن هذه الحلول جاءت بعد سلسلة من الأخطاء الهندسية، إذ أصبح السائق أمام خيارين كلاهما غير مثالي: إما الوقوف وانتظار مرور المركبات القادمة من الاتجاه المعاكس للصعود إلى الجسر، أو الاستدارة من تحت الجسر ومواصلة الطريق دون توقف، وهو ما يتسبب بتباطؤ وتكدس مروري خصوصًا في ساعات الذروة.
الدكتور ضرغام الأجودي كتب على صفحته مقترحا لحل الأزمة وقال: "لحسم الجدل حول الخطأ التصميمي في جسر شط البصرة يمكن حل المشكلة الناجمة عن هذا الخطأ بعمل منحني للصعود الى الجسر مناظر لمنحني النزول منه، ويمكن للقادم من جهة الكزيزة الصعود الى الجسر، أو الاستمرار باتجاه المدينة الرياضية، كما يمكن للقادم من جهة المدينة الرياضة الصعود للجسر من خلال استدارة بشكل حرف (U) بعد الجسر ليعود الى الجسر من جهة الكزيزة".
الجهة المنفذة للمشروع، وهي شركة "النرجس"، تتعرض منذ أشهر لانتقادات واسعة من الرأي العام المحلي ومن قبل المختصين في مجال الهندسة المدنية والنقل. لم تكن هذه أول مرة تُتهم فيها الشركة بالإخفاق، إذ سُجّلت عليها سابقًا أخطاء بارزة في أعمال إنشاء "فلكة ساحة الطيران"، وهو مشروع آخر أثار جدلًا مشابهًا.
غير أن قضية الجسر المعلق أخذت بُعدًا أوسع، كونها تمس مرفقًا حيويًا يُفترض أن يُخفف العبء المروري عن شوارع البصرة المكتظة، لا أن يضاعفه.
في توضيح متأخر، حاولت شركة النرجس الدفاع عن نفسها عبر بيان قالت فيه إن "الاستدارة الواقعة تحت الجسر الجديد تمثل حلاً مروريًا للمركبات القادمة إلى مركز مدينة البصرة عبر شارع عبد الله عويز الجبوري من جهة الگزيزة أو المخازن، لضمان استمرار تدفق الحركة".
لكن هذا التبرير لم يُقنع الكثير من المراقبين، إذ إن الحل المقترح من الشركة خلق مشكلتين جديدتين:
الأولى، تداخل في حركة السير بسبب تقاطع المسارين في نقطة واحدة.
والثانية، وضع السائقين أمام خيارين غير مثاليين، بحسب ما أفاد به مهندسون مختصون.
فعمليًا، بات السائق مضطرًا إما للانتظار طويلًا كي يصعد إلى الجسر من جهة الگزيزة، أو الاستمرار في الطريق عبر الاستدارة تحت الجسر، ما يتسبب في تباطؤ شديد وازدحام مروري خصوصًا في ساعات الذروة.
يرى مراقبون أن ما يجري هو نتيجة تراكم أخطاء تخطيطية لم تُراجع بجدية منذ البداية. إذ لم تراعِ التصاميم الديناميكية المرورية للمنطقة، ولم تؤخذ بعين الاعتبار خصوصية تدفق المركبات من مختلف الاتجاهات، كما لم يُخصص مخرج أو منحنى يتيح الحركة السلسة من المناطق الجنوبية والغربية للبصرة باتجاه مركزها أو المطار.
وسط كل هذه الانتقادات، يبرز سؤال جوهري على ألسنة الكثير من المواطنين: لماذا لا تتم محاسبة الشركة المنفذة؟
المشكلة ليست فقط في الخطأ، بل في التعامل معه وكأنه تفصيل صغير يمكن التغاضي عنه، في حين أن آلاف المركبات وساعات العمل والإنتاج تهدر يوميًا بسبب التصميم الخاطئ.
وفي بلد يعاني من أزمات متلاحقة في البنية التحتية، تمثل مثل هذه المشاريع فرصة نادرة لتحسين واقع النقل، ولكن حين تُهدر هذه الفرص وتتحول إلى عبء، فإن الأمر لا يمكن أن يمر بلا مراجعة جادة ومحاسبة شفافة.
ويتساءل المواطنون: مَن أجاز هذا التصميم؟ ومَن أشرف على التنفيذ؟ ومَن وافق على استلام المشروع بهذه الطريقة؟ ولماذا تُصر الجهات المعنية على التعامل مع شركة النرجس رغم سجلها الذي لا يخلو من المشكلات؟
حتى هذه اللحظة، لم تصدر الحكومة المحلية أو وزارة الإعمار والإسكان أي موقف رسمي صريح بشأن هذه الأزمة، وهو ما يزيد من الشكوك حول وجود "تغطية سياسية" أو تواطؤ إداري يُتيح تكرار هذه الكوارث الفنية.
جسر شط البصرة لم يكن مجرد مشروع بنى تحتية، بل كان من المفترض أن يكون رسالة أمل لأهالي المحافظة التي طالما عانت من الإهمال. إلا أن ما حدث يعيدنا إلى المربع الأول: مشاريع تُنفذ بسرعة، من دون دراسات جدية، ولا تُحاسَب الجهة المقصّرة حين يتضح الفشل.