أزمة ثقة زراعية.. الحنطة تجدد الخلاف بين الفلّاح والدولة.. أي الأطراف على حق؟

انفوبلس..
يشهد القطاع الزراعي في العراق توتراً متصاعداً بين الفلاحين والحكومة، على خلفية قرارات تتعلق بتسويق محصول الحنطة وتسعيره، ما أدى إلى احتجاجات واسعة في محافظة واسط. وتتمحور الأزمة حول تسعيرة الحنطة المزروعة خارج الخطة الزراعية، وآلية احتساب الغلة، وسط تبريرات حكومية بتفادي خسائر الموسم السابق، واعتراض نيابي وشعبي على ما يُعد تهديداً للأمن الغذائي والاقتصاد الريفي.
القصة الكاملة وأصل الخلاف
يعيش القطاع الزراعي في العراق خلال هذه الأيام جولة من "سوء العلاقة" بين الفلاح والجانب الحكومي، أسوة بالعديد من القطاعات التي تخرج بين الحين والآخر في تظاهرات غاضبة لأسباب متعددة، فيما تتلخص الخلافات بين المزارعين والجانب الحكومي، باتخاذ الحكومة قرارا لمنع تكرار خطأ الموسم السابق عندما تراكمت الحنطة في المخازن واضطرت لبيعها بخسارة، فيما يريد المزارعون بيع حنطتهم للدولة بالكامل حتى خارج الخطة الزراعية.
في تشرين الثاني 2024، حدد مجلس الوزراء السعر 850 ألف دينار لكل طن للحنطة المسقيّة بالطرق الحديثة، و800 ألف دينار لكل طن بالأراضي المسقيّة بالطريقة الكلاسيكية "الرَّي السيحي"، فيما حدد سعرا لكل طن حنطة مزروع خارج الخطة وفق السعر العالمي، وهو ما يعني يتراوح بين 450 و500 ألف دينار، أي تم رفع الدعم عن الحنطة المزروعة خارج الخطة الزراعية، وهو ما ينفي الاعتقادات الشائعة بأن الحكومة أو وزارة الزراعة قررت عدم استلام محصول الحنطة خارج الخطة الزراعية، بل يتم استلامها وفقاً للسعر العالمي وليس المدعوم.
كما أن الأمر الآخر تضمن تحديد كمية الغلة، وهذا يعني، أن الحكومة حددت تقديريا كل دونم مزروع كم سينتج، لذلك يتم استلام الحنطة من الفلاح وفقا للمساحة التي زرعها، ما يعني ليس من المنطقي أن يأتي فلاح زرع 100 دونم على سبيل المثال وإنتاجه 75 طنا، ويأتي غيره زرع نفس المساحة وإنتاجه 200 طن، فهذا يثير الشكوك حول مصدر هذه الحنطة، وما إذا كانت حنطة مهرّبة من الخارج ويتم بيعها الى الدولة بالسعر المدعوم.
ويبدو أن الحكومة ذهبت نحو عدم شمول المساحات المزروعة خارج الخطة الزراعية بالدعم، لتجنب تكرار الخسارة السابقة التي تكبّدتها في الموسم الماضي، والبالغة مليوني طن وبكلفة بلغت نصف تريليون دينار عراقي، حيث اشترت الدولة الحنطة بـ850 الف دينار للطن من المزارعين وبإنتاج بلغ 6 ملايين طن، لكن بقي هناك فائض مليوني طن لا يمكن خزنه، مما اضطر الدولة لتصديره الى الخارج بالسعر العالمي البالغ 450 دولارا في أقصى الأحوال أي قرابة 600 ألف دينار، ما يعني خسارة تبلغ 250 ألف دينار لكل طن، لتكون الخسارة الإجمالية نصف تريليون دينار، في الوقت الذي لا يحتاج العراق في الوقت الحالي لخسارة كهذه بينما تنخفض أسعار النفط وتواجه خزينة الدولة شبه أزمة مالية.
تعليق الوزارة
واليوم الاثنين، أصدرت وزارة الزراعة العراقية، توضيحاً حول آليات استلام محصول الحنطة من الفلاحين والمزارعين، مشيرة إلى أن الخطة المقرة لكل فلاح أو مزارع سيتم استلامها بالكامل، بغض النظر عن مساحتها.
وقال المتحدث باسم الوزارة محمد عبد الرضا الخزاعي، في بيان إن "تحديد الغلة الزراعية بواقع 750 كغم للأراضي المروية سيحاً، و950 كغم للأراضي التي تُروى بالمرشّات لكل دونم، هو أمر غير قطعي"، مؤكداً أنه "سيسمح للمزارعين النشطين، أصحاب الأراضي التي تتجاوز غلتها الأرقام المذكورة، باستلام كامل محصولهم".
وأضاف، إن الوزارة وجهت الشعب الزراعية بإجراء عمليات كشف موقعي لتثبيت مقدار الغلة، ليتم بعد ذلك تسويقها إلى وزارة التجارة.
وفي السياق ذاته، نفت وزارة الزراعة ما تناقلته بعض وسائل الإعلام "المغرضة"، بشأن توجيه اتهامات بأن قرار عدم استلام محصول الحنطة خارج الخطة بنفس تسعيرة المحصول داخل الخطة هو مقترح مقدم من قبل وزير الزراعة عباس جبر المالكي إلى مجلس الوزراء.
وأكدت الوزارة أنها تمضي في استلام الخطة الزراعية من الفلاحين والمزارعين بشكل كامل وبمختلف المساحات وفق الخطة الزراعية المقرّة، مشددة على حرص السيد الوزير الدائم على دعم الفلاح والمزارع العراقي، ودوره الفعّال في خدمة هذا القطاع الحيوي.
تدخل نيابي
إلى ذلك أكدت لجنة الزراعة والمياه النيابية، أمس الأحد، متابعتها لتظاهرة مزارعي واسط، مشيرة إلى ثلاث نقاط مهمة تتعلق بمطالب المحتجين.
وقال عضو اللجنة، النائب حسين مردان، إن "من حق مزارعي واسط التظاهر السلمي والتعبير عن آرائهم، وقد التقيت بعدد من ممثلي التظاهرة للوقوف على أبرز مطالبهم المشروعة، وفي مقدمتها تسويق محصول الحنطة خارج الخطة الزراعية".
وأضاف مردان، إن "لجنته تدعو إلى محاسبة قانونية لكل من يتجاوز على التظاهرات السلمية، مع ضرورة الاستجابة السريعة للمطالب التي طُرحت من قبل المزارعين"، مؤكداً أن "اللجنة ستخاطب رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني حول ضرورة الإسراع في الاستجابة لمطالب مزارعي واسط وبقية المحافظات بشأن تسويق الحنطة خارج الخطة، باعتبار ذلك استحقاقاً مشروعاً".
وأشار إلى أن "القطاع الزراعي يعد من القطاعات الحيوية التي توفر مصدر رزق لأكثر من 50% من الأيدي العاملة في البلاد، ولهذا تسعى اللجنة إلى التفاعل مع هذه المطالب وإيجاد حلول منصفة خلال الفترة القادمة، مع قرب بدء موسم تسويق محصول الحنطة".
تظاهرة واسط
وشهدت محافظة واسط، خلال اليومين الماضيين، تظاهرة سلمية واسعة نظمها المزارعون، تخللتها احتكاكات مع القوات الأمنية، ما أثار القلق من تصاعد وتيرة التظاهرات واحتمال حدوث المزيد من المصادمات.
وجاءت التظاهرة احتجاجا على عدم تسويق محصول الحنطة من مزارع المحافظة، وذكر مصدر محلي، إن العشرات من فلاحي محافظة واسط تظاهروا اليوم أمام مبنى المحافظة وسط مدينة الكوت للمطالبة بشمولهم ضمن الموسم التسويقي لمحصول الحنطة.
وفي هذا الشأن، وجه عضو لجنة الزراعة والمياه النيابية، ثائر الجبوري، أمس الأحد، تحذيرا شديد اللهجة بشأن ما وصفه بـ"النهج الخاطئ" في التعامل مع تظاهرة سلمية نظمها مزارعو محافظة واسط، معتبرا أن قمع المحتجين يهدد الأمن الغذائي ويمس حقوق شريحة تمثل أكثر من نصف القوى العاملة في البلاد.
وقال الجبوري إن "المئات من فلاحي واسط خرجوا في وقفة احتجاجية سلمية للمطالبة بحقوقهم، بعد صدور قرار حكومي يقضي بتخفيض أسعار شراء محاصيل الحنطة والشعير، بذريعة غياب خطة تسويقية واضحة من قبل المزارعين".
وأكد الجبوري "تضامن لجنة الزراعة والمياه الكامل مع الفلاحين، محملا الحكومة مسؤولية تداعيات هذه السياسات التي وصفها بـ"غير المدروسة"، قائلا، إنها "تشكل تهديدا حقيقيا للأمن الغذائي الوطني، وتترك آثارا سلبية على قطاع حيوي يشكل العمود الفقري للاقتصاد الريفي".
وفيما شدد الجبوري على "ضرورة التراجع الفوري عن هذه القرارات"، حذر من أن "الاستمرار بهذا النهج سيجر البلاد إلى أزمات أعمق"، مؤكدا أن "الدفاع عن حقوق الفلاحين خيار وطني لن نحيد عنه، وأن لجنة الزراعة ستكون سندا للفلاحين في كل المحافظات إذا استمر التجاهل لمطالبهم المشروعة".
زاوية أخرى للمشكلة
فؤاد ناصر، أحد ناشطي محافظة واسط، وتمتلك عائلته أراضي زراعية فيها، كتب على صفحته في فيسبوك تعليقاً على أحداث المحافظة، وقال إن "الفلاح العراقي في السنوات الاخيرة وضعه جيد بسبب التسعيرة الحكومية لطن الحنطة بالإضافة الى منع استيراد بعض المحاصيل"، مضيفاً إن "هذه التسعيرة البعض يراها بانها مكلفة للدولة او انها خسارة كون السعر العالمي ادنى من السعر المحلي وان الدولة تعتمد على المستورد اكثر من اعتمادها على المنتوج الوطني، ولكن بالحقيقة هذا السعر فيه فوائد كثيرة، منها الحفاظ على استقرار الارياف ومنع الهجرة الى المدن هذه الهجرة التي كلفت الدولة الكثير فأول سلبيات هذه الهجرة تشويه المدن بالعشوائيات بالإضافة الى فقدانها لروح المدينة كون المهاجرين الى المدينة حفظوا نمط عيش القرية ونقلوه الى المدن والحقيقة اليوم المدن هي عبارة عن قرى كبيرة فيها بنايات عالية وتبليط فقط انها لا تزرع، كذلك انتشار البطالة في المدن بسبب هجرة الفلاحين فهم يعيشون في اطراف المدن ويعملون في اعمال هامشية لانهم لم يعتادوا على الاعمال والمهن في المدينة فهم فلاحين عملهم الاساس والذي يبدعون فيه هو الزراعة".
وتابع، إن "سعر الحنطة الذي يراه البعض بانه مرتفع ومكلف للدولة بالإضافة الى ما تقدم فانه أنعش الوضع الاقتصادي للفلاح وبدوره أنعش مجالات وقطاعات اقتصادية كثيرة مثل مجالات البناء والسيارات والملابس وغيرها من المجالات التي يحتاجها الفلاح كفرد يريد ان يواكب الوضع من موقعه".
وأشار إلى أن "سعر الحنطة المحلي زاد من المساحات المزروعة في السنوات الاخيرة وهذا يساهم في تعزيز الأمن الغذائي للبلد والذي بدوره يساهم مساهمة كبيرة في موضوع السيادة والسياسة الخارجية للبلاد، فالاعتماد على المستورد كلياً فيه مخاطر كثيرة لإمكانية حدوث حرب بين الدول كما في اوكرانيا وروسيا والتهديد الذي عاشته كثير من دول العالم او ربما تسوء العلاقات الخارجية للدولة مع دولة اخرى هي مصدر جيد للحبوب او ممر لهذه التجارة".
وأضاف: "على مستوى السياسة الداخلية فإن معظم المصوتين في الانتخابات على مختلف دوراتها وتشكيلاتها هم من الأرياف لحاجتهم المستمرة للمزيد من الخدمات كون مناطقهم تحتاج الكثير من الجهد والاموال والالتفات من الجهات التنفيذية لكي يتم تغطية خدماتها واحتياجاتها على مختلف القطاعات من طرق ومدارس ومستوصفات وكهرباء وماء بالإضافة الى مشاكلهم فيما بينهم ومشاكلهم مع الحكومات".
وأردف ناصر، إن "واسط هي عاصمة العراق الزراعية حسب قرار مجلس الوزراء في زمن رئيس مجلس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي والتي تزرع ما يزيد على 600 دونم حسب اخر تصريح لمحافظ واسط بخصوص الحنطة والذي يعتبر ثلث الانتاج المحلي لمحصول الحنطة وتعتبر سلة العراق الغذائية".
وتابع، إن "الصورة ادناه لفلاحي واسط الذين خرجوا بتظاهرة هذا اليوم يطالبون الحكومة باعتماد التسعيرة المتعارف عليها والتي هي 850 ألف للطن بعد ان خفضتها الحكومة الى 450 الف وكذلك اضافة المساحات المزروعة خارج الخطة الزراعية لتكون الخطة على قدر المساحات المزروعة ولا تقتصر على نسبة الـ25% المقررة من الحكومة بالإضافة الى اعتماد النظام القديم في تحديد غلة الدونم بدلاً من النظام الحالي الذي اعتبر غلة الدونم طن واحد بعد ان كانت طنين للدونم".
وأضاف، إن "الحكومة المحلية في واسط ضربت الفلاحين واهانتهم وفرقتهم كما هو واضح في الصورة، وإنها ومن خلفها الحكومة المركزية تهين الاصوات الانتخابية وتزيد من هجرة الفلاحين باتجاه المدن وتقلل الاعتماد على المنتوج المحلي وتساعد بعدم الحفاظ على التوازن المجتمعي بهكذا أفعال غبية".