أكثر من 52 عاماً على الحادثة.. تعرّف على أسرار اغتيال حردان التكريتي في الكويت
انفوبلس/ تقرير
في 30 مارس/ آذار 1971 حصلت عملية اغتيال الفريق طيار ركن حردان التكريتي وزير الدفاع ونائب القائد العام للقوات المسلحة الأسبق خلال زيارته لدولة الكويت على الرغم من تجريده من جميع مناصبه ومنع عودته إلى البلاد، حيث مثّلت حادثة الاغتيال نقطة فاصلة في مرحلة الصراع "الدموي" على السلطة في العراق آنذاك.
من هو حردان التكريتي؟
ولد حردان عبد الغفار في مدينة تكريت عام 1925 وأكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة فيها، ثم انتقل مع أخيه الأكبر أدهم الذي كان يعمل في دائرة بريد مدينة الرمادي، وأكمل فيها دراسته الثانوية، وعمل هناك، كما يقول حفيده فهد رافع.
والتحق بالكلية العسكرية يوم 14 سبتمبر/ أيلول 1946 وتخرج برتبة ملازم ثان في الأول من يوليو/ تموز 1949، ثم التحق بكلية الطيران الملكي الدورة العاشرة يوم 29 ديسمبر/ كانون الأول 1949 وتخرج طياراً يوم 4 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1952، ثم تخرج من كلية الأركان عام 1955.
*اشترك في أغلب الانقلابات
وينوّه فهد إلى أن جده كان يُسمى رجل الانقلابات، كونه اشترك في أغلب الانقلابات التي حدثت في العراق ما بين عام 1958 إلى 1968.
ويوضح: "انضم الراحل إلى تنظيم الضباط الأحرار الذين أسهموا في إنجاح انقلاب 14 يوليو/ تموز 1958 الذي أنهى الحكم الملكي، كما شارك بانقلاب 8 فبراير/ شباط 1963، وكان عضو مجلس قيادة الثورة الذي أطاح بحكومة عبد الكريم قاسم، وبعدها شارك بحركة 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 1963 التي أطاح فيها الحرس القومي وأبعد حزب البعث عن الحكم، وله دور بارز مع البعثيين في انقلاب 17-30 يوليو/ تموز 1968.
*مناصب حردان
وتقلّد حردان العديد من المناصب المهمة وكانت له مكانة كبيرة، -بحسب فهد- حيث شغل منصب آمر قاعدتي كركوك والموصل الجوية للفترة 1961- 1963، ثم أصبح قائدا للقوة الجوية عام 1963، ووزير الدفاع ونائب القائد العام للقوات المسلحة عام 1964 قبل اختياره سفيراً لدى مملكة السويد في نفس العام.
وبعد نجاح انقلاب 1968 أصبح عضو مجلس قيادة الثورة ورئيس أركان الجيش وقائد القوة الجوية، ووزير الدفاع ونائب القائد العام للقوات المسلحة ونائب رئيس الوزراء، وعام 1970 شغل منصب نائب رئيس الجمهورية.
كان حردان عسكرياً لامعاً ذا شخصية منجذبة، وكان طموحاً شجاعاً لا يكفّ عن التحدث عن هموم الوطن والأمة متأثرا بالفكر القومي العروبي حيث لم يكن ينتمي إلى حزب البعث، وكانت له شعبية كبيرة في صفوف الجيش، كما يقول فهد.
*كيف تم اغتياله؟
ومن جانبه يرى الكاتب هاتف الثلج مؤلف كتاب "حردان التكريتي: قائد اغتُيل غدراً" أن الراحل كان أخطر منافس لصدام، ومعظم الانقلابات العسكرية في العراق كان هو قائدها، وله الدور الأول والرئيس فيها، وعندما رأوا خطورته قرروا القضاء عليه.
ويضيف، أن "أحمد حسن البكر وصدام حسين كانا يخشيان من حردان فقاما بإعفائه من مناصبه، ومنحاه منصب سفير لكنه رفض ذلك، وبقي لاجئا سياسيا في الجزائر، حتى جاء إلى الكويت ليستدعي أمّه وأُسرته لأخذهم إلى الجزائر، فاستغلوا وجوده بالكويت واغتالوه هناك".
*تفاصيل عملية اغتياله
عندما أدرك صدام خطورة حردان في منافسته قرر القضاء عليه، حيث "قامت المخابرات العراقية بتكليف 4 أشخاص من القتلة المأجورين، وقد تواطأ مع القتلة صديقه السفير لدى الكويت" بحسب الثلج.
ويسرد تفاصيل ما جرى "كان حردان يشكو من مرض بمعدته، فأخبر السفارة بذلك، وجاء السفير العراقي لأخذه إلى المستشفى الأميري، وكان السفير على تواصل مع القتلة الذين وصلوا من العراق بالطائرة لتنفيذ عملية الاغتيال".
وعند وصوله المستشفى استقبله شاب أنيق يرتدي بدلة وفتح له باب السيارة فظنّ حردان أنه من موظفي المستشفى، لكن ذلك الشاب قام بإطلاق النار عليه وقتله على الفور، كما يضيف الثلج.
*أزمة دبلوماسية بين العراق والكويت
وكاد الحادث أن يتسبب بأزمة دبلوماسية مع الكويت لكن وزير الخارجية العراقي آنذاك عبد الكريم الشيخلي ذهب إلى الكويت لتسوية الأمر بعد فتح تحقيق شكلي، وعاد القتلة بنفس الطائرة التي تحمل جثمان حردان -بحسب الثلج- ودُفن في تكريت حيث أوصى بدفنه في ذلك المكان بجوار قبر زوجته التي توفيت في الجزائر.
وجاءت حادثة اغتيال التكريتي على الأراضي الكويتية لتشكل بوادر أزمة دبلوماسية وسياسية بين البلدين، وعلى إثرها طالبت الكويت بنقل جميع العاملين في السفارة العراقية باعتبارهم شخصيات غير مرغوب بهم، كما يُفيد أستاذ العلاقات الاستراتيجية المساعد الدكتور محمد ميسر فتحي.
ويضيف فتحي بأن الحكومة العراقية استجابت لطلب الكويت، وقامت بإرسال طاقم دبلوماسي جديد وترأس البعثة الجديدة السفير محمد صبري الحديثي. ويلفت فتحي إلى أن العلاقات العراقية الكويتية اتسمت بحالات من التوتر وعدم الاستقرار والتعقيد والتذبذب ما بين التعاون المحدود أو الانغلاق وقطع العلاقات بين البلدين، وهذا يعود إلى طبيعة المتغيرات التي تحكم البيئة المحلية الوطنية، وما تنطوي عليه البيئة الخارجية من تحديات.
* المدعو "علي ماما" قام بتنفيذ العملية
وفي السياق ذاته، يؤكد الضابط في الجيش العراقي السابق صلاح مهدي الطائي أن "اغتيال حردان جاء بإشراف مباشر من المخابرات العراقية، وقام بتنفيذ العملية المدعو "علي ماما" وهو أحد شقاوات (أشقياء) بغداد الذي يتم استخدامه بالتصفيات".
ويُعرب الطائي، عن اعتقاده بأن حردان كان أقوى شخصية في السلطة، وأن اغتياله فتح الباب لظهور صدام واستلامه زمام السلطة.
*اسرار أخرى عن اغتياله
وكشفت مصادر مقرّبة من حردان أن "النظام السابق أشاع بأنه سوف يسمح للفريق حردان التكريتي بالعودة إلى العراق وحددوا له مكان الإقامة في مدينته بتكريت، لكي يتنصّلوا فيما بعد من تُهمة تدبير اغتياله".
وأضافت، "في تمام الساعة الثامنة من صباح الثلاثاء 30 مارس/ آذار 1971 وصلت إلى باحة المستشفى الأميري سيارة دبلوماسية من نوع (كرابزلز) تحمل الرقم (19) هيئة سياسية وبداخلها يجلس في المقعد الخلفي الفريق الركن المتقاعد حردان عبد الغفار التكريتي وسفير العراق في الكويت مدحت إبراهيم جمعة، وكان الفريق التكريتي يجلس على اليمين، والسفير على اليسار، وأمام مدخل العيادة التابعة للمستشفى وقفت السيارة الدبلوماسية وقبل أن يترجل الفريق التكريتي منها، تقدم شاب أنيق يرتدي بدلة ذهبية اللون، وربطة عنق شُدّت إلى رقبته بعناية فائقة، وتطوع بفتح باب السيارة ليتمكن الفريق من النزول، وما إن فتح الباب ووصلت قدماه إلى الأرض حتى فُتِحت نيران مسدس فقُتل في الحال". لافتة إلى، أن "اغتيال حردان التكريتي وزير الدفاع في أول حكومة بعد انقلاب عام 1968 ليس إلا واحدا من أعمال العنف التي خطط لها ونقلها صدام حسين في طريقه إلى الرئاسة. ومن الجدير بالذكر أن أغلب أعضاء مجلس قيادة الثورة اُغتيلوا على يد المجرم النازي صدام حسين".
*وتابعت، "جموع غفيرة من أهالي مدينة تكريت ومن مدينة الدجيل، تدفّقت لتشييعه والحزن العميق بادياً على مُحيّاها والكثير منهم انخرط في بكاء مُر وكانت النسوة من أهالي المدينة يبكينَ بحُرقة".