أكثر من مليار دولار ذهبت لأسماء "وهمية".. ملف ضحايا الإرهاب في الأنبار يُفتح من جديد
انفوبلس/ تقرير
عاد ملف تعويضات المتضررين من العمليات الإرهابية والعسكرية في محافظة الأنبار إلى الواجهة مجددا، بعدما كشف مسؤولون حكوميون، أرقاماً "صادمة" عن الفساد والمعاملات الوهمية لضحايا الإرهاب هناك وعودة عمل مؤسسة الشهداء بعد قرار الإيقاف، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على آخر مستجدات هذا الملف "الشائك".
يُعد ملف مستفيدي رواتب مؤسسة الشهداء بمحافظة الأنبار من الملفات الشائكة كثيراً، حيث بات من غير المستغرب اكتشاف عناصر إرهابية يتقاضون راتباً من خزينة العراق ورؤية طوابير طويلة لذوي شهداء وجرحى يحاولون استحصال حقوقهم ومستحقات أبنائهم الذين استُشهدوا في معارك التحرير السابقة ضد تنظيم "داعش" الإجرامي.
* مسؤولون حكوميون يكشفون
يقول نائب مدير مكتب رئيس الوزراء علي رزوقي في لقاء متلفز، إن "ملف ضحايا الارهاب في الانبار شائك وليس بالسهل"، لافتا الى أن "هناك متابعة حثيثة من قبل رئيس الوزراء لهذا الملف وهذا يبعث الاطمئنان للمستحقين".
ويضيف، إن "رئيس الوزراء كلف مكتبه بشكل مباشر الدخول بهذا الملف"، مبينا أنه "في عام 2021 أُثير ملف في قيادة عمليات الانبار بأن هناك أعدادا كبيرة من الإرهابيين يتقاضون استحقاقات ليس من حقهم وشُملوا بقانون مؤسسة الشهداء، وعلى ضوء ذلك تشكلت في حينها لجنة عليا من قبل قائد عمليات الانبار الفريق الركن ناصر الغنام".
ويشير إلى أن "اللجنة أقرت توصيات عدة بعد أن كشفت بأن الكثير من الارهابيين يتمتعون بمستحقات ذوي الشهداء، ومن ضمن التوصيات إيقاف صرف المستحقات لحين التدقيق، كما بذلت مؤسسة الشهداء جهدا كبيرا في تفعيل وتدقيق هذا الملف"، مؤكدا أنه "في الحكومة الحالية تم تفعيل الملف وتبين بأنه ملف كبير يخص مستحقات بعض ذوي الشهداء".
ويتابع، إن "رئيس الوزراء أوصى بتشكيل لجنة تدقيقية يقودها مدير عام في مؤسسة الشهداء من أجل تدقيق الملفات"، لافتا الى أن "عدد الذين تم إيقاف رواتبهم يتجاوز 30 ألف مواطن مستفيد"، مبينا، "وجدنا 10 آلاف ملف في التقاعد (مستنسخ) من أصل 20 ألفا و900 ملف".
يشار إلى أن الفريق الركن ناصر الغنام، كشف في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، عن ضبط آلاف المعاملات المزورة في مؤسسة شهداء الأنبار، من بينها معاملات لإرهابيين وانتحاريين قاتلوا القوات الأمنية، مؤكدا أن هناك ضباطا كبارا متورطون بهذا الملف.
من جانبه، يقول رئيس مؤسسة الشهداء عبد الإله النائلي أن "المؤسسة جاءت على ملف متراكم على اعتبار في عام 2009 تم التصويت على قانون 20 لضحايا الارهاب وكان مرتبطا بمجالس المحافظات"، مبينا أنه "في عام 2015 تم تشريع قانون رقم 57 التعديل الاول لضحايا الارهاب، تمت إضافة شريحة ضحايا الإرهاب على مؤسسة الشهداء، وتم تأسيس دائرة في المؤسسة دائرة شهداء العمليات الارهابية والاخطاء العسكرية".
ويتابع، أن "اللجان الفرعية الموجودة في المحافظات هي المسؤولة على مصادقة ملفات الشهداء والمصابين والممتلكات، لأن ملف الارهاب ينقسم الى ثلاث اضرار الارهاب من ممتلكات وشهداء ومصابين"، منوها بأنه "عندما تسنمنا رئاسة المؤسسة لم نجد أي ملف يخص ضحايا الارهاب في جميع المحافظات، وكانت اللجان الفرعية تصادق على الملفات ومباشرة تذهب الى التقاعد".
ويوضح: "عندما ذهبنا الى هيئة التقاعد وجدنا ملفات مصورة "، موضحا أن "هناك تقريبا 65 ألف ملف مصادق عليه في الانبار وقراراته جميعها مصورة وليست اصلية"، مؤكدا ان "هناك شكوك تحوم حول 30 ألف مستفيد من رواتب ضحايا الارهاب في الانبار".
ويبين: انه "لدينا لجان تدقيق في مؤسسة الشهداء قبل تشكيل اللجنة المركزية التي أوعز بتشكيلها رئيس الوزراء"، كاشفا، عن "ضياع أكثر من مليار دولار بسبب هذا الملف واكتشاف أكثر من 1000 اسم وهمي يستلمون رواتب من مؤسسة الشهداء في الانبار".
تأسست مؤسسة الشهداء كتدبير لإحقاق العدالة بموجب مرسوم برلماني في عام 2006. في البداية، أُنشئت المؤسسة لتقديم التعويضات والدعم الاجتماعي لضحايا حكم حزب البعث في عهد صدام حسين (1979-2003). لكن، بعد أعمال العنف التي أعقبت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003، طالب ضحايا آخرون بدعم متساو من الدولة.
تلبية لهذه المطالب، أصدر البرلمان القانون رقم 20 في عام 2009 بشأن تقديم التعويضات والدعم الاجتماعي لضحايا الإرهاب والمتضررين في العمليات العسكرية. تم توسيع دور مؤسسة الشهداء بشكل كبير في عام 2016، في أعقاب الحرب مع "داعش". وتوفر المؤسسة حاليًا دعمًا اجتماعيًا مباشرًا لما يقرب من مليون عراقي، ما يجعلها واحدة من أكبر مقدمي الخدمات الاجتماعية في البلاد.
وسبق أن كشف العديد من المواطنين المتضررين من العمليات الإرهابية والعسكرية في الأنبار، في تصريحات سابقة عبر وسائل الإعلام، عن عراقيل في إنجاز معاملات تعويضاتهم، مؤكدين في الوقت نفسه أنهم شاهدوا أشخاصا كانوا مع تنظيم "داعش" الارهابي، وكذلك ذوو عناصر التنظيم، يروجون معاملات تعويضات وتم إنجاز معاملاتهم.
وكانت لجنة مكافحة الفساد العليا، وهيئة النزاهة قد انتقلت في العام 2023 إلى محافظة الأنبار وقامت بفتح جميع ملفات مؤسسة الشهداء، ودائرة التعويضات، ومديرية التقاعد، وتم الكشف عن الآلاف من ملفات الفساد المالي وإحالة العشرات من المديرين العامين، ومسؤولي الأقسام والشعب والموظفين في المؤسسات المذكورة لتورطهم بعمليات فساد مالي.
*مؤسسة شهداء الأنبار تعاود عملها
كشف مدير مؤسسة الشهداء في محافظة الأنبار رهيب الهايس، في السابع من شهر تموز الجاري 2024 عن معاودة العمل في المحافظة بعد قرار الإيقاف الذي صدر في شهر آذار الماضي، مشيراً الى فرض إجراءات لمنع وصول التعويضات لغير المستحقين.
وقال الهايس، إن "مؤسسة الشهداء عادت للعمل في محافظة الأنبار، بعد نقللها إلى بغداد في وقت سابق"، مشيراً الى أنها "عادت للعمل في المحافظة لإنجاز معاملات الشهداء والمصابين".
وأضاف، إن "المؤسسة تقوم بعملها بشكل يومي، وهنالك ضوابط وتعليمات لمنع وصول الرواتب والتعويضات إلى غير المستحقين"، مبيناً أن "إنجاز المعاملات يتم بإجراءات سلسلة وبعيدا عن التعقيدات وهنالك عقوبات صارمة ضد من يحاول ابتزاز المراجعين وطلب الرشاوى منهم".
وفي وقت سابق، قررت مؤسسة الشهداء نقل فرعها في الأنبار إلى العاصمة بغداد، في ظل الاتهامات وشكاوى الفساد وحملة الاعتقالات التي شنتها هيئة النزاهة على دوائر التقاعد والتعويضات والشهداء، واتهامات بوجود فساد ورشاوى من المواطنين.
كما أعلنت هيئة النزاهة الاتحاديَّة، في 27 شباط/ فبراير 2024، فتح ملف الفساد بتعويضات المتضررين من العمليات الحربية والإرهابية والأخطاء العسكرية، فيما كشفت عن شمول عدد كبير من الإرهابيين والمطلوبين وعوائلهم بقانون مؤسسة الشهداء.
علاقة الحلبوسي
في أواخر مارس/آذار من هذا العام، قال ضاري الريشاوي، المتحدث باسم الحراك الشعبي السني في الأنبار والمنتقد منذ فترة طويلة للحلبوسي بأن رئيس البرلمان السابق وكذلك أعضاء حزب تقدم متورطون إلى حد كبير في مخطط الفساد. وبحسب الريشاوي، فإن الحلبوسي وأعضاء حزبه لهم "اليد العليا في عمليات الفساد"، حيث يُفترض أن ممثلي تقدم "متورطون بعمق في نهب الأموال والسرقات الكبرى على حساب الضحايا".
كما أكد الريشاوي أن الموظفين التابعين لحزب تقدم في مكتب الأنبار التابع لمؤسسة الشهداء اشتروا فيلات في مشروع دريم سيتي الراقي في أربيل. ويُزعم أن سعر كل وحدة سكنية كان 3 مليارات دينار عراقي (2.3 مليون دولار أميركي)، وقد تم دفعها كلها من أموال مختلسة مزعومة. ثم دعا السياسي السني هيئة النزاهة الاتحادية إلى بذل المزيد من الجهود لوقف الفساد ومحاسبة المسؤولين عنه. كما أدان السياسي المستقل مهند الرقي حزب الحلبوسي، مشيرًا إلى أن مؤسسة الشهداء في الأنبار "تخضع لسيطرة الحزب الحاكم في المحافظة، الذي مارس أفظع عمليات الفساد".
وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن نسبة الضرر الذي تعرضت له مدن الأنبار جراء سيطرة تنظيم "داعش" الارهابي على المحافظة وصل إلى 85 بالمئة، إذ قدرت الحكومة المحلية وفق الكشوفات الأولية أن مبالغ تعويض الأضرار تبلغ 40 مليار دولار، وأن عدد الوحدات السكنية المتضررة يصل إلى أكثر من 250 ألف وحدة سكنية، توزعت النسب الأكبر منها بين مدن الرمادي والفلوجة والرطبة وهيت.
وتُعد محافظة الأنبار من أكثر محافظات البلاد تعرضاً للفساد والنهب الممنهج الذي عاناه أهلها على فترات متعاقبة وبظروف جميعها كانت استثنائية وصعبة، إضافة إلى ذلك تُعد من أقل المحافظات بمستوى حرية التعبير وذلك بسبب مستوى الديكتاتورية المرتفع فيها وسيطرة جهات معدودة على مقدرات المحافظة وأمنها وجميع ما يخصها في السنوات الأخيرة.
وكشف جهاز الأمن الوطني، مطلع العام الحالي 2024، عن تفاصيل ملف تزوير المعاملات التقاعدية لضحايا الإرهاب، مبيناً أنه بعد جهد استخباري وميداني دام لأكثر من ثلاثة أشهر نفذ عملية نوعية مشتركة أسفرت عن الإطاحة بأكبر وأخطر شبكة من الفاسدين المتورطين بقضايا اختلاس المال العام وتزوير المعاملات التقاعدية لضحايا الإرهاب في الأنبار وبغداد وصلاح الدين مع إلقاء القبض على 34 متهماً من بينهم موظفون كبار كانوا يعملون في مديرية التقاعد العامة ومديريتي تقاعد الأنبار وصلاح الدين ووزارة التربية ومؤسسة الشهداء، فضلاً عن موظفين في الشركة العالمية للبطاقة الذكية كي كارد وضباط ومنتسبين ومعقبين.