أوامر عليا بملاحقة "جماعة القربان" في المثنى بعد أيام من اختراق الحركة في ذي قار.. تعرف على علاقتهم بالـ "العلاهية"
اعتقال 4 منهم في المثنى
انفوبلس/..
بعد أن حذرت جهات متعددة في المثنى من انتشار حركات فكرية منحرفة تدعو الشباب لتقديم "الروح كقربان" من خلال الإقدام على الانتحار، أصدرت الجهات المعنية أوامر عليا بملاحقة هذه الجماعة في محافظات الوسط والجنوب للحيلولة دون تحولها لجماعات مسلحة تُضر بالاستقرار الأمني في البلاد.
وبشكل مفاجئ، ومن غير مقدمات مسبقة حول ماهيّتها وطبيعة دعوتها، بدأ نشاط جماعة "القربان" في العراق يطفو فوق السطح، خلال الأسابيع القليلة الماضية، ويقدّم أفراد الجماعة أنفسهم قرابين بالقرعة، فيما يبدو أن هذه الحركة هذ نفسها الحركة "العلاهية" أو "العلي إلهية" التي تتبنى فكراً عقائدياً منحرفا، لا يمت بصلة للعقائد الإسلامية التي يتبناها المسلمين الشيعة في وسط وجنوب العراق.
ثم توالت بعدها أخبار القبض على عدد منهم وملاحقة آخرين إثر تصنيفها جماعةً "منحرفةً"، وتلت ذلك عمليات أمنية شهدتها محافظة ذي قار مصحوبة بتغطيات إعلامية، قولبت الجماعة بقالب الرواية الرسمية التي صنّفتها في خانة عدد من الجماعات الدينية المتطرفة التي نشطت بعد العام 2003 كحركة "اليماني الموعود"، و"جند السماء،" و"الصرخي"، وأخيراً "أصحاب القضية".
وكشف مصدر مطلع، عن صدور أوامر عليا بملاحقة جماعة القربان، والتي تتبنى بشكل مباشر فكرة الانتحار لدوافع عقائدية برزت في ذي قار من خلال تسجيل عدة حالات انتحار أغلبهم لمراهقين وهناك مؤشرات بأن لديها أفرع في محافظات أخرى تنتهج الفكر ذاته.
وانطلقت الحملة الأمنية لملاحقة جماعة "العلي إلهية"، في مناطق متفرقة من السماوة وضواحيها، حيث ذكر مصدر مطلع، بأن "قوة أمنية تابعة لجهاز الاستخبارات، نفذت واجبات متعددة خلال الساعات الماضية ضد قيادات الجماعة في المثنى، وتمكنت من اعتقال 4 أشخاص منهم لغاية الآن، فيما تواصل ملاحقة المتبقين منهم".
وأضاف المصدر، أن "المعتقلين يخضعون لتحقيق مشدد في أحد المراكز الأمنية"، لافتا إلى أنهم تسببوا بالعديد من حالات الانتحار في المحافظة بينهما حالتان لشابين شقيقين خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
اختراق القربانيين
وكان جهاز الأمن الوطني العراقي قد أعلن، الأسبوع الماضي، اختراق حركة "القربانيين" أو ما تعرف أيضا بـ"العلي إلهيّة" الداعية إلى اتباع سلوكيات متطرفة ومنحرفة، والتي تسببت بانتحار مجموعة من الشباب جنوبي البلاد.
وأفادت مصادر أمنية، بأن حالات الانتحار التي شهدتها ذي قار مؤخراً هي لشباب من جماعة "القربان" في قضاء سوق الشيوخ، جنوبي المحافظة، أثارت الرعب بين صفوف المجتمع المحلي بعدما أقدم أحد أفرادها على الانتحار شنقاً مؤخراً بواسطة حبل في القضاء المذكور.
وأوضحت، أن "هذه الجماعة ينتهجون عقيدة منحرفة لتشويه العقيدة الدينية، وإنهم بين الحين والآخر يجرون قرعة فيما بينهم، ومن يظهر اسمه يذهب قرباناً للإمام علي"، مؤكدة أنه "لغاية الآن تم تسجيل 3 حالات انتحار في المكان ذاته، والموكب الحسيني يقع جنوبي الناصرية".
ازداد نشاطها بسوق الشيوخ
قائممقام سوق الشيوخ نبيل الموسوي، كشف في وقت سابق، عن وجود نشاط لما أسماها حركة "علي الإلهية" في القضاء منذ عامين وازداد نشاطها خلال السنة الحالية.
وقال الموسوي في حديث صحفي، إن "الجماعة موجودة منذ عامين، وارتفع نشاطها خلال العام الحالي"، معتقدا أن "عدد المنتحرين يتراوح بين (3 ـ 4 أشخاص)".
وأضاف، أن "الأجهزة الأمنية أخذت دورها بشكل حقيقي واعتقلت عددا من المنتمين للحركة، ونحن في انتظار نتائج التحقيق".
وأشار الموسوي إلى، أن "انتشار الجماعة في القضاء محدود، ويقتصر الأمر على بعض المتشددين"، مؤكدا أن "الأهالي يرفضون مثل هذا الأفكار".
ضحية صناعة مخابراتية
وبهذا الصدد، يقول الباحث في التراث الإسلامي محمد البخاري، إن هذه الحركات والجماعات "المنحرفة" عن الخط الاجتماعي السائد تمثّل "حالة مَرضية" لها أسبابها الداخلية والخارجية، وتؤدي إلى "سلوك شاذ" في فهم الحقائق و"ربما يكون بعضها ضحية صناعة مخابراتية لتشويه فكرة عقائدية وكسر قدسيتها في المجتمع المستهدف".
وعن جذور هذه الحركات، يقول البخاري، إن هذه الجماعات تعود إلى عقود مضت، وقد أعلن جميع المراجع الدينية في الحوزات العلمية بالنجف براءتها منها.
ووفق الباحث، فإن "القربان" وجماعات أخرى عادت للظهور، الفترة التي تلت سقوط نظام صدام حسين بسنين قليلة، لكنها عادت بصور متنوعة إلى أن وصلت إلى اعتناق أفكار كالانتحار، في حالة تشبه بعض الجماعات في المجتمع الغربي، "وبالتالي فإن الأفكار التي تحملها تلك الجماعات دخيلة على المجتمع العراقي".
الأستاذ في الحوزة العلمية بالنجف الشيخ منتصر الطائي، أكد على أن ظهور هذه الحركات التي وصفها بـ "المنحرفة" ليس وليد المرحلة، بل له امتدادات تاريخية. ويذكر أنه في التاريخ الإسلامي مثلا "نقف على الكثير من الحركات المنحرفة التي ادّعت النبوّة، وهناك من كان انتماؤه شيعيًّا هذا على المستوى المذهبي" ويضرب مثلا بـ "الكيسانية" و"الإسماعيلية" و"الأفطحية" من الفرق الشيعية.
ويعزو الطائي في حديث له، أسباب ظهور تلك الحركات والجماعات إلى أبعاد، إما "عقائدية ضالة مضلة" ناتجة عن فهم خاطئ للدين، أو أن لها أبعادا سياسية، أو تريد تحقيق مكاسب دنيوية كالاستحواذ على المال بغير وجه حق، أو تجمع تلك الحركات بين الوجه العقائدي "الضال" وبين الوجه السياسي في حركة واحدة.
عقوبات رادعة
مع أن التشريعات العراقية لم تتطرق مباشرة إلى عقوبات تطاول الجماعات غير المتوافقة في أفكارها مع المعتقدات الدينية في المجتمع، إلا أن هناك فصلاً في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 تناول ما يسمى بالجرائم التي تمس الشعور الديني.
وقال الخبير القانوني حيدر الصوفي، "القاعدة تقول لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، وعلى رغم أن فعل ادعاء تأسيس الجماعات المنحرفة غير موجود في نص صريح، إلا أن القانون لم يهمل ذلك وأشار إليه ضمنيا في المادة (372) من قانون العقوبات العراقي".
ويضيف أن هذه المادة، تناولت الجرائم التي تمس الشعور الديني وفرضت العقوبة بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات لمرتكبيها. وأن المادة 200 من القانون ذاته، والتي وردت ضمن الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي، عاقبت بالسجن مدة لا تزيد على 7 سنوات كل من “حبذ أو روج ما يثير النعرات المذهبية أو الطائفية أو حرض على النزاع بين الطوائف والاجناس والبغضاء أو أثار شعور الكراهية بين سكان العراق وهو ما يشكل مفردات ومضمون خطاب الكراهية"، وفقاً للخبير الصوفي".
ويتابع، “كما أن المشرع عاقب على فعل الإسهام في الانتحار، فقد جعل من التحريض أو المساعدة عليه جريمة وفق أحكام المادة 408/1 من قانون العقوبات التي نصت على معاقبة بالسجن مدة لا تزيد على 7 سنوات من حرض شخصاً أو ساعده بأي وسيلة على الانتحار إذا تم الانتحار بناء على ذلك".