إدراج موقع إمارة الخميسية في ذي قار ضمن لائحة المواقع التراثية رسمياً.. انفوبلس تستعرض قصته التاريخية
انفوبلس/ تقرير
تقرر رسمياً إدراج موقع إمارة (الخميسية) ضمن لائحة المعالم التراثيَّة والسياحيَّة في محافظة ذي قار، ليكون أحد الروافد الجديدة للسياحة ولتنضمَّ إلى أكثر من ألف موقع أثري تعود لحقب زمنيَّة مختلفة، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على قصته التاريخية.
شهد العراق خلال الأعوام الأخيرة توافد آلاف السائحين الأجانب، وقد نشطت هذه الحركة في العاصمة بغداد ومدينة أور في ذي قار والأهوار، التي باتت مقصد السائحين وصناع المحتوى من مختلف الجنسيات، وذلك بعد زيارة بابا الفاتيكان لزقورة أور، خلال زيارته التاريخية للعراق عام 2021.
الإعلان الرسمي عن الإدراج
أعلنت مفتشية آثار وتراث ذي قار، اليوم الأربعاء 26 حزيران/ يونيو 2024، إدراج موقع إمارة (الخميسية) ضمن لائحة المعالم التراثيَّة والسياحيَّة في المحافظة رسمياً، لتنضمَّ إلى أكثر من ألف موقع أثري تعود لحقب زمنيَّة مختلفة.
يقول مدير المفتشية شامل الرميض إنَّ الموقع المذكور أُدرج رسمياً في وحدة التراث التابعة للمفتشية، ليكون أحد الروافد الجديدة للسياحة في المحافظة، مشيراً إلى أنَّ المفتشية ستعمل على حمايته أسوة ببقية المواقع الأثرية الأخرى التي تحظى بالدعم والرعاية من قبلها.
ويوضح، أنَّ إمارة الخميسية تُعد من أقدم الإمارات العربية في جنوب البلاد، لكونها تأسست في العام 1881 وبُني بها قصر ومسجد ومدرسة ودور سكنية، إلى جانب أنها كانت موقعاً تجارياً كبيراً يربط العراق بجميع مناطق وإمارات الخليج العربي، لافتا الى أنَّ أطلال تلك الإمارة الواقعة جنوب مدينة الناصرية مثل منارة المسجد والمسجد والقصر، ما زالت موجود حتى الآن.
وتضم محافظة ذي قار 1200 موقع أثري لم يتم التنقيب سوى في 70 موقعا منها، فيما تعمل 10 فرق تنقيبية بعشرة مواقع في كل عام، ومن أبرز تلك المواقع هي، أريدو، ولكش، وكرسو، وتل العبيد، وأم العقارب.
*قصته التاريخية
تقع منطقة الخميسية على مقربة من مدينة سوق الشيوخ الشهيرة، الواقعة على بعد 300 كيلومتر جنوبي العراق، وتأسست نهاية القرن الثامن عشر للميلاد، وسُميت بالخميسية على اسم مؤسسها الشيخ عبد الله الخميس العقيلي (وهو من العوائل النجدية وحاليا تقع هذه العائلة النجدية الخميسية في المملكة العربية السعودية)، بسور كبير ومرتفع يحيط بمباني الإمارة التي تمتد لعدة كيلومترات مربعة.
وتحولت سريعاً لواحدة من أهم نقاط الجذب التجارية للقادمين من مناطق نجد والحجاز إلى العراق والعكس، حيث تصل القوافل من الخليج العربي لشراء القمح والشعير والرز ومنتجات أخرى مختلفة أبرزها المواشي، بينما يشتري أهل العراق في تلك المناطق السلاح وبعض المنتجات القادمة من اليمن ودول أخرى عبر الخليج العربي.
وتحولت إمارة الخميسية إلى مدينة تجارية كبيرة، وسرعان ما تطورت مطلع عام 1905، ليتم بناء منازل جديدة ومركز تعليم أقرب إلى كونه مدرسة، ومسجد وخدمات أخرى بينها صحية في المنطقة نفسها، بشكل جعلها مكاناً صالحاً للتجارة والسكن، وساعد توفر الأمن في انتعاش طرق قوافل القادمين من الكويت وبادية الحجاز ونجد ومناطق أخرى في الجزيرة العربية، إذْ لا ضرائب ولا إتاوات أو جبايات على حركة التجارة والبيع.
لكن بعد اكتشاف النفط ووجود الموانئ في البصرة تحديداً ودول الخليج، عقب الحرب العالمية الأولى، تلاشت أهمية الإمارة تدريجياً في كونها مركزاً تجارياً. كما ساعد على ذلك تراجع أمن القوافل على الطرق التي كانت تصل إلى المنطقة، وتضييق قوات الاحتلال البريطانية آنذاك على حركة التجارة والتنقل بين العراق ودول الخليج العربي.
وتضم المنطقة حالياً العديد من المباني والمواقع التاريخية التي تحكي تاريخ المنطقة ومنها قصر كبير ومبان ضخمة وتلول وأسوار حماية ومدرسة قديمة.
ومسؤول بدائرة الآثار في محافظة ذي قار، يقول إن في منطقة الخميسية قصراً شُيد في عام 1881، وهو أبرز معالمها، إضافةً إلى مئذنة تعلو المسجد الشهير فيها، وهي تشبه إلى حد كبير منارة الحدباء في الموصل.
وعن الأماكن الأخرى يبين المسؤول: "يحيط المدينة سور كبير فيه عدة أبواب، كانت تُفتح خلال النهار وتُغلق في الليل. وكانت المنطقة فيها بساتين نخيل التي تسقى من نهر الفرات القريب منها. وفي المنطقة كان هنالك معمل لإنتاج الطابوق فضلاً عن مجموعة من بقع إنتاج الملح، والأهم من ذلك أن فيها أول مدرسة ابتدائية رسمية شُيدت عام 1927 حيث تم استئجار أحد المنازل لتعليم أبناء هذه الإمارة".
ويضيف، أنه بتوجيه من دائرة التحريات والتنقيبات العراقية "تم تسجيل المنطقة رسمياً في وحدة التراث في مفتشية آثار وتراث ذي قار ضمن المواقع التراثية، وهو ما أتاح تشكيل لجنة لإعداد دراسة متكاملة للاهتمام بإمارة الخميسية وترميمها لإعادتها كموقع أثري سياحي كبير". ويعتقد أنه في حال تأهيلها ستكون مكاناً سياحياً كبيراً، يأتيه الزوار ليس فقط من الغرب الأوروبي، بل من الخليج أيضاً.
وتُعد محافظة ذي قار، من أغنى المدن بالآثار الأثرية المهمة، إذ تضم بيت النبي إبراهيم وزقورة أور التاريخية، فضلاً عن المقبرة الملكية وقصر شولكي ومعبد دب لال ماخ الذي يُعد أقدم محكمة في التاريخ.
الباحث الآثاري حسين الجبوري يقول إن هذه الإمارة تراجع دورها منذ نهاية أربعينيات القرن الماضي، بعدما توسعت الموانئ في الخليج وتأسست مدن حديثة وأصبحت هناك طرق ومواصلات.
ويضيف، أن عمليات النقل والتفريغ والشحن والتبادل والتحول من المقايضة إلى التجارة المالية جعلتها منطقة يتراجع دورها. ويشير الجبوري إلى أنه "في أيام الحرب الإيرانية العراقية وكذلك حرب الخليج عام 1991 تحوّلت المنطقة إلى ما يشبه المنطقة العسكرية بعد جعلها منطقة لخزن الأسلحة والعتاد".
ويلفت إلى، أنّه بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، وبسبب عمليات النهب والسلب، تعرضت المنطقة لعمليات الهدم والحفر ونقل الأتربة، ولم يبقَ منها سوى أطلال جذوع وجدران وأعمدة وسقوف من قصب يابس.
ولا تزال المواقع الأثرية في العراق تشكل مركزاً رئيسياً لاستقطاب السائحين المحليين والأجانب، إلا أنها تفتقر في الوقت ذاته إلى المقومات الخدمية من المرافق السياحية المحفزة والجاذبة، وواحدة من هذه الأماكن هي مدينة بابل الأثرية التي تشكل رمزية العراق الحضارية والتاريخية أمام العالم.
من جانبه، يشرح مدير مركز الجنوب للدراسات والتخطيط، صلاح الموسوي، أن "المواقع الأثرية في العراق عموما وبمحافظة ذي قار على وجه الخصوص تحتاج إلى توفير بنى تحتية لتكون مهيئ بشكل تام أمام السائحين".
ويتابع، "لابد من توفير أماكن استراحة وسوقا صغيرا تراثيا يحاكي الحقبة التي مرت على هذه الأماكن، فضلا عن وسائط نقل، وبالإضافة إلى ذلك نحن بحاجة إلى عملية تسويق جيدة للآثار لتكون قبلة سياحية فإلى الآن لم تكن بالمستوى المطلوب".
وكان وزير الثقافة والسياحة والآثار أحمد البدراني، قد أعلن في وقت سابق أن الوزارة تعمل على خطة لاستقدام البعثات التنقيبية لإظهار الآثار والحفاظ عليها وتوظيفها سياحيا ويتم صيانتها بأيادي عالمية متخصصة بالآثار، كاشفة أن العراق يمتلك 15 ألف موقع أثري، مشيرة إلى أن نسبة المواقع الأثرية المكتشفة في العراق لم تصل إلى 10% حتى الآن.
وفقد العراق منذ عام 2003 حتى يومنا هذا، العديد من المعالم الأثرية المهمة على يد الاحتلال الأمريكي ومن ثم تنظيم "داعش" الارهابي، حيث دمرت متفجرات التنظيم الإرهابي أبرز معالم محافظة نينوى خلال سيطرته عليها، ومنها جامع النبي يونس، إضافة إلى الجامع الكبير المعروف باسم جامع النوري، ومئذنته الأثرية المعروفة بالحدباء.