"إسرائيل" كانت ستضرب العراق "نوويًا"!.. التوترات في حرب "تحرير الكويت" كما لم تسمعها من قبل
انفوبلس/ تقرير
كشفت صحيفة ميدل إيست مونيتور البريطانية، اليوم الأحد، استناداً إلى وثائق رسمية رُفعت عنها السرية مؤخراً من الأرشيف الحكومي البريطاني، أن الولايات المتحدة كانت تتوقع في خضم حرب تحرير الكويت عام 1991 احتمال أن تُقدم "إسرائيل" على استخدام سلاحها النووي ضد العراق إذا ما تعرضت لهجوم واسع بأسلحة كيميائية.
وتسلّط هذه الوثائق الضوء على التوترات الكبيرة التي رافقت عملية "عاصفة الصحراء"، والمخاوف العميقة التي سادت الأوساط السياسية والعسكرية الدولية آنذاك من انزلاق الحرب إلى مستويات كارثية.
بداية الأزمة
في 2 آب/أغسطس 1990 غزا الجيش العراقي الكويت واحتلها خلال ساعات قليلة، ما أثار إدانات واسعة من المجتمع الدولي ودفع مجلس الأمن إلى إصدار سلسلة قرارات تطالب بانسحاب فوري غير مشروط. ومع رفض الرئيس العراقي المقبور صدام حسين الانسحاب، بدأت الولايات المتحدة في بناء تحالف عسكري ضخم ضم قوى غربية وعدداً من الدول العربية مثل السعودية ومصر وسوريا.
وفي 17 كانون الثاني/يناير 1991 انطلقت عملية "عاصفة الصحراء" عبر حملة جوية مكثفة لطرد القوات العراقية من الكويت.
وفي مواجهة هذه الحملة الجوية، لجأ العراق إلى إطلاق صواريخ سكود باتجاه "إسرائيل" والمملكة العربية السعودية، في محاولة لخلخلة التحالف الدولي وإقحام تل أبيب في الحرب بما يضعف الإجماع العربي.
تقديرات استخبارية أميركية
تظهر الوثائق أن الاستخبارات الأميركية، بعد أسبوعين فقط من بدء العمليات العسكرية، رأت أن لجوء العراق إلى استخدام الأسلحة الكيميائية أمر شبه مؤكد، سواء ضد قوات التحالف في السعودية أو ضد "إسرائيل"، أو ربما ضد الطرفين معاً. نائب الرئيس الأميركي آنذاك دان كويل نقل هذا التقييم إلى رئيس الوزراء البريطاني جون ميجور، مؤكداً أن واشنطن كانت تستعد لرد تقليدي "ساحق" على أي استخدام للأسلحة الكيميائية.
لكن الأخطر في تحذيرات كويل كان قوله إنه في حال تعرضت "إسرائيل" لهجوم كيميائي يوقع آلاف الإصابات، فقد يكون ردها باستخدام السلاح النووي. وهو سيناريو كان من شأنه أن يغير مسار الحرب كلياً ويهدد الاستقرار الإقليمي والدولي.
مخاوف إقليمية
لم تكن الولايات المتحدة وحدها من عبّرت عن القلق. فالرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، الذي كانت بلاده تشارك في التحالف، حذّر رئيس الوزراء البريطاني بعد ثلاثة أسابيع من بدء الحرب من أن صدام حسين قد يلجأ للأسلحة الكيميائية إذا شعر بأنه محاصر، داعياً التحالف لاتخاذ جميع الاحتياطات. وبعدها بأيام كرر مبارك التحذير في اتصال مع واشنطن، مؤكداً دعمه لموقف الرئيس الأميركي جورج بوش الأب في الردع.
وبحسب الوثائق، فإن بريطانيا لم تكن متأكدة في تلك الفترة من قدرة العراق التقنية على إطلاق أسلحة كيميائية لمسافات بعيدة، لكنها رجّحت إمكانية استخدامها في جبهات المعارك البرية. ميجور نفسه أبلغ الملك فهد بن عبد العزيز ملك السعودية آنذاك أنه على قوات التحالف أن تستعد لاحتمال كهذا.
الموقف الإسرائيلي
من جانبها، أصرت "إسرائيل" على حقها في الرد على الهجمات الصاروخية العراقية. وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه أرينز قال للرئيس الأميركي بوش إنه من الصعب على تل أبيب ضبط النفس، خصوصاً بعد الأضرار المادية والنفسية التي سببتها صواريخ سكود.
تشير الوثائق إلى أن الولايات المتحدة وبريطانيا عملتا على تأمين تمويل واسع للحملة العسكرية من دول الخليج واليابان، في وقت سعت فيه جماعات الضغط الموالية لـ"إسرائيل" لتصنيفها دولة متضررة بشكل مباشر من الحرب، وهو ما يمنحها مساعدات إضافية. وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر أثنى على "ضبط النفس" الإسرائيلي، وأبلغ نظيره البريطاني أن واشنطن ستدعم معاملة "إسرائيل" كجزء من دول المواجهة.
كما خلصت التقييمات العسكرية والاستخباراتية الأمريكية والبريطانية إلى أن "إسرائيل" تتمتع بحماية جيدة بالفعل، وخلال زيارة إلى لندن بعد ثلاثة أسابيع من بدء الحرب، اطلع وزير الدفاع الإيطالي على جهود التحالف المكثفة لاعتراض هجمات سكود العراقية، وأقر وزير الدفاع البريطاني بأنه لم يتم اعتراض جميع الصواريخ، لكنه أعرب عن ثقته بأن العراق لم يعد قادرًا على شن هجوم صاروخي واسع النطاق على إسرائيل".
وتابع: "اعتقد البريطانيون أن هذا الوضع ساعد الولايات المتحدة على إقناع إسرائيل بترك العمليات العسكرية للتحالف، وبعد ذلك بوقت قصير، قلّل البنتاغون من شأن خطر الهجمات الصاروخية على إسرائيل".
في منتصف الحرب، ذكرت تقارير البنتاغون أن 94 منصة باتريوت نُشرت في "إسرائيل"، منها 60 حول تل أبيب وحدها، يدير ثلثها الجيش الأميركي. وأن غالبية صواريخ سكود العراقية سقطت في مناطق مفتوحة ولم تحقق إصابات واسعة النطاق.
لكن الوثائق تكشف أيضاً عن خلافات بين بريطانيا وفرنسا بشأن ترتيبات ما بعد الحرب. ففي حين أصرّ الجانب الفرنسي على ضرورة شمول "إسرائيل" بأي قيود مستقبلية على الأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية في المنطقة، رأى البريطانيون أن على القوى الكبرى التمييز بين العراق المعتدي و"إسرائيل". هذه النقطة أظهرت بوضوح التباينات الأوروبية في التعاطي مع مسألة الأمن الإقليمي.
تكشف هذه الوثائق أمورا أساسية:
خطورة التصعيد المحتمل: كان مجرد احتمال لجوء "إسرائيل" إلى السلاح النووي كفيلاً بتهديد الأمن العالمي، وهو ما يعكس مدى هشاشة التوازنات خلال حرب الخليج الثانية.
انكشاف هشاشة العراق: رغم تهديداته، فإن العراق لم يستخدم أسلحة كيميائية أو بيولوجية على نطاق واسع، إما لغياب القدرة التقنية أو خشية الرد الدولي.
والخلاصة، فإنه بعد أكثر من ثلاثة عقود على انتهاء حرب الخليج الثانية، ما زالت الوثائق التي يُفرج عنها تباعاً تكشف عن حجم المخاوف والسيناريوهات السوداء التي كانت تهيمن على قادة العالم آنذاك. فقد كان الشرق الأوسط قاب قوسين أو أدنى من مواجهة نووية لو أن العراق استخدم أسلحته الكيميائية ضد "إسرائيل".
وتظهر الوثائق البريطانية التي تتعلق بحرب الخليج الثانية بوضوح حجم المخاطر التي شكلتها سياسات صدام حسين على العراق والمنطقة. فغزوه للكويت في آب 1990 لم يكن مجرد تصعيد إقليمي، بل كان قرارًا أحاديًا دفع العراق إلى عزلة دولية شديدة، وعرّض البلاد لمواجهة عسكرية غير مسبوقة أسفرت عن دمار واسع في البنية التحتية، وهجرة الملايين، وفقدان الثقة الدولية بالعراق. كما أن تهديده باستخدام الأسلحة الكيميائية ألقى بظلال ثقيلة على الأمن الإقليمي، وجعل العراق يبدو كدولة غير مسؤولة يمكن أن تجرّ المنطقة إلى صراعات كبرى.
وعلى المستوى الداخلي، تركت سياسات صدام آثارًا طويلة الأمد: اقتصاد منهك، ضعف مؤسسات الدولة، وانقسامات اجتماعية وسياسية عميقة ما زالت تؤثر على استقرار العراق حتى اليوم. كما أدت هذه السياسات إلى تكريس صورة العراق كدولة في حالة تهديد دائم، ما أعاق استقطاب الاستثمارات، وعطّل جهود التنمية، وجعل البلاد رهينة للضغوط الإقليمية والدولية لسنوات طويلة بعد سقوط النظام.
باختصار، فإن تصرفات صدام لم تقتصر على المخاطر المباشرة خلال حرب الخليج، بل أسست لعقود من الأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية التي ما زالت تتفاعل مع حاضر العراق ومستقبله، مؤكدة أن الحروب العدوانية والعزلة الدولية لها آثار ممتدة تتجاوز حدود الزمن والسياسة.

