إقبال سياحي متزايد على الأنتيكات والمنتجات التراثية في العراق: كنوز الماضي تجذب الزوار والسوق ينتعش

انفوبلس / تقرير
يشهد سوق الأنتيكات والمنتجات التراثية في العراق إقبالاً متزايداً، ليس فقط من قبل المواطنين المحليين، بل وبشكل لافت من قبل السواح الأجانب والعرب. هذه الظاهرة تعكس جاذبية التراث العراقي العريق وقدرته على استقطاب الزوار الباحثين عن قطع فريدة تحمل قصصاً من تاريخ وحضارة بلاد الرافدين.
توفر الأسواق مثل سوق الشورجة والغزل وشارع المتنبي والرشيد والصفافير والسراي، تجربة تسوق غنية تعكس الثقافة المحلية، وتلبي احتياجات الزوار، مما يدعم الاقتصاد المحلي، ويعزز مكانة بغداد كوجهة سياحية متميزة.
شراء الأنتيكات والمنتجات التراثية
يجد السواح في الأنتيكات والمنتجات التراثية العراقية فرصة لاقتناء تذكارات أصيلة تعبر عن ثقافة غنية وعمق تاريخي لا مثيل له. فكل قطعة تحكي قصة حضارة امتدت لآلاف السنين، من سومر وبابل وآشور إلى العصر العباسي. تتنوع هذه المنتجات لتشمل:
-التحف النحاسية والفضية: المزينة بنقوش شرقية وزخارف تعكس الفن الإسلامي والعراقي الأصيل.
-القطع الفخارية والسيراميكية: التي تستلهم تصاميمها من الحضارات القديمة، مثل الأختام الأسطوانية والنقوش المسمارية.
-السجاد اليدوي والبسط التراثية: المصنوعة بمهارة عالية، والتي تعكس فنون النسيج التقليدية للمناطق المختلفة.
-المخطوطات والكتب القديمة: التي تستهوي هواة جمع النوادر والباحثين عن المعرفة التاريخية.
-الملابس التقليدية والحلي التراثية: التي تعكس التنوع الثقافي والإثني للشعب العراقي.
-العملات القديمة والأدوات التقليدية: التي تُقدم لمحة عن الحياة اليومية في عصور مضت.
ويقول كرار الرازقي، صاحب فريق لإرشاد وتوجيه الزوار والسياح، إن "تفضيلات السائحين تختلف من شخص لآخر بحسب الثقافة والميول، فيفضل معظمهم الشاي والتمور العراقية والتوابل، واقتناء العملات أو بطاقات البريد الصغيرة كتذكارات، كما أن البعض يستفسر عن "النومي بصرة" أو الليمون الأسود أثناء تناوله في مقاهي بغداد، ويتبضعون كميات منه لتحضيره في بلادهم".
ويضيف أن هناك سياحًا يركزون على جمع الصور والرسومات التي تمثل المناطق العراقية مثل الأهوار، إذ يتم الاحتفاظ بها كتذكار، بالإضافة إلى ذلك، فإن القطع المعلقة على الثلاجة، والتي تسمى المغناطيسات، تحتوي على علامات ودلالات خاصة بالعراق، وتُعتبر من أكثر الأشياء التي يلاحظها السائح ويجمعها، إذ تحمل رموزاً ومعاني مرتبطة بالتراث العراقي.
بينما يؤكد أبو أحمد، صاحب محل للأنتيكات والمجسمات في شارع المتنبي، إلى أن هناك إقبالاً على اقتناء المصغرات، التي تجسد تاريخ العراق وحضارته وآثاره، وهي تعكس تراث البلد وتاريخه، وتشمل تماثيل ومجسمات مستوحاة من الحضارات القديمة، مثل السومرية والبابلية والآشورية، بالإضافة إلى معالم أثرية بارزة، كالزقورة أو بوابة عشتار، ويقتنيها عشاق التراث والسياح، لقيمتها الفنية والثقافية، ما يسهم في الحفاظ على الذاكرة الحضارية العراقية.
من جانبه يشير أبو مرتضى، صاحب محل في سوق الشورجة أن هناك سياحا يميلون لاقتناء المنتجات الحرفية والتقليدية، كالحقائب والمحافظ الجلدية المصنوعة يدوياً، والثياب التراثية واللوحات الفنية، والزي الرياضي الخاص بالمنتخب العراقي، والأواني الفخارية.
وينوه "بأن الكثير من السياح يرتادون سوق الشورجة، بفضل دوره كمركز تجاري واقتصادي نابض بالحياة، إضافة إلى تاريخه العريق الذي يرجع إلى العصر العباسي، وتميزه بطابع تراثي فريد، يجمع بين الأصالة والحيوية"، لافتاً إلى أن شراء السياح للمنتجات التقليدية أو الحرفية، يروج للثقافة المحلية، ويشجع على تصدير هذه المنتجات مستقبلاً.
وعن دوافع الإقبال السياحي، يمكن تلخيصها – بحسب مؤرخين - بالآتي:
القيمة التاريخية والثقافية: يدرك السواح القيمة التاريخية الكبيرة لهذه القطع، التي تُعد جزءاً من إرث حضاري عالمي. شراء قطعة من العراق يعني امتلاك جزء من هذا التاريخ العظيم.
الندرة والأصالة: يبحث العديد من السواح عن قطع فريدة وغير متوفرة في بلدانهم، والأنتيكات العراقية غالباً ما تتميز بندرتها وأصالتها.
تذكار ذو معنى: بدلاً من التذكارات التجارية النمطية، يفضل السواح اقتناء قطع تحمل معنى عميقاً وقيمة ثقافية حقيقية، تُذكرهم بتجربتهم الفريدة في العراق.
دعم الحرفيين المحليين: يدرك بعض السواح أن شراء هذه المنتجات يساهم بشكل مباشر في دعم الحرفيين والصناع التقليديين، والحفاظ على المهن المهددة بالانقراض.
الاستثمار: بالنسبة للمقتنين وهواة الجمع، قد تُشكل بعض الأنتيكات استثماراً قيماً، حيث تزداد قيمتها بمرور الزمن.
إن تسوق السياح الأجانب له أهمية كبيرة في إنعاش السوق المحلية وازدهار الاقتصاد وتحريك عجلته وتعزيز نموه، والمحافظة على التراث الثقافي، من خلال دعم الصناعات التقليدية، بحسب المؤرخ محمد شاكر، ويقول أن إنفاق السياح على السلع والخدمات يساعد في زيادة دخل الأسواق المحلية، مما يدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز فرص العمل في عدة قطاعات، وهذا بدوره يعمل على تقليل البطالة، وتحسين مستوى المعيشة.
وبحسب اقتصاديين، فإن الإقبال المتزايد من قبل السياح على شراء الأنتيكات والمنتجات التراثية في العراق يمثل فرصة ذهبية للبلاد لتحقيق فوائد متعددة على مستويات مختلفة، منها دعم الاقتصاد المحلي وتنشيط الأسواق، إذ يُعد هذا الإقبال بمثابة شريان حياة للأسواق القديمة التي تعج بالمنتجات التراثية، مثل سوق الصفافير وسوق السراي في بغداد وغيرها. فكل عملية شراء تساهم بشكل مباشر في زيادة المبيعات والأرباح للتجار والباعة المحليين، وكذلك توفير فرص عمل للعاملين في هذا القطاع، سواء كانوا باعة، أو مرممين، أو متخصصين في القطع الأثرية، بالإضافة الى تحريك عجلة الاقتصاد في المناطق التي تتواجد فيها هذه الأسواق، مما يعزز النشاط التجاري فيها.
كما يُشجع الطلب المتزايد على المنتجات التراثية على إحياء الحرف اليدوية التقليدية التي كانت مهددة بالاندثار. فوجود سوق رائجة لهذه المنتجات يدفع الحرفيين إلى الاستمرار في إنتاج أعمالهم الفنية، مما يضمن الحفاظ على المهارات والتقنيات القديمة التي تُورث عبر الأجيال، وتشجيع الشباب على تعلم هذه الحرف كمهنة ذات قيمة اقتصادية وثقافية، إضافة الى حماية التراث الثقافي المادي للعراق من الضياع أو التهريب، من خلال إبقائه داخل البلاد وتداوله بشكل قانوني.
ويعتمد الاقتصاد العراقي بشكل كبير على النفط. ويساهم تعزيز قطاع السياحة، بما في ذلك سياحة التراث والتحف، في تنويع مصادر الدخل الوطني. فكل دولار ينفقه السائح على الأنتيكات يمثل إيرادات غير نفطية تُضاف إلى الميزانية العامة للبلاد، وتقليل الاعتماد على النفط ويجعل الاقتصاد أكثر مرونة في مواجهة تقلبات أسعار النفط العالمية، وخلق قطاعات اقتصادية جديدة يمكن أن تنمو وتزدهر بمرور الوقت.
ويُسهم اهتمام السياح بالأنتيكات والتراث في ترويج صورة إيجابية ومختلفة عن العراق على الساحة الدولية. فبدلاً من التركيز على الصراعات، تُظهر هذه الظاهرة عمق الحضارة العراقية وغناها الفني والثقافي، والجانب المشرق للبلاد كوجهة سياحية وتراثية غنية بالكنوز التاريخية، وكذلك جذب المزيد من السياح المهتمين بالثقافة والتاريخ، مما يعود بالنفع على قطاع السياحة ككل، بما في ذلك الفنادق وشركات النقل والمطاعم، وفقا للاقتصاديين.
وعندما يشتري السائح قطعة تراثية من العراق ويعود بها إلى بلده، فإنه يصبح بمثابة سفير لهذا التراث. وهذا يؤدي إلى نشر الوعي العالمي بكنوز العراق وتاريخه العريق، وإثارة الفضول لدى الآخرين لزيارة العراق واكتشاف المزيد عن حضارته، وتعزيز مكانة العراق كمركز حضاري عالمي يمتلك إرثاً إنسانياً فريداً.
تتركز هذه الأسواق في مناطق تاريخية عريقة في بغداد ومدن أخرى، مثل سوق الصفافير، سوق السراي، وسوق الغزل. هذه الأسواق نفسها تُعد وجهات سياحية بحد ذاتها، حيث يمكن للسواح التجول في أزقتها القديمة، استنشاق عبق التاريخ، والتفاعل المباشر مع الحرفيين والباعة، مما يضيف بعداً ثقافياً غنياً لتجربتهم السياحية. التجار في هذه الأسواق غالباً ما يكونون على دراية بتاريخ القطع التي يبيعونها، ويقدمون للسواح قصصاً ومعلومات تزيد من قيمة المنتج.
رغم الإقبال المتزايد، يواجه سوق الأنتيكات والتراث بعض التحديات، مثل الحاجة إلى تنظيم أكبر لحماية التراث من التهريب والتزوير، وتوفير آليات ترويجية أفضل للوصول إلى عدد أكبر من السواح. كما أن تطوير البنية التحتية السياحية وتسهيل إجراءات الدخول والخروج يمثلان عاملين حاسمين لتعزيز هذا القطاع.
مع استقرار الأوضاع الأمنية وتحسن الخدمات، يمكن للعراق أن يستثمر بشكل أكبر في هذا الجانب من سياحته الثقافية، مما سيساهم في تنويع مصادر الدخل الوطني، وتعزيز صورة العراق كوجهة سياحية وتراثية عالمية بامتياز.
باختصار، فإن الاهتمام المتزايد بالأنتيكات والمنتجات التراثية من قبل السياح ليس مجرد نشاط تجاري، بل هو محرك قوي للتنمية الاقتصادية والثقافية، يسهم في بناء جسور التواصل الحضاري، ويعزز مكانة العراق على الخريطة العالمية.