ادعاءات جديدة لتبييض صفحة صدام حسين.. صحيفة سعودية وإياد علاوي: صدام كان محافظاً ولا يقبل المال الحرام
انفوبلس..
في مغالطة منطقية كبيرة، ومحاولة لتبييض صفحة طاغية أنهك العراق وشعبه لعقود كثيرة امتدت آثارها حتى بعد وفاته، أدلى السياسي العراقي ورئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي بتصريحات صحفية يمتدح فيها الطاغية صدام حسين ويصفه بأنه "لا يحب المال الحرام" بحجة أنه لم يمتلك عقاراً باسمه، الأمر الذي أثار غضب وأحزان وذكريات الشعب العراقي فيما يخص أكثر فترات حياته ظلاماً وبؤساً.
وفي تقرير صحفي استفزازي يهدف لتزييف تاريخ حديث عاصره الجميع نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية كُتب بواسطة غسان شربل، تحدثت فيه عن صدام حسين وبطولاته الوهمية مستعينة بمصدر ادّعت أنه "رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية"، ومصدر آخر لم يُذكر اسمه أيضاً ادّعت أنه عمل في قصر صدام، إضافة إلى مقابلة أجرتها الصحيفة مع إياد علاوي رئيس الوزراء الأسبق المتعاطف مع الطاغية المقبور.
تستهل الصحيفة تقريرها بمقدمة "عاطفية" لوصف حقيقة ما كان عليه صدام من وجهة نظر القائمين عليها، وتذكر: ما أصعب الاقتراب من موضوع صدّام حسين على رغم المسافة التي تفصلنا عن موعد التفاف حبل المشنقة حول عنقه، في 30 ديسمبر (كانون الأول) 2006. والحقيقة هي أن الرجل مستفز، سواء أقام في القصر أو تمدد في القبر. ضحاياه وأعداؤه كُثُر. وأنصاره ليسوا قلائل. وفي العراق لا يداوي الوقت الجروح، بل يدسّ الملح فيها. صعب على مَن دفع ثمن ظلم صدام أن يقرأ أنه كان يقود مقاومة ضد الاحتلال الأميركي أو أنه كان نزيهاً في تعامله مع المال العام. وصعب على أنصاره أن يسلّموا أن صورته تقتصر على صورة الحاكم البطاش، الذي أدمى بلاده والإقليم. لكن متعة الصحافة تكمن في الاقتراب من جمر المحطات وجمر القُساة الذين تركوا بصماتهم على مصائر الخرائط وسكّانها.
وفي ادعاء ثبت زيفه بعشرات الأدلة القاطعة خلال السنوات الماضية، والذي يتمحور حول قيادة صدام حسين لـ"مقاومة" ضد الاحتلال الأمريكي، وتواجده في العاصمة بغداد بعد دخول الأمريكان إليها، يقول شربل: قبل شهور التقيت في عاصمة عربية عراقياً ربطته بالرئيس صدام حسين «علاقات عمل ومودة» أفسحت المجال لمئات اللقاءات بينهما. اعتذر الرجل عن عدم التحدث باسمه لأسباب أمنية، لكنه قال كلاماً استوقفني. كشف أنه التقى صدام حسين مرتين بعد سقوط نظامه. الأولى على أطراف الفلوجة في 11 أبريل (نيسان) 2003، أي بعد يومين من سقوط النظام، والثانية في بغداد في 19 يوليو (تموز) التي كانت في قبضة القوات الأميركية.
ويضيف: أن صدّام كان قريباً من ساحة الفردوس، حين قامت مدرعة أميركية بإسقاط تمثاله. وأضاف أن صدام قاد في الليلة نفسها، من مقر سرّي قريب، أول عملية لـ«المقاومة» ضد الأميركيين، وهي استهداف مواقع لقواتهم في محيط مسجد أبو حنيفة النعمان بالأعظمية، وأنه كاد أن يشارك شخصياً في الهجوم لكن مرافقيه منعوه خوفاً عليه. وذكر أن صدام غادر بغداد إلى هيت، ومنها إلى الفلوجة، حيث عقد اجتماعاً أمنياً بحضور نجله قصي دعا خلاله إلى نصب كمائن للقوات الأميركية «كي يعرفوا أن العراق لقمة صعبة». وزاد، أن صدام توجّه في اليوم التالي إلى بغداد، والتقى في مقر بديل بمنطقة الدورة محاسبي ديوان الرئاسة، وحصل منهم على مبلغ مليون و250 ألف دولار، ووقّع على ورقة تقول إن الهدف من القرض «إدامة عمليات للمقاومة ضد الاحتلال الأميركي وعليّ إعادتها في أقرب الأجلين». وأكد أن صدام تحدث في لقاء بغداد في يوليو محذراً من «أن سقوط العراق سيعني امتداد نفوذ إيران حتى المغرب».
وفي محاولة لتبييض صفحة صدام وتبرأته مما يلاحقه من جرائم، يتابع شربل: التقيت أيضاً رجلاً عمل في القصر إلى جانب صدام وسألته عن انطباعاته. انتقد الرجل قرار غزو الكويت، معتبراً أنه قصم ظهر العراق، لكنه حرص على الإشارة إلى «نزاهة صدام الذي ادّعى الإعلام أنه كدّس المليارات في حسابات سرّية في الخارج أو في مقراته. الفساد الحقيقي حصل بعد سقوط النظام، وأنتم نشرتم على لسان مسؤولين أن الأموال الضائعة هي في حدود 500 مليار دولار». قال الرجل الذي عاش مع صدام الشاب في منزل واحد أيام العمل السري: «تستطيع القول إنه قاسٍ أو مفرط في القسوة، لكنه كان يعدُّ نهب المال العام نوعاً من الخيانة». حرص أيضاً على القول إن صدّام كان يدير قسماً من المقاومة ضد الاحتلال الأميركي.
وفي محطة إياد علاوي، وبسؤاله عن سبب عدم زيارته لصدام أثناء محاكمته ووجوده في السجن، أجاب: امتنعت عن الذهاب لأن الشماتة ليست من عاداتنا، خصوصاً حين يكون خصمك في وضع لا يسمح له بالرد عليك. ثم أن صدام، وعلى رغم كل ما فعله بالبلاد وبي شخصياً، كان رئيساً للعراق ولم أرغب في رؤية رئيس العراق أسيراً في سجن أميركي. يُضاف إلى ذلك أننا كنا نحلم بتأسيس العراق الجديد على قاعدة العدالة لا على قاعدة الثأر.
وحول ما عاشه علاوي لحظة إعدام صدام حسين، قال: شعرت يوم إعدام صدام بألم كبير. كنت اقترحت على الأميركيين أن يتم إجراء حوار مع الرجل علّه يروي لنا قصة العراق في السنوات الطويلة التي كان فيها صاحب القرار فيه. كنت أريد أن يعرف العراقيون ماذا حدث بلسان الرجل نفسه. لماذا حارب إيران، وما هي ملابسات الحرب؟ ولماذا غزا الكويت وكيف اتخذ القرار؟ لماذا أعدم وجبات كبيرة من المواطنين المعارضين ومن البعثيين أيضاً؟ ولماذا شنّ الحروب الفظيعة على الأكراد؟ ولماذا اغتال معارضين في الخارج أو حاول اغتيالهم، وأنا من بينهم؟ كنت أريده أن يروي وما كان لروايته أن تمنع محاكمته. كان من شأن رواية من هذا النوع أن تكشف الحقائق وتظهر المسؤوليات وتدفع الذين أُعجبوا بصدام إلى التفكير في ثمار أعماله. للأسف، لم يحصل ذلك. توقيت الإعدام ساهم أيضاً في تعاطف عراقيين معه. هل كان ضرورياً إعدامه فجر يوم العيد؟ أضيفت إلى مشاهد الإعدام قصة أخرى حذّرنا منها مراراً. طلبنا أن يعالج موضوع ما سمّوه اجتثاث البعث على يد القضاء، لا أن يتحول إلى أداة سياسية لتصفية الحسابات واستبعاد أناس أو تهميشهم. للأسف، لم يتم الاستماع إلى نصائحنا. هذه المسائل جعلت قسماً من الناس يحتفظون بمشاعر التعاطف مع صدّام، وهو أمر لا يمكن إنكاره. مفهوم أن يعاقب من تلطخت يداه بالدماء لكنك لا يجوز أن تعاقب الناس لأنهم يؤيدون فكرة ما.
وبالحديث عن "المال العام" تورد الصحيفة: كان من الطبيعي أن تسعى المعارضة العراقية بعد تسلمها الحكم إلى فتح دفاتر صدّام المالية. سألت علاوي فأجاب: «بعد سقوط صدام حسين أجرينا تحقيقات ولم نجد عليه شيئاً (في الموضوع المالي). لم نعثر على عقار مسجل باسمه. كل شيء مسجّل باسم الحكومة العراقية ووزارة الخارجية ومجلس قيادة الثورة».
يقول الصحفي: سألته ألم تعثروا مثلاً على أموال فرد: «أبداً أبداً. حتى طائرته الخاصة كانت مسجلة في شركة تملكها مجموعة من المخابرات العراقية. أقصد الطائرة الخاصة القادرة على الطيران لمسافات بعيدة»، ويضيف: كررت السؤال عن العقارات فأجاب: «لم نعثر على أي شيء باسمه». سألته إن كان ذلك يعني أنه لم يكن يحبّ المال، فأجاب: «لم يكن يحب المال ولم يكن يبحث عنه. كان يبحث عن السلطة والنفوذ والقوة. هذا هو صدام. لا يبحث عن المال والحرام. هذه الأمور لم يفعلها... كان صدّام محافظاً على الصعيد الشخصي. كان محافظاً جداً. وكانت العلاقة به قوية منذ بدء معرفتي به وحتى موعد مغادرتي العراق. تصوّر أنه أصرّ على أن يذيع شخصياً نبأ وفاة والدتي».
مراقبون وصفوا تقرير الصحيفة بأنه محاولة عبثية لإعادة إنتاج شخصية صدام حسين من جديد، ومحاولة لتبييض صفحته وتبرأته من أكبر قدر ممكن من الجرائم التي اقترفها خلال فترة إحكام قبضته على العراق لتبرير أفعاله تارة، وشرعنة سياسيات مقلّديه من السياسيين العراقيين الحاليين تارة أخرى.
ويضيفون معلقين على تصريحات علاوي بتساؤل: لماذا يحتاج صدام لتسجيل عقار باسمه؟ لقد كان يعتبر كل شبر وبناية ومكان في العراق تابعاً له وضمن أملاكه الشخصية، مبينين أن تصريحات علاوي تحاول خلق تصوّر مزيف بأن العراق إبّان حكم البعث كان دولة مؤسسات، بينما كان في الواقع عبارة عن بلد يُقاد بواسطة عائلة مجرمة متخبطة القرارات عاش بسببها العراقيون ويلات متلاحقة لم تنتهِ إلا بنهايتهم عام 2003.
وبالحديث عن النزاهة المزعومة لصدام، هنالك تقرير نشره موقع أمريكي عام 2021، تحدث عن التفاصيل والقصة وراء عملية السطو الكبرى للبنك المركزي عام 2003، والتي تمت فيها سرقة حوالي مليار دولار.
وذكر التقرير الذي نشره موقع "Military"، أن "ثلاث شاحنات انسحبت من البنك المركزي العراقي في الساعة الرابعة صباحًا بالتوقيت المحلي، في 18 آذار 2003، وكانت حمولتها تقارب المليار دولار، أي ربع احتياطي العملة في البلاد، وتولى فريق بقيادة قصي نجل الدكتاتور صدام حسين عملية السطو".
وأضاف، أن "قصي وصل إلى البنك المركزي العراقي في بغداد مع مذكرة مكتوبة بخط اليد من والده، يأمر بسحب مليار دولار من خزائن البلاد، وأشرفت على تحويل الأموال ثلاث شاحنات وعدد من مسؤولي النظام العراقي بينهم قصي".
وتابع التقرير: "يوم 18 آذار 2003 يبدو تاريخًا مألوفًا للكثيرين، حيث كان من المقرر أن تبدأ الحرب الجوية التي أشارت إلى بداية الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في اليوم التالي، وأشار محللون الى أن "صدام حسين توقع بشكل صحيح الخطوة الأميركية، إذ إنه بمجرد بدء الحرب الجوية، قد يكون من الصعب عليه التحرك في جميع أنحاء البلاد وإنجاز الأمور، لذلك أرسل ابنه للحصول على إمدادات مفيدة".
وبين، أنه "في البداية، اعتقد مسؤولو المخابرات الأمريكية أن صدام حسين كان يحاول نقل غنائم فترة حكمه عبر الحدود هربًا من الغزو الأمريكي، حيث أبلغ آنذاك فريقا من القوات الخاصة التابعة للجيش الأميركي عن رؤية شاحنات تطابق الوصف تعبر الحدود للهروب بالقرب من حدود العراق مع سوريا".
وأوضح التقرير، أنه "في الأيام والأسابيع التي تلت ذلك، تمكنت قوات التحالف من العثور على ما يُقدر بنحو 650 مليون دولار من الأموال المأخوذة من البنك المركزي، إذ وجدوا مخابئ الأموال من خلال عمليات البحث والدوريات المختلفة في جميع أنحاء البلاد التي قادتهم إلى المال، إذ كانت مخبأة في أحد القصور التي كان يستخدمها عدي، الابن الآخر لصدام حسين".