استراتيجية جديدة وانتقادات.. ما واقع زراعة النخيل في العراق؟ وهل الأرقام الحكومية صحيحة؟

انفوبلس/ تقرير
يكرر المسؤولون في وزارة الزراعة، إحصائيات عن أن العراق يأتي في المرتبة الأولى عالميًا في عدد النخيلوالرابع بإنتاج التمور على مستوى العالم، وهذا ما أكدهالوكيل الفني للوزارة ميثاق عبد الحسين يوم أمس السبت15 آذار/مارس 2025، لكن هل هذه المعلومات الحكوميةصحيحة؟ وما هو واقع قطاع زراعة النخيل في بلاد الرافدين؟
شكلت النزاعات المتكررة التي ألمّت بالبلاد، منذ ثمانينيات القرن الماضي بسبب الحروب، منذ الحرب العراقية الإيرانية ثم حرب الخليج عام 1991 ثم حرب عام 2003 التي انتهت بغزو العراق واحتلاله، ناهيك عن التحديات البيئية من الجفاف والأمراض والإهمال والتجريف من أجل مشاريع عمرانية أو زراعات بديلة، شكلت سبباً في فقدان مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة وتراجع ملحوظ في أعداد النخيل.
*حديث وزارة الزراعة
بحسب حديث الوكيل الفني لوزارة الزراعة، ميثاق عبد الحسين، يوم السبت، فإن العراق يحتل المركز الأول بعدد النخيل والرابع بإنتاج التمور على مستوى العالم، مشيراً الى أن العراق صدّر 700 ألف طن من التمور في 2024.
وقال عبد الحسين، إنه "من العام 2025، يُقدَّر عدد أشجار النخيل في العراق بأكثر من 22 مليون نخلة، مع وجود خطط لزيادة هذا العدد إلى 30 مليون نخلة في السنوات القادمة"، مضيفا أنه "فيما يتعلق بترتيب الدول من حيث عدد أشجار النخيل، تشير بعض البيانات إلى أن العراق يحتل المرتبة الأولى بعدد 22 مليون نخلة، يليه إيران بـ21 مليون نخلة، ثم السعودية بـ12 مليون نخلة، والجزائر بـ9 ملايين نخلة، ومصر وليبيا بـ7 ملايين نخلة لكل منهما، حسب البيانات المتوفرة".
ولفت الى أنه "أما من حيث إنتاج التمور، فالعراق يحتل المرتبة الرابعة عالميًا وفقًا لأحدث البيانات"، مبيناً أن "العراق شهد زيادة ملحوظة خلال السنوات الأخيرة في إنتاج التمور"، زاعماً أنه "في عام 2022، بلغ الإنتاج العراقي أكثر من 650 ألف طن، وارتفع في عام 2023 إلى حوالي 725 ألف طن، وفي عام 2024، تجاوز الإنتاج 800 ألف طن، مع تصدير أكثر من 700 ألف طن إلى مختلف دول العالم". وتابع، أن "هذه الزيادة تُعَدُّ نتيجة لجهود وزارة الزراعة في دعم القطاع الزراعي وتعزيز الصادرات، بهدف تنويع الاقتصاد الوطني وتقليل الاعتماد على النفط".
ولكن بتتبع وتدقيق البيانات، يظهر أن المعلومة هذه خاطئة، فوفقا لوزارة البيئة والمياه في السعودية، تمتلك السعودية أكثر من 34 مليون نخلة، فيما تمتلك الإمارات أكثر من 40 مليون نخلة ما يجعلها الأولى عالميا بعدد النخيل، حتى إنها دخلت موسوعة غينيس بعدد النخيل.
استراتيجية جديدة
وكشف محمد الخزاعي، المتحدث الرسمي باسم وزارة الزراعة مؤخراً عن قفزة نوعية في زراعة النخيل في العراق، حيث تتم لأول مرة زراعة أنواع فاخرة من التمور باستخدام تقنية الزراعة النسيجية المتطورة. وقال إن الوزارة تستهدف زيادة أعداد النخيل إلى 30 مليون نخلة في السنوات المقبلة، بعد أن تجاوز العدد الحالي 22 مليون نخلة، وهو رقم كبير مقارنة بالفترة بين عامي 2008 و2010 التي لم تتجاوز فيها 10 ملايين نخلة نتيجة للحروب وحملات التجريف القاسية التي حصلت لغابات النخيل في بغداد وعدة محافظات.
وأشار الخزاعي إلى أن هذه الزيادة تحققت بفضل المشاريع الاستثمارية الزراعية الكبرى التي تبنتها الوزارة، والتي تعتمد على الزراعة النسيجية لإنتاج أنواع فاخرة من التمور، مثل المجهول المغربي، ودكرة نور التونسية، والإخلاص السعودي، بالإضافة إلى الأنواع العراقية الأصيلة كالبريم والبرحي والقرنفلي.
وأكد الخزاعي أن هذه الخطوة ستعيد للعراق مكانته المرموقة في سوق التمور العالمية، حيث تشهد الصادرات العراقية نموا مطردا، إذ تجاوزت 730 ألف طن عام 2024، بزيادة قدرها 80 ألف طن عن العام السابق، متوقعا زيادة أخرى في الصادرات خلال الموسم الحالي، نظرا لزيادة أعداد النخيل المثمرة.
واعتبر الخزاعي أن خطة الإنتاج والزراعة الخاصة بالتمور هي "خطة ثورية"، حيث تعتمد على أحدث التقنيات الزراعية، بالاستفادة من تجارب دول متقدمة مثل فرنسا وبريطانيا، بالإضافة إلى اتفاقيات مع مراكز بحثية عالمية لتزويد العراق بآلاف الشتلات النسيجية.
وأكد أن هذه الجهود ستؤدي إلى زيادة كبيرة في أعداد النخيل وإنتاج التمور عالي الجودة، وهذا سينعكس إيجابا على الاقتصاد العراقي وزيادة الصادرات.
ويقدر الخبراء عدد أشجار النخيل في العراق، قبل الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي بـ32 مليون نخلة، في حين وصلت أعدادها إلى 11 مليون نخلة فقط بعد عام 2010 كما انخفضت نسبة إنتاج التمور من أكثر من 10% من حجم الإنتاج العالمي إلى 5% بعد عام 2003، وفقا لبيانات حكومية.
وأصبحت أشهر أنواع التمور العراقية مثل الزهدي والخضراوي والبرحي والأسطى عمران والخستاوي والشويثي وغيرها من الأنواع النادرة -التي يحظر على منتجيها تصديرها إلى الخارج- مهددة بالانقراض.
في المقابل، يرى أستاذ الاقتصاد الدولي، أن إنتاج التمور في العراق هي الثروة الزراعية التي كانت يوماً من أهم مقومات الاقتصاد العراقي ومن العلامات المميزة للهوية الوطنية.
ويقول السعدي، "يعد نخيل العراق رمزاً تاريخياً واقتصادياً، حيث كان العراق في الماضي من أكبر المنتجين للتمور في العالم، فكان يساهم بأكثر من 75% من الإنتاج العالمي، ويضم ملايين أشجار النخيل الممتدة على طول البلاد لكن للأسف الشديد، تعرض هذا القطاع لانخفاض حاد خلال العقود الماضية، بسبب الحروب، والتصحر، ونقص الاستثمارات، والإهمال الزراعي".
ونوه إلى أنه "في ظل عودة هذه الثروة الزراعية إلى واجهة الاقتصاد العراقي، هناك عده أمور مهمة أولاً؛ تساهم في خلق فرص عمل لمئات الآلاف من العراقيين، سواء من خلال زراعة النخيل أو في صناعات التحويل والتغليف والتسويق والتصدير. ثانياً؛ يمثل محصول التمر مصدر دخل قومي مهم يساهم في تنويع مصادر الاقتصاد العراقي وتقليل الاعتماد على النفط. ثالثاً؛ يمتلك التمر قيمة غذائية عالية تجعله مطلوباً في الأسواق العالمية، خاصة في الدول التي تستهلك التمور بشكل واسع، مما يزيد من فرص التصدير والنفوذ الاقتصادي".وزاد، أن "العودة للاهتمام بنخيل العراق تأتي مع تزايد برامج زراعة أشجار جديدة وإعادة تأهيل بساتين النخيل القديمة، والاستثمار في التكنولوجيا الحديثة التي تعزز من جودة وكفاءة الإنتاج. كما تشمل الجهود تدريب الفلاحين والمزارعين على أفضل الممارسات الزراعية والتقنيات المستدامة، وتوفير الدعم المالي والبنية التحتية اللازمة".
يعتقد السعدي، أن "العراق يحتاج إلى جهود أكبر لتحسين آليات التسويق للتمور العراقية وفتح قنوات تصدير جديدة. فمع انتشار الوعي حول فوائد التمر الصحية، ونظراً للجودة العالية للتمور العراقية، مثل تمور البرحي والزهدي، يعتبر السوق العالمي الآن فرصة كبيرة يمكن للعراق الاستفادة منها، خاصة مع تزايد الطلب في مناطق آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية، بالتالي، فإن تنفس النخيل من جديد ليس فقط إعادة إحياء لجزء من تراث العراق، بل خطوة نحو بناء اقتصاد زراعي مستدام يدعم التنمية الشاملة ويعزز من مكانة العراق في الأسواق العالمية".
وبحسب الخبراء، فإن الدول العربية، لاسيما الإمارات والأردن ومصر، اعتمدت برامج لزراعة الأصناف التي تطول مدة إنتاجها، لتبدأ من أيلول وتصل إلى تشرين الثاني، للاستفادة من الأسعار المرتفعة للتمور الطازجة المسوقة عالميا خلال المدة المذكورة، وبتبني إطالة مدة التسويق بالمخازن المبردة وللأصناف التجارية المرغوبة عالميا، ولاسيما (المجول) الذي يباع الكيلوغرام الواحد منه في الدول الأوروبية، بعشرين دولارا.
انتقادات "حادة"
لكن أحمد سواد حسون، عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الجمعيات الفلاحية في العراق، قلّل من أهمية خطط الحكومة لإحياء قطاع النخيل بالعراق، مؤكدا أنه حتى اللحظة لم يرَ أي خطة على أرض الواقع لتطوير هذا القطاع، باستثناء خطط يتبناها القطاع الخاص.
وقال حسون، إن الحروب والتجريف للأراضي والإهمال أثّرت سلبيا على زراعة العراق بصورة عامة وعلى زراعة النخيل بصورة خاصة حيث انخفضت أعدادها إلى الثلث تقريبا بعد عام 2004 عما كانت عليه في ثمانينيات القرن الماضي، مضيفا أن العراق يتخلف بشكل كبير في كل مجالات الزراعة ومنها زراعة النخيل، وأن الحكومة أنشأت مزارع ورتبت مختبرات إلا أنها لم ترتقِ إلى المستوى المأمول.
وأشار إلى أن زراعة النخيل لم ترَ نجاحا لأسباب عديدة منها أن برنامج الحكومة غير مفهوم، فالعراق يحتل الآن المرتبة الخامسة في الدول العربية، موضحا أن العراق يفتقر إلى البرنامج والمصانع الكبيرة القادرة على التصدير لمنتجات التمور كعسل التمر "الدبس"، مؤكدا أنه ليس لدينا تصدير بالمعنى الحقيقي للمنتجات المصنعة، إلا بكميات خجولة من القطاع الخاص.
وبيّن أن الدولة ليس لديها خطة إستراتيجية بعيدة أو قصيرة الأمد، مشيرا إلى أن لديهم خططا كبيرة للنهوض بواقع زراعة النخيل، التي لا تحتاج إلا لأمور بسيطة جدا ودعم حقيقي من الجهات الحكومية، تتعلق بحماية المنتج والمصانع وخطط التصدير.
وانتقد حسون، التسهيلات الحكومية التي وصفها بالخجولة جدا، مشيرا إلى أن البرنامج -الذي وضع بالمبادرة الزراعية، والذي ينص على منح قرض لمن يوسع بستانه- هو بحد ذاته مشكلة أخرى على اعتبار أنه غير منتظم ولا جدوى اقتصادية فيه كما يشوبه الفساد، وفق تعبيره.
واختلفت الدراسات في تحديد الموطن الأصلي لأشجار النخيل، لكن المؤرخين اتفقوا على أن أقدم ما عُرف عن النخيل كان في بلاد الرافدين إذ حظيت النخلة بقدسية في الحضارة العراقية، وعُدّت شجرة مباركة وشُرِّعت القوانين لحمايتها، فانتشرت بساتينها في مدن العراق وانتعشت في البصرة التي ضمت ثلثي نخل العراق قبل أن تتراجع مكانتها في إنتاج التمور.
واشتهرت البصرة منذ عقود طويلة بتعدد أصناف نخيلها وجودة تمورها، وكانت تضم بساتينها -حتى اندلاع الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) - نحو 12 مليون نخلة ضمن 33 مليون نخلة في العراق، وكان لهذه الوفرة دورها في أن يتصدر العراق الإنتاج العالمي من التمور قبل أن يغادر قائمة الدول الخمس الكبار عالميا في هذا المجال خلال العقود الأخيرة.