اكتشاف مقبرة جماعية ثانية في "الشيخية".. المثنى توثّق حقبة البعث السوداء من جديد
انفوبلس/ تقارير
في شاهد آخر على حقبة البعث السوداء بتاريخ العراق، تم اكتشاف مقبرة جماعية جديدة تضم رفات عشرات الأشخاص في منطقة تل الشيخية بمدينة السماوة، وبعد تقصٍّ دقيق لشبكة انفوبلس، توصلت إلى أن المغدورين هم مواطنون كرد تعرضوا إلى عمليات الانفال على يد النظام الديكتاتوري المباد، غالبيتهم من النساء والأطفال. فكيف دُفن هؤلاء وهم أحياء؟ وما عدد المقابر الجماعية والرفات الموجودة في العراق؟
مقبرة جديدة
في مراسيم خاصة جرت بحضور (زوجة رئيس الجمهورية) شاناز إبراهيم أحمد، تم الإعلان أمس الأحد، عن العثور على مقبرة جماعية جديدة في منطقة تل الشيخية بمدينة السماوة بمحافظة المثنى.
وقال محافظ المثنى مهند العتابي خلال مؤتمر صحفي تابعته شبكة انفوبلس، إن المقبرة الجماعية التي تم العثور عليها تحتوي على رفات نساء وأطفال من المواطنين الكرد الذين تعرضوا إلى عمليات الأنفال على يد النظام الديكتاتوري البائد.
وأضاف، "نحن اليوم نعزي أنفسنا ونعزي الشعب الكردي بهذا المصاب الجلل. ما تم العثور عليه في المقبرة الجماعية يعرض مدى وحشية النظام البعثي البائد الذي أقدم على دفن النساء والأطفال والشباب والشيوخ في مقابر جماعية وهم أحياء".
تحديد الهويات
بعد ذلك، أَلقت شاناز إبراهيم أحمد كلمة قالت فيها: "نحن اليوم (أي يوم أمس) نجتمع على هذه الأرض التي حملت آلام ومآسي أعزائنا من النساء والأطفال والشيوخ والشباب، الذين استُشهدوا على يد النظام البائد".
وأضافت: "نحن نعمل بكل جهد على ملف المقابر الجماعية وإعادة جثامين الشهداء المغدورين، لكن هذه الأمر ليس سهلاً وأمامنا طريق طويل لإنهاء هذا الملف".
وتابعت أحمد، "أشكر الفريق الوطني للمقابر الجماعية على عمله المتواصل للعثور على المقابر الجماعية التي تضم رفات شهداء الأنفال الذي لم يكن لهم أي ذنب".
وأوضحت: إن "الفرق المختصة قامت بعمليات جمع المعلومات وعيّنات الدم من ذوي المؤنفلين على أربعة مراحل في أقضية كلار وجمجمال وكويه والفرق تتكون من دائرة الطب العدلي في بغداد ومؤسسة الشهداء الاتحادية اللجنة الدولية لشؤون المفقودين ICMP".
وختمت، "تم أخذ عيّنات الدم لإجراء فحوصات الـ(D.N.A) خلال المراحل الأربعة من 1600 شخص من عوائل المؤنفلين لمقارنتها مع عينات الفحوصات لرفات الشهداء لتحديد هوياتهم".
نساء تحتضن أطفالهن قبل إعدامهن
تقع المقبرة في منطقة تل الشيخ التابعة لقضاء السلمان في محافظة السماوة، على بُعد 130 كيلومتراً من مركز المحافظة.
وقد تم اكتشاف المقبرة الجماعية عبر الأقمار الصناعية في شهر أيار من هذا العام.
المشاهد داخل المقبرة الجماعية أظهرت بقايا عظام نساء وملابسهن الكوردية التقليدية، وهن يحتضن أطفالهن قبل إعدامهن ودفنهن في هذه الصحراء النائية.
تقع المقبرة في مكان ناءٍ جداً يتطلب الوصول إليه السير مسافة 18 كيلومتراً للوصول إلى طريق معبّد، ومن ثم قطع 40 كيلومتراً إضافية للوصول إلى منزل أو منزلين في إحدى القرى.
ولم يُعرف بعد العدد الدقيق للضحايا في هذه المقبرة الجماعية، لكن التقديرات تشير إلى وجود نحو 50 امرأة وطفلاً.
ليست المقبرة الأولى في "الشيخية"
في الجزء الغربي من قضاء السلمان بمحافظة المثنى ضمن ما يُعرف بالشيخية، بدأ فريق مشترك قادما من العاصمة بغداد يتألف من 7 مؤسسات أبرزها الصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر العراقي والطب العدلي ومؤسسة الشهداء، للمشاركة بعملية فتح مقبرة جماعية اكتُشفت قبل 6 سنوات وتم الآن إعطاء الضوء الأخضر لبدء فتحها وانتشال ما تضمه من رفات، كان هذا في سبتمبر الماضي ما يقود إلى أن المقبرة التي افتُتحت أمس لم تكن الأولى، وستكشف انفوبلس في قادم الأسطر التفاصيل كاملةٌ.
وبهذا الصدد، قال الناشط الحقوقي محمد هيثم، إن "المقبرة الجماعية في منطقة الشيخية ضمن حدود قضاء السلمان (الأولى) اكتُشفت في 2018 وتم تحديد معالمها آنذاك" لافتا الى أن "فريقاً مشتركا يضم 7 مؤسسات أغلبها حكومي بدأ بعملية تمشيطها بمفارز الدفاع المدني تحسباً لوجود مخلفات حربية".
وأضاف، إن "المعلومات المتوفرة تشير الى أنها تضم رفات كُرد وتعود لحقبة الثمانينيات من القرن الماضي لكن في كل الأحوال سيتم نقل الرفات الى الطب العدلي من أجل الاستدلال على هوياتها بالإضافة الى أن بعض المحتويات التي يعثر عليها بين الرفات قد تُعطي إجابات عن هوية الضحايا".
وأشار إلى، أن "المعلومات ترجح بأن المقبرة قد تضم من 70-90 من رفات الضحايا".
وبيّن، أن "المقبرة شاهد آخر على حقبة سوداء في تاريخ العراق وما حصل بها من مآس كبيرة بالمقابر الجماعية التي لم تستثنِ أحداً".
ماذا بعد اكتشاف المقبرة؟
يشكّل اكتشاف المقبرة الجماعية خطوة أولى في عملية قد تطول أشهر وسنوات، ثم يبدأ الفحص بنقطة دم صغيرة تؤخذ من ذوي الضحايا وتوضَع على قماشة بيضاء ملصقة على ورقة خُطّ عليها اسم المفقود واسم قريبه، من أجل مطابقتها مع عيّنة من الجثث التي يقوم باستخراجها فريق آخر من الطب العدلي.
تملأ العائلات ورقة ببيانات متعلّقة بالمفقود، مثل: عمره، شكله، تاريخ الاختفاء، مكان الاختفاء، تاريخ آخر مشاهدة، ظروف الاختفاء.
لكن المركزية الكبيرة في فحص الحمض النووي المهمة تعرقل المهمة، ففي حين لا تقتصر المقابر الجماعية على منطقة واحدة في البلد الشاسع، يتم فحص عينات عظام الضحايا ودمّ ذويهم في بغداد فقط.
أرقام من الواقع.. عدد المقابر والرفات على أيدي "البعث وداعش"
في عام 2021، صرّح رئيس مؤسسة الشهداء في العراق (آنذاك)، كاظم عويد، أن إجمالي عدد مواقع المقابر الجماعية التي تم فتحها في العراق حتى الآن بلغت 105 مقابر من أصل 210 تعود لحقبة المجرم صدام حسين وصفحة الإرهاب وجرائم تنظيم داعش.
وقال عويد في حديث للصحيفة الرسمية تابعته شبكة انفوبلس، إن "هناك ثلاثة أنواع من المقابر الجماعية التي تعمل عليها دائرة شؤون وحماية المقابر الجماعية، وهي المقابر التي خلّفها النظام السابق، والأخرى التي خلّفها الإرهاب بعد العام 2003، والمقابر التي خلّفها تنظيم داعش بعد العام 2014".
وأوضح، إن "المواقع التي خلّفها النظام السابق وشخّصتها الفرق التابعة لدائرة شؤون وحماية المقابر الجماعية بلغ عددها 98 مقبرة تم فتح 76منها فقط، بينما بلغ عدد المواقع التي خلّفتها عصابات داعش الإرهابية وشخّصتها فرقنا 112 مقبرة فُتح منها 29".
وبيّن، إن "مجمل عدد الرفات المرفوعة من هذه المقابر بلغ 6 آلاف و393 ، وهناك عدد من المقابر لم تدخل حتى الآن بخطة مؤسسة الشهداء إلى جانب وجود الكثير من المواقع غير المكتشفة وفرق المقابر الجماعية تعمل بالتنسيق مع دائرة الطب العدلي بوزارة الصحة واللجنة الدولية لشؤون المفقودين للتنقيب بالمواقع المكتشفة للكشف عن مصير المفقودين نتيجة الحروب والإرهاب التي خاضتها البلاد".
ولفت عويد، إلى أن "هناك صعوبات تواجه ملف المقابر الجماعية منها قلّة التخصيصات المالية لتنفيذ خططها".
لكن بحسب تقارير للأمم المتحدة، فقد تم تحديد أكثر من 200 مقبرة جماعية مرتبطة بداعش في العراق حتى هذا الوقت، والتي ربما تضم رفات نحو 12 ألف شخص.
ووفقاً للجنة الدولية للصليب الأحمر، فإنه يوجد في العراق أكبر عدد من الأشخاص المفقودين في العالم، حيث يتراوح عددهم ما بين ربع مليون ومليون شخص.