الأسايش تطلق النار على متظاهرين غاضبين وتوقع ضحية.. غضب شعبي يتجه نحو العصيان المدني في أربيل

انفوبلس/..
لم تكد تنتهي ساعات انقطاع الكهرباء المتواصلة عن ناحية ورتي، التابعة لمحافظة أربيل شمالي العراق، حتى خرج العشرات من السكان إلى الشوارع في تظاهرة ليلية غاضبة، قُدر لها أن تتحول إلى مأساة دامية، حين أطلقت قوات الأسايش النار بشكل مباشر على المتظاهرين لتفريقهم، ما أدى إلى مقتل شاب وإصابة آخرين بجروح خطيرة.
الحادثة، التي وقعت فجر الاثنين قرب جسر حافز، أعادت إلى الواجهة تساؤلات خطيرة حول تعامل السلطات الأمنية في إقليم كردستان مع الاحتجاجات الشعبية، خصوصاً تلك التي تتعلق بالخدمات الأساسية والمعيشة اليومية للمواطنين، والتي باتت تتدهور بشكل غير مسبوق في مناطق متفرقة من الإقليم.
وبحسب مصادر محلية، فإن الشاب الذي قُتل يُدعى حسن سرنوسي، وهو من أبناء المنطقة، وكان من بين عشرات المواطنين الذين تجمعوا بشكل سلمي للاحتجاج على أزمة الكهرباء المستمرة، والتي بلغت ذروتها في ظل موجة حر تجاوزت فيها درجات الحرارة حاجز الـ45 مئوية.
وأضافت المصادر، أن حسن أُصيب برصاصة مباشرة في منطقة الصدر، ما تسبب في وفاته بعد دقائق من وصوله إلى المستشفى، في حين أُصيب خمسة آخرون بجروح متفاوتة، اثنان منهم في حالة حرجة.
وفي الوقت الذي كانت فيه الجنازات تُهيّأ، كانت القوات الأمنية تواصل انتشارها المكثف في محيط ناحية ورتي، وخصوصاً قرب الجسر الذي شهد التظاهرة، وسط حالة من التوتر والغضب الشعبي. إذ أفاد شهود عيان أن القوات قامت باعتقال عدد من الشبان الذين شاركوا في التظاهرة، واقتادتهم إلى جهات مجهولة، من دون إبراز أوامر قضائية.
*لم نحمل السلاح!
ويقول أحد السكان المحتجين: “نحن لم نحمل سلاحاً، ولم نحرق ممتلكات، كل ما فعلناه أننا طالبنا بحق بسيط وهو الكهرباء. كيف يُقابل صوتنا بالرصاص؟ هذه ساحة مفتوحة للقمع”.
في المقابل، لم تُصدر حكومة إقليم كردستان حتى لحظة إعداد هذا التقرير أي بيان رسمي يوضح ملابسات الحادث أو يبرر استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين، كما لم يُعرف ما إذا كانت السلطات بصدد فتح تحقيق في الحادثة أم لا، وهو ما يثير شكوكاً حول إمكانية تكرار سيناريوهات القمع السابقة التي جرت في مناطق أخرى من الإقليم على مدى السنوات الأخيرة.
وكانت ناحية ورتي ومناطق مجاورة لها قد شهدت انقطاعات طويلة ومتكررة للتيار الكهربائي خلال الأسابيع الأخيرة، تزامناً مع انهيار منظومة الخدمات الأساسية، ومن بينها شحة المياه الصالحة للشرب، وتراجع كبير في أداء البلديات، فضلاً عن غياب الرواتب المنتظمة للموظفين.
*بارزاني يتحمل المسؤولية
وحمّل ناشطون في أربيل، حكومة مسعود البارزاني، المسؤولية الكاملة عن التدهور الخدمي في مناطق الإقليم، متهمين السلطات بالفشل في إدارة الموارد، وبتحويل مؤسسات الدولة إلى أدوات حزبية تخدم المصالح الضيقة للسلطة، على حساب حاجات السكان الأساسية.
كما حذّرت مصادر سياسية في أربيل من أن الحادثة قد تُشعل موجة احتجاجات أوسع، قد تمتد إلى مدن وبلدات أخرى في الإقليم، وخصوصاً تلك التي تعاني من الفقر والتهميش والبطالة وغياب المشاريع التنموية.
وفي هذا السياق، قال مصدر أمني إن “قوة من الأسايش أطلقت النار بكثافة لتفريق مواطنين غاضبين نظموا تظاهرة سلمية قرب جسر حافيز، احتجاجاً على انعدام الخدمات، ما أسفر عن مقتل متظاهر وإصابة خمسة آخرين”.
وأكد المصدر أن القوات “لم تكتفِ بإطلاق النار بل شنت حملة اعتقالات عشوائية طالت عدداً من الشباب الذين لم يرتكبوا أي مخالفة قانونية سوى مشاركتهم في تظاهرة احتجاجية”، مشيراً إلى أن “المحتجين هددوا بتوسيع رقعة التظاهر في حال لم تتم محاسبة العناصر المسؤولة عن القتل”.
من جهتهم، دعا ناشطو المجتمع المدني إلى تشكيل لجنة تحقيق مستقلة للكشف عن ملابسات ما جرى في ورتي، ومحاسبة المتورطين بإصدار أو تنفيذ أوامر إطلاق النار، محذرين من أن التغاضي عن الحادثة سيمثل “جريمة سياسية وإنسانية”، ستفاقم من حالة الغضب العام، وستدفع نحو سيناريوهات أشد خطورة.
*عصيان مدني
وأشار مصدر مطّلع إلى أن الأهالي باتوا يفكرون جدياً في إعلان العصيان المدني في أربيل، وإغلاق الطرق الرئيسية، وتنظيم اعتصامات مفتوحة أمام مقرات حكومة الإقليم في حال لم تتم الاستجابة الفورية لمطالبهم، التي تتصدرها الكهرباء والرواتب.
وأضاف المصدر: “ما حدث في ورتي لم يعد حادثاً فردياً أو خطأً ميدانياً، بل هو مؤشر على تعامل أمني متوحش مع أبسط أشكال التعبير الشعبي. إذا بقيت الأمور بلا محاسبة، فإن الاحتجاج سيتحوّل إلى انفجار اجتماعي”.
ويأتي هذا التطور في وقت يعاني فيه الإقليم من أزمات مالية واقتصادية خانقة، نتيجة تراجع العائدات المالية، والخلافات المستمرة مع الحكومة الاتحادية بشأن تسليم الإيرادات النفطية والمنافذ الحدودية، إضافة إلى تراكم الديون وتراجع ثقة المواطن بالحكومة الإقليمية.
ووسط هذا المشهد القاتم، يتساءل كثير من سكان الإقليم: ما هو مستقبل الحريات العامة في كردستان؟ وهل باتت المطالبة بالكهرباء والخدمات البسيطة تهمة تستوجب القتل؟ وهل تتجه المنطقة إلى نموذج سلطوي مغلق لا يختلف عن الأنظمة القمعية التي فرّ منها الناس يوماً ما؟