الإناث في الصدارة وسببان وراء تراجع النسب.. انفوبلس تفصّل واقع ظاهرة الأُميّة في العراق

انفوبلس/ تقرير
أثّرت أزمات العراق والصراعات السياسية والمشكلات الاقتصادية والأمنية خلال السنوات السابقة بشكل كبير على المستوى التعليمي، وكذلك ارتفاع نسب الأُميّة عند العراقيين، لكن خلال السنوات الأخيرة نفذت الحكومة العراقية حزمة من الإجراءات الإصلاحية في مجال التعليم ومكافحة التسرّب من المدارس للأطفال واليافعين، أدت الى تقليل النسب، فما هي الإحصائيات الجديدة؟ وكيف كان الواقع بعد 2003؟
ويحتفل العالم، في الثامن من أيلول/سبتمبر، باليوم العالمي لمحو الأمية؛ إذ أعلنته اليونسكو عام 1966 لتذكير المجتمع الدولي بأهمية محو الأمية وتوكيد الحاجة إلى تكثيف الجهود المبذولة نحو الوصول إلى مجتمعات أكثر إلماما بمهارات القراءة والكتابة.
ووفقاً للموقع العالمي لليونسكو، فمحو الأمية مطلب حياتي أساسي، فالعلم كالماء والهواء، ولا يمكن للإنسان أن يعيش بدونهما، ومن ثمّ فمحو الأمية هو الأساس الذي يمكّن الناس من اكتساب المعرفة والمهارات.
وعلى الرغم من أهمية محو الأمية وما تمثله في بناء الإنسان وللمجتمعات وتطورها ونهضتها، إلا أن الدراسات تخبرنا بأن الملايين حول العالم ما زالوا يرزحون تحت وطأة الجهل ويفتقرون إلى مهارات القراءة والكتابة الأساسية.
15% خلال العام الجاري
واليوم الأربعاء 23 نيسان/ ابريل 2025، قالت وزارة التخطيط، في إيضاح، إنّ نسبة الأمية تراجعت في عموم مدن البلاد إلى 15% خلال العام الحالي، لفئة عشر سنوات فما فوق. وقال المتحدث باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي إنّ "حزمة من الإجراءات التي من شأنها التقليل من مستوى الأمية تم اعتمادها"، في إشارة إلى سبب هذا التراجع، متحدثاً عن وضع قاعدة بيانات حول "الأسباب التي أدت إلى تأخر الالتحاق بمقاعد الدراسة".
الهنداوي أشار إلى "تشخيص بعض المشكلات في ما يخص ملف الأمية لا سيما بين النساء، إذ تم تسجيل النسبة الأعلى بين هذه الفئة بسبب الجانب الاجتماعي المتمثل ببعد المدرسة عن السكن، فضلاً عن العوامل الاقتصادية"، وبيّن أنّ "الوزارة وضعت استناداً إلى استراتيجية مكافحة الفقر ومحو الأمية أسساً للمعالجة، أبرزها تخصيص منحة مالية مقطوعة للمنخرطين في الدراسة الابتدائية من الإناث والذكور وصولاً إلى المرحلة الجامعية، إذ تهدف هذه الخطوة إلى عدم توريث الفقر، إذ كلما ارتفعت معدلات التعليم تراجعت نسبة الفقر وأصبحت هناك فرصة للمتعلم أكثر من غير المتعلم بالحصول على عمل".
وتابع، إنّ الإجراءات الأخرى تمثلت بافتتاح مراكز لتعليم الكبار غير المتعلمين وتوفير محفزات تشجعهم على الانخراط في التعليم، وزيادة الوعي والتثقيف نحو التوجه إلى تلك المراكز التي من شأنها القضاء أو التخفيف من الأمية وتوسيع قاعدة المتعلمين. وعزا الهنداوي أسباب الانخفاض في معدلات الأمية إلى أمرين؛ الأول يكمن بارتفاع نسبة الالتحاق الصفي في الدراسة الابتدائية، والآخر هو سياسات وزارة التربية بفتح مراكز لتعليم الكبار.
وبدأ العزوف عن المدارس والتعليم وزيادة أعداد الأمية في العراق منذ عام 2003، وكان للحروب والأوضاع الاقتصادية التي مرّ بها، الدور البارز في تراجع التعليم.
كما لا يمكن حصر أسباب الأمية في العراق، لا سيما خلال العقود الثلاثة الأخيرة رغم كثرتها، فإن أبرزها كان الفساد في قطاع التربية خلال العقدين الماضيين، وتضاف إلى ذلك الظروف الاقتصادية والحروب والحصار الذي مرّ به البلد منذ ثمانينيات القرن المنصرم، وعدم تفعيل قانون إلزامية التعليم النافذ حتى الآن، بالإضافة إلى الانفلات الأمني بعد 2003، وآخرها الحرب ضد تنظيم "داعش" الارهابي (2014- 2017) وما أفرزته موجات النزوح في عدة محافظات، وتلتها مرحلة حظر التجوال وانتشار فيروس كورونا وما تبعه، حيث أثرت هذه الأسباب في زيادة أعداد الأميين سابقاً.
لكن في العام 2020 أظهرت الأرقام الرسمية العراقية نسبة 20% من المجتمع ضمن تصنيف الأمية وهي من فئة عشر سنوات فما فوق، ما يعني أنّ تراجعاً لافتاً بواقع 5% خلال السنوات الأخيرة شهده العراق. وحول ذلك، قال المستشار الفني السابق لوزارة التربية ببغداد عمر الونداوي، إنّ "الحكومة الحالية نجحت في تحقيق طفرة مهمة في مجال التعليم، لكن العامل الأهم هو التحسن الأمني والاستقرار الذي تعيشه البلاد منذ سنوات".
وأضاف الهنداوي، أنّ "التردي بالأوضاع الأمنية والاقتصادية والخوف من الشارع الذي رافق وأعقب الغزو الأميركي للعراق، كان سبباً رئيساً في ارتفاع معدلات الأمية بالعراق لدرجة أنها كانت تلامس عتبة الـ23% في العام 2016، بما يعني ربع الشعب العراقي ضمن هذا التصنيف المؤسف"، معرباً عن تفاؤله بتراجع آخر ومستمر لهذه النسبة خلال السنوات الخمس المقبلة، "في حال استمرت خطط الإصلاح التعليمي واقترن ذلك باستمرار حالة الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي في البلاد".
وكشف تقرير سابق لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، عن وجود 2.3 مليون طفل عراقي في سن الدراسة خارج المدارس، وأفاد بأنّ عقوداً من الصراع وغياب الاستثمارات في العراق دمّرت نظامه التعليمي الذي كان يُعد في ما مضى أفضل نظام تعليمي في المنطقة، موضحاً أنّ ذلك أعاق بشدة وصول الأطفال إلى التعليم الجيد. وبدورها، أشارت الأمم المتحدة إلى "حجم الكارثة التي يعانيها العراق بوجود 12 مليون شخص أمّي".
والعام الماضي 2024، أعلنت وزارة التربية، شمول أكثر من مليوني مواطن ببرنامج محو الأمية، فيما أكدت وزارة التخطيط انخفاض نسبتها في العراق إلى 12%. وقال المتحدث باسم الوزارة كريم السيد وقتها إنه "منذ تأسيس الجهاز التنفيذي لمحو الأمية عام 2011 ولغاية هذا العام عالجت الوزارة بحدود 2 مليون و250 ألف أمّي، ولدينا 1236 مركزا لمحو الأمية و428 مدرسة تعليم في عموم البلاد".
وأضاف، أنه "بعد توجيهات رئيس الوزراء ووزير التربية لمواجهة الأمية في دوائر الدولة باشرت وزارة التربية بتوسيع نطاق شمول الأميين وتعليم الكبار". وأشار، إلى أن "الوزارة نجحت بشكل واضح في ملف محو الأمية وتعمل عليه بكل جدية وحرص وتعمل على اقتراح تعديلات تشريعية لتوسيع تعليم الكبار وإعطاء فرصة لمن منعتهم ظروف بينها النزوح من الدخول للدراسة".
كما خلال العام الجاري، أكدت نقابة المعلمين العراقيين، إطلاق مشروع "اِقرأ" النوعي الهادف إلى القضاء على الأمية في البلاد بالتعاون مع وزارة التربية، من خلال مساهمة المعلمين والمدرسين في تعليم القراءة والكتابة للأميين ضمن جهود وطنية شاملة لتعزيز التعليم.
وقال نقيب المعلمين عدي العيساوي، في شهر آذار الماضي، إن "النقابة أطلقت مشروع (اقرأ)، الذي يعتمد على فكرة بسيطة لكنها فعالة ونوعية، حيث يقوم كل معلم أو مدرس بتبني شخص أمي وتعليمه القراءة والكتابة، مما قد يسهم في محو أمية أكثر من مليون شخص سنويًا".
وأضاف، أن "النقابة تعمل بالشراكة مع وزارة التربية على تطوير مناهج وبرامج تدريبية لدعم هذا المشروع، إلى جانب مبادرات أخرى تهدف إلى رفع كفاءة الكوادر التدريسية وتحسين جودة التعليم في العراق". وأكد العيساوي، أن "العلاقة المهنية الإيجابية بين الوزارة والنقابة خلال الفترة الأخيرة أثمرت عن مشاريع مهمة في مجال التدريب والتطوير، مما يعزز فرص تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع".
وشهدت العملية التعليمية في العراق خلال العقدين الأخيرين تراجعا كبيرا في مختلف المستويات بعد أن حقق البلد في فترات سابقة قفزات نوعية ليس فقط في مجال محو الأمية وإنما أيضا في تحقيق قدر محترم من جودة التعليم ومخرجاته.