الابتعاث في العراق.. حلم بدّدهُ التقشف: فهل سيعود؟
انفوبلس/ تقارير
بتاريخ 3 كانون الثاني 2015، أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إيقاف إرسال البعثات الدراسية إلى الخارج نظرا لقلّة التخصيصات المالية، ما أثار موجةً من السخط نتيجة تبدّد أحلام الذين كانوا مُقبلين على الابتعاث بفعل التقشّف الذي ضرب البلاد في تلك الفترة.
*المخصّصات المالية
حلمُ الابتعاث في العراق بدّدته قلّة التخصيصات المالية والتقشّف، وهذا ما كشفته وثيقة صادرة عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عام 2015 والتي تضمنت رفع يد الوزارة عن المخصصات المالية التي كانت تتحملها سابقاً كجزء من متطلبات دفع رسوم الجامعات في بلدان عربية وأجنبية.
وعبّر الطلبة آنذاك عن تخوّفهم من تنصّل الوزارة من تحمل النفقات الدراسية، ما سيؤدي لضياع مستقبل الآلاف منهم.
وبيّنت الوثيقة، أنه نظراً لعدم وجود تخصيصات مالية مناسبة لهذا العام (2015)، وحرصاً من الوزارة على طلبتها لإنهاء دراستهم لهذا العام وبصورة سريعة، وأن تكون التمديدات (الأولية، الاستثنائية) على النفقة الخاصة لجميع الدراسين.
*أزمة مالية
الأزمة المالية التي مرّت على العراق، كانت لها انعكاسات مباشرة على قلّة التخصيصات المالية لوزارة التعلم العالي والبحث العلمي، التي تأخذ على عاتقها موضوع البعثات خارج العراق، هذا ما يؤكده المدير العام لدائرة البعثات والعلاقات الثقافية بالوكالة آنذاك صلاح الفتلاوي.
ويبيّن الفتلاوي أن "بعض الجامعات قد أنذرت الملحقيات الثقافية في الدول جميعها، بضرورة سداد أقساط دراسية مستحقة لها على الطلبة الدارسين فيها، وبخلاف ذلك سيتم فصل الطلبة من الجامعات".
*وضع صعب للمُبتعثين
من جهته يقول أحد الطلبة الدارسين في روسيا، ويُدعى علي سامر، إن الجامعات طالبتنا بسداد المستحقات المالية، وفي حال قطع تلك التخصيصات سيكون وضع المبتعثين صعباً، لكن الملحقيات الثقافية في السفارات وعدتنا بصرف تلك المستحقات المالية.
*تأييدات واعتراضات
لاقى قرار إيقاف البعثات آنذاك العديد من الآراء ما بين مؤيد لهذا القرار وبين معارض يرى أنه سيؤثر سلباً على التعليم في العراق.
وبهذا الصدد، أوضحت الأستاذة في كلية العلوم بجامعة بغداد منى الموسوي أن قرار وزارة التعليم هذا جاء ليُعطي فرصة للوزارة لتعيد النظر في أسماء الطلبة والمدرّسين المبعوثين خصوصا وأن العراق فيه من الجامعات المرموقة الكثير.
بينما أبدى الدكتور أحمد موسى الأستاذ في الكلية التقنية اعتراضه على قرار وزارة التعليم، مؤكدا أنه "سيؤثر سلبا على المستوى العلمي في العراق".
*منع سفر الأساتذة
ويلفت موسى إلى أن "وزارة التعليم العالي منعت الأساتذة من السفر لحضور المؤتمرات العلمية إلاّ في حال حصولهم على موافقة أمنية". موضحاً، "أن الحصول على مثل هذه الموافقة يستغرق وقتا طويلا وقد ينتهي المؤتمر قبل صدور الموافقة".
*هل يعود الابتعاث في العراق؟
بتاريخ 24 آب عام 2021، كشف وزير التعليم العالي والبحث العلمي نبيل كاظم عبد الصاحب، عن مشروع لدراسة استئناف برامج الابتعاث تركّز على تخصصات معينة تخدم حاجة مؤسسات الدولة.
تعليق عبد الصاحب عن استئناف الابتعاث في العراق، جاء بعد استقباله السفير الكندي في بغداد أولريك شانون، والذي رحّب الوزير خلال اللقاء بتطوير العلاقات الثنائية على الصعيد العلمي والأكاديمي والارتقاء بمستوى التعاون الذي يحقق متطلبات التبادل الثقافي والمعرفي، داعياً إلى صياغة قواعد وبرامج ترسم مسارات التنسيق وتحدد المنطلقات والسياقات المسؤولة عن المِنح الدراسية والمؤتمرات الدولية المشتركة والتدريب والإفادة من الخبرات الاكاديمية الكندية في التخصصات الحديثة في مجالات الطب والصناعة والزراعة والهندسة وتعزيز أواصر العمل المشترك في الاعتمادية وتصنيف الجامعات".
*شراكة دولية
عبد الصاحب أوضح خلال اللقاء، أن الأولويات المعتمدة لدى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية تذهب باتجاه برامج التوأمة العلمية بين الجامعات العراقية ونظيراتها ممن تحظى بتنافس عالمي في التصنيفات".
وأكد، أن الشراكة العلمية يمكن ترجمتها بمشروع الجامعة العراقية الكندية، يراعي متطلبات الساحة العراقية على المستوى العلمي والبحثي والاستثماري والاقتصادي من جهة ويوفر بيئة تعاون تنهض بالعلاقات الثنائية بين العراق وكندا من جهة أخرى".
*استئناف ابتعاث الطلبة
وكشف عبد الصاحب أيضا عن توجّه وزارة التعليم إلى مشروع يتعلق بدراسة استئناف ابتعاث الطلبة على وفق برامج تركز على تخصصات معينة تخدم حاجة مؤسسات الدولة في ضوء التطور العلمي المتسارع".
*فكرة الابتعاث
ولكي تكون الفكرة واضحة على ضعف الابتعاث في العراق، أجرى عدد من الباحثين مقارنة لعدد الطلبة العراقيين مع أعداد الطلبة من الدول المجاورة الدارسين في الولايات المتحدة الامريكية، وكانت كالآتي:
في عام 2021 كان هناك حوالي 9 آلاف طالب إيراني و22 ألف طالب سعودي و7 آلاف طالب تركي و317 ألف طالب صيني، بينما لم يزِد عدد الطلاب العراقيين في أي وقت كان عن 1200 طالب، مما يؤكد استمرار سياسة الحصار الذاتي التي ابتلى بها التعليم العالي، والجامعات العراقية منذ بداية التسعينيات.
*مجالات الابتعاث
وفق مراقبين، فإن الابتعاث لم يقتصر على اختصاص دون آخر، فهو يكون ضمن خطة واضحة لما يحتاجه البلد من اختصاصات أكاديمية مؤثرة في عملية التنمية، فضلاً عن ذلك فإن عملية الابتعاث تعتمد على مخرجات العلاقات الخارجية للدولة، ووجودها بين وحدات النظام الدولي، مما يسهل عملية اختيار الجامعات والتفاضل في الاختيارات، والمِنح المالية المرصودة للابتعاث. وهناك أيضاً عنصر آخر لعملية الابتعاث وهو اختيار البلد المقصود، والجامعات التي تتصدر الترتيبات الأولى في الاختصاصات النادرة في تلك البلدان التي تُلبّي طموحات الجهة الباعثة، فعملية اختيار بلد الابتعاث والجامعة هي عملية مدروسة على وفق معطيات سوق العمل داخل البلد.
*مشكلة قائمة
يؤكد أكاديميون، أن الدولة العراقية لا تعتبر الشهادة الأكاديمية من الدول المتقدمة كشهادة ثقافية ولا تفهمها إلا بكونها تأهيل كفاءات علمية خصوصا في البحث العلمي، لكن بالحقيقة تكمن أهمية الابتعاث في كونه وسيلة أساسية لنقل الخبرة والثقافة الإنسانية العالمية، وفي اكتساب أخلاقيات المهنة وفي توسيع معارف الطالب من ثقافة والتزام بالمسؤوليات الأخلاقية في ضمان جودة التعليم العالي واعتماد معايير قائمة على العدالة والثقة والنزاهة تحسّن العلاقة بين الأستاذ الجامعي والطالب، والحصول على خبرات عديدة في التعامل مع الأشخاص من خلفيات ثقافية من مختلف أنحاء العالم والتعرّف على ثقافاتهم.
ويبيّنوا، أن الدولة العراقية لا تعي أهمية الدراسة في الدول الصناعية المتقدمة ولا إلى تأثير خرّيجي هذه الدول على التعليم والاقتصاد الوطني والتنمية البشرية، فبالرغم من المزايا الفريدة التي يوفّرها الابتعاث وعلى عكس سياسات بلدان كثيرة منها الصين والهند وبلدان جنوب شرق آسيا والخليج العربي تنتهج الدولة العراقية نهجا سلبيا أمام الابتعاث مما يؤكد لنا عدم حرص الدولة العراقية على إعداد الموارد البشرية وتأهيلها بشكل فاعل لتلعب دورها في نهضة العراق الأكاديمية والتربوية والاقتصادية، ولكي تتبوأ جامعاتنا مراكز عالية بين الجامعات والمؤسسات التربوية العالمية.