"الاعتداء على النفس" لاتهام وتوريط الآخرين.. انفوبلس تتقصى عن ظاهرة "غريبة" في العراق
انفوبلس/ تقرير
تشير التحقيقات الأمنية التي تقوم بها وزارة الداخلية بحوادث الجرائم المنظمة والدكات العشائرية في العراق، إلى انتشار ظاهرة تُوصَف بـ"الغريبة" من نوعها تتمثل بإقدام المواطنين على الاعتداء على أنفسهم لتوريط غيرهم من خلال الدعاوى القضائية واتهام خصومهم، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، على هذه الظاهرة وآراء القيادات والخبراء الأمنيين.
*قائد أمني يكشف
تحدث قائد شرطة الرصافة اللواء شعلان علي الحسناوي، اليوم الأحد 26 مايو/ أيار 2024، عن تدنّي نسبة الجريمة المنظمة في إطار حملة وزارة الداخلية ضد عصابات الابتزاز والقتل وتجارة المخدرات والإرهاب، مع الاستمرار بتنفيذ عمليات أمنية مشابهة لحملة "البتاويين"، لكنه كشف أسراراً عن الظاهرة الغريبة.
الحسناوي يقول، إن الإحصائيات الأخيرة التي سجلتها القيادة، أظهرت انحسار (الدكة العشائرية) في قاطع الرصافة الذي يضم العدد الأكبر لنفوس العاصمة إلى درجة الصفر في الإبلاغ عن وقوعها خلال الأشهر الثلاثة الماضية، مقارنةً بالأعوام السابقة.
وفي صدد حديثه عن الدكات العشائرية، يضيف الحسناوي، إن هناك أنواعاً لـ(الدكة العشائرية)، أخطرها أنَّ مَن يقوم بتنفيذها عصابات مأجورة، والنوع الآخر هو افتعال الشخص للدكة ضد نفسه بتوجيه النار على داره السكنية لتضليل الأجهزة الأمنية والقضاء، من خلال تقديم الشكوى ضد آخرين لأغراض الابتزاز ودفع الأتاوات.
وبحسب مسؤولين أمنيين تحدثوا لشبكة "انفوبلس"، فإن هذا التحول في الدكات العشائرية، قد يحمل وراءه جانبًا ايجابيًا غير مباشر وخفي، وجانبًا مباشرًا أكثر خطورة، يتمثل الجانب الإيجابي غير المباشر لهذه الظاهرة، بلجوء الناس الى فكرة القانون والقضاء في حل مشاكلهم خوفًا من الذهاب والاعتداء على الآخرين لتسوية الخلافات، أما الجانب المباشر الخطير لهذه الظاهرة، هو الخوف من مسألة توريط الأبرياء وجعلهم متهمين، وهو ما قد يطيح بهم بالفعل في حال لم تتمكن التحقيقات الأمنية من التوصل للحقيقة.
والدكة العشائرية تقليد يمتد لسنوات خلَت، حيث يجتمع أفراد القبيلة بشيوخها وأبنائها مدججين بالسلاح عند بيت عائلة من عشيرة أخرى، ويقومون بإطلاق الأعيرة النارية وبإلقاء قنبلة يدوية فيفزع مَن في البيت.
ويكون ذلك بمثابة إنذار شديد اللهجة لدفع العشيرة المستهدفة للجلوس للتفاوض وتسوية الخلاف، وفي حال عدم موافقة الطرف المستهدف، تتفاقم الأمور لتؤدي إلى وقوع اشتباك، مما قد يؤدي إلى سقوط ضحايا من الطرفين.
وازدادت ظاهرة الدكة العشائرية مع انتشار السلاح بشكل لافت خلال دوامة العنف التي شهدتها البلاد بعد سقوط نظام الطاغية "صدام حسين" عام 2003، وأصبحت تلك العادة خطرا كبيرا وتقليدا يهدد استقرار المجتمع.
ووفقاً لإحصاء لدائرة الطب العدلي اطلعت عليه "انفوبلس"، فقد تسببت النزاعات العشائرية بقتل وإصابة 3000 شخص من مختلف المحافظات العراقية باستثناء إقليم كردستان، خلال النصف الأول فقط من عام 2023، بينهم 120 امرأة.
*ليست هي الأولى من نوعها في العراق
هذه الحادثة المتمثلة بـ"الاعتداء على النفس" لاتهام وتوريط الآخرين، ليست هي الأولى من نوعها في العراق، لكن من الممكن أن تكون حديثة الظهور، فقبل أيام سجلت محافظة ديالى حالة "اختطاف وهمي"، أقدمت عليها تدريسية او معلمة، لاتهام أشخاص آخرين بينهم خلافات بشأن ديون مالية، الأمر الذي يكشف مدى تطور الظاهرة وخطورتها.
وفي 15 أيار الجاري، أي قبل 10 أيام، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بحالة اختطاف معلمة في محافظة ديالى، قبل أن تكشف شرطة ديالى أن حالة الاختطاف وهمية، وأن المعلمة متفقة مع ذويها على تنفيذ هذه القصة لاتهام أشخاص آخرين لديهم خلافات معهم تتعلق بديون مالية.
وعن تفاصيل قضية "التدريسية" بيّن مدير إعلام شرطة ديالى العقيد هيثم الشمري، أنه "فور وصول إخبار عن حصول حالة خطف لتدريسية في ناحية كنعان ـ 22 كم شرق بعقوبة مركز محافظة ديالى ـ تم تشكيل فريق تحقيق للوقوف على حيثيات ما حصل، وتمت متابعة كاميرات المراقبة وبعد أقل من ساعة تم الوصول إلى خيوط مهمة تثير الشكوك بأن ما حصل ليس خطفاً".
فريق التحقيق وصل إلى الخيوط الكاملة لما حصل خلال أقل من 24 ساعة – كما يقول مدير إعلام شرطة ديالى – الذي أكد أنّ "الإبلاغ كان محاولة لإيهام القضاء والرأي العام وهو ادّعاء كاذب تم بمساعدة اثنين من ذوي المرأة بدافع الانتقام ورفع دعوى قضائية بحق أشخاص هم على خلاف شخصي بسبب دين مبلغ مالي معهم وفبركة الحقائق واتهام خصومهم بجريمة الخطف".
وأشار إلى أنه "تم اعتقال المرأة بعد الوصول إلى مكان تواجدها واتخاذ الإجراءات القانونية بحقها، فيما رُفعت شكوى بحق اثنين من ذويها من قبل المتضررين الذي اتُهموا في بادئ الأمر بخطفها".
وأكدت شرطة ديالى حينها أنها كشفت العديد من حالات الخطف الوهمي والتي برزت مؤخراً لأسباب تتعلق بالابتزاز أو تراكم الديون او الخلافات، معتبرة أن كشف هذه الحالات مهم باعتبارها جرائم لم تسجل من قبل.
ويرى الناشط في مجال حقوق الإنسان إبراهيم علي، أنّ "الخطف الوهمي حالة من حالات محاولة الإفلات من العقاب والضغط على الآخرين، لكنها تبقى محدودة وأغلبها تُكتشف من قبل فرق التحقيق".
وبحسب شؤون عشائر ديالى، فإن سعي البعض الى تضليل العدالة في قضايا متعددة منها الادعاء بالخطف او تقديم شهادة زور كلها جرائم لا يمكن التغاضي عنها من قبل العشائر وتم تحديد 3 عقوبات أبرزها فصل مادي بنفس قيمة الجريمة الحقيقية، بالإضافة الى اعلان البراءة ممن يسبب تضليله ضررا بالغا لسمعة عوائل او أشخاص، مع منع أي دعم له ودعوة الأجهزة الأمنية لتأخذ سياقاتها في التعامل معهم وفق الأطر القانونية، كما ان أي محاولة لتضليل العدالة مرفوضة والعشائر اتخذت قرار حاسما من اجل قطع الطريق امام أي حالات سلبية تقود الى تبعات تمس امن واستقرار المجتمع.
ماذا يقول القانون العراقي؟
الخبير القضائي حسين الطائي أشار إلى طبيعة نصوص القانون العراقي التي تُدين من يتورط بـ"الخطف الوهمي".
الطائي أكد أن "محكمة التحقيق وفي ضوء وجود اعترافات من تورط بالخطف الوهمي والمحرّض بالاتفاق، ستحكم بتهمة الإخبار الكاذب وتضليل العدالة وهذا حق عام، وهناك إمكانية تحريك دعوى جزائية أخرى في الجنايات من قبل من تضرّروا من الإخبار الكاذب، أي الأشخاص الذين اتهموا بالوقوف وراء حالة الخطف وهم أبرياء منها".
وقال إنّ "هناك عدة نصوص قانونية يمكن تفعيلها لمعاقبة من تورّط بالخطف الوهمي والمحرضين لمن قام بالاتفاق والادعاء الكاذب".
كما يكشف رئيس محكمة جنايات ذي قار/ الهيئة الثانية القاضي علي عبد الغني إنَّ "القانون يعاقب مرتكب جريمة الإخبار الكاذب وفق أحكام المادة 243 عقوبات والمعدلة بالقانون رقم 15 لسنة 2009 والتي نصت على أنه (كل من أخبر كذباً إحدى السلطات القضائية أو الإدارية بجريمة يعلم انها لم تقع او اخبر احدى السلطات المذكورة بسوء نية بارتكاب شخص جريمة مع علمه بكذب اقراره او اختلاق ادلة مادية على ارتكاب شخص ما جريمة خلافا للواقع او تسبب باتخاذ إجراءات قانونيَّة ضد شخص يعلم براءته وكل من أخبر السلطات المختصة بأمور يعلم أنها كاذبة عن جريمة وقعت) حيث يعاقب بالحد الأقصى لعقوبة الجريمة التي اتهم بها المخبر عنه إذا ثبت كذب إخباره وفي كل الاحوال لا تزيد العقوبة على السجن لمدة عشر سنوات".