الجبوري يهرب بما كسب بعد شموله بالمساءلة.. بدأ قائممقام وأصبح قائد عمليات ومحافظا لنينوى
انفوبلس/ تقرير
قدّم محافظ نينوى نجم الجبوري، اليوم الأحد 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، استقالته من منصبه إلى رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، فيما قبلها الأخير، بسبب إجراءات "المساءلة والعدالة"، فمَن هو؟ وماذا نعرف عن ارتباطه بالأمريكان ومناصبه السابقة وشبهات الفساد؟.
أُبعد نجم الجبوري بسبب عمله في الاستخبارات العسكرية خلال نظام الطاغية صدام حسين
وفي الاستقالة التي اطلع عليها "انفوبلس"، جاء فيها، إنه "بالنظر لعدم استكمال إجراءات استثنائي من قانون الهيئة الوطنية العليا للمسالة والعدالة بسبب عدم تصويت مجلس النواب العراقي على قرار مجلس الوزراء المرقم (23583) لسنة 2023، والتزامًا مني بالقانون والدستور، أضع استقالتي أمام سيادتكم من مهام منصب محافظ نينوى راجيًا قبولها، واختيار من ترونه مناسبًا ونثمن دوركم البارز في دعم محافظة نينوى وحرصكم على استقرارها واستمرار مسيرة الإعمار فيها والذي وفقنا الله طيلة السنوات الأربع الماضية في إدارتي للحكومة المحلية، وما سبقها في المواقع الأمنية منذ عام 2004 بأننا أوفينا بقسمنا وحفظنا الأمانة وأخلصنا للوطن".
وفي الاستقالة الثانية، ذكر الجبوري، "كان لي الشرف أن أكون محافظا لنينوى لسنوات أربع قد خلت يشهد الله أني لم أدخر جهدا في الحفاظ على أمنها واستقرارها والعمل مع الخيرين على إعادة إعمارها بعد أن دمرتها عصابات داعش الإرهابية كما أنني أسجل شكري وامتناني لدولتكم حيث ساندتموني وآزرتموني في تحقيق الإنجازات التي يشهد لها الداني والقاصي على أرض المحافظة العزيزة على قلوب العراقيين جميعا. كما لابد لي هنا أن أشيد بموقفكم وموقف مجلس الوزراء الموقر الذي أنصفني وقدّر تضحياتي باستثنائي من قانون المسائلة والعدالة".
وأضاف، "نحن تربّينا على احترام وطاعة النظام والقانون ونظرا لعدم استكمال اجراءات رفع الاجتثاث عني وذلك بعدم التصويت في البرلمان على ذلك فإنني ألتمس من سيادتكم قبول استقالتي من منصبي كمحافظ لنینوی راجياً من سيادتكم اختيار من ترونه أهلا لتسلم المنصب من بعدي كي يستمر الإعمار والأمان في نينوى وتحت رعاية حكومتكم الرشيدة".
*السوداني يوافق
وقد وافق رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، على استقالة محافظ نينوى نجم الجبوري.
ووفق بيان صادر عن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء، واطلع عليه "انفوبلس"، فإنّ السوداني وافق، اليوم، على استقالة محافظ نينوى نجم عبد الله عبد الجبوري.
وقال البيان، إنّ "الجبوري تقدّم باستقالته بعد أن ردّ مجلس النوّاب التوصية التي أقرّها مجلس الوزراء في 17 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بالاستثناء من إجراءات المساءلة والعدالة، استنادًا إلى أحكام المادة 12 من قانون الهيئة الوطنية للمساءلة والعدالة رقم 10 لسنة 2010".
وعبّر رئيس الوزراء خلال استقباله الجبوري، "عن شكره وتقديره للجهود التي بذلها خلال أداء واجباته التنفيذية طوال السنوات الماضية".
وفي 17 تشرين الأول/ أكتوبر، قرر مجلس الوزراء، برئاسة محمد شياع السوداني، التوصية إلى مجلس النواب بالموافقة على طلبي نجم عبد الله عبد الجبوري، وحمد نامس ياسين الجبوري، لاستثنائهما من إجراءات المساءلة والعدالة، لكن الأمر لم ينجح.
وكانت محكمة التمييز الاتحادية، قضت بشمول محافظ نينوى نجم الجبوري بقانون المساءلة والعدالة وعدم جواز ترشحه لانتخابات مجالس المحافظات، هو أو "من يمثلونه".
قرار المحكمة جاء ردًا على "اعتراض الجبوري بخصوص شموله بقانون المساءلة والعدالة الذي سبق أن أكدته هيئة المساءلة والعدالة عند مخاطبتها من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات".
وقالت المحكمة إنّ الجبوري ووفقًا "للائحته التمييزية التي بيّن فيها أنه عمل في الاستخبارات العسكرية المنحلة وبدرجة عضو فرقة في حزب البعث المنحل".
وبناء على ذلك، قرّرت المحكمة تصديق قرار الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة ورد اعتراض المعترض.
من هو نجم الجبوري؟
وُلد نجم عبد الله الجبوري يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول عام 1956 في ناحية القيارة بمحافظة نينوى شمالي العراق، لعائلة سنية تنتمي إلى قبيلة الجبور الكبيرة والشهيرة في المنطقة.
الدراسة والتكوين
أنهى الجبوري مراحل تعليمه الأولية في عدة مدارس أغلبها بالعاصمة بغداد، ثم التحق بالكلية العسكرية في العراق عام 1976 فتخرج فيها 1979 برتبة "ملازم" (الدفاع الجوي).
ودرس لاحقا في كلية القيادة حيث تخرج عام 1986، وبعد الغزو الأميركي للعراق ارتبط بـ"مركز الدراسات الإستراتيجية للشرق الأدنى وجنوب آسيا" (NESA) في جامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون بواشنطن، وتخرج فيه عام 2009.
الوظائف والمسؤوليات
تولى الجبوري عدة وظائف ومسؤوليات عسكرية وأمنية، منها أنه كان آمرا لرعيل دفاع جوي 148 صواريخ (1982-1997)، ومديرا لشرطة غرب نينوى وقضاء تلعفر (2004-2005)، و"قائم مقام" قضاء تلعفر (2005-2008).
وأثناء إقامته في الولايات المتحدة عُين "زميلا" باحثا في مركز "نيسا" المسؤول عن إعداد الدراسات للبنتاغون. كما شارك في مؤتمرات حول "مكافحة الإرهاب" منها: مؤتمر مكافحة الإرهاب في نيويورك (مايو/أيار 2010)، ومؤتمر التعاون في مكافحة الإرهاب في الأردن (يونيو/حزيران 2012).
التجربة العسكرية
تزامن إكمال الجبوري لتكوينه في الكلية العسكرية مع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية حيث التحق بقيادة الدفاع الجوي، لكن يبدو أنه لم يكن له دور عسكري قيادي فيها لحداثة تخرجه وتدني رتبته عسكريا.
تدرج في صفوف الجيش العراقي فرُقي إلى درجة "عميد" عام 1999. وواصل خدمته العسكرية حتى سقوط نظام حكم حزب البعث بقيادة الطاغية صدام حسين بالغزو الأميركي البريطاني أوائل أبريل/نيسان 2003.
عينته الإدارة الأميركية للبلاد مديرا لشرطة غرب نينوى وقضاء تلعفر خلال 2004-2005، ثم ولته منصب "قائم مقام" قضاء تلعفر ما بين 2005-2008.
وفي مايو/أيار 2008 أصدر مجلس محافظة نينوى قرارا بإقالته من منصبه، لكن الأهالي هذه المرة احتجوا على القرار وطالبوا ببقائه، وفي أواخر الشهر نفسه قدم هو استقالته احتجاجا على نقل وزارة الداخلية ضباط شرطة دون مشورته إثر تفجير استهدف سوقا محليا.
وبعد انسحاب القوات الأميركية من "قاعدة تلعفر" في صيف 2008؛ اختفى الجبوري أواخر أغسطس/آب 2008 قبل أن ترد الأنباء بوصوله هو وعائلته إلى العاصمة الأميركية واشنطن، حيث ظهر بدءا من أكتوبر/تشرين الأول الموالي محاضرا وباحثا في مركز "نيسا" الذي يعتبر من أهم مراكز الدراسات هناك.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2009 كتب الجبوري مقالا في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، وصف فيه قضاء تلعفر تحت مسؤوليته بأنه "صار نموذجا لإستراتيجية التطهير والسيطرة والبناء، ذات الفضل في تحويل مجرى الحرب (على التمرد والإرهاب) في أشد لحظاتها سخونة…، مع بناء جسور الثقة مع السكان".
ويقول إن "على الحكومة العراقية أن تطبق هذه المبادئ على قوات الأمن الوطني، إذ ما زال الجيش والشرطة مسيّسيْن. فعلى سبيل المثال.. ينظر إلى وزارة الداخلية بحق غالبا كأداة في أيدي الحركات السياسية الشيعية…، وينطبق نفس الأمر على العديد من فروع الجيش العراقي".
الجبوري.. "جنرال أميركا" بمعركة الموصل
وحين اجتاح تنظيم "داعش" -في صيف 2014- المناطق ذات الأغلبية السنية الواقعة شمال بغداد بما فيها مدينة الموصل الإستراتيجية؛ ذكرت مصادر عراقية أن الأميركيين قرروا إعادة الجبوري إلى واجهة المشهد العسكري العراقي، وفقا للجزيرة.
وتضيف هذه المصادر أن واشنطن ضغطت على رئيس الوزراء حيدر العبادي ليعين الجبوري في منصب قائد عمليات محافظة نينوى (عاصمتها الموصل) والمناطق المجاورة لها للإشراف على استعادتها من قبضة "داعش" الارهابي، وهو ما تم في أبريل/نيسان 2015.
وحين أعطى العبادي أمره بانطلاق المعركة يوم 17 تشرين الأول 2016؛ تولى الجبوري قيادة مركز التنسيق الأمني الثاني الذي يقع في "قاطع مخمور" جنوب شرق الموصل ويتبع للجيش العراقي، وهو أحد المراكز الثلاثة التي تتم منها إدارة معركة الموصل الخاصة بالضربات الجوية والتقدم الميداني.
الجبوري عُرِف بموقفه المُعادي للحشد الشعبي وهذا ما تفضّله سياسة السفارة الأمريكية في العراق.
ونقلت مصادر صحفية، عن النائب حنين القدو القول: "إن نجم الجبوري كان قد كتب تقارير ضد الحشد الشعبي وبالأخص ضد اللواء 30 من الحشد، ومن غير أن يوضح فحوى تلك التقارير لكن مصادر أمنية عراقية تقول إن الجبوري كان يرفض تدخل الحشد الشعبي إلى جانب القوات الأمنية الحكومية في عمليات التحرير، وربما تكون تقاريره قد وصلت إلى السفارة الأمريكية بحكم كونه مواطنا أمريكيا وله صلات ممتازة مع المؤسسات الأمنية والدبلوماسية الأمريكية في العراق.
وفي حوار متلفز، أشار نجم الجبوري، إلى أن علاقته بالجانب الأمريكي جيدة جدا، مشيرا إلى أن قوات "التحالف الدولي" هي من ساهمت بتحرير المناطق المحتلة من قبل "داعش".
وذكر الجبوري، أن الكثير من المسؤولين الأمريكان أصدقاؤه، ودعموه في تسنّمه منصب قائد عمليات الموصل في عهد حكومة حيدر العبادي، ورفض الأمريكان إحالته إلى التقاعد.
نينوى والفساد
بعد مرور 7 سنوات على تحرير محافظة نينوى من قبضة تنظيم "داعش" الإرهابي ما يزال الدمار والخراب يخيم على بعض مناطقها وأزقتها القديمة والعديد من مستشفياتها.
الاتهامات غالبا ما تتحدث عن شبهات فساد تلاحق مشاريع الإعمار في المحافظة، بدعوى أن الأموال التي صُرفت لا تتناسب مع ما شهدته المدينة من إعمار، إذ إن أغلب المستشفيات والمدارس والبنى التحتية ما زالت مدمَّرة.
بحسب وثائق حكومية فإن المبالغ المصروفة لمشاريع نينوى تشير إلى أنه تم صرف أكثر من 6 تريليونات و128 مليار دينار عراقي أي ما يعادل نحو 4.5 مليار دولار، فضلا عن أموال كبيرة أخرى خصصتها دول ومنظمات أممية لإعمار المحافظة، ومع ذلك، لا يزال الجانب الأيمن من مدينة الموصل ومعه أقضية ونواحي نينوى يعاني من مستويات مروعة من الدمار وبعضها من ضعف أو غياب شبه كامل في البنية التحتية.
كما في وقت سابق، وجه النائب خالد العبيدي، اتهامات جديدة لمحافظ نينوى نجم الجبوري بالفساد وهدر وإضاعة 3 تريليون دينار من الأموال المخصصة لنينوى خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
وكشف العبيدي عن أن "محافظ نينوى نجم الجبوري عرقل تمرير مشروع لأعمار مستشفى في الموصل وقام بتحويل أمواله لتبليط الطرق من أجل سهولة الحصول على عمولات"، مشددا على أن "مشاريع الطرق هي الطريق الأبسط والأسهل بالنسبة للفساد في نينوى، ولذلك هناك توجه نحوها وتجاهل للمشاريع المهمة والاستراتيجية.
وبعدها، قال العبيدي في تصريحات متلفزة إن "رئيس الوزراء محمد شياع السوداني تسلم ادلة على تلكؤ مشاريع الموصل، وتحدثنا بصراحة مُطلقة معه بشأن فساد الموصل ومشاريعها"، مبينا أن "السوداني يعلم استهتار الوضع الاداري في نينوى وتساءل عن سبب سكوتنا".