الحسناوي "ممتعض" من استيراد أدوية الأمراض النادرة.. تعرف على أسرار ملف السياسة الدوائية
انفوبلس/ تقرير
مشكلات كثيرة ومتعددة تخيّم على واقع الصناعة الدوائية في العراق، حيث لم تشفع خطط السنوات الماضية لتطويرها، حتى صار البلد أسيرا لاستيراد 90% من احتياجاته، والتي يستنزف الكثير من أموال موازنة وزارة الصحة، وفق تصريحات حكومية رسمية.
استيراد أدوية علاج الأمراض النادرة يستنزف الكثير من أموال موازنة وزارة الصحة
ويقول وزير الصحة صالح الحسناوي، إن استيراد أدوية علاج الأمراض النادرة يستنزف الكثير من أموال موازنة الوزارة. ويذكر في حديث صحافي، إن جميع الأدوية المستوردة يتم توزيعها بالتساوي بين المحافظات اعتمادا على النسب السكانية وتقدير الحاجة، حيث تقدم المؤسسات الصحية بياناتها لتقدير حاجتها السنوية.
ويشير إلى تخصيص مبلغ ترليون و651 مليار دينار خلال العام الحالي للوزارة ضمن الموازنة الاتحادية لهذا العام، من ضمنها مبلغ 216 مليار دينار لإقليم كردستان. وأضاف، إن أعداد المصابين بالأمراض النادرة لا تتجاوز 500 مريض، بينما يتراوح مجموع الموازنة التي يتم صرفها على هذه الأعداد بين 10 ـ 15 بالمئة من موازنة الشركة العامة للأدوية والمستلزمات الطبية.
ويبين، إنه جرت خلال المدة القليلة الماضية مناقشة ثلاثة عقود للأدوية بخصوص 377 مريضا مصابا بالأمراض النادرة الوراثية، وبعد التفاوض والمناقشات مع الشركات تم تخفيض الأسعار إلى 105 ملايين دولار، أي ما يعادل 10 بالمئة من موازنة شركة الأدوية. وأوضح الحسناوي أن هناك عقودا تستنزف الكثير من الموازنة لاسيما الأدوية النادرة التي يتطلب توفيرها تخصيصات كبيرة عند استيرادها من الخارج.
بالتزامن مع هذا الحديث، طالبت لجنة الصحة والبيئة النيابية، الجهات الرقابية المختصة في وزارة الصحة بمراقبة الصيدليات والمذاخر المخالفة التي تتعامل بأدوية غير مرخصة وتفتقر للتقييس والسيطرة النوعية.
مقابل ذلك، أغلقت وزارة الداخلية 70 صيدلية وعيادة ومركز تجميل غير مجازة في بغداد والمحافظات خلال آب الماضي.
وتُخيّم أزمات كثيرة ومُتعدّدة على واقع الصناعة الدوائية في العراق، حيث لم تشفع خُطط السنوات الماضية لتطويرها، حتى صار البلد أسيرا لاستيراد 90% من احتياجاته، وفق تصريحات حكومية.
وكشف رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مؤخراً، أن سوق الأدوية في العراق يُنفق نحو 3 مليارات دولار سنوياً لاستيراد الأدوية، وأغلبها لا تخضع للفحص، فيما لا ينتج العراق سوى 10% منها، كما تعهد بالنهوض بقطاع صناعة الأدوية من خلال إجراءات عديدة ستعمل عليها حكومته بما يضمن تطوير هذه الصناعة وتوطينها.
المصانع المحلية في العراق
وفي خضم الحديث عن الاستيراد الكبير للأدوية في العراق، تبدو الصناعة الدوائية المحلية متواضعة، إذ إنه رغم وجود عدّة شركات مختصة بصناعة الأدوية، إلا أنها لا تلبّي الحاجة المحلية.
ويكشف نقيب الصيادلة مصطفى الهيتي عن وجود 24 مصنعا حكوميا وخاصا ومختلطا، مع 24 مصنعا آخر قيد الإنشاء، كلها موزعة في العديد من المحافظات، وتأتي بغداد في المقدمة، تليها مصانع سامراء ونينوى والبصرة، بالإضافة إلى إقليم كردستان، في الوقت الذي تخلو فيه محافظات الأنبار وديالى وكركوك والديوانية والعمارة والناصرية من أي مصانع.
وتنتج هذه المصانع نحو 1100 نوع من الدواء، لكن الهيتي يصف أكثرها بـ "النمطية" في ظل عدم وجود صناعة للأدوية المهمة والضرورية الخاصة بأمراض السرطان والهرمونات ومعوضات الدم والأنسولين والأمبولات والتحاميل وغيرها، التي تُعد من أكثر الأدوية التي يتم استيرادها من الخارج، بحسبه.
ويُقدّر الهيتي تكلفة شراء الأدوية المصنّعة محليا بنحو 200 مليون دولار، بما يشكل نسبة 11% من قيمة ما تنفقه البلاد سنويا على شراء الأدوية، والتي تُقدر بـ 3 إلى 4 مليارات دولار.
ومن الجدير ذكره أن شركة "كيمياديا" التابعة لوزارة الصحة الاتحادية تُعد الجهة المسؤولة عن توفير الأدوية والمستلزمات الطبية للمستشفيات.
أسباب التراجع
يلخص مختصون أسباب تراجع صناعة الأدوية بالعراق في العجز والتقصير الحكومي وسيطرة "مافيات وشبكات" على توريد وتوزيع وتهريب الأدوية والتحكم بأسعارها، سيما بعد كشف السلطات عن ضبط 100 طنّ من الأدوية المهرّبة العام الماضي.
وكان جواد الموسوي عضو لجنة الصحة النيابية السابق (2018-2021) قد أشار إلى أن استيراد الأدوية أو صناعتها تتمّ من خلال بعض الشركات أو المعامل الخاصة التابعة لجهات سياسية وأحزاب معينة، الأمر الذي أدى لانعدام الرقابة والسيطرة النوعية على الأدوية المستوردة والمصنّعة، فضلا عن محاربة هذه الشركات للمنتج المحلي من مصانع سامراء للأدوية، بحسب تعبيره.
ولا يُخفي رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب ماجد شنكالي وجود ما أسماها "مافيات التهريب والتجار" التي تعمل على استيراد الأدوية لتحقيق أرباح أكثر على حساب المصانع المحلية، فضلا عن العجز الحكومي الذي أدى لتراجع الصناعة الدوائية بعد عام 2003، الأمر الذي دفع لاستيراد 85% من الاحتياجات الدوائية.
تطوير الصناعة
أما عن كيفية النهوض بواقع الصناعة الدوائية وتطويرها، فيقترح رئيس لجنة الصحة النيابية حزمة حلول، منها ضرورة وجود إعفاءات على الرسوم الجمركية للمواد الخام الأولية التي تستوردها مصانع الأدوية، مع دعم وتحفيز وزارة الصناعة لشراء الأدوية من المصانع المحلية وعدم استيراد أية أدوية من الخارج يُمكن صناعتها محليا.
ويشدّد شنكالي على ضرورة إلزام وزارة الصحة والمؤسسات الخاصة والعامة بشراء الأدوية من الداخل، مؤكدًا أن هذه الخطوة ستعزز من مكانة المنتج المحلي وتوفر 50% من حاجة العراق الدوائية.
ويبدو شنكالي متفائلا بخطوة وزير الصناعة في ما يتعلق بإبرام عقود مع مصانع الأدوية المحلية بقيمة 70 مليار دينار (48 مليون دولار) واصفا إياها بـ "البادرة الجيدة جدا".
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي ضياء المحسن ضرورة وجود علاقات مُتبادلة بين الشركات المحلية والعالمية لأجل نقل الخبرات الدوائية للبلاد، من خلال تدريب الصيادلة والكيميائيين على هذه الصناعات بما يُسهم في سدّ حاجة السوق المحلية من الأدوية والمُساهمة في تصدير الفائض منها إلى الخارج، بحسبه.
ويُشدد المحسن على أهمية إنشاء مصانع للشركات العالمية المتُخصصة في صناعة الأدوية محليا، شريطة أن تمنح حق الامتياز للعراقيين في تصنيع وإنتاج الأدوية.
في السياق، جاء الوصف الأدق لمعاناة واقع السياسة الدوائية في البلاد على لسان رئيس مجلس الوزراء خلال ترؤسه اجتماعًا ضمّ رابطة منتجي الأدوية بحضور وزيري الصحة والصناعة في شهر شباط الماضي، حيث أكد حاجة القطاع الدوائي لمزيد من إعادة التنظيم في مجال استيراد الأدوية لتحقيق أمن دوائي متكامل.
ومع كل هذه الضبابية السائدة، ظهر رئيس الحكومة متفائلاً بقدرة القطاع الخاص على إنتاج أكثر من 250 نوعًا إضافيًا من الدواء من خلال التعاون مع الشركات العالمية خلال مدة تتراوح بين 6 و12 شهرا.
وعلق السوداني بشيءٍ من الحسرة والعتب قائلاً، "ينفق سوق الأدوية في العراق نحو 3 مليارات دولار سنويًا لاستيراد الأدوية، وأغلبها لا تخضع للفحص، فيما لا ينتج العراق سوى 10% منها".
وعقب اجتماع السوداني، كشف وزير الصحة صالح الحسناوي أنه قد تم الاتفاق على جملة من النقاط التي تتعلق بتطوير المصانع وتسهيل الإجراءات بإنشاء مصانع الأدوية ودعم منتجها من حيث استيراد المواد الأولية والإعفاءات الجمركية والضرائب والتعاقدات مع وزارة الصحة.
وصادق رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، في شهر اذار الماضي، على التوصيات النهائية الخاصة بتوطين الصناعة الدوائية، خلال ترأسه الاجتماع الثاني لرابطة منتجي الادوية في العراق.
كما ترأس رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، الشهر الماضي، اجتماعاً خُصص لبحث آليات توطين الصناعة الدوائية في العراق، بين من خلاله أنّ "الفرص الاستثمارية لصناعة الأدوية باتت متاحة أمام كل الشركات للدخول في هذا القطاع الواعد، مؤكداً أهمية نقل كامل تكنولوجيا صناعة الأدوية على شكل مراحل، وألّا يقتصر عمل مصانع الأدوية على التعبئة والتغليف، بل أن تكون مساهمة في الإنتاج".
وبعد ذلك، يبدو أنّ الاستيراد هو المشكلة الوحيدة التي تؤرق الحكومة العراقية وتجعلها تتوجه نحو "توطين صناعة الأدوية"، بل المشكلة الأكبر وفق العديد من المختصين، هو أنّ ما يفوق الـ 80% من الأدوية المستوردة "غير مفحوصة" وذلك لأنها تدخل عبر التهريب أو من خلال منافذ غير رسمية، ما يدفع إلى طرح السؤال عن الكمية التي سينجح المنتج الوطني بسدها وتقليل الأدوية المستوردة التي تبلغ قيمتها سنويًا 3 مليار دولار؟
وتظهر بيانات وزارة التخطيط أنّ مجمل الأدوية والمستلزمات الطبية المستوردة في 2021 بلغت 412 مليون دولار، فيما بلغت في 2020 ما قيمته 512 مليون دولار، وفي عام 2019 بلغت قيمة الادوية والمستلزمات الطبية المستوردة نحو 683 مليون دولار.
2020
2019
قيمة الأدوية المستوردة للأعوام الثلاثة، والمعتمدة على بيانات هيئة الجمارك، تعني أنها دخلت عبر المنافذ الرسمية ومفحوصة، وتظهر أن الأدوية المستوردة "الرسمية" تشكل ما معدله 500 مليون دولار سنويًا أي نصف مليار دولار، وهو ما يشكل نحو 17% من مجمل قيمة الأدوية المستوردة للعراق من مختلف المنافذ والبالغة 3 مليار دولار، وهي قريبة من نسبة السوداني التي تشير إلى أنّ الأدوية غير المفحوصة "الداخلة بشكل غير رسمي" تبلغ نسبتها 80%.
وجزء من هذه الأدوية الداخلة بشكل رسمي يذهب إلى المؤسسات الحكومية الصحية، والآخر يكون موجودًا في الصيدليات ومؤسسات القطاع الخاص، بالتالي فأنّ المتبقي من الأدوية البالغة قيمتها أكثر من 2.5 مليار دولار جميعها غير مفحوصة.
ووفقًا لذلك، فإنّ الأدوية غير المفحوصة والتي لا تسيطر عليها الحكومة وتشكل 80% من سوق الأدوية، تهيمن على السوق والقطاع الخاص بالكامل. من هنا وفي حال نجح العراق في "توطين الصناعة الدوائية"، وبافتراض أنّ الأدوية المنتجة محليًا "ستوقف المستورد بالكامل"، ففي أحسن الأحوال لن يسد الدواء المحلي سوى الـ 17% من الأدوية المستوردة المفحوصة، والتي تستطيع الحكومة إيقاف دخوله إلى العراق لأنه يدخل من المنافذ الرسمية.
أما ما يفوق الـ 80% من الأدوية غير المفحوصة، والتي لا تعرف الحكومة كيفية دخولها إلى البلاد، فإنها ربما ستستمر بالدخول والسيطرة على السوق، فلا تسيطر الحكومة على آليات دخولها لتقوم بمنع استيرادها، وبالتالي تعويضها من الأدوية المصنعة محليًا.
ويعود الهيتي ويتحدث عن "مافيات كبيرة تسيطر على جزء كبير من استيراد الأدوية وإدخالها بطرق غير قانونية وعبر منافذ غير شرعية"، مستبعدًا "إمكانية تحقيق الأمن الدوائي والاكتفاء منه محليًا".
ويرى الهيتي أنّ الأدوية المصنعة في العراق هي أدوية نمطية لا تكفي لتحقيق الأمن الدوائي والاكتفاء الذاتي، حيث أن "العراق لا ينتج أدوية السرطان والأدوية المنقذة للحياة بشكل عام"، مبينًا أنّ "العراق يفتقر أيضًا إلى الصيادلة الصناعيين المطلوبين لزيادة كمية ونوعية الإنتاج الدوائي". واعتبر الهيتي أنّ "إيقاف عمليات استنزاف الأدوية غير المرخصة والاستيراد العشوائي أولى خطوات تطوير الصناعة الدوائية العراقية".
واقع كردستان
وفي إقليم كردستان، لا يختلف الواقع كثيرًا عمّا هو عليه بالمحافظات الأخرى، إذ لم تنجح جهود وتحذيرات عضو برلمان الإقليم كاروان كه زنه يي -على مدى 4 أعوام مُتتالية- في الحد من مخاطر بيع واستعمال أدوية وصفها بـ "الفاسدة ومنتهية الصلاحية" داخل بعض المستشفيات والمراكز الصحية، مع الإشارة إلى أن بعضها يباع على الطرقات العامة وداخل الصيدليات، بحسبه.
ويؤشّر النائب الكردي على واحدة من أخطر الظواهر في تجارة الأدوية قائلا "إن جزءا كبيرا منها يستخدم داخل المستشفيات ويباع في الصيدليات دون أن يُعرف مصدرها أو كيفية استيرادها، وبعضها يستخدم في تخدير المرضى قبل إجراء العمليات وعلاج السرطان، مما يُعرض حياتهم للخطر".
في غضون ذلك، كان استيراد الأدوية في كردستان معفى من الضرائب، إلا أنها أصبحت 5% على الأدوية و10% على المستلزمات الطبية و15% على الأجهزة الطبية، وهو ما يصفه العضو البرلماني بـ "الواقع المرير" الذي أدى لارتفاع أسعار بعض الأدوية إلى نحو 10 أضعاف.
وعن أسباب ذلك، يعلق النائب بالقول "منحت وزارة الصحة في الإقليم تراخيص الأدوية لإحدى الشركات بأسعار خيالية"، متسائلا عن أسباب رفع الضرائب عن بعض مواد البناء والأطعمة في الوقت الذي تفرض فيه على الأدوية، بحسب تعبيره.