السوداني يحطم الرقم القياسي.. لواء مواليد 90 و40 فريقاً في وزارة الداخلية.. ترقيات بالجملة تهدد "هيبة" الرتبة العسكرية

انفوبلس..
في تطور يثير مخاوف بشأن كفاءة الأداء المؤسساتي، تشهد وزارة الداخلية تضخماً لافتاً في عدد الضباط أصحاب الرتب العليا، في ظل قرارات ترفيع استثنائية أثارت جدلاً واسعاً داخل المؤسسة الأمنية، وسط تحذيرات من انزلاق التراتبية العسكرية إلى محاور النفوذ السياسي والمحاصصة الحزبية.
وتشهد الداخلية ترهلا هو الأكبر في تاريخها من حيث زيادة الرتب العليا، بفعل الترقيات الاستثنائية الأخيرة للقائد العام للقوات المسلحة، والتي أسهمت بإدخال نحو 20 ضابطا برتبة “فريق” إلى أروقتها، ليضافوا إلى ما يقرب من 20 آخرين، جميعهم منخرطون في الخدمة، ليلامس بذلك عدد “الفرقاء” داخل الوزارة الـ 40 ضابطا، وهو رقم غير مسبوق، في ظل استثناءات لافتة أبرزها منح ضابط مواليد 1990 رتبة “لواء” ما أثار جدلا داخل الوزارة خصوصا ممن يكبرونه سنا.
وتعد العوامل السياسية والمحسوبية من أبرز أسباب ترهل نظام الرتب العليا في وزارتي الداخلية والدفاع، إذ تمنح بعض الرتب خلافا للسياقات الإدارية والأعراف المتبعة، وتستخدم في كثير من الأحيان، كجزء من نظام المحاصصة السياسية، حيث تلجأ الأحزاب النافذة إلى توزيعها كوسيلة لتعزيز نفوذها وضمان ولاء القادة العسكريين، لاسيما مع قرب الانتخابات التشريعية، وفقا لمصادر أمنية وعسكرية وسياسية مطلعة.
وتقول المصادر إن “وزارة الداخلية باتت تضم ما يقرب من 40 ضابطا برتبة فريق، وهم بين 18- 20 ضابطا تم ترفيعهم حديثا، إلى جانب عدد مماثل موجود في الخدمة”.
وإذ أكدت أن “هذا الرقم غير مسبوق في وزارة الداخلية منذ تأسيسها، وأنه زاد بشكل كبير من ترهل الرتب العليا في الوزارة”، كشفت عن أسماء أغلب الضباط الذين تم ترفيعهم خلال تموز يوليو الحالي، باستثناء من قبل القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وهم كل من:
1- الفريق حسنين السوداني، معاون الوكيل الإداري والمالي.
2- الفريق أحمد سكندر، معاون وكيل شؤون الشرطة.
3- الفريق محمد خضر، مكتب الوزير.
4- الفريق سعد محسن، مدير مكتب الوزير.
5- الفريق فرقد زغير، مدير دائرة العمليات.
6- الفريق أحمد جواد شمخي، المكتب الخاص لوزير الداخلية
7- الفريق الركن سعد خلف، قائد قوات الشرطة الاتحادية.
8- الفريق الركن احمد الأسدي، قائد منطقة سامراء شرطة اتحادية.
9- الفريق الركن ظافر نظمي، مدير شرطة الطاقة.
10- الفريق عدي سمير، مدير المرور العام.
11- الفريق نشأت الخفاجي، مدير الأحوال الجنسية والجوازات.
12- الفريق قنديل خليل، مساعد الوزير لشؤون التدريب.
13- الفريق حسين سبهان، مدير الموارد البشرية.
14- الفريق حميد مجيد، مدير الجريمة المنظمة.
15- الفريق صباح حوشي، مدير التدريب والتأهيل.
16- الفريق سعد معن، رئيس خلية الإعلام الأمني.
17- الفريق فلاح شغاتي، الأمانة العامة لوزراء الداخلية العرب.
18- الفريق أحمد الزركاني، مدير شؤون المخدرات”.
وأوضحت، أن “عدد الضباط برتبة فريق ممن يحملون الرتبة قبل تموز يوليو الحالي، يترواحون بين 16 و19 ضابطا، أبرزهم:
1- الفريق هادي رزيج وكيل وزارة الداخلية لشؤون الشرطة.
2- الفريق فاضل حيدر، مكتب وزير الداخلية.
3- الفريق صالح العامري، المستشار الفني للوزير.
4- الفريق ماهر نجم وكيل الاستخبارات.
5- الفريق سمكو ناظم أمين، وكيل الأمن الاتحادي.
6- الفريق حسن فزع، مدير الشؤون العامة.
7- الفريق ثامر الحسيني، قائد الرد السريع.
8- الفريق الركن حامد الحسيني، معاون وكيل الأمن الاتحادي.
9- الفريق الركن عامر صدام، عميد المعهد العالي.
10- الفريق الركن علي الغريري، مكتب وزير الداخلية.
11- الفريق حميد ثجيل، هيئة التفتيش.
12- الفريق رياض عبدالأمير، المستشار الأمني لوزارة الداخلية.
13- الفريق مهدي الفكيكي، رئيس اتحاد الشرطة
14- الفريق الركن جعفر البطاط، رئيس خلية إدارة الأزمات.
15- الفريق الركن شاكر الأسدي، مستشار وزير الداخلية للصنوف القتالية.
16- الفريق عاطف السوداني، رئيس هيئة تفتيش قوى الأمن الداخلي.
وتبين المصادر العليمة، أن “الضباط أعلاه ما زالوا في مناصبهم، ولم يتقاعد أحد منهم، ليحل ضابط جديد برتبة فريق مكانه، على الرغم من أن بعضهم مضى على استلامه المنصب أكثر من خمس سنوات، وهي فترة تتجاوز الحد المسموح به في مفهوم التدوير الوظيفي المعمول به في المؤسسات الأمنية”، لافتة إلى أن “المتعارف عليه في الأوساط الأمنية والعسكرية، هو ترقية الضابط إلى فريق مع إحالته إلى التقاعد، وذلك بهدف إفساح المجال للطاقات الجديدة والشابة لشغل مواقع الضباط المرفعين بعد إحالتهم للتقاعد”.
وتعزيزا لهذا الترهل، تذكر مصادر أمنية أخرى واقعةً أثارت جدلا داخل الوزارة، وهي “ترفيع ضابط في وزارة الداخلية من مواليد 1990 إلى رتبة لواء باستثناء من رئيس الوزراء، في سابقة غير معهودة، كون الحصول على رتبة لواء وفقا للتسلسل الاعتيادي، يتطلب عمرا أكبر، أي يكون في أقل تقدير من مواليد السبعينيات أو بداية الثمانينيات”.
وكان الخبير الأمني عماد علو، أكد في وقت سابق أن “ترهل الرتب، إحدى المعضلات التي تعاني منها المؤسسة الأمنية في العراق وتنعكس آثارها السلبية على مستوى الضبط العسكري واحترام الرتبة، فضلا عن الكلفة المادية، إضافة إلى أنها تعرقل عملية صناعة القيادات الشابة وارتقائها في سلم التدرج المهني العسكري والأمني”، مؤكدا، أن “كثرة وضخامة الرتب اليوم لا تعكس الخبرات المتراكمة لدى حامليها بما يتناسب مع حجم الجيش وأعداده وحاجته إلى هذا النوع من الرتب، لذلك ينبغي على المؤسسة العسكرية وصانع القرار العسكري والأمني إعادة النظر بالهيكل التنظيمي للمؤسسة وتوزيع المناصب والرتب بما يتناسب وحجم القوات المسلحة والتشكيلات العسكرية وأدائها وواجباتها ودورها”.
ويشير قانون الخدمة والتقاعد لقوى الأمن الداخلي في العراق، إلى أن ترقية الرتبة تتم وفق الضوابط التالية: ملازم إلى ملازم أول في ثلاث سنوات، ملازم أول إلى نقيب في ثلاث سنوات، نقيب إلى رائد في أربع سنوات، رائد إلى مقدم في أربع سنوات، مقدم إلى عقيد في أربع سنوات، عقيد إلى عميد في أربع سنوات، عميد إلى لواء في ست سنوات، لواء إلى فريق في ست سنوات.
ويستثنى من هذه الفترات الزمنية القدم في الخدمة، والذي يمنح من القائد العام للقوات المسلحة، بناء على شجاعة الضابط أو موقف له في إحدى المعارك.
يذكر أن رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي، قرر في العام 2017 إيقاف الترفيع العسكري، وذلك لأول مرة في تاريخ العراق الحديث منذ العام 1958، لأسباب مالية بسبب سياسة التقشف التي اتبعتها حكومته، لمعالجة الترهل في السلك العسكري.
وفي آب أغسطس 2023، كشفت وسائل إعلام، أن وزير الداخلية عبد الأمير الشمري، وبعد تسنمه المنصب أخذ يُقرّب الضباط من أبناء دورته، والمنحدرين من مسقط رأسه، محافظة الديوانية وخاصته ومعارفه، وابتدأ باللواء المقرب منه فرقد العيساوي، المقال من قيادة شرطة الديوانية، حيث أسند له منصب معاون المدير العام للموارد البشرية داخل الوزارة، وبعد أقل من شهرين، أسند إليه منصب المدير العام للاستخبارات ومكافحة الإرهاب، بدلا عن اللواء باسم الشويلي، إلا أن هذا الأمر الوزاري سرعان ما أُلغي بعد يومين فقط، ومن ثم استحدث الوزير لهذا الضابط منصبا جديدا، وهو مساعد وكيل وزارة الداخلية لشؤون الشرطة الخاص بأفواج الطوارئ، واستمر فيه لثلاثة أشهر قبل أن يسند إليه منصبا آخر، وهو مدير دائرة العمليات في وزارة الداخلية، وكل هذا خلال ستة أشهر فقط.
ولم تكن تلك المرة الأولى التي ينصب فيها الشمري، مقربا منه في مواقع مهمة، إذ كشفت مصادر أمنية رفيعة المستوى، في وقت سابق، عن تكليف اللواء الركن صلاح خميس الشمري، المقرب منه، خلفا لقائد الفرقة الأولى في الشرطة الاتحادية، العميد الركن نبيل الجميلي، الذي تم حبسه بأمر الوزير بتهمة شتم “مرجعه العسكري الأعلى”.
في بلد تتنازعه الأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية، لم تكن المؤسسة الأمنية في منأى عن آثار المحاصصة السياسية ونزعات الترضية، فقد كشفت التطورات الأخيرة داخل وزارة الداخلية العراقية عن موجة ترفيعات استثنائية أدت إلى تضخم غير مسبوق في الرتب العليا، على رأسها رتبة "فريق"، وهو ما أثار تساؤلات مشروعة عن جدوى هذه الترقية الجماعية، وأهدافها الخفية، وتبعاتها على بنية المؤسسة الأمنية وهيبتها.
فمنح رتبة “فريق” لـ20 ضابطاً دفعة واحدة، ليصل العدد الكلي إلى نحو 40، لا يعكس احتياجاً وظيفياً أو خططاً أمنية مدروسة بقدر ما يعكس واقعاً متخماً بالمجاملات السياسية والتدخلات الحزبية، خصوصاً مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي، حيث تحوّلت الرتب العسكرية من شواهد على الخبرة والانضباط إلى أدوات نفوذ وولاء توزعها السلطة التنفيذية على المقربين والتابعين.
اللافت أن قائمة المرفعين الأخيرة ضمت ضباطاً من مواليد التسعينيات، مثل الضابط الذي وُهِبَ رتبة "لواء" وهو من مواليد 1990، وهو أمر غير مألوف داخل التقاليد العسكرية، ويقوض منطق التدرج الوظيفي والزمن القانوني للترقيات، كما يثير امتعاض كبار الضباط الذين انتظروا سنوات طويلة للوصول إلى مثل هذه الرتب، ما يخلق فجوة عُمرية ومهنية تهدد بثقافة استعلائية جديدة داخل الوزارة.
ويعود هذا التمدد في الرتب إلى غياب الضوابط الصارمة في تطبيق قانون الخدمة والتقاعد لقوى الأمن الداخلي، إذ يتيح القانون استثناءات بقرار من القائد العام للقوات المسلحة، لكن ما يحدث الآن تجاوز حدود الضرورة، وتحول إلى ممارسة منظمة لتوزيع الرتب على أسس الولاء لا الكفاءة.
وبحسب ما كشفت عنه المصادر فإن بعض المرفعين يشغلون مناصب رفيعة منذ أكثر من خمس سنوات دون تدوير وظيفي، وهو ما يتعارض مع المفهوم الحديث لإدارة القيادات في المؤسسات الأمنية، والذي يقوم على ضخ دماء جديدة ومنح الفرصة للضباط الشباب المؤهلين.
ويبدو أن هذه الترقيات ليست سوى حلقة ضمن سلسلة قرارات أثارت في وقت سابق تساؤلات حول تركيبة السلطة داخل وزارة الداخلية، بدءاً من قرب الوزير عبد الأمير الشمري من بعض الضباط المنتمين إلى مدينته (الديوانية)، مروراً بمنح مناصب عليا لضباط مقربين منه ثم نقلهم سريعاً إلى مواقع أخرى، في مشهد عبثي يُشبه إعادة ترتيب قطع الشطرنج وفق ما تقتضيه المصالح الشخصية لا ضرورات العمل.
ورغم التحذيرات التي أطلقها خبراء أمنيون، أمثال عماد علو، من أن تضخم الرتب يؤثر سلباً على الضبط العسكري واحترام التراتبية ويزيد من الأعباء المالية على الدولة، لم تظهر بوادر حقيقية لمراجعة هذه السياسات، بل يتجه الأمر إلى مزيد من التغول السياسي على جسد المؤسسة الأمنية.
وفي بلد مثل العراق، حيث تتطلب المرحلة الراهنة بناء جهاز أمني مهني وفعال، تُمثل هذه الظاهرة تهديداً مزدوجاً: الأول يتمثل في تآكل ثقة الضباط الشباب بالمنظومة العسكرية كوسيلة لتحقيق الطموح المهني، والثاني يكمن في خلق حالة من الترهل القيادي، حيث تتكدس الرتب العليا دون إنجاز فعلي أو كفاءة مهنية واضحة.
إن مشهد "الترقيات الاستثنائية" في وزارة الداخلية لا يمكن فصله عن مساعي الطبقة السياسية لإعادة تموضعها داخل المؤسسات الأمنية مع اقتراب المعركة الانتخابية، ما يستدعي تدخلاً عاجلاً من الجهات الرقابية والبرلمانية، لوضع حد لهذا الانفلات، وإعادة رسم هرم القيادة الأمنية بما يخدم الأمن الوطني لا المصالح الحزبية الضيقة.