الطب النفسي يخفق مع أطفال العراق.. فما الاسباب؟
انفوبلس/..
تحاول العراقية أم أيسر إقناع طفلها ذي السبعة أعوام بعدم الخوف واللعب مع أقرانه في الشارع، وتأخذه كل شهر إلى عيادة طبيب نفسي بعدما عجزت عن محاولة علاجه، أو إيجاد حل لمشكلته النفسية. تقول: "لاحظت قبل أكثر من عام أن ابني لا يشارك الأطفال في اللعب، ولا يخرج من المنزل، وينتابه خوف شديد، حتى في وضح النهار، وحين أسأله عن سبب الخوف، لا يذكر أشياء مقنعة أو يوضح ما يستدعي ذلك. وقد حاولت كثيراً تشجيعه على الاختلاط بأقرانه، لكن الأمر لم ينجح. وبعدما تراجعت حالته أكثر وأكثر، توجهت إلى طبيب نفسي لعلاجه، وأرشدني إلى كيفية التعامل معه، ووصف لي بعض العلاجات المفيدة، لكن واضح أن لا اهتمام بالأطفال ذوي الأمراض النفسية، ولا مراكز كثيرة وبرامج تساعد الأهل والطفل نفسه في التخلص من المرض النفسي، ما يزيد معاناة كل العائلة".
بدوره، يقول عبد الله غالب، وهو موظف حكومي: "لدي ثلاثة أطفال، يعاني أكبرهم البالغ 4 أعوام من فرط في الحركة، وكثرة الصراخ غير المبرر، وضعف التركيز لدى الحديث معه، فعرضته على طبيب نفسي بات يتابعه كل شهر تقريباً، أو بحسب حالته".
يضيف: "العلاجات النفسية باهظة الثمن غالباً، ولا نستطيع توفيرها، لكننا نضطر إلى تحمّل تكاليفها بكل الطرق الممكنة، ونتمنى توفير رعاية طبية لذوي الأمراض النفسية التي تستمر فترات طويلة، أو تكون مزمنة".
وتشرح رئيسة قسم الطفولة في مركز بحوث الطفولة والأمومة بجامعة ديالى، الدكتورة أسماء عبد الجبار، في حديثها، أن الأمراض النفسية تنقسم إلى نوعين، بعضها دائم ومستمر مع الطفل، وبعضها مؤقت قد يزول، باعتبار أن الأمراض النفسية لدى الأطفال قد تكون موروثة. ومن أهم أسباب الأمراض عند البالغ أو الطفل التوتر والانفعال بسبب عدم فسح المجال أمامه لممارسة حياته في شكل طبيعي، في ظلّ غياب مساحات للعب وأحواض للسباحة أو أصدقاء يلعب معهم".
تضيف: "باتت المنازل ضيقة جداً، والأهل في انشغال مستمر، والطفل إذا كان بلا أخوة، ولا يلعب مع أطفال الجيران، يعيش في عزلة، ما يجعل عالمه يضيق، وينحصر ربما في التواجد أمام الأجهزة الإلكترونية واللوحية والهواتف الخلوية، والذي يعني أيضاً أنه يقضي أوقاتاً طويلة في اللعب أكثر من النوم أو الأكل أو القراءة. وهذه الأجهزة تؤثر مباشرة في الأعصاب، وبرمجة الدماغ، ما يجعل الطفل دائم القلق والخوف، وينسحب إلى العزلة".
وتشير أسماء إلى معاناة أطفال من قلق وخوف بسبب وجود أطفال آخرين أصغر منه يحظى بكل حب واهتمام الأم والأب، وترك آخرين لأمهات بديلات لا يقدمن الحب والدفء الحقيقي لهم. وقد يولد بعضهم وهم مصابون باضطرابات نفسية وعقلية تؤدي إلى فرط في الحركة أو عسر في الكلام أو اضطراب في المزاج، وقد تشمل أيضاً الحزن الشديد لفترات طويلة أو فصام ذهني، فيعيش الأطفال بعيداً عن الواقع، أي حياة وهمية يوجدها نفسه. وبين أسباب اضطرابات الأطفال أيضاً الرضاعة الصناعية ونوعية الطعام التي تتناولها أسر كثيرة، وتعتمد على الأطعمة الجاهزة، ما يؤثر سلباً بالصحة الذهنية والبدنية للطفل. كذلك إن خروج الأم للعمل، وعدم وجود من يشرف على الطفل، أو حتى تولي هذا الأمر أمهات صغيرات في العمر لا يمتلكن تجربة وقدرة كافية لرعاية الطفل، تسبب تأرجح وسائل رعايته بين إظهار الحب والاهتمام أحياناً، والصراخ والضرب والقسوة أحياناً أخرى.
أما اختصاصي الأمراض العصبية والنفسية الدكتور عدنان ياسين محمد، فيقول: "ارتفع خلال الأعوام القليلة الماضية عدد الأطفال الذين يعانون من أمراض نفسية، ونصف مراجعي عيادتي لتلقي العلاج من فئة الأطفال، ويشمل أغلب أعراضهم التأخر في النطق واضطراباً في السلوك وأعراض توحد، إضافة إلى فرط في الحركة وقلة تركيز، وضعف الحفظ".
ويؤكد محمد وجود أخطاء في التربية قد تدمر شخصية الطفل، وبينها إجابات الآباء والأمهات عن أسئلة أطفالهم، والتحدث إلى شخص آخر عن سلبيات الطفل وهو يسمع، والاهتمام المفرط بأدق تفاصيل الطفل لدرجة تقييد حركته، ومقارنته بمن هم أفضل منه، إضافة إلى الخجل من تقديم نصائح تحميه من التحرش، والكذب أمامه، وهو الخطأ الأهم.
وكانت المجلة الأوروبية للطب النفسي للأطفال والمراهقين قد نشرت عام 2019 دراسة أجراها أكاديميون وأطباء في مجال الطب النفسي للأطفال عن واقع خدمات الطب النفسي الخاص بهذه الفئة في أربع دول عربية، وأفادت بأن "العراق الذي تأثر بالحروب يضم 250 طبيباً نفسياً لحوالى 38 مليون عراقي، ولا يوجد فيه أي اختصاصي نفسي للأطفال يحمل شهادة تحتاج إلى دراسة لمدة سنتين بعد إنهاء الاختصاص العام، والتخرج من كلية الطب".