العراق بين زمنين.. من "بضعة" إلى "مئات" الدولارات.. قفزة رواتب العراقيين خلال العقدين الأخيرين
انفوبلس..
من أبرز الأسئلة التي يرددها أبناء الجيل الحالي ـ أي الجيل الذي لم يشهد حقبة حكم البعث ـ هو سؤال يتم طرحه على آبائهم الموظفين خلال تلك الحقبة، وهو عن مصدر شغفهم لإكمال الدراسة في ظل انعدام الفرص ذات القيمة، وعن سبب بقائهم في الوظيفة على الرغم من أن راتب الموظف آنذاك كان يساوي سعر "طبقة بيض" أو سعر "ربع كيلو لحم".
ورغم اختلاف الإجابات باختلاف الآباء وطريقة تفكيرهم ووجهات نظرهم، إلا أن النقاط المشتركة بين الجميع كانت تتمثل بقلّة الحيلة وانعدام الطموح واليأس المفرط من حدوث أي تغيير بسبب ديكتاتورية النظام السابق وعنجهيته التي تسببت بحصار فرضه العالم على الشعب تسبب بتجويع أبنائه.
اليوم يسلّط موقع "INFOPLUS" الضوء على حجم الفارق بين رواتب الموظفين والمتقاعدين وقيمته الدولارية بين حقبة ما قبل 2003 والحقبة الحالية بعد مرور عقدين على سقوط النظام البعثي.
تأتي تلك المقارنة بالتزامن مع دراسة الحكومة الحالية لسُلّم رواتب جديد سيعمل على زيادة رواتب الفئات المستفيدة بالإضافة إلى تحديد حد أدنى للرواتب ومراعاة الأزمة الاقتصادية العالمية والمحلية عبر توفير بدائل لغلاء المعيشة.
حقبة ما قبل 2003
قبل عام 2003، أثناء فترة حكم صدام حسين، كان راتب أعلى موظف عراقي في السُلّم الوظيفي لا يتجاوز 11 دولاراً أميركياً، وذاك الراتب لم يكن كافياً لتسديد بدل إيجار منازل أغلب الموظفين الذين كانوا يستأجرون البيوت التي يسكنونها، وقد حدث ذلك بسبب ما كان العراق يعانيه من صعوبات بسبب فرض حصار دولي عليه بعد غزوه الكويت، في تلك الفترة، اضطر أغلب الموظفين، ومنهم مهندسون وأساتذة جامعيون، إلى العمل مساءً في البناء أو بيع السجائر وغيرها من المهن البسيطة والمتواضعة.
وروى أحد المواطنين، وهو موظف منذ عام 1981 في وزارة الصناعة العراقية، أنه في عام 1995 اضطر إلى بيع أثاث منزله ليتمكن من دفع بدل إيجار بيته وتدبير لقمة عيشه، لأن راتبه الذي كان يبلغ 2000 دينار حينذاك، أي ما يعادل دولاراً ونصف دولار أميركي تقريباً، لم يكن يكفيه ليوم واحد. وأضاف: "كنتُ أضطر في المساء للعمل في أحد المطاعم الشعبية بأجر يومي، وهذا ما مكنني من تجاوز تلك الفترة المظلمة بالنسبة للعراقيين".
أما شريحة المتقاعدين فقد كانت رواتبهم لا تقل بؤساً عن راتب الموظفين، حيث كان يستلم المتقاعد راتباً قدره 24 ألف دينار كل 3 أشهر، وذلك بعدما يزيد عن 30 سنة خدمة في مؤسسات الدولة، الأمر الذي تذكره أحد المتقاعدين في تلك الفترة، وقال: عندما ذهبتُ الى مصرف بغداد الجديدة لاستلام أول راتب تقاعد لي وشاهدت طوابير من المتقاعدين كتلة بشرية كبيرة واقفة بالصف الطويل، وبقية كبار السن نائمون بالحديقة وأما الواقفون بالصف الطويل يتململون ويتلوّعون من الزخم على المصارف وكل مجموعة لها يوم مخصص في الشهر وعندما أتململ من الوقوف وأخرج من الصف للجلوس بالحديقة، ينتهي النهار وأنا بين نارين أما أن اصبر وأستلم الراتب الضئيل أو القدوم في يوم آخر.
مؤسسات الدولة حينها كانت تعمل بطاقتها القصوى لتقديم خدمات لكن الحقيقة كانت رواتب المتقاعدين شحيحة وضعيفة ولا تكفي للمتقاعد غير مصرف أسبوع واحد أن يعيش به فقط وكانت ميزانية النفط تذهب للحروب والبقية تُقسّم على أعوان صدام وأقربائه.
بداية قفزة الرواتب
في عام 2005 كتبت وكالة فرانس برس الفرنسية تقريراً تحدثت فيه عن قضية الرواتب، وتناولت على جانب الخصوص شريحة المعلمين العراقيين.
التقرير ذكره أنه وبسبب الأوضاع التي مرّ بها العراق اضطر عراقيون ذوو اختصاصات مختلفة إلى مزاولة أعمال اخرى إلى جانب مهنهم الاعتيادية، والمعلمون لم يكونوا استثناءً من هذه القاعدة.
حتى عهد قريب كان قاسم، مَثَله مَثَل كثير من نظرائه، يدرِّس مادة الجغرافية في الصباح ويتحول بعد ساعات الدوام إلى شخص آخر يزاول مهنة مغايرة تماما لعلَّها توفر له دخلا إضافيا يُسهم في تلبية حاجات اُسرته، ومهنة قاسم بعد ساعات الدوام في المدرسة كانت العمل إسكافيا في شوارع العزيزية بمحافظة واسط.
وكالة فرانس برس أفادت أن معلمي العراق الثلاثمئة ألف شهدوا تغيرات جذرية طرأت على أحوالهم منذ سقوط صدام حسين في عام 2003، فإن المعلم قاسم يستطيع الآن أن يُطعم أطفالَه الأربعة دون أن يضطر إلى تصليح الأحذية.
السبب الرئيسي في هذا التحسن الكبير بأحوال الأستاذ قاسم وعائلتِه أن رواتب المعلمين ارتفعت من عشرة آلاف دينار في المتوسط زائد الحصة التموينية إلى ما بين ثلاثمئة وأربعمئة ألف دينار في الشهر، وبلغة ارقام أخرى ارتفعت رواتب المعلمين من ثلاثة أو أربعة دولارات إلى ما بين مئتين ومئتين وسبعين دولارا في الشهر.
جواد مزهر، أستاذ اللغة الانكليزية، يقول إن حصيلة هذا التغيير تتمثل في أن المعلمين يستطيعون الآن أن يركزوا على مهنة التدريس.
ومن العزيزية قال الأستاذ مزهر إن العائلات العراقية كانت في السابق تشعر أن المدرسة ليست مُهمة لأن الضائقة الاقتصادية كانت تسدّ الأُفق بصرف النظر عن مؤهلات الفرد ومستواه التعليمي، أما الآن فإن عائلات كثيرة تفكر في أن يواصل أطفالُها تعليمهم لأن الوظيفة صارت لها أهمية أكبر بكثير.
رواتب اليوم
بلغ معدل صافي راتب الموظف الحكومي في العراق أكثر من 580 دولاراً خلال عام 2022 حسب مجلة CEOWORLD الامريكية.
المجلة ذكرت في تقرير أن "متوسط صافي الراتب الشهري للموظف في العراق بعد استقطاع الضريبة بلغ 583 دولارا وبذلك يحتل المرتبة العاشرة عربياً و 62 عالمياً مقارنة بـ 105 دول مُدرجة في الجدول".
أما موقع "salaryexplorer" والمختص بمتابعة ودراسة الرواتب وحدودها في دول العالم، فكتب في تقريره المستند على استبيانات خاصة، عن رواتب الموظفين في العراق في عام 2023، أن معدلها يبلغ 2.050.000 دينار، لافتاً إلى أن الحد الأدنى هو 518 ألف دينار والحد الأعلى يفوق الـ9 ملايين دينار.
ويصنف الموقع دراسته للرواتب في العراق على النحو الآتي:
متوسط الأجور، الحد الأدنى والأعلى
مدى الأجور والراتب المبدئي
الرواتب في العراق تتراوح بين 518,000 دينار في الشهر إلى 9,150,000 دينار في الشهر (هذا ليس الحد الأدنى المنصوص عليه بالقانون وإنما الرقم الأدنى حسب الاستبيان الذي شارك فيه الآلاف من المحترفين والموظفين).
متوسط الأجور
متوسط الرواتب هو 1,800,000 دينار في الشهر مما يعني أن نصف الموظفين يكسبون أقل من 1,800,000 دينار بينما يكسب النصف الآخر أكثر من 1,800,000 دينار. المتوسط هو الرقم الذي يقسم المجموعة إلى نصفين متساويين. قارن راتبك مع متوسط الرواتب لتعرف إذا كنت من المجموعة العليا والسفلى.
سلم الرواتب
لاحظ أيضا رقمين آخرين مهمين: النسبة المئوية 25% والنسبة المئوية 75%. نستنتج من الرسم البياني أن 25% من الموظفين يكسبون أقل من 1,300,000 دينار بينما يكسب 75% أكثر من 1,300,000 دينار. نستنتج أيضا من الرسم الإيضاحي بأن 75% من الموظفين يكسبون 2,730,000 دينار أو لأقل فيما يكسب 25% منهم مبلغ 2,730,000 دينار أو أكثر.
تصنيف وجدولة الأجور
لقد قمنا بتصنيف الأجور إلى أربع مجموعات والنسبة المئوية لكل فئة. هذه الطريقة أكثر دقة لمعرفة الرقم الحقيقي للأجور المدفوعة وأكثر شمولية من المعدل العام. تقريبا 65% من المرتبات في سوق العمل هي ما بين 1,200,000 دينار و3,080,000 دينار. 20% من الأجور أقل من 1,200,000 دينار. عشرة بالمئة من الأجور تقع ما بين 3,080,000 دينار و3,930,000 دينار. فقط 5% من الموظفين يحصلون على أكثر من 3,930,000 دينار.
متوسط الدخل حسب سنين الخبرة:
الخبرة العملية هي من أهم العوامل التي تحدد قيمة الراتب. من الطبيعي جدا أن يزداد الراتب مع مرور الوقت وتراكم الخبرة.
بشكل عام، يتقاضى الموظف ذو خبرة من سنتين الى خمس سنين 32% أعلى من شخص لا يمتلك خبرة أو تخرج حديثا من الجامعة.
يزداد الراتب بشكل عام بنسبة 36% عند تخطي عتبة الخمس سنين.
عندما يتخطى عدد سنين الخبرة عتبة العشر سنين، يزداد الدخل 21% تقريبا يتبعه زيادة بمقدار 14% لمن تخطوا الخمس عشرة سنة.
مقارنة الرواتب حسب الدرجة التعليمية:
من الطبيعي جدا أن يزداد الراتب كلما كان المستوى التعليمي أعلى و لكن السؤال المهم هو كم مقدار هذه الزيادة؟ قمنا بمقارنة الرواتب لموظفين من نفس مستوى الخبرة و لكن بدرجات تعليمية مختلفة في مختلف الوظائف وهذه هي الخلاصة:
الأشخاص الحاصلون على شهادة أو دبلوم مهنية يتحصلون على رواتب 17% أكثر من الذين أتمّوا دراستهم المدرسية فقط.
الموظفون الحاصلون على شهادة جامعية تفوق رواتبهم أصحاب الشهادة المهنية بنسبة 24%.
الاختصاصيون أصحاب شهادة الماسترز فاقت رواتبهم أصحاب الشهادة الجامعية بنسبة 29%.
و أخيرا، الأشخاص الذين أتمّوا درجة الدكتوراه يحصلون على 23% أكثر ممن حصلوا على شهادة الماسترز فقط.
نسبة زيادة المرتب السنوية في العراق:
مصطلح "الزيادة السنوية" يعطي انطباعا بأن الزيادة تحصل كل 12 شهر و لكن في الواقع فإنه نادرا ما تكون الزيادات على الراتب مجدولة سنويا، لذلك فإنه من الأدق معرفة ليس فقط مقدار الزيادة وإنما أيضا الوتيرة المتّبعة في الشركات بشكل عام.
كيف يتم حساب نسبة الزيادة السنوية خلال سنة واحدة (12 شهرا)؟
استخدم هذه المعادلة السهلة كي تحتسب مقدار الزيادة على الراتب في السنة الواحدة: الزيادة السنوية = نسبة الزيادة x 12 ÷ الوتيرة
نسبة زيادات الرواتب حسب القطاع 2022:
مُدرج أعلاه النسبة المئوية للزيادات على الرواتب حسب قطاع العمل في العراق لسنة 2022. هنالك ارتباط وثيق ما بين الوضع الاقتصادي العام و نسبة السيولة في الشركات. القطاعات المزدهرة تمنح موظفيها علاوات و زيادات بوتيرة أعلى من تلك التي تعاني من الركود.
متوسط الزيادة حسب الخبرة أو التراتبية:
الاختلاف في نسب الزيادات حسب المستوى الوظيفي مبرر نوعا ما و ذلك لأنه من الصعب تعويض الأشخاص ذوي الخبرة الطويلة مما يتحتم منحهم المحفزات الضرورية لإبقائهم.
الحوافز والعلاوات في العراق:
52% من الموظفين في العراق لم يتلقوا أي مكافئات هذه السنة في حين أن 48% أكدوا تلقيهم لحوافز وعلاوات مالية.
متوسط العلاوات والمكافئات والحوافز المالية تتراوح ما بين 3% و 6% من مجمل الراتب السنوي.
أنواع المكافئات والحوافز:
حوافز ومكافئات الأداء الفردي
وهي المكافئات الاعتيادية التي تُمنح للموظفين الذين تفانوا في أداء المهمات الموكلة لهم.
مكافئات الأداء الجماعي
وهي المكافئات التي توزع على المجموعة استجابة لازدهار أعمال الشركة أو للأداء الجماعي المتميز. هذا النوع من العلاوات يكون إجمالا أقل من مكافئات الأداء الفردي.
حوافز الأهداف والإنجازات
تُمنح للموظفين الذين حققوا أهدافا أو إنجازات معينة أو أتمّوا مشاريعهم بنجاح.
مكافئات وعلاوات آخر السنة
هذه المكافئات تُصرف من دون سبب وإجمالا تكون في آخر السنة أو في فترة الأعياد.
مقارنة المكافئات حسب نوع العمل:
نسبة تغير الرواتب في العراق في السنوات الأخيرة:
الرواتب في العراق في ارتفاع بسنة 2023 بناءً على آخر التقارير. كما يظهر الرسم البياني فإن الرواتب في سنة 2022 أعلى بنسبة 2% من رواتب سنة 2021. هنالك دلالة على ارتفاع طفيف ولكن مستمر في سنة 2024 والسنين القادمة. الأرقام قد تكون مختلفة حسب الاختصاص أو قطاع العمل.
سُلّم الرواتب الجديد
تناقش الحكومة، مقترحاً لسلّم رواتب جديد لموظفي الدولة والقطاع الحكومي.
وتدرس لجنة في مجلس الوزراء، الجدول الجديد للرواتب ويبدأ من الدرجة الأولى إلى الدرجة 11.
ووفق المقترح فإن هناك علاوة سنوية لكل درجة بالإضافة إلى مخصصات بنسبة 50% تحت مسمى تحسين معيشة، و30 % مخصصات خطورة.
كما يشير إلى إلغاء المخصصات كافة التي مُنحت بموجب قرارات مجلس الوزراء وكذلك المخصصات التي وردت في التشريعات النافذة كافة.
وكان رئيس اللجنة المالية النيابية، عطوان العطواني كشف، عن تفاصيل سلّم رواتب الموظفين الجديد الذي تعتزم الحكومة إقراره وتطبيقه.
وقال العطواني في بيان: "وفقا لسلّم الرواتب الجديد فإن الزيادة في رواتب الدرجات الدنيا ستكون بنسبة 150 %"، مشيراً إلى أن "الحد الأدنى للراتب الاسمي (الدرجة العاشرة) سيكون 425 ألف دينار".
وأكد، أنه "بموجب القانون الجديد ستُمنح 50 % مخصصات تحسين معيشة لجميع الموظفين".