العراق في ظلام دامس.. انطفاء شامل للمنظومة الكهربائية وسط قيظ الصيف

انفوبلس/ تقارير
في مشهد بات مألوفاً لكنه أكثر إيلاماً هذه المرة، دخل العراق، عصر اليوم الإثنين (11 آب 2025)، في دوامة انقطاع كهربائي شامل غطّى جميع المحافظات، تاركاً ملايين المواطنين في العراء الحراري الذي تجاوزت مؤشراته حاجز الخمسين مئوية في بعض المناطق. الانطفاء المفاجئ، الذي وقع عند الساعة الثالثة تماماً، أعاد إلى الواجهة ملف الطاقة المزمن في البلاد، في وقت تزامنت فيه المشكلة مع أجواء الزيارة الأربعينية في كربلاء المقدسة وما تشهده من زخم بشري هائل.
الحدث المفاجئ: انقطاع شامل يطال البلاد
قبل قليل، أعلن فرع توزيع كهرباء كركوك، بأن “المنظومة الكهربائية الوطنية تعرضت في تمام الساعة 15:00 لانطفاء عام شمل جميع أنحاء البلاد”، مؤكداً أن “إعادة المحطات ستتم تباعاً”.
وفي البصرة، أفاد مصدر مطلع بانطفاء كامل للتيار الكهربائي جراء عطل فني.
وأكد المصدر، أن “جميع محطات الكهرباء خرجت عن الخدمة نتيجة الأحمال العالية وارتفاع درجات الحرارة”.
التشخيص الأولي: خلل في خطوط النقل
رئيس لجنة الطاقة النيابية، النائب محمد نوري عبد ربه، علّق سريعاً على الحادثة عبر صفحته في “فيسبوك”، قائلاً إن “الإطفاء التام للمنظومة الكهربائية في العراق نجم عن خلل في خطوط النقل”.
هذا التصريح جاء ليلقي الضوء على الحلقة الأضعف في قطاع الكهرباء العراقي، إذ أن مشاكل خطوط النقل والتوزيع كثيراً ما كانت سبباً مباشراً في حالات الانطفاء الشامل السابقة، إلى جانب عوامل الإنتاج والأحمال.
بابل تتحرك: تشغيل المولدات الأهلية
من جهته، وجّه محافظ بابل عدنان فيحان، فرق المحافظة لمتابعة تشغيل المولدات الأهلية فور انقطاع الكهرباء، لضمان استمرار الخدمات خاصة للزائرين المتجهين إلى كربلاء.
وأكد فيحان في بيان ورد لشبكة انفوبلس، أن “التنسيق جارٍ مع وزارة الكهرباء ومركز السيطرة الوطني للإسراع في إعادة التيار ومعالجة الخلل”.
وشدد على ضرورة توفير المياه والثلج للمواكب الحسينية في ظل الظروف المناخية القاسية.
رواية وزارة الكهرباء: أحمال قياسية وانفصال خطوط رئيسية
وزارة الكهرباء قدّمت روايتها المعتادة عن أسباب الانطفاء، مشيرة إلى أن ارتفاع الأحمال في محافظتي بابل وكربلاء المقدسة، بالتزامن مع الزيارة المليونية، تسبب بانفصال خطي نقل الطاقة (مسيب – بابل 400 ك.ف)، وهو ما أدى إلى خسارة أكثر من 6000 ميغاواط من الطاقة بشكل مفاجئ.
وأوضحت الوزارة، أن هذا الانفصال أدى إلى تسارع معدلات تردد الوحدات التوليدية وخروجها عن الخدمة، ما تسبب بانطفاء كامل للمنظومة.
وأكدت أن ملاكاتها تعمل بشكل مستنفر لإعادة الخطوط والوحدات تدريجياً خلال الساعات القادمة، لكنها وبدعوة اثارت السخرية، حثت المواطنين إلى ترشيد الاستهلاك واستلهام “الروح التضامنية” من أجواء أربعينية الإمام الحسين عليه السلام.
خلفية الأزمة: ملف الطاقة المزمن في العراق
أزمة الكهرباء ليست جديدة على العراقيين؛ فمنذ التسعينيات وحتى اليوم، يعيش البلد على وقع انقطاعات متكررة خاصة في الصيف.
ورغم إنفاق عشرات
المليارات من الدولارات على مشاريع الإنتاج والنقل والصيانة منذ 2003، إلا أن الطلب على الطاقة يفوق دائماً ما هو متاح بسبب النمو السكاني والتوسع العمراني والتهالك المزمن للبنى التحتية.
الانقطاعات الشاملة، أو ما يعرف بـ”الإطفاء العام”، تكررت عدة مرات خلال السنوات الأخيرة، وغالباً ما ترتبط بخلل في خطوط النقل الرئيسة أو توقف محطات توليد بفعل الأحمال أو الظروف الجوية القاسية.
العوامل المناخية: حرارة فوق الخمسين
الانقطاع الأخير جاء في واحدة من أكثر الموجات الحرارية قسوة هذا الصيف، إذ تراوحت درجات الحرارة بين 47 و50 مئوية في وسط وجنوب العراق.
هذا الارتفاع القياسي، إلى جانب الزيادة الموسمية في استهلاك الطاقة، خاصة في أيام الزيارة الأربعينية، شكّل ضغطاً هائلاً على الشبكة الوطنية.
تجارب سابقة: دروس لم تُستفد بالكامل
شهد العراق حالات مشابهة في سنوات سابقة، أبرزها انطفاءات شاملة في أعوام 2010، 2013، 2018، و2022. وفي كل مرة، كانت الوعود بإيجاد حلول جذرية تتكرر، إلا أن معالجة الخلل الهيكلي في قطاع الكهرباء ظلّت متعثرة بفعل عوامل الفساد وسوء التخطيط وتأخر إنجاز المشاريع الاستراتيجية.
المشهد الميداني: استنفار في المحافظات
في بابل وكربلاء والنجف والبصرة، واصلت فرق الصيانة العمل لساعات متأخرة، في محاولة لإعادة التيار تدريجياً.
وفي كربلاء تحديداً، التي تشهد تدفق ملايين الزائرين، تم التركيز على تأمين الطاقة للمستشفيات ومراكز الخدمات الضرورية، إلى جانب مواكب الضيافة التي تقدم الغذاء والماء.
مطالب شعبية: إصلاح حقيقي لا حلول ترقيعية
مع كل أزمة كهرباء، تتصاعد المطالب الشعبية بإصلاح جذري للقطاع، بدلاً من الاكتفاء بالحلول المؤقتة التي تنهار عند أول ضغط.
مواطنون تحدّثوا لـ”إنفوبلس” عن معاناتهم، مشيرين إلى أن استمرار هذه الأزمات في بلد يمتلك واحداً من أكبر الاحتياطيات النفطية في العالم هو “أمر غير مقبول”.
خلاصة
الانطفاء الشامل الأخير يضيف حلقة جديدة في مسلسل أزمة الكهرباء بالعراق، التي يبدو أنها ستبقى حاضرة ما لم يتم الاستثمار الحقيقي في البنية التحتية وتطوير منظومة النقل والتوزيع، بالتوازي مع مشاريع الإنتاج. وحتى ذلك الحين، سيظل العراقيون يترقبون بين فترة وأخرى، لحظة انقطاع مفاجئ يعيدهم إلى الظلام وسط قيظ الصيف.