العراق نحو إجراء التعداد الزراعي.. إحصائية شاملة للقطاع شبه المنسي ومنفعة قد تعوض سنواته العجاف

انفوبلس/ تقارير
بعد أكثر من 4 عقود، يعتزم العراق إجراء تعداد زراعي على غرار التعداد السكاني، والذي من شأنه أن يعود بمنفعة هائلة على القطاع الذي شهد سنوات "لا يُحسد عليها". فما هي تلك المنفعة؟ وما موعد إجراء هذا التعداد؟ انفوبلس فصّلت أهميته واستعرضت الخلفية التاريخية له في سياق التقرير الآتي.
موعد الإجراء وسبب التأخير
الأربعاء الماضي، أكد المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، أن الوزارة بدأت التفكير الجدّي بإجراء التعداد الزراعي الشامل في العراق، بعد تنفيذ التعداد العام للسكان والمساكن في نهاية عام 2024.
والتعداد الزراعي هو عملية إحصائية تهدف لجمع بيانات شاملة عن القطاع الزراعي، مثل عدد الحيازات الزراعية، حجم الأراضي، أنواع المحاصيل، أعداد المواشي، المعدات، العمالة... الخ.
وقال الهنداوي في تصريح صحفي تابعته شبكة انفوبلس، إن "التعداد الزراعي لم يُجرَ منذ سنوات طويلة، بسبب ارتباطه بالتعداد العام للسكان، الذي تأخر بدوره، ما أدى إلى تأجيل التعداد الزراعي أيضًا".
وأضاف، إن "الوزارة ما زالت في المراحل الأولى من التفكير ومناقشة التفاصيل والآليات المتعلقة بهذا التعداد، ومن المؤمل أن يُجرى في نهاية العام المقبل 2026"، مشيرًا إلى أن "خطة العمل لم تُحدد بعد، وسيجري إعدادها لاحقًا وفقًا للظروف والإمكانات المتاحة".
وشدد الهنداوي على أن "التعداد الزراعي يُعد من المشاريع التنموية المهمة، لأنه سيقدّم صورة شاملة عن واقع القطاع الزراعي في العراق، بما في ذلك الأشجار المثمرة وغير المثمرة، والحيازات الزراعية، وتربية الحيوانات، والمحاصيل المختلفة".
وأوضح أن "هذا التعداد سيوفر بيانات دقيقة تساعد في دعم التنمية الاقتصادية وتحقيق الأمن الغذائي، عبر تعزيز قدرات الدولة في التخطيط الزراعي وتوفير السلة الغذائية للمواطنين".
ماذا سيشمل؟
في وقت سابق، كشفت وزارة التخطيط عن قرب إجراء تعداد زراعي يشمل الحيوانات والأشجار والمحاصيل.
وقال المتحدث باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي، إن التعداد الزراعي سيشمل كل تفاصيل القطاع الزراعي من حيوانات وأشجار ومحاصيل وغيرها.
وأضاف: إن التعداد الزراعي إلى الآن لم يتم تحديد موعده لكن عادةً يكون بعد إعلان النتائج النهائية للتعداد العام للسكان، ما يعني أنه سيتم الإعلان عنه قريباً.
الأهمية والخلفية التاريخية
يمرّ الواقع الزراعي في العراق طيلة السنوات السابقة بـ"مواقف لا يُحسد عليها" بظل مشكلات كبيرة أبرزها الجفاف والهجرة، وهو ما يُجبر السلطات في بغداد بإعادة التفكير بقطاع قد يكون الأهم، حتى على حساب النفط.
وبهذا الصدد، بينت وزارة التخطيط، أبرز ملامح التعداد الزراعي الذي سيجري العام المقبل.
وأكد الهنداوي، أن "العراق يستعد لتنفيذ تعداد زراعي شامل نهاية العام المقبل 2026، في خطوة مهمة تهدف إلى رسم صورة دقيقة وشاملة للواقع الزراعي في البلاد، وذلك استناداً إلى مخرجات التعداد السكاني العام الذي أُجري في نهاية عام 2024".
ويُعد هذا التعداد أول تعداد زراعي منذ أكثر من 4 عقود؛ ويأتي لرسم سياسات واضحة عن الأمن القومي العراقي، في وقت حذّر مختصون من إجراء تعداد في ظل استمرار السياسات الحالية.
وأشار الهنداوي الى أن "التعداد الزراعي المرتقب لا يقل أهمية عن التعداد السكاني، بل يُعد مكملاً له في رسم السياسات التنموية، خاصة في ظل الحاجة الماسّة لتوفير بيانات دقيقة تسهم في تعزيز الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي".
وبيّن أن "وزارة التخطيط، من خلال هيئة الإحصاء، تعمل حالياً على وضع الاستعدادات
اللازمة لتنفيذ هذا التعداد، والذي سيوفر قاعدة بيانات شاملة حول كل ما يتعلق بالقطاع الزراعي، من محاصيل حقلية واستراتيجية، إلى الأشجار والنخيل والثروة الحيوانية بمختلف أنواعها".
وأوضح أن "التعداد سيتناول أيضاً الحيازات الزراعية، والمساحات المزروعة، والأراضي غير المستصلحة، ما يُمكّن صانع القرار من بناء سياسات واقعية تستند إلى معطيات دقيقة، تُعالج التحديات وتُسهم في تطوير القطاع الزراعي كرافد رئيس للناتج المحلي الإجمالي".
وختم الهنداوي تصريحه بالقول إن "التعداد الزراعي المقبل سيكون أحد المرتكزات الأساسية لرسم خريطة التنمية الزراعية في العراق، ويُعد خطوة حاسمة نحو تحقيق الأمن الغذائي وتوفير السلة الغذائية للمواطن العراقي"
استعانت انفوبلس بالذكاء الاصطناعي (المدفوع) للوصول إلى تاريخ التعدادات الزراعية في العراق، ووصلت بالفعل إليه وكما يأتي:
*التعداد الزراعي الأول – سنة 1958: كان هذا التعداد ضخماً جدًا وجاء بعد ثورة 14 تموز، وكان الهدف منه فهم توزيع الأراضي وتحسين الإنتاج الزراعي.
*التعداد الزراعي الثاني – سنة 1971: جرى في فترة كانت الزراعة فيها جزء أساسي من خطة التنمية القومية.
*التعداد الزراعي الثالث – سنة 1982: رغم الظروف السياسية آنذاك (حرب إيران-العراق)، لكن العراق أكمل التعداد لضمان استمرارية التخطيط الزراعي.
*محاولات لاحقة: بعد 1982 أصبحت هناك صعوبات بسبب الحروب والحصار الاقتصادي، لكن بعض المسوحات الزراعية المحدودة تمت خلال التسعينيات.
التعداد الزراعي الأخير – سنة 2001 (بصورة غير مكتملة): تم تنفيذ مسح زراعي جزئي في بعض المحافظات فقط بسبب الأوضاع السياسية والأمنية.
خطط لتعداد جديد: كانت هناك محاولات بعد 2003 لإجراء تعداد زراعي وطني جديد، لكن التحديات الإدارية والسياسية والأمنية كانت عائقا كبيرا.
وتكمن أهمية التعداد الزراعي أيضا في مساعدة الدولة بوضع استراتيجية غذائية وطنية، والتعريف بالموارد الطبيعية والتوزيع الزراعي، وتعزيز دعم المزارعين وتنظيم الإعانات، والمساهمة في التنمية الريفية وتقليل الفقر.
تحذيرات من تحوّل الخطوة إلى "استهلاك إعلامي"
إلى ذلك، حذّر الخبير في الشأن الزراعي، تحسين الموسوي، من أن الواقع الزراعي في العراق بات يمر بـ"مرحلة خطرة"، فيما أشار إلى "أن الخطط المعتمدة تعود لأكثر من سبعة عقود".
وقال الموسوي في حديث له تابعته شبكة انفوبلس، إن "جميع المنشآت الإروائية الزراعية والتجارية، بما في ذلك الصوامع والسدود ومشاريع استصلاح الأراضي، ما تزال قائمة على أسس خطة مجلس الإعمار التي وضعت قبل أكثر من 70 عاماً"، مشيراً إلى أن "تلك الخطة كانت خمسينية المدى، وكان من المفترض أن يُجرى تعداد زراعي جديد قبل 20 عاماً على الأقل".
وأوضح أن "الزيادة السكانية الكبيرة، واتساع الرقعة السكانية المستغلة، والانفجار السكاني، كلها عوامل تحتم إعادة النظر في البنية الزراعية والتخطيط المرافق لها"، مؤكداً أن "الأمر لا يقتصر على تعداد زراعي فقط، بل يتعلق ببنية التخطيط نفسها، التي وصفها بأنها أحد أهم عناصر التدهور في القطاع الزراعي".
وتابع الموسوي: لا يمكن الاستمرار بنفس الآليات والدراسات القديمة والملفات المركونة على الرفوف، فهذا لن ينتج سوى مزيد من الأزمات، وتكرار للفشل الإداري الذي قاد إلى هذا الواقع المتردي، مضيفاً أن "الإدارات المتعاقبة مسؤولة عن هذا التدهور"، داعياً إلى "ضرورة إشراك خبرات دولية للمساهمة في تطوير القطاع الزراعي".
الموسوي حذر من أن الأمن الغذائي العراقي بات مهدداً، قائلاً: "نحن لا نتحدث فقط عن الزراعة، بل عن صحة الإنسان وارتفاع مستوى التلوث البيئي"، لافتاً أن "الحرب القادمة هي حرب المياه، وليست حرباً عسكرية بل اقتصادية، حيث بدأت دول المنبع المائي تتعامل مع المياه كسلعة تجارية، أغلى من النفط في الوقت الراهن".
وأشار الخبير بالشأن الزراعي إلى أن "إجراء تعداد زراعي في ظل استمرار السياسات الحالية لن يكون سوى للاستهلاك الإعلامي، ما لم يرافقه تغيير جذري في آليات التخطيط والإدارة، ووضع برامج حقيقية يقودها مختصون، بدعم من المجتمع الدولي".