العراق يتورط بصفقة "الخردة الطائرة".. طائرات A220 تتفكك في مصر وتتساقط محركاتها في بغداد

انفوبلس/ تقارير
في عالم الطيران، حيث تكون السلامة أولوية لا تقبل المساومة، قرر العراق أن يحلّق ضد التيار، ويشتري ما تخلّت عنه دول أخرى باعتباره خطرًا لا يُحتمل، وبينما كانت مصر تجرّ خلفها خيبة صفقة طائرات A220 وتفككها في أحواض الخردة، كانت بغداد في التوقيت نفسه تبرم عقداً بملايين الدولارات لشراء الطراز نفسه، ضاربةً عرض الحائط بكل التحذيرات الفنية والتجارب الفاشلة، والنتيجة؟ طائرات حديثة متوقفة، أعطال متكررة، محركات تتحطم في السماء، ومليارات مهدورة، ليعود السؤال المؤلم: مَن يُصرّ على شراء الفشل.. ولماذا؟
تفكيك الطائرات في القاهرة.. وصفقة بغداد مستمرة!
في خطوة تؤكد فشل استثمار شركة "مصر للطيران" في طائرات "إيرباص A220"، بدأت القاهرة مؤخراً تفكيك ثاني طائرة من هذا الطراز ضمن أسطولها الجوي، فالطائرة المعنية (SU-GFC) التي استلمتها مصر في أواخر 2019، خرجت من الخدمة بعد أقل من عامين فقط، في أكتوبر 2021، ولم تنفذ بعدها أي رحلة تجارية.
وقد انتقلت الطائرة إلى بريطانيا حيث بدأ مالكها الجديد، شركة "أزورا"، عملية تفكيكها لبيع أجزائها وتأجير محركاتها، في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من صفقة خاسرة كلّفت مصر أكثر من مليار دولار، في حين لم تسترد الدولة سوى 300 مليون عند بيع الطائرات، أي أقل من ثلث قيمة الصفقة.
العراق يشتري الخسارة.. بحماس رسمي!
ما يثير الاستغراب أن الحكومة العراقية أقدمت في سبتمبر 2021 على توقيع عقد مع شركة إيرباص لشراء خمس طائرات من طراز A220-300، في وقت بدأت فيه العديد من شركات الطيران الأخرى بالتخلص منها.
وقد تسلمت الخطوط الجوية العراقية أولى هذه الطائرات مطلع عام 2022 وسط احتفاء حكومي رسمي بوصفها "نقلة نوعية"، لتكون واحدة من أولى شركات الشرق الأوسط التي تستخدم هذا الطراز.
وتتميز هذه الطائرات بسعة 132 راكباً، وتعمل بمحركات توربوفان من طراز PW1500G، لكنها نفسها التي تسببت لاحقاً بكوارث فنية أجبرت العديد من شركات الطيران، منها "سويس إير" و"مصر للطيران"، على إيقاف تشغيلها.
لكن في العراق، وعلى الرغم من التحذيرات المتكررة من الفنيين، أصرّت السلطات المعنية على الاستمرار في استلام الطائرات وتشغيلها، لتتعرض لاحقاً لسلسلة أعطال فادحة، كان أبرزها تعطل محركين اثنين من طائرة واحدة خلال رحلة إلى تونس، ما استدعى إعلان سلطة الطيران المدني في مايو 2023 عن إيقاف تشغيل جميع طائرات A220 العراقية "حتى إشعار آخر".
سلسلة أعطال وقرارات متأخرة
في أبريل 2023، أعلنت سلطة الطيران المدني عن تعرض طائرة A220 عراقية مسجلة تحت الرقم YI-ARI لأضرار في غطاء المحرك وكسور في زعانف المروحة أثناء الهبوط في مطار بغداد.
وبعد يومين فقط، تعرضت طائرة ثانية من نفس الطراز لعطل مشابه أثناء رحلة إلى تونس، ما أطلق حالة طوارئ في الشركة.
وفي الثالث من مايو 2023، صدر القرار الرسمي بإيقاف تشغيل الطائرات الخمس من طراز A220-300 العاملة ضمن الأسطول العراقي، بعد أن أظهرت التحقيقات أن الأعطال قد تؤدي إلى حوادث خطيرة.
المفارقة أن هذه المشاكل لم تكن مفاجئة، فقد سبق وأن حذّر القسم الفني في الخطوط الجوية العراقية، في يونيو 2022، من أعطال متكررة في هذا الطراز، إلا أن الإدارة لم تتخذ أي إجراء وقائي، بل واصلت استلام الطائرات وتشغيلها رغم الأدلة المتزايدة على خطورتها.
فشل متكرر.. وتجارب دولية محذّرة
قصة A220 ليست جديدة، ففي عام 2019 اضطرت طائرة تابعة للخطوط السويسرية إلى تحويل مسارها إلى باريس بعد عطل مفاجئ في المحرك أثناء رحلة من سويسرا إلى جنيف، ما دفع شركة "سويس إير" لاحقاً إلى التواصل مع شركة إيرباص لإيجاد حلول عاجلة.
سؤال عن المسؤولية: من يتحمّل كلفة الخطأ؟
صفقة A220 تفتح الباب أمام تساؤلات عميقة تتعلق بكفاءة قرارات الشراء، وشفافية العقود، والمسؤولية عن تعريض أرواح المسافرين للخطر، فضلاً عن الهدر المالي الذي تسببت به هذه الطائرات، التي توقفت جميعها عن الخدمة بعد عامين فقط من تسلمها.
المتحدث باسم الشركة العامة للخطوط الجوية العراقية، حسين جليل، قال في تصريح سابق تابعته شبكة انفوبلس، إن العراق يمتلك حالياً 31 طائرة متنوعة الأحجام، و"سيتم إضافة طائرات جديدة تم التعاقد عليها"، دون أن يشير إلى مصير الطائرات المتوقفة أو حجم الخسائر المترتبة عليها.
كما أن الخطوط الجوية العراقية سبق وأن تعاقدت في عام 2008 مع شركة بوينغ الأميركية على شراء 30 طائرة، تسلمت منها 14 فقط، فيما تأخر تسليم البقية، واليوم، تعيد الشركة الكرّة بالتعاقد على شراء 45 طائرة إضافية، منها 5 طائرات A220، رغم سجلها السيئ.
من انهيار التسعينيات إلى "التورط الحديث"
الأسطول العراقي كان من الأفضل في المنطقة حتى بداية تسعينيات القرن الماضي، حين انهار بالكامل بسبب الحصار الدولي المفروض على العراق بعد غزو الكويت، الطائرات بقيت في المطارات وتآكلت، ثم بيعت كخردة في الأسواق.
وبعد 2003، أعادت الحكومات المتعاقبة الاستثمار في الطيران، لكن كثيراً من تلك الصفقات اتسمت بالفوضى وسوء التخطيط والفساد، وهو ما يظهر جليًا في قضية طائرات A220 .