العراق يعالج نحو 3 آلاف من أصل 5 آلاف مُدمن.. هل نجحت المصحات القسرية؟
انفوبلس/ تقارير
نحو 3 آلاف من أصل أكثر من 5 آلاف شفَوا عبر مراحل علاجية متعددة، هذا ما أعلنته وزارة الداخلية يوم أمس بشأن علاج المدمنين في مراكز التأهيل والمصحات القسرية، فكيف تمت عملية الشفاء؟ وما هي المراحل؟ وهل الخطوات المتبعة تطابق الاجراءات العالمية؟
وظيفة مراكز التأهيل
قبل كل شيء، وقبل الغوص في تفاصيل المصحات القسرية ومراكز التأهيل والبيان الأخير لوزارة الداخلية، لابد من فهم وظيفة تلك المراكز والمصحات أولا، إذ تهتم هذه بتقديم الرعاية والعلاج للأفراد الذين يعانون من إدمان المواد الطبية أو المخدرات، حيث تركز على إعادة تأهيل الأفراد وتوفير الدعم النفسي والطبي للتغلب على الإدمان، وفق المختصة النفسية، إيناس هادي سعدون.
وتوضح سعدون، أن "مراكز تأهيل المدمنين تعمل بغرض علاجي وليس لها طابع قانوني، وتسعى لمساعدة الأفراد في تحقيق الشفاء والتعافي، عبر تقديم برامج علاجية متخصصة ودعم نفسي لمساعدة الأفراد للتغلب على الإدمان، يشمل ذلك أنشطة تأهيلية وجلسات استشارية يتم فيها مراقبة التقدم الصحي للأفراد وتقييم فعالية البرامج العلاجية".
لكن لا يزال مستوى إقبال المدمنين على مراكز التأهيل العلاجية ضعيف، لأنه عادةً ما يتأثر بعدة عوامل، وفق سعدون، منها مستوى الوعي بأهمية البحث عن علاج لمشاكل الإدمان وفهم فعالية مراكز التأهيل، وإمكانية الوصول إلى مراكز التأهيل وتوفر الخدمات في المناطق المختلفة.
وتدعو المختصة النفسية إلى ضرورة القضاء على التحفظ الاجتماعي والتمييز ضد الأفراد الذين يلجؤون إلى العلاج، مؤكدة أن "وجود دعم من الأسرة يلعب دوراً هاماً في تشجيع الأفراد على البحث عن العلاج، كما أن تحسين جودة الخدمات وتوفير برامج علاجية متكاملة يمكن أن يؤثر إيجاباً على الإقبال".
علاج ما يقارب الـ3 آلاف مدمن
يوم أمس، أعلنت وزارة الداخلية، نجاحها في علاج ما يقرب من ثلاثة آلاف مدمن، بعد اعتمادها برنامجاً علاجياً خاصاً بها، مؤكدة استقبال المصحات القسرية خلال العام الماضي 2024، أكثر من خمسة آلاف مدمن.
وقال مدير قسم مراكز تأهيل المدمنين ومتعاطي المخدرات بالوزارة رياض أحمد محمد في تصريح للصحيفة الرسمية وتابعته “انفوبلس”، إن عدد المصحات القسرية لعلاج متعاطي ومدمني المخدرات التي تم افتتاحها استناداً للأمر الديواني لوزارته خلال العام 2023، والذي نصَّ على إنشاء مصحات قسرية لعلاج مدني ومتعاطي المخدرات، بلغ 15 في بغداد والمحافظات باستثناء نينوى والتي ستنشأ فيها واحدة قريبا.
5 آلاف و129 مدمنا في المصحات
وكشف مدير قسم مراكز تأهيل المدمنين ومتعاطي المخدرات، عن بلوغ عدد من استقبلتهم المصحات خلال 2024، نحو خمسة آلاف و129 مدمناً، فيما بلغ عدد من اكتسبوا الشفاء التام وخرجوا منها نحو 2957 مدمناً، مبيناً أن القسم اعتمد على برنامج علاجي خاص به تحت اسم (4+1)، والذي عدَّه تحدياً كبيراً، لاسيما أن هناك العديد من البرامج العالمية المعتمدة في المصحات العالمية.
كيف شفَوا؟ وما هي مراحل العلاج؟
واصل محمد سرد التفاصيل وأكد، أن هناك أربع مراحل للعلاج تعتمد داخل المصحات فيما تكون المرحلة الخامسة والأخيرة، بعد خروج المدمن واكتسابه الشفاء وتشمل برامج الدعم والمتابعة التي يتلقاها، منوهاً بأن مراحل العلاج الأربع، تتضمن تأهيلاً سلوكياً ونفسياً وبرامج دينية وإرشادية وتوعوية، مع برنامج علاجي بشكل كتاب مترجم إلى أربع لغات، ملحق به برنامج يومي يبدأ السابعة صباحاً وينتهي في العاشرة مساءً، تتخلله محاضرات تنمية بشرية وإرشاد ديني وجلسة علاج نفسية فردية أو جماعية وقراءة للكتب .
وبيّن، بأنه وبحسب قانون الوزارة رقم 50 لسنة 2017، فإن الأشخاص الذين يتعالجون في المصحات القسرية، ينقلون إليها بعد إلقاء القبض عليهم، لافتاً إلى حاجة عملية التحقيق والنقل، إلى وقت وهذا الوقت كافٍ لتخلص المدان من السموم التي يتعاطاها، ضارباً المثل بمادة (الكرستال) المخدرة والتي يحتاج جسم المدمن إلى سبعة أيام لتخليصه من آثارها.
ووفقاً لإحصائيات المديرية العامة لشؤون المخدرات والمؤثرات العقلية التابعة للوزارة، فقد شهد النصف الأول من 2024، اعتقال أكثر من ستة آلاف متورط بجرائم ترتبط بالمخدرات بين تجار ومتعاطين.
أهم مرحلة في علاج المدمنين
وأوضح مدير قسم مراكز تأهيل المدمنين ومتعاطي المخدرات أن أهم مرحلة في علاج المدمنين، تتضمن مرحلة سحب المادة من الجسم وبالتالي فإن المصحات القسرية تتجاوز هذه المرحلة، كون المتعاطي تجاوزها خلال مدة توقيفه، مؤكداً أن النزيل داخل المصحات، لاتقدم له أية عقاقير طبية، وإنما يتم الاعتماد على تأهيله نفسياً، والذي عدَّه أهم مراحل العلاج.
إلى ذلك خصصت دائرة صحة النجف، موقعاً في حي النداء شمال مركز المحافظة، لإنشاء مركز تأهيل صحي ونفسي لعلاج مدمني المخدرات، بحسب ما أفاد به مديره الدكتور هاتف المحنة.
وفي وقت سابق، أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أن الحكومة ستتعامل مع قضايا المخدرات على أنها تهديد إرهابي، معلناً إعداد ستراتيجية وطنية مكثَّفة لمكافحة المخدرات للسنوات (2023-2025) ضمن خطة موسعة نحو عراق خالٍ من المخدرات.
طرق العلاج من منظور الأدلة الجنائية بعد فهم طرق العلاج ومراحله من منظور قسم مراكز تأهيل المدمنين، لابد من فهمه من منظور الأدلة الجنائية، إذ تبدأ مرحلة العلاج من الإدمان بوجود شخص يساعد المتعاطي ويرافقه طيلة مرحلة علاجه، ويذكره دائماً بأهميته لعائلته وأصدقائه، ويعامله على أنه مريض نفسياً وضحية، وليس مجرماً يجب معاقبته، بحسب ما قالته الخبيرة في علوم الأدلة الجنائية، زينب البيروتي.
وتوضح البيروتي، أن "كل مادة مخدرة لها طريقة علاج تختلف عن الأخرى، وتتراوح فترة سحب المواد المخدرة من الجسم من أسبوعين إلى 45 يوماً، إلا أنها لا تخرج من عقل المُتعافي، وهنا يكمن الخطر".
ويعني ذلك، أن المُدمن عند تعرضه لمشكلة أو العودة إلى رفقاء السوء، فأنه سيعود إلى الإدمان بسهولة وأشدّ من المرة الأولى، لذلك أهم خطوة في العلاج هي إخراج المخدرات من عقل المُدمن وليس من جسمه فقط، وفق البيروتي.
وتبدأ مرحلة العلاج بسحب السموم "ديتوكس" من خلال شرب المياه والسوائل بكثرة، لأن الشخص المدمن تكون صحة كليته وكبده العضوان المسؤولان عن طرح السموم متعبين، ويكون ذلك بالتزامن مع تقليل المادة المخدرة للمدمن.
وتضيف البيروتي "بعدها تبدأ مرحلة العلاج المعرفي السلوكي، ثم العلاج السلوكي الجدلي، وذلك من خلال النقاش مع مدمنين آخرين، وهذا ما يجري في مراكز علاج الإدمان، حيث هناك مستشفيات العطاء وابن الرشد وابن القف لعلاج الإدمان في بغداد".
وتتابع "ثم ينتقل المدمن إلى العلاج السلوكي الانفعالي العقلاني، المتمثل بردود فعل المدمن للعلاج، وتعقد مقابلات دورية بين المدمن والطبيب تسمى بـ(التحفيزية)، التي لها دور رئيسي في العلاج، وكذلك إعطائه مواد طبية قريبة من المادة المدمن عليها".
وتشير إلى أن "هناك علاج النارنون، وهذا يتمثل بتحريك مشاعر الشخص تجاه عائلته ومحبيه، وهناك علاج التحفيز بالإبر الصينية لتحفيز الجهاز العصبي المركزي".
ويعاني مدمن المخدرات من ضعف الجسم والمناعة والأعصاب، وبالتالي يكون معرضاً للأمراض، لذلك ينبغي إعطائه فيتامينات (دي، ودي 3، وبي 12)، وإبر النيوروبيون المقوّية للأعصاب، بالاضافة إلى عشبة الدارسين التي تعد أفضل عشب مقوي للأعصاب، ليعود الجهاز العصبي المركزي للمُدمن للعمل مرة ثانية، بحسب البيروتي.
وعن مراحل الفترات العلاجية، تبين أنها تتضمن "فترة التغيير، وفترة الحرمان، والفترة الانسحابية من المواد المخدرة، وفترة الحماس التي تستغرق من شهر إلى 3 أشهر، وفترة الملل من 3 إلى 6 أشهر، وآخر فترة هي فترة بدء الحياة الجديدة، من 6 إلى 9 أشهر، أو إلى 12 شهراً".
هل الخطوات المتبعة تطابق الاجراءات العالمية؟
يتبع العراق إجراءات لعلاج المدمنين تتماشى مع بعض الإجراءات العالمية، ولكن هناك تحديات واختلافات في التطبيق بحسب مختصين.
وبهذا الصدد، يقول مختصون: إن "برامج علاج الإدمان تختلف من بلد لآخر ومن مركز لعلاج آخر حتى في الدول المتقدمة، حيث هناك العديد من العوامل التي تؤثر على هذه البرامج مثل الثقافة، والموارد المتاحة، والتشريعات، والنظريات العلاجية المتبعة".
ويضيفون، أن "مجال علاج الإدمان يشهد تطورات مستمرة، وهناك دائماً أبحاث جديدة وطرق علاجية مبتكرة تظهر، لذلك قد يكون من الصعب مقارنة نظام كامل لعلاج الإدمان في بلد ما بنظام آخر في وقت محدد".
وأكدوا، أن "العراق يمر بظروف متقلبة والتي تؤثر بشكل كبير على نظام الرعاية الصحية بشكل عام وعلى برامج علاج الإدمان بشكل خاص، ولهذا فقد تكون هناك تحديات في توفير الموارد الكافية، وتدريب الكوادر المؤهلة، وتوفير الأدوية اللازمة.
وعن التحديات التي تواجه العراق في معالجة المدمنين، يوجزها المختصون بالآتي: ـ
ـ نقص التمويل: نقص التمويل يؤثر على جودة الخدمات.
ـ نقص الكوادر الطبية: نقص الكوادر الطبية المتخصصة في علاج الإدمان.
ـ الثقافة المجتمعية: الثقافة المجتمعية قد لا تتقبل المدمنين.
ـ نقص الوعي: نقص الوعي حول أهمية العلاج.
ـ التحديات الأمنية: التحديات الأمنية تؤثر على توفير الخدمات.
ويقترح المختصون، أنه لتحسين الخدمات العلاجية في العراق، يُحتاج إلى:
ـ زيادة التمويل.
ـ تدريب الكوادر الطبية.
ـ تعزيز الوعي المجتمعي.
ـ تحسين البنية التحتية.
ـ تعزيز التعاون الدولي.