العمل تلقي بكرة التسول في ملعب الأجهزة الأمنية والحديث عن المتسولين الأجانب يتسع
انفوبلس/ تقرير
حين تسير في شوارع العاصمة بغداد، ترى أطفالا وفتية من الجنسين وآخرين متقدمين في العمر يمتهنون التسول طلباً للفتات من الناس، أما إذا كنت في مطعم أو مقهى أو حتى في منزلك فسيأتيك المتسولون ليل نهار.
التسول ليست ظاهرة خاصة بالعراق، بل هي في دول مختلفة، لكنها في بغداد أخذت منحى آخر، حتى دخلت شخصيات متسلطة ومافيات تتربح من إدارة شبكات للمتسولين، فضلا عن وجود آلاف من اللاجئين السوريين وآخرين من الأجانب امتهنوا التسول.
كثيرة هي الأسباب التي ساهمت في زيادة ظاهرة التسول بالعاصمة بغداد، منها الأزمات السياسية والاقتصادية التي ألقت بظلالها على المواطنين حتى بلغت نسب الفقر في البلاد أكثر 15% من العراقيين البالغ تعدادهم أكثر من 40 مليون نسمة، بحسب آخر الإحصائيات الرسمية.
إضافة إلى أسباب أخرى تشمل كل أشكال الفقر الفرعية، كالبطالة أو درجة الحرمان أو التشرد وغيرها.
*العراق يحاول احتواء المتسوّلين باستراتيجية جديدة
وبدأت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في العراق تطبيق إجراءات جديدة تهدف إلى الحدّ من التسوّل في البلاد، وذلك عبر مخصّصات مالية شهرية تشمل المتسوّلين، في إطار شبكة الرعاية الاجتماعية، علماً أنّ تلك المخصّصات تُمنَح للعاطلين من العمل وفئات مختلفة من أمثال الأرامل والمطلقات غير العاملات.
وتقوم خطة الوزارة، بحسب ما أوضح المتحدّث باسم وزارة العمل نجم العقابي، على إعداد قاعدة بيانات بالمتسوّلين بالتنسيق مع وزارة الداخلية العراقية، ثمّ مراجعة حالاتهم الاجتماعية وإدراجهم على قوائم المستفيدين من شبكة الرعاية الاجتماعية.
ويقول العقابي، في تصريحات أوردتها وكالة الانباء العراقية الرسمية أخيراً، إنّ "من أبرز شروط شمولهم برواتب شهرية، تقديم تعهّد بعدم ممارسة التسوّل مرّة أخرى".
وكانت السلطات الأمنية، قد أطلقت حملة واسعة لمكافحة التسوّل في بغداد وعدد من المدن العراقية، في وقت سابق، استناداً إلى قرار لمجلس القضاء الأعلى أتى على خلفية الإعلان أنّ التسوّل صار "خطراً على أمن المجتمع".
وقد بيّنت وزارة الداخلية، أنّ "ظاهرة التسوّل في العراق باتت تؤدّي إلى زيادة في الجريمة المنظّمة وتجارة المخدرات وجرائم القتل والاغتصاب والخطف، خصوصاً أنّ كثيرين من المتسوّلين تورّطوا بتعاطي المخدرات وتحديداً مادة الكريستال".
من جهته، بيَّن الضابط في الشرطة المحلية بالعاصمة بغداد بارق الجنابي، أن "عصابات التسول تستقطب القاصرين، وتقوم بتوجيههم إلى الشوارع، إضافة إلى أن هناك عائلات فقيرة تقوم بتأجير أبنائها لهذه العصابات من أجل الحصول على الأموال بطريقة شهرية، مثل الرواتب"، مبيناً أن "هناك تزايدا مستمرا في أعداد المتسولين، وخلال الأيام الماضية، شنت قواتنا حملة كبيرة لإنهاء هذه الظاهرة".
ولا تملك السلطات الأمنية العراقية أي إحصاءات رسمية عن عدد المتسوّلين في البلاد.
في سياق متصل، تؤكد وزارة العمل، أنّ "الاستراتيجية الجديدة التي أعلنت عنها الوزارة تهدف إلى رعاية المتسوّلين من القُصّر وكبار السنّ والشباب، بهدف منعهم عن الاستمرار بالتسوّل، بالإضافة إلى محاولة إبعادهم عن عصابات التسوّل المتورّطة في الاتجار بالبشر والمتاجرة بالمخدرات وتعاطيها".
وتضيف، أنّ "ثمّة متسوّلين اضطروا بالفعل إلى اللجوء إلى التسوّل بسبب الحاجة، ونحن بصدد مساعدتهم".
وزارة العمل: لسنا معنيين بالمتسولين ولا نمتلك قاعدة بيانات عنهم
وبالعودة الى نجم العقابي، المتحدث باسم وزارة العمل، فصرّح أن "العديد من كبار السنّ من المتسولين هم مشمولون برواتب الرعاية الاجتماعية من الأساس كما تم أخذ تعهدات منهم سابقا بعدم الرجوع الى التسول"، كاشفا أن "وزارة العمل لا تمتلك قاعدة بيانات عن المتسولين وهي غير معنية بهم، لكن كل شخص منهم مشمول براتب الرعاية الاجتماعية وتنطبق عليه الشروط فيتم تسجيله لدينا".
وكانت وزارة الداخلية قد أفادت، في وقت سابق، بأنّ "التسوّل بدأ يتّسع وبات مشكلة تؤرّق المواطنين في الأماكن العامة والسياحية". وأوضحت، أنّ "حلول هذه الظاهرة لا تتعلّق بجهة واحدة، بل بجهات عدّة، منها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، من خلال شمول أكبر عدد من الذين يعيشون تحت خط الفقر بالحماية الاجتماعية، وتوفير بنى تحتية لإيواء المشرّدين". وأشارت إلى الحاجة إلى "تكاتف مجتمعي، فثمّة مافيات تستغلّ عدداً كبيراً من الأشخاص للاتجار بهم واستخدامهم في التسوّل".
*الحديث عن المتسولين الأجانب يتسع
فيما يقول المتحدث باسم الوزارة، العميد مقداد الموسوي مؤخراً، إن "وزارة الداخلية تتابع بحرص شديد موضوع المتسولين الأجانب المتواجدين في تقاطعات العاصمة بغداد، حيث تم إلقاء القبض على أكثر من 100 متسول وتمت إعادتهم الى بلدانهم".
*ما الحلول المطلوبة؟
يقول الخبير القانوني محمد السامرائي، إن التسول يعتبر ظاهرة اجتماعية سلبية من جهة، كما أنه يُعد جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات العراقي، رقم 111 لعام 1969، حيث تضمنت المادة 390 منه اعتبار التسول جريمة جنحة يعاقب عليها بالحبس لمدة لا تزيد على سنة، هذا بالنسبة للبالغين، أما الأحداث الذين يمارسون التسول فيتم إيداعهم في دور الإيواء والتشغيل، وهي بطبيعة الحال دون المستوى المطلوب.
ويضيف، إنه يقع على عاتق الدولة كحكومة وبرلمان، اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من هذه الظاهرة الإجرامية التي زادت وتيرتها، في ظل التساهل الحكومي في التعامل معها جزائيا، وعجز شبه تام من حيث عدم اتخاذ الإجراءات الإدارية والاجتماعية والاقتصادية، لمنع الجنوح لها أو المتاجرة بها من قبل عصابات منظمة.
ويتابع، "وهكذا فشمول المتسولين بأحكام وامتيازات الرعاية الاجتماعية، قد يحل جزءاً بسيطاً من هذه المشكلة المتجذرة اجتماعيا وليس بمجملها، كون المتسولين أو مَن يستثمر فيهم هم من المافيات، يجنون مبالغ طائلة تفوق ما ستمنحه الرعاية الاجتماعية لهم بأضعاف".
ويشير الخبير الى أن الحل الأمثل يبقى هو تشديد العقوبات على ممارسي التسول وخصوصا التسول المنظّم الذي تمارسه العصابات والمافيات، ومن جهة أخرى يجب تهيئة دور إصلاح وتأهيل وتشغيل وفقا للمواصفات الدولية والمعايير الإنسانية وكذلك زيادة التوعية بخطورة جريمة التسول مجتمعيا، وفتح آفاق لدعم المشاريع الصغيرة لتشغيل المشرّدين البالغين، ومناقشة سبل معالجة هذه الظاهرة مع المختصين في إطار البحث الاجتماعي والمعنيين بشؤون المجتمع ومنظمات المجتمع المدني، لإيجاد الحلول الناجعة للحد من تمادي ظاهرة التسول.
*اتجار بالبشر
ويرى القانوني المختص في قضايا مكافحة الاتجار بالبشر عباس علي بنيان، وجود علاقة مباشرة بين ظاهرة التسول وظاهرة الاتجار بالبشر، إذ يتم استغلال المتسولين بشكل سلبي من قبل الأب أو الأم أو جهات تستفيد من التسول.
ويقول بنيان، إن الشبكات والعصابات التي تقف خلف المتسولين تبتز المتسول وتهدده، سواء كان طفلا أو شيخا أو امرأة أو شابا، وهذا يندرج ضمن قانون مكافحة الاتجار بالبشر، مبينا أن "خروج المتسول -ضمن أي فئة عمرية- من أجل المعيشة، لا يندرج ضمن القانون".
وبخصوص العقوبات، يشير بنيان إلى أن قانون العقوبات العراقي النافذ سلّط الضوء على ظاهرة التسول من خلال المادة 390 التي نصت على المعاقبة بحبس لا يزيد على 3 أشهر ولا يقل عن شهر بحق المتسول الذي بلغ عمر 18 سنة، وإذا لم يبلغ السن القانونية فيطبَّق عليه قانون الأحداث.
ويضيف القانوني العراقي، أن المادة 392 من قانون العقوبات أيضا، نصّت على الحبس مدة لا تزيد على 3 سنوات لكل من أغرى شخصا بممارسة التسول أو العمل القسري أو الاستغلال الجنسي الذي يُعد من المتاجرين بالبشر وفق المادة 1 من قانون مكافحة الاتجار بالبشر الذي حدد أيضا عقوبات بالحبس المؤقت مع دفع غرامة مالية لا تقل عن 5 ملايين دينار (3400 دولار) ولا تزيد على 10 ملايين دينار (6800 دولار).
بدورها، تقول الناشطة المدنية والاجتماعية العراقية سارة جاسم، إن شمول المتسولين برواتب الرعاية الاجتماعية ليس حلاً جذريا ولا منطقيا لظاهرة التسول، حيث إن أغلب المتسولين تقف خلفهم عصابات منظمة تستغل هذه الفئة من المجتمع، وتجب مكافحة هذه الشبكات المافياوية قبل وضع مثل هذه الحلول الجزئية لهذه الفئات التي تتعرض للاستغلال.
توفر لهم مبالغ "خيالية" تعوض مبلغ الرعاية الاجتماعية في يوم واحد فقط
وتكشف، إن الكثير من المتسولين اعتادوا على هذه الممارسة، والتي توفر لهم مبالغ خيالية تعوض مبلغ الرعاية الاجتماعية في يوم واحد فقط، ولهذا فالانتظار شهريا للحصول على هذا المبلغ لن يرَوه مجديا لهم.
وتبين، "لذا ينبغي أولا مكافحة من هم خلف انتشار هذه الظاهرة من مستغلي المتسولين ومبتزيهم، وكذلك توفير أماكن تأهيل وإرشاد لهم ومنح قروض تغنيهم عمّا كانوا يجنوه من التسول، وعزل الأطفال منهم للتمكين والتقويم والتعليم، ووضع قانون صارم لمعاقبة مَن يعود للتسول ثانيةً".