العنف الأسري في العراق: قرابة 14 ألف دعوى منذ بداية 2024 وهذه إحصائيات السنوات السابقة
انفوبلس/ تقرير
يشهد العراق ارتفاعا "غير مسبوق" في حالات العنف الأسري وغالبية هذه الحالات تقع ضد النساء والأطفال وكبار السن حيث يتم تعنيفهم وتعذيبهم في ظل عدم وجود قانون رادع يحفظهم من تلك الاعتداءات، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على الإحصائيات التي كشفتها وزارة الداخلية اليوم الأحد 9 حزيران/يونيو 2024.
تسجل محاكم التحقيق المختصة بقضايا العنف الأسري في البلاد، العديد من حالات الاعتداء الجسدي واللفظي على النساء وخصوصا المتزوجات منهن ولأسباب مختلفة فيما تكون النسبة أقل من ذلك عند الأطفال وكبار السن.
*إحصائيات الداخلية
وفي أرقام "مرعبة"، كشفت وزارة الداخلية العراقية، اليوم الأحد 9 حزيران/يونيو 2024، تسجيل قرابة 14 ألف دعوى عنف أسري خلال مدة خمسة أشهر في عموم مناطق ومدن البلاد.
إذ قال المتحدث باسم الوزارة العميد مقداد ميري في بيان تلقت شبكة "انفوبلس" نسخة منه، إنه "سجلنا خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام 13857 دعوى عنف أُسري مختلفة"، مشيرا الى أن "الاعتداء البدني كان هو الأعلى نسبة بين هذه الدعاوى".
وبحسب تحليل رقمي، لفريق شبكة "انفوبلس"، فقد تبين – بحسب الأرقام التي كشفها العميد مقداد ميري – أن العراق يسجل شهرياً أكثر من 2700 دعوى (2771)، وأكثر من 90 دعوى في اليوم الواحد (92)، وقرابة 4 دعاوى في الساعة الواحدة (3.8).
73% حصة الإناث مقابل 27% للذكور
كما أعلن العميد ميري، عدد حالات العنف الأسري المسجلة في العراق خلال الـ5 سنوات الماضية، بالقول إنه "شكَّل عدد الإناث المتعرضات للعنف الأسري نسبة 73% خلال الخمس سنوات الماضية، بينما الذكور نسبة 27%".
وتستجيب الشرطة المجتمعية للعديد من المناشدات التي تصلها عبر الخط الساخن والدعاوى المحالة إليها من محاكم العنف الأسري إلا أنها لا تعالجها معالجة حقيقية في ظل القانون الذي يعاقب المُعنَّف بعقوبة مخففة مع غرامة مالية لا تتناسب مع الجرم الذي قام به.
*إحصائيات العام الماضي 2023
وبحسب مجلس القضاء الأعلى، فإن العراق سجل (18436) دعوى عنف أسري خلال 2023، حيث سجلت محكمة استئناف بغداد الكرخ ورود (3221) دعوى، تلتها استئناف النجف بـ(2442) دعوى وبعدها كربلاء بـ(2798) دعوى عنف أسري وتباعا لبقية الاستئنافات في كافة المحافظات. وتشير إحصائية العنف الأسري أن هذه الدعاوى شملت دعاوى العنف الأسري للرجال والنساء وكذلك الأطفال.
وفي تعقيب للقاضي ناصر الموسوي بشأن بروز دعاوى العنف الأسري، أوضح أن "المجسات الرقمية التي سجلتها إحصائية مجلس القضاء الأعلى بحسم (18436) دعوى تختص بجرائم العنف الأسري لعام 2023 تؤشر مؤشرات خطيرة أهمها أن هناك إفرازات لظاهرة العنف الأسري اجتماعيا فقد تحولت من ظاهرة ذات نمط مجتمعي ناشئ عن تفاعل سلوك الجماعة داخل الأسرة، إلى مشكلة اجتماعية تهدد منظومة التقاليد والأعراف الاجتماعية التي هي نتاج تعاليم دينية وأخلاقية وتقاليد تواتر عليها المجتمع فاكتسبت إيجابيتها من الاعتياد والقبول".
وأوضح، إن "وجود العنف الأسري كظاهرة إجرامية متسلسلة بخط بياني تصاعدي يهدد بشكل او بآخر البناء الاجتماعي السليم للأسرة والمجتمع، والأمر بحاجة الى معالجات وقائية تستدعي تشكيل منظومة عمل للحد من تفاقم هذه المشكلة وذلك عن طريق سَن قانون للعنف الأسري يكون للدور الوقائي والتأهيلي أولوية في نصوص القانون بل هدفا ضروريا يسعى القانون لتحقيقه ويكون مستوعبا للراهن الحياتي الجديد للأسرة والمجتمع، وعلى السلطة التنفيذية بدوائرها المختصة ومنظمات المجتمع المدني مع الفاعل المجتمعي دور كبير في إنتاج سياسات تنفيذية لمنظومة العمل الوقائي، فالمشكلة بحاجة إلى حلول واقعية مُمنهجة وسريعة للحد من استشراء هذه الظاهرة والحيلولة دون وقوعها".
وتُتيح المادة 41 من قانون العقوبات للزوج والآباء والمعلمين حق التأديب في حدود الشرع والقانون، بحسب الخبير القانوني علي التميمي، منبهاً إلى أن "نص المادة المذكورة فضفاض يُساء استخدامه ويجعل المحكمة مُقيّدة في المساءلة، وتم الطعن في هذه المادة أمام المحكمة الاتحادية لمخالفتها المواد 14 و29 و30 من الدستور لكنها رُدَّت".
ووفقاً لإحصائية أعلنها مجلس القضاء الأعلى في العراق، شهد عام 2022 تسجيل 21 ألفا و595 قضية عنف أسري في محافظات العراق (باستثناء إقليم كردستان)، ارتُكبت ضد الأطفال والنساء وكبار السن، و22 ألفا و365 حالة عنف أسري سُجلت في محافظات العراق (باستثناء إقليم كردستان) لعام 2021، بينها ألف و141 حالة عنف ضد الأطفال، 18 ألفا و602 حالة ضد النساء وألفان و622 حالة ضد كبار السن.
ومنذ العام 2020، أقرّ مجلس الوزراء العراقي مشروع قانون "مناهضة العنف الأسري"، وأرسله إلى البرلمان، لكن القانون لم يُقَر حتى الآن بسبب معارضته من جهات سياسية في البرلمان، خصوصاً تلك المنتمية إلى أحزاب دينية، رأت أن القانون فيه مخالفة شرعية، وأنّه سيؤدي إلى حدوث تفكّك أسري، ولجوء إلى القضاء من الزوجات والأطفال ضدّ ربّ الأسرة.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) قد حذرت من تبعات العنف المتمادي ضد الأطفال العراقيين، والذي يبلغ مستويات خطيرة، حيث ذكرت المنظمة في تقاريرها أن أربعة من بين كل خمسة أطفال في العراق يتعرضون للعنف والضرب.
*أسباب العنف الأسري
يرى مختصون بالجانب النفسي أن أسباب العنف الأسري ناتجة عن الوضع الاقتصادي الذي تعانيه الأسرة وعدم قدرة الزوج على تلبية متطلبات الحياة، فضلا عن الاستخدام الخاطئ لمواقع التواصل الاجتماعي وتناول المشروبات الكحولية وتعاطي المخدرات.
وتشير منظمات حقوقية إلى أنواع عديدة من العنف ضد النساء في العراق، إذ يشمل العنف الجنسي والجسدي، والعنف الأسري، والاتجار بالفتيات، وزواج القاصرات، وجرائم الشرف، في حين يتعرض بعضهن لشتى الاعتداءات من قبل أزواجهن ولا يلجأن الى القضاء بسبب المخاوف من المساءلة من قبل الأهل والعشيرة، إذ إن ذلك يكون مرفوضا داخل البيئة العشائرية.
*قانون الأسرة المناهض للعنف
دعا العديد من الحقوقيين والمختصين في علم النفس مؤخراً إلى ضرورة تشريع القانون المناهض للعنف الأسري والذي يحافظ على الأسرة من الضياع؛ إذ ازدادت مؤخرا حالات الانتحار بسبب التعنيف الجسدي واللفظي.
وبيّن الخبير القانوني، علي التميمي، أن "مشروع القانون جمع المواد المبعثرة في قانون العقوبات العراقي وقانون الأحوال الشخصية وقانون رعاية الأحداث ورعاية القاصرين، وهذه خطوة إيجابية يمكن من خلالها تسهيل عملية تطبيق القانون عندما يُشرَّع".
وأضاف، إن "القانون يحتاج إلى أن يتناول الجوانب النفسية المؤدية إلى الجريمة ووضع الحلول لمثل هذه الجرائم بعيدا عن التقاليد"، مشيراً إلى أن "البرلمان بحاجة إلى مختصين بعلم النفس قبل التشريع لأن أكثر جرائم الأسرة نفسية اجتماعية وفي حال مراعاة هذا الجانب سيكون حاجزا مانعا لوقوع الجريمة".
وتابع التميمي، إن "مشروع القانون يحتاج إلى أن يعمل على الحفاظ على الوشائج الأسرية وأن يكون القانون بصبغة عراقية خالصة بعيدة عن الاستنساخ من قوانين أجنبية"، لافتا إلى أنه "لا يمكن أن يسمح القانون للابن أن يشتكي على أبيه وبذلك لا تكون الحياة الأسرية طبيعية بعد ذلك ويجب أن يركز على الحلول المسبقة".
بدوره، قال رئيس الجمعية النفسية العراقية، قاسم حسين، إن "القانون العراقي عرّف العنف على أنه كل فعل أو امتناع عن فعل أو التهديد بأي منها ويُرتكب داخل الأسرة ما يترتب عليه ضرر مادي أو معنوي وما يعيب التعريف أنه موجز وضبابي إذا ما قارناه مع تعريف الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية".
وأضاف، إن "القانون لم يقدم تعريفاً موفقاً للعنف الموجه من قبل الرجل للمرأة غير عبارة في الأسباب الموجبة في النص ووقاية المرأة من الأفعال التي تشكل عنفاً بأشكاله المختلفة ما يستوجب السعي الحثيث ومعاقبة مرتكبيها".
وأكمل، إن "العنف الشائع في الثقافة هو واحد إلا أن أنواع العنف الأسري متعددة؛ أولها العنف الجسدي الذي يلحق الضرر بجسم الضحية وقد تصل للقتل، والعنف الجنسي الذي يرغم المرأة على أفعال شاذة وغير مقبولة، فضلاً عن العنف النفسي والتي غفلها القانون العراقي".
من جهتها، قالت الاختصاصية النفسية شهرزاد العبدلي، إن "من أسباب تزايد حالات العنف في العراق الظروف السيئة التي مرَّ بها البلاد من حروب ونزاعات مسلحة فضلاً عن التهجير والظروف الاقتصادية الصعبة؛ لارتباط العنف بالحالة النفسية".
وتابعت العبدلي، إن "هناك العديد من أوجه التعنيف ولا يقتصر على الجانب البدني وقد يتعدى لأوجه أخرى مثل التعنيف النفسي والجنسي وحتى الاقتصادي في حال حرمانهم من المال أو إجبار الأطفال على العمل تحت ظروف صعبة، فضلاً عن استغلال الأطفال والبنات في تجارة الجنس من أجل الأموال".
وأشارت إلى، أن "ضعف القوانين التي تردع المُعنِّف خاصة في مناطق جنوب العراق مشيرة إلى أن القوانين في كردستان العراق هي أفضل ولو بشيء قليل ألا أنه يحد من هذه الظاهرة، فضلاً عن وجود عادات وتقاليد تمنع الطفل من تقديم شكوى على أبيه في حال تعرض للعنف".
*أبرز الحلول
يرى أغلب الباحثين في هذا الجانب أن على الحكومة العمل الجاد للحد من العنف الأسري داخل الأسرة وإقامة ورش توعوية وتعليمية وتثقيفية لتوعية وإنارة عقول المواطنين للتخلص من هذه الظاهر السلبية والتي باتت تثقل كاهل الأسرة والمجتمع بالإضافة الى تشريع قانون أكثر صرامة وعقوبة رادعة.
فيما يرى البعض الآخر أن على الحكومة توفير مصادر الدخل والقضاء على الفقر داخل الأسر والحد من انتشار المخدرات لأنها مرتبطة ارتباطا وثيقا باعتداءات العنف الأسري.
في نفس الوقت، توجد في وزارة الداخلية، مديرية لحماية الأسرة والطفل من العنف الأسري، تعمل منذ عام 2010 وافتتحت مقرات لها في جميع محافظات العراق في العام 2012.