القائد مهدي الكناني وتاريخ لا يُمحى.. هكذا قاتل الاحتلال الأميركي وقارع البعث وتصدى لقوى الظلام.. إليك تفاصيل معركته الأخيرة
انفوبلس/ تقارير
تصادف اليوم الذكرى السنوية التاسعة لاستشهاد القائد الكبير مهدي الكناني الذي أذاق المحتل الأميركي الويل، سبقه بمقارعة مشرفة للنظام المباد، أعقبها بمواجهة خالدة لقوى الظلام في البلاد. انفوبلس استذكرت الشهيد القائد بهذه المناسبة وفَصّلت أهم المحطات في حياته الجهادية وكذلك معركته الأخيرة التي عرَج فيها إلى السماء وكيف كان في طليعة مقاتليه، كذلك سلطت الضوء على تاريخه المشرف في مواجهة الاحتلال الأميركي وحادثته التاريخية في "الأورفلي".
*سيرته ومقارعته النظام المباد
وُلد الشهيد الحاج مهدي الكناني في مدينة الصدر ببغداد عام 1965 ونشأ وترعرع فيها مع أُسرته ليفتح عينيه على أحداث وقضايا هامة مرت على مدينته المعروفة بأنها مصنع الأحرار والثوار.
عُرفت أُسرته بعدائها الشديد للنظام البعثي المباد وتنفيذها لعمليات جهادية ضد هذه الزمرة المجرمة فكان أخوه (عبد الهادي الكناني) مُلاحَق في كل الأيام بسبب عملياته ضد النظام لحين استشهاده على أيديهم الغادرة عام 1998م بعد أن أوجعهم بعملياته الجهادية الشجاعة التي قضى فيها على كبار قيادات البعث والأمن الصدامي من أمثال المقبور (فلاح الفلاحي) مدير أمن مدينة الصدر آنذاك.
فبعد استشهاد المرجع السيد الصدر الثاني تشكلت عدة مجاميع للثأر من النظام الصدامي المباد على جريمته بحق المرجع الصدر “رض” ومن هذه المجاميع مجموعة في منطقة الرشاد بغداد بقيادة شخص اسمه (سيد محمد) والتي كانت تضم الشهيد هادي الكناني شقيق الشهيد مهدي الكناني وأيضاً فاضل الكناني ومحمد زيطة.. إلخ وقامت هذه المجموعة بعمليات جهادية كثيرة ضد النظام البعثي المباد، وبلغ إخلاص أعضاء المجموعة حداً أنهم كانوا أحياناً يبيعون أثاث بيوتهم لأجل توفير ثمن الأسلحة التي يقاتلون بها أزلام النظام. وبعد فترة أُلقي القبض على قائد هذه المجموعة “سيد محمد” وأيضاً “فاضل الكناني” وتم التوصل بعدها إلى أسماء أعضاء المجموعة فأُلقي القبض على أغلبهم وتم إعدامهم ومنهم الشهيد هادي الكناني شقيق الحاج مهدي .
وكان الحاج مهدي خلال تلك الفترة كثير التنقل والتحرك بسبب استهدافه من قبل سُلطات البعث المباد ولتنفيذه عمليات عديدة ضدهم أوجعتهم وأقضّت مضاجعهم .
*في رحاب مرجعية الشهيد الصدر (رض)
في منتصف تسعينيات القرن الميلادي الماضي تعرّفت أُسرة الحاج مهدي على مرجعية شهيد الجمعة آية الله العظمى السيد مُحمد الصدر “رض” وذاب في أجوائها الإصلاحية الثائرة ضد الظلم والفساد والطغيان.
واستمرت هذه العلاقة وتعمّقت عندما كان يحضر صلاة الجمعة في مسجد الكوفة المعظم في النجف الأشرف بإمامة الشهيد الصدر.
وبعد استشهاد السيد الصدر في شباط 1999م استمر الحاج مهدي بجهاده ونشاطه الثوري متخذاً خطى الشهيد الصدر منهجاً له في مقارعة الظلم والظالمين فكانت له صولات وجولات في تنفيذ عمليات بطولية ضد البعثيين الأرجاس.
*تاريخه بمواجهة الاحتلال الأميركي
بعد احتلال العراق في نيسان 2003، كان للحاج مهدي مواقف تأريخية يُسجلها التأريخ بسطور من ذهب، ومثال ذلك ما قام به من مواجهة مباشرة مع جنود الاحتلال الأمريكي وضربه لهُم بقبضات يده وانتزاعه سلاح رشاش من أحد هؤلاء الجنود.
ففي حادثة الاعتداء على راية الإمام المهدي “عج” بمدينة الصدر جاءت قوة من جيش الاحتلال الأمريكي إلى مكتب المرجع الشهيد الصدر في مدينة الصدر حدثت خلالها مشادات كلامية تطورت إلى تضارب وتدافع بالأيدي فما كان من الحاج مهدي الكناني خلال ذلك إلا أن يفاجئ جنود الاحتلال بضربه أحدهم ضربة شديدة أفقدته تركيزه ثم استولى على سلاحه الرشاش وهرب به ليُشتت انتباههم ويفرق تجمعهم عن المكتب (وهو نفس السلاح الذي أهداه لاحقاً للأمين العام الشيخ قيس الخزعلي في حفل افتتاح مكتب ممثلية الرصافة عام 2012م)
كما أنه من أوائل المؤسسين للـ(المجاميع الخاصة) المقاومة للاحتلال (والتي تحول اسمها فيما بعد إلى عصائب أهل الحق) وكانت لهُ عمليات يذكُرها أهالي بغداد في دكّ حصون وقواعد الاحتلال الأمريكي .
ومن أدواره أيضا في فترة الاحتلال ما قام به بعد دخول قوات الاحتلال التي تعمّدت تسهيل حدوث الفوضى وعمليات السلب والنهب بسبب عدم وجود أي سلطة تتصدى لحماية الممتلكات والأبنية العامة للدولة آنذاك، فحدثت عمليات نهب وسلب واسعة وعلنية بحجة عائديتها للنظام البعثي المباد رغم نداءات مراجع الدين بحرمة التعامل مع هذه المواد وضرورة إرجاعها، إلا أن ذلك لم يؤثر فيهم كثيراً فما كان من الشيخ قيس الخزعلي مدير مكتب المرجع الشهيد الصدر “رض” في بغداد آنذاك إلا أن يجتمع مع مجموعة من الشباب المؤمن لمعالجة هذه المشكلة التي سهلت حدوثها قوات الاحتلال فتم توجيه النداءات للأهالي بضرورة إرجاع هذه الممتلكات فلم تحصل الاستجابة الكافية، يومها اقترح أحد الإخوة أن يكلف الشهيد مهدي الكناني بهذه المهمة الحساسة لأن الناس تهابه وتخشى غضبه، وفعلاً وبعد أن تصدى لمهمة إرجاع مُمتلكات الدولة نجح بإعادة كميات كبيرة منها للدولة بفضل شجاعته وحكمته".
*حادثة الأورفلي
وفي إحدى المواجهات مع قوات الاحتلال الأمريكي بمنطقة الأورفلي ببغداد واجه أفراد المقاومة صعوبة في ضرب آليات الاحتلال لكونها كانت متمركزة في منتصف الشارع بما يتيح لها سهولة استهداف أي هدف يقترب منها فما كان من الحاج مهدي إلا أن يتصدى لهذه المهمة لوحده عندما أحضر قطعة سيارة معدنية كبيرة قام بدحرجتها شيئاً فشيئاً حتى تمكن من ضرب آليات الاحتلال بدقة ودمرها بالكامل بقذائفه.
وفي انتفاضة النجف الأشرف ضد الاحتلال الأمريكي عام 2004 تولى الحاج مهدي الكناني مسؤولية آمرية جيش المهدي في النجف الأشرف وقام بالعديد من العمليات الموجعة ضد قوات الاحتلال ومنها إمطاره لقوات الاحتلال التي كانت تتمركز في ديوان مُحافظة النجف الأشرف بوابل من قذائف الهاون عيار 60 و20 ملم وأيضاً قيامه بإسقاط طائرة مروحية هيليكوبتر مُقاتلة للاحتلال الأمريكي أسقطها بنفسه قرب مُستشفى الحكيم والتي تناقلت صورها بعد سقوطها الفضائيات ووسائل الإعلام آنذاك.
وبعد انتهاء انتفاضة النجف الأشرف تحول شكل مُقاومة الاحتلال إلى استراتيجية حرب العصابات التي تقل فيها الخسائر البشرية في المقاومة وتم التفرق إلى مجاميع تتكون كل مجموعة من 5 خمسة أفراد وكانت المجموعة التي بقيادة الحاج مهدي تُعرف بمجموعة (الحديدة) لصلابتها وقوة بأسها.
وبعد أن ذاع صيت الحاج مهدي ودوره في العمليات الموجعة ضد الاحتلال الأمريكي أصدرت قوات الاحتلال أمراً بإلقاء القبض عليه مع مجموعة من المقاومين من المجاميع الخاصة ووُضعت صورهم الكبيرة في شوارع بغداد مع جوائز لمن يقبض أو يدل عليهم، فكان ورغم ذلك الحاج مهدي الكناني يقوم بالتجول بنفسه في شوارع بغداد نهاراً ويتفقد إخوانه المجاهدين.
وبعد خروج قوات الاحتلال من العراق بدأت عصائب أهل الحق بافتتاح مكاتب ممثليات لها فتم تكليف الحاج مهدي الكناني بالإشراف على مكتب ممثلية الحركة في الرصافة ولكنه رفض الاستمرار بهذه المُهمة فكان يقول بأنه لا يحب أن يجلس على الكرسي والمكتب لأنه خُلق للجهاد والنضال.
*جهاده في سوريا
كان الحاج مهدي الكناني بحق فارس الشام ومغوارها وسيف العباس “ع” الذي أجلى الكرب والخطر عن حياض المقدسات هُناك سيما مرقد الحوراء زينب “ع” بعد أن تكالبت قوى الثالوث المشؤوم والاستكبار العالمي عبر أدواتهم الموتورة المريضة من التكفيريين والطائفيين الذي هددوا بوقاحة وخسّة بأنهم سيهدمون مرقد السيدة زينب “ع”. فكان الحاج مهدي الكناني ومجموعته هي أولى المجاميع التي تصدت لهذه التهديدات حتى أنه في الفترة الأولى بقي هناك أكثر من ستة أشهر دون أن يعود لأهله ولو ليوم واحد حتى اطمأن من تأسيس خطوط دفاعية قوية بإمكانها الصمود ضد أي هجوم على المرقد الزينبي المقدس .
ويروي أحد المجاهدين أنه في يوم من الأيام بينما كان الثلج في سوريا يتساقط بوفرة والجو بارد جداً كان الحاج مهدي جالساً يُراقب بنفسه تحركات ونشاط العدو في منطقة مهمة وحساسة عسكرياً وعندما كان يُقال له لماذا لا تعود للمقر وتستريح لفترة ونحن نحل مكانك فإنهُ يُجيب.. إنني أعطيت عهداً للسيدة زينب “ع” أنني لن أبرح من مكاني هذا إلا بعد ثلاثة أيام وهو ما حصل فعلاً.
*استشهاده وتفاصيل معركته الأخيرة
بعد تدنيس زمرة “داعش” التكفيرية للموصل والمناطق الأخرى في 10/ حزيران/ 2014 انبرت عصائب أهل الحق كباقي الفصائل المقاومة الأخرى لهؤلاء من شذاذ الآفاق فكان الحاج مهدي الكناني القائد الميداني العسكري الأقرب إلى خطوط العدو مُتشوقاً إلى نيل شرف الشهادة بعد تلقينهم دروساً كبيرة في مقاومة كل ظلم وفساد فكانت بصماته عميقة وبارزة في العديد من معارك المواجهة مع العصابات التكفيرية كما في منطقة جرف النصر وآمرلي والمقدادية والعظيم وإبراهيم بن علي والكرمة.. إلخ.
وعندما بدأ عزم وتخطيط عصائب أهل الحق على البدء بتطهير مناطق شمال سامراء المقدسة والثأر لشهداء مجزرة سبايكر ضمن عمليات أُطلق عليها (عمليات تطبيق العدالة) كان الحاج مهدي الكناني بحق مُهندس خططها والمشرف عليها ميدانياً بنفسه.
وما إن حانت ساعة الصفر لتحقيق العدالة حتى أسرع الشهيد الكناني إلى زيارة الإمامين العسكريين “ع” مع إخوانه القادة والمجاهدين واستعجل الاقتراب من الأعداء شغفاً بتحقيق إحدى الحُسنيين النصر أو الشهادة.
وفي صبيحة يوم 4/ آذار/ 2015 خرج الشهيد الكناني مع الشهداء القادة الحاج مكي الجمّالي (أبو صدّيقة) والحاج نوري الحريشاوي (أبو زهراء) وآخرين لاستطلاع تحركات العدو وعندما اقترب كثيراً من مناطقه أصاب التكفيرين الرُعب الشديد من جُرأتهم في الوصول إليهم إلى هذا الحد فتوجّه نحوه انتحاري يقود شاحنة صهريج مُدرعة ومُسرعة جداً مليئة بمواد شديدة الانفجار لتستهدف الآلية العسكرية التي كانت تَقِلّه مع إخوانه القادة المجاهدين فتحقق أمنيتهم وفازوا بالشهادة على يد شر خلق الله تعالى .